قبيلة البرانس.. خاصية مجال ضمن مقدمة جبال الريف بالمغرب

ن . الابراهيمي
abdessnwig@gmail.com

2017 / 12 / 28

في كتاب حول تاريخ قبيلة البرانس لصاحبه الباحث عبد السلام انويكًة، والذي صدر قبل عدة سنوات تحديدا خلال صيف 2014 عن منشورات ومضة بطنجة في طبعة أولى بحوالي مائي صفحة من القطع المتوسط. في هذا المؤلف الذي كان سباقاً في حديثه عن هذا الكيان القبلي الثقافي والتاريخي بالمنطقة، وقيمة مضافة هامة في الخزانة التاريخية التازية المحلية ومرجعاً للباحثين والمهتمين خلال السنوات الأخيرة. نظرا لما اعتمده الباحث وجمعه واحتواه كتابه من عناوين لمراجع ومصادر تاريخية ضمن لائحة طويلة بالعربية والفرنسية اصبحت في متناول الباحثين والمهتمين بتاريخ المنطقة وقبائلها، وهو ما سهل على هؤلاء التعرف والتفاعل مع ببليوغرافيا هامة تخص هذا المجال لم يكن معروف منها الا القليل جداً. بحيث من حسنات هذا الكتاب القيم هو أنه وضع رهن اشارة الباحثين لأول مرة أرضية هامة للولوج الى ما هو مفيد من عناوين الكتب المرجعية حول تازة ومحيطها.
في هذا المؤلف تم تخصيص حيز هام للوسط الطبيعي الخاص بمجال قبيلة البرانس جمع بين الحديث عن التضاريس والمناخ والأودية والغطاء النباتي والعيون المائية والتربة وغيرها. ومن ضمن ما جاء حول الشروط والظروف الفزيائية لمجال القبيلة، الاشارة الى أن تلال مقدمة جبال الريف تقع شمال المغرب بمساحة إجمالية تزيد عن عشرة آلاف كلم2، وهي على شكل قوس ممتد أسفل حزام جبلي يُعرف بالريف. وتنتشر هذه التلال على طول حوالي 200 كلم من الغرب إلى الشرق، بدءاً من اللكوس الأعلى غرباً حتى حدود واد امسون شرقاً، أحد روافد واد ملوية بالهضاب الشرقية المغربية. ومن خصائص تلال مقدمة الريف هذه هشاشة البنية الصخرية وغزارة الأمطار ما يجعلها مجالا مهددا بالتعرية، وهي مناخيا تحتل وضعا انتقاليا بين نطاقي المحيط الأطلسي غربا والبحر الأبيض المتوسط شمالا. مما يجعلها تستفيد من الرطوبة وضعف المدى الحراري، نظرا لتراتب بنية التضاريس وتناقص ارتفاعها من الغرب إلى الشرق. واذا كانت مقدمة جبال الريف تتكون من ثلاث مجموعات الأولى غربية والثانية وسطى والثالثة شرقية، فإن قبيلة البرانس الشهيرة بشمال المغرب تستوطن هذه الأخيرة من هذا المجال. إلى جانب تشكيل قبلي آخر متنوع ومجاور أين تطغى بنية تضاريسية تلية، بمرتفعات مكونة من تربة صلصالية صفراء كثيرا ما تتعرض للتفتت والانجراف.
في هذا المؤلف تمت الاشارة الى أن مجال قبيلة البرانس يقع على علو متوسط يفوق الألف متر، تنتشر به جبال بقمم تتراوح بين 1880 و 2000 متر، تسهم في وفرة تساقطات تتباين كمياتها بين فصلي الشتاء والصيف. خاصية مناخية هي بعلاقة وثيقة مع وضع هيدرولوجي يجعل المجاري المائية بعمق معبر. ومنها واد لحضر الذي ينبع من الحدود الشرقية لمنطقة الزرارقة بعرض يصل أحيانا بحسب المواقع وتركيبة صخور المجرى الى حوالي 25 متر. وبحسب ما ورد عند بعض الرحالة الفرنسيين الذين عبروا المنطقة خلال نهاية القرن التاسع عشر، فإن مياه هذا الواد تتميز بالصفاء وتجري في مكان كثير الحصى، مشكلة في أسافلها نهاية لقبيلة مكناسة. وتصب في هذا الواد الذي يقطع قبيلة البرانس عدة روافد، منها: واد "السبت" الذي يتدفق من منطقة بني فتح ويسمى في أعاليه ب"واد جامع". واد "أهرار" وينبع من أولاد عبو (وربة) ويسقي المجال القبلي التابع لأولاد سيدة ويصب في واد لحضر على مستوى نقطة تقاطع، تعرف بنقبة باب السبت. - واد "ورتز" الذي ينطلق من مرتفعات جبلية تعرف بالقشامرة في أسفل موقع جامع الخمسين، وهو بدوره يصب في واد لحضر تقريبا في شمال مكناسة التحتية. وضمن خريطة المجاري المائية لقبيلة البرانس من الجهة الشرقية، هناك واد "الأربعاء" الذي ينبع من عين الثلاثاء ويسمى كذلك ب"واد الثلاثاء" في "اللحالحة"، و"واد اللبن" ويدعى "الواد الكبير" ونجده يمر أسفل باب العشوب ولا يأخذ واد اللبن هذا الاسم إلا عندما يتجاوز مجال "هوارة الحجر". وجميع هذه المجاري والروافد تصب في وادي ايناون الذي يصب بدوره في وادي سبو الشهير الى الغرب. وبالإضافة إلى هذه الأودية فالمجال الذي تستوطنه قبيلة البرانس بشمال تازة، يحتوي على عدد هام من المنابع المائية التي لا تتوقف عن الجريان صيفا لتسمح بعدة أنشطة زراعية بالمنطقة. وحول الانتماء المجالي للقبيلة هناك إشارات تخص ارتباطها بالريف ثم بجبالة في الشمال وفق ما ورد في تقارير لعدد من الرحالة الأجانب خاصة الفرنسيين منه، مع ما يميز مجال قبيلة البرانس من تضاريس وأودية ونباتات وأنشطة فلاحية خاصة الزيتون
وقد ورد في هذا المؤلف كذلك أن مقدمة جبال الريف شكلت منذ القدم وجهة للاستقرار البشري، بحيث ورد حول جبل البرانس في مصدر تاريخي وسيط أنه يقع على بعد خمسة عشرة ميلا شمال تازا، وتسكنه قبيلة غنية قوية تملك الكثير من الخيول ولا تؤدي أية ضريبة، ينبت كثير من القمح في هذا الجبل وتنتشر فيه حدائق وكروم العنب". وفي قراءة أخرى بطابع وصفي حول مجال القبيلة ورد في مصدر آخر أنه جبل كثير الحجارة لكنه أقل وعورة، تستخرج منه كمية من القمح وفيه عدد من أشجار الزيتون والكروم التي يصنع منها الزبيب.وتوجد فيه بساتين كثيرة تسقى من العيون المنحدرة من الجبل. ومن جملة ما جاء في الكتاب كون المساحة الإجمالية لمجال قبيلة البرانس تقدر بحوالي 1200كلم، وأنه بساكنة بلغت حوالي 2800 ن في حدود العقد الثاني من القرن العشرين بحسب اشارات الأرشيف الفرنسي.
وحول ما هو مجالي تمت الاشارة الى أن مقدمة جبال الريف التي تنتمي اليه هذه القبيلة، هي امتداد طبيعي وبشري يمكن التمييز فيه بين السهل والجبل وبين توزيع متباين في الاستقرار بحسب التركيبة التضاريسية القائمة. ففرقتي"بني بوعلة"و"وربة" مثلا ترتبطان بالجبل بينما "الطايفة"و"بني فقوص" تستقران بالسهل (الدير). وفيما يخص السلسلة الجبلية التي تبدأ من "بني وليد" (تامتراس) وتمتد عبر جبال "تايرارة" و"تادرنوس" (بني كرامة) و"تايناست"(وربة) و"هبيلة" و"أولاد حدو" حتى جبال "اكًزناية"، فهي بمثابة حدود طبيعية من الشمال بالمجال الترابي لقبيلة البرانس. ومن قمم الجبال بالمنطقة نذكر جبل الحزامات الذي يبدأ من واد لحضر حتى منطقة بني فتح وبني فقوص، وهي مرتفعات تنتمي لمجال "وربة"، جبل "هسكورة" في منطقة أولاد جرو وجبل "العلاية" الذي يستقر على سفحه الشمالي أهل "تلوان" وعلى سفحه الجنوبي فرقة "بوهليل"، وجبل "تاكوتنيت" الذي يصل ارتفاعه إلى 1040 وتسكن قبيلة بني بوعلة على سفحه الغربي وقبيلة وربة على سفحه الشرقي، وأخيراً جبل ازدم بين سيدي أحمد زروق وهسكورة.
ومن الاشارات التي وردت في الكتاب كون مجال قبيلة البرانس التي توجد في الجزء الشرقي من بلاد جبالة، هو منطقة اتصال وعبور تفصل بين مرتفعات الريف وسهول الظهرة شرقا. كانت بحسب رواية الرحالة الفرنسيين مليئا بغابات واشجار شوكية ضمن تدرج في الارتفاع من الشمال إلى الجنوب، مع انتشار واسع لأشجار الصبار التي كثيرا ما تحيط بدواوير وبدور قروية. مع أن غنى مجال القبيلة لا يقتصر على ما يحتويه السطح بل ما هو متوفر من مساحات هامة لتربة تافزة وصخور بيضاء ممتدة، كثيراً ما يتم اعتمادها لإنتاج أجود أنواع الجير الذي كان يتم تسويقه في تازة المدينة وفي أحد أسواق القبيلة الشهير بسوق الاثنين الذي لا زال قائماً محليا. ويشكل مجال قبيلة البرانس حلقة تواصل هامة بحكم تماسه مع جبال الريف شمالا ومجاورته لعدد من القبائل المحيطة. بالإضافة إلى خاصية الفجاج والمسالك الوعرة التي سمحت بنوع من المناعة الطبيعية للقبيلة، وهو ما يعني أن الخاصية الجغرافية لهذا المجال كانت حاضرة وبتأثير كبير في توجيه الأحداث التاريخية التي ارتبطت بالمنطقة، سواء في اطار تدافع قبلي بيني ومع المخزن من جهة أو أثناء ردود فعل القبائل تجاه التوسعات العسكرية الفرنسية على عهد الحماية. ولفهم تأثير عنصر المجال في تاريخ القبيلة عموما يمكن الوقوف على مخطوطات تطرقت لحرْكات مخزنية بالمنطقة، واصفة مصاعبها أثناء الفصل البارد، إضافة إلى عدد هام من الرسائل المخزنية التي تحدثت عن حرْكات جبائية بالمنطقة عانت من الصعاب نفسها. غير أن هناك كثيراً من المعطيات والإشارات التي يمكن التقاطها حول القبيلة، تلك التي أوردها عدد من الأوربيين الذين زاروا المنطقة خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر والذين خلفوا تقارير بكثير من التفصيل في هذا الاطار.
ن . الابراهيمي.. باحثة



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن