الكُلّ الإجتماعي بين هيجل وماركس

أحمد محمد منتصر
Ahmedmonty442@gmail.com

2018 / 1 / 1

بالطبع الإطلاع الجيد علي فلسفة السيدان الكبيران هيجل وماركس أمرٌ ضروريٌ ، لكن ترجمة تلك الحصيلة النظرية لن يتأتي إلا بالإختبار العياني للمواقف المُتبناة.
وإستعراض المواقف الكبري الذي يُحيلك بالطبع لتفنيد الأساس الفلسفي الذي تنبثق منه تلك المواقف.
ولعلّ لنا وقفة هنا علي تناول مفهوم " الكُلّي الإجتماعي" عند كلٍ من السيدين هيجل وماركس من خلال موقفين من الممكن أن يراهم التناول الشكلي موقفاً واحداً ، لكن بالرجوع للإحالة الفلسفية والبنية التحتية للفكر نجد إختلافاتٍ جوهرية عديدة ، ولاسيّما أن تلك الإختلافات هي التي أخرجت ماركس من عباءة أستاذه الفلسفي : هيجل.
*في تقرير هيجل المنشور لعام ١٨١٧ عن مناقشات ولاية فورتمبرج ، حيث أضحت فورتمبرج مملكة مستقلة إثر قانون وضعه نابليون ، في هذا التقرير يتبنّي هيجل دفاعاً حاراً عن التوجّه الذي عرضه الملك بدستور يضم الأقاليم التي اكتسبت إستقلالها حديثاً إلي الدولة الأصلية بغرض تكوين كُلّ إجتماعي وسياسي ومركزي.
*في مقالةٍ لماركس أثناء إحتلال المملكة البريطانية للهند ، تبنّي ماركس تبريراً واضحاً للإحتلال -ليس بوصفه إحتلالاً تسلّطياً نفعياً- ولكنّ بغرض تكوين أيضاً كّلّ إقتصادي مركزي يتماشي مع توجّه النسق العالمي في التحوّل للنمط الرأسمالي ، حيث رأي ماركس أنها خطوة لإدماج طرف متأخر إلي قلب المنظومة الوليدة الحديثة ، بالتسريع الإنتاجي والتطور الصناعي وفتح أسواق جديدة تنخرط فيها الأطراف بالمركز الرأسمالي الأم : بريطانيا.
بعد أن عرضنا الموقفين الذين يُشيرا إلي موضوعة العرض "الكُلّ الإجتماعي عند السيدين هيجل وماركس" نستتبع بتحليل الموقفين علي حدة.
فعند هيجل نجد أن تقريره يرتكز علي ثلاث نقاط جوهرية : الدولة وتعريفه لها ، الحق الطبيعي ، الملكية بكونها إرادة حُرة.
فلقد كانت سيادة الدولة في نظر هيجل أداة ضرورية للمحافظة علي مجتمع الطبقة الوسطي ، ذلك لأن الدولة ذات السيادة تُزيل عنصر المنافسة الهدّام من الأفراد وتجعل المنافسة مصلحة إيجابية للحقيقة الكلية.
والنقطة التي ينطوي عليها رأيه هذا هي أنه حين يقتضي النظام الإجتماعي أن يتوقف وجود الفرد علي التنافس مع الآخرين ، يكون الضامن الوحيد لتحقيق المصلحة المشتركة علي نطاق محدود علي الأقل هو وضع حريته في إطار لا تتعداه ، داخل النظام الكلي للدولة.
إنّ هيجل كماركس كان يعي جيداً إستحالة أن تولد مصلحة مشتركة من الصراع الحاد للمصالح الخاصة والجزئية التي هي أساس العلاقات داخل المجتمع ، فالتجأ إلي فرض الكُليّ علي الجزئيات ، رغماً عن إرادتها إذا لزم الأمر ، وهذا مكمن تناقض جليّ سيضع هيجل نفسه بداخله حين يناقش مجتمع تحقق العقل الحقيقي الذي ينتظره أن ينشأ من فرض الكُليّ علي الجزئيات ، من شلّ إرادة العقل الفرد رغماً عنه إذا لزم الأمر مثلما يقول!
أما ماركس -ابن الطرح الموضوعي الواقعي- كان يُجابه قوي الصراعات والتناقضات بقوي تنشأ من جرّاء تلك العلاقات ، قوي بتطورها الجمعي الذي يُضفي علي ذاتيتها وعياً نحو حريّتها تتشكّل في صراع ، قوي تتشكّل كُليّتها من جزئياتها الخاصة ، تغدو معقوليتها موضوعية ومُكتسبة بإزدياد قمعها الذيّ يولّد إصطفافها ، وإزدياد سلبها لذاتها وقوة عملها الذي يولّد وعيها.
فبينما يتشكّل الكُلّ الإجتماعي عند السيد هيجل من دولة يعلنها صراحةً بإستقلالها التام عن المصالح الذاتية للأفراد بإعتبار أن إتفاق الأفراد ما هي إلا علاقة عارضة!
نجد عند السيد ماركس أن قوي السلب التي تفرضها الدولة بكونها جهاز بالفعل مُستقلّ عن حاجات الأفراد ، إلا أنّ بإنفصاله هذا يجابه تلك القوي في إتفاق ليس بعارض مثلما أورده هيجل ، ولكنّه إتفاق جمعي مستمر بإستمرار وجود الدولة ووجود ممارستها.
هنا نأتي لفرقٍ جوهريٍ ، حيث عند هيجل تتشكّل الدولة بكونها جسد مستقل يتبنّي التوفيق بين المصالح الخاصة والعامة ، أو الجزئيات والكُلّي ، أما عند ماركس فإنّ وجود الدولة يعكس تفسّخ المجتمع وإنفصال تامٍ بين مصالح بعينها أدّي لإنبثاق قوة من داخله تفرض عليه مصلحتها الخاصة في مقابل سلب مصالحه الجزئية.
ثم يقبل هيجل لتعميد فرضيته عن الدولة بثالوث السلطة الملكية والإدارية والتشريعية ، الذين يفرضون سيادتهم علي المجتمع المدني بحجة التوفيق بين المصالح الخاصة والعامة ، وإلي جانب سيادة الدولة علي المتناقضات الإجتماعية تسود أيضاً علي الشعب الذي يعرّفه هيجل : بكونه ذلك الجزء من الدولة الذي لا يعرف ما يريد ، والذي تكون حركته فطرية عنيفة خالية من العقل.
ولمّا كانت مهام تلك السيادة أشبه بالسيادة الإلهية ، فيتطلب لها فرداً فوق المجتمع ، فرداً يتملّك من الحق الطبيعي ما يؤهله أن تنطلق الدولة من عنده ، حيث يمتلك فرديته بفضل وجوده الطبيعي لا الإجتماعي ، لا بفعل الأجهزة الآلية ، ويجد هيجل ضالته في شخص "الملك" حيث يترفّع فوق كل ما هو جزئي مشروط ، ليتخذ من أناه الخالص مصدراً لكل أفعاله ، وقد بيّن ماركس فيما بعد كيف أن العنصر الطبيعي ليس إيجابياً بقدر ماهو سلبيٌ ، فقد بيّن ماركس كيف تتخذ القوي الفوضوية للرأسمالية طابع القوي الطبيعية طالما أنها لم تصبح خاضعة للعقل البشري.
ولعلّ أوفق ما يُلخّص أطروحات هيجل تلك التي أوردها وسردها في "فلسفة الحق" ، تعليق السيد هربرت ماركيوز " بأنّ الخطأ الذي وقع فيه هيجل أبعد غوراً بكثير من تمجيده للملكية البروسية ، فجريمته ليست في كونه ذليلاً ، بقدر ماهي في كونه قد خان أرفع أفكاره الفلسفية ، حين سلّم المجتمع للطبيعة ، والحرية للضرورة ، والعقل للنزوة والهوي".
إنّ ماركس حين مرّر في مقالته إخضاع الهند لبريطانيا ، كان يُمرّر ضرورة أيضاً ولكنّها ضرورة لم يتوقف عندها بإعتبارها "مسيرة الله في العالم" علي حد قول هيجل ، ولا لأنّها حق طبيعي تقتضيه ضرورة ، ولكنّ ضرورة إدخال العنصر الحضاري والدمج في التطور الصناعي مع الإحتفاظ بحق الأفراد -الجزئيات- في تطوير وضعهم وممارسة حقهم الطبيعي في الوجود والإدارة والتملّك.
فالكُلّ الإجتماعي عند ماركس ينتجه الأفراد بمجموعهم ، فهو حصيلة إنتاجاتهم المادية والفكرية التي تتشكّل عندها لحظاتهم بإعتبارهم ذواتاً فاعلة مُشكّلين لتاريخ جنسهم الخاص



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن