مقولة الضرورة القرآنية: أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون!

محمد سرتي
mgodsons@yahoo.co.uk

2018 / 1 / 5

فالرجوع ليس غاية لذاته، وإلا دخلنا في دائرة العبث. بل تكمن الغائية في رحلة الذهاب والرجوع نفسها (الخلق)، بجملتها وتفاصيلها الجدلية (كل يوم هو في شأن). ووظيفية الخطاب القرآني، كجزء من هذه التفاصيل، دوزنة الوعي سيمانطيقياً نحو: أولاً اليقين بخلود النفس المفردة، ثانياً الوعي بمسئوليتها تجاه النفس الكلية (الكون والحياة)، مسئولية تنتفي من خلالها عبثية الوجود/الخلق (وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين).
معنى أن ينفي الخطاب القرآني العبثية واللعب عن فحوى الضرورة بتفاصيلها الجدلية، بخيرها وشرها، ليس إقراراً بجبريتها فحسب، بل وإقرار بقدسيتها كذلك، بقدسية شرها وخيرها على حد سواء (قل كل من عند الله). وما ظاهر الاختيار والتكليف والوعد والوعيد سوى جزء من نظام دوزنة الصيرورة نحو (ترجعون).
رباط الضرورة الجنة (السعادة). أي السعادة غاية الرجوع العظمى. أما غاية رحلة الذهاب والرجوع (الخلق) فهي الفرز (فريق في الجنة وفريق في السعير). والفرز، مهما حاولوا إخضاعه لمفهوم العدالة البشرية، يبقى في نهاية المطاف اصطفاء إلهياً.
لا تملك سوى اختيار قدرك، ولكن قدرك هو الذي اختارك، فهو تجنيد إجباري، والجندي لا يملك خياراً في الحرب، يملك فقط أن يخوضها حتى النهاية، بصرف النظر عن شكل تلك النهاية (قل كل من عند الله).
دوزنة الصيرورة، أو ضبط إيقاعها على المطابقة بين فحوى الضرورة والفحوى الميتافيزيقية العظمى (الجنة) ظاهره، كما ذكرنا، خطاب الاختيار والتكليف والوعد والوعيد والولاء والبراء..... وباطنه (ماهية الشريعة) معرفة موضع الفرد بين قطبي الفرز عبر مقياس درجة تمحوره حول ذاته (لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور).
فهل السعير إذاً سوى شريعة الغاب (الفردية)؟! وهل يمكن لأهل الفردية (السعير) أن يشعروا بالسعادة في الجنة؟ أم بالملل؟ أوليسوا هم في سعيرهم أكثر سعادة! (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر).



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن