مفاجاآت تليها مفاجاآت في عالم ألف مفاجأة ومفاجأة

ميشيل حنا الحاج
michelhaj18@gmail.com

2017 / 12 / 21

في العالم بشكل عام، هناك دائما مفاجاآت. ولكن العالم العربي، وخصوصا عالم السياسة، فيه مفاجاآت أكثر وأكثر لا يعلم الا الله عددها. لكني في هذا المقال، سأكتفي بالكشف عن ثلاث مفاجاآت...ربما أربع، هي الأكثرها أهمية... في الوقت الحالي على الأقل.
المفاجأة الأولى:
============
كشفت مؤخرا المصادر الاسرائيلية، بعض الأسرار المتعلقة بالحرب في اليمن التي جرت بين الأعوام 1962 – 1967، وهي معلومات كانت في الأصل موضع تكهن بعض الكتاب والمحللين، بل واجهزة المخابرات في عدة دول عربية ودولية. كل ما في الأمر، أن هذه التكهنات والاجتهادات، قد تحولت الآن الى حقائق مؤكدة، بعد كل ما كشفته المصادر الاسرائيلية من معلومات وحقائق كانت الى حين سرية.
فالقوات الاسرائيلية، كما كشفت مصادر الأرشيف الاسرائيلي مؤخرا بعد خمسين عاما من الصمت والسرية، قد ساهمت في تلك الحرب، وذلك بمؤازرة القوات اليمنية التي كانت تقاتل القوات المصرية. وقد تم ذلك بالعديد من الامدادات اللوجستية من أسلحة وذخائر ومواد طبية. وتمت الشحنة الأولى في عام 1964، وتبعتها لاحقا عدة شحنات أخرى طوال ما تبقى من سنوات تلك الحرب.
وتروي «هآرتس» أن "أولى رحلات الإمداد العسكري إلى اليمن كانت بتاريخ 31 آذار 1964. وانطلقت من إسرائيل لتصل الطائرة سماء اليمن بعد منتصف الليل. وقد خرقت طائرة النقل الإسرائيلية بقيادة «ايريا عوز» الأجواء متجاوزة المعسكرات التابعة للجيش المصري في الميدان، إلى أن حطّت في شمال البلاد، لتنزل حمولتها المكوّنة من عشرات الحاويات المحمّلة بالأسلحة والذخيرة والإمدادات الطبية". وقد دام ذلك طوال العامين التاليين.
وتقول هاآرتس أيضا، أن السلوك الاسرائيلي قد جاء بناء على اقتراح من الحكومة البريطانية، التي اقترحت أيضا على الاسرائيليين خطة عملية تنص على قيام سلاح الجو الإسرائيلي بقصف القواعد المصرية العسكرية في صنعاء ومدينة الحديدة، "وهذا الاقتراح حظي بموافقة سلاح الجو الإسرائيلي. إلا أن رئيس الأركان في حينه، إسحاق رابين، إلى جانب رئيس الحكومة ليفي أشكول، عارضا ذلك، ما أدى إلى عدم إخراجه إلى حيّز التنفيذ."
ومما لا شك فيه، كما تعترف صحيفة هاآرتس، فإن ما قامت به تل أبيب تجاه اليمن وعبد الناصر، ساهم بشكل فاعل ومؤثر في هزيمة العرب عام 1967، بعد أن أُنهك الجيش المصري في تلك البلاد، طوال سنوات سبقت الهزيمة. وقد نفذت تلك العمليات العسكرية التي بلغ عددها 13 عملية، تحت عنوان «عدو عدوي صديقي». ويجري التساؤل الآن عن احتمال وجود تعاون اسرائيلي آخر في حرب عاصفة الحزم ضد اليمن، مع تصاعد تدريجي للأصوات التي كانت تدور الى حين همسا، حول وجوب التعاون الفعلي والعلني مع اسرائيل، في حرب أخرى قادمة...حرب ضد ايران، نظرا لتواجد المصالح المشتركة في هذا الشأن.

المفاجأة الثانية:
==========
وقد كشفتها صحيفة "وول جورنال"، استنادا لمصادر في "السي آي ايه"، مما تبين معها أنها "مفاجأة من العيار الثقيل"، كما وصفتها الصحيفة المذكورة.
فالأمير محمد بن سلمان الذي يقود لجنة لمكافحة الفساد في السعودية، والذي تحت شعار مكافحة الفساد، اعتقل لغايات التحقيق حول قضايا الفساد، 208 من الأمراء وكبار الشخصيات السعودية... قد قام مؤخرا بشراء لوحة ذات أهمية فنية فائقة، بقيمة 450 مليون دولار، بعد أن كان قد اشترى قبل فترة أخرى من الزمان، يختا بقيمة 500 مليون دولار، وكذلك قصرا فاخرا وباذخا في وسائل الرفاهية فيه، لكن لم تتسرب الى العلن كلفة شرائه التي يرجح أن تكون أيضا بالملايين. وبطبيعة الحال، لم يفسر الأمير مصادر هذه الأموال التي تجاوزت كثيرا المليار دولار.
ونقلت الصحيفة عن مصادرها، أن ولي العهد هو المشتري الحقيقي للوحة "مخلص العالم او المسيح" التي بيعت في مزاد أقامته دار "كريستيز" في نيويورك، يوم 15 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بـ450.3 مليون دولار، "لافتةً النظر إلى أن ولي العهد لجأ إلى الأمير بدر بن عبد الله بن محمد بن فرحان آل سعود ليكون مجرد وكيل في الشراء".
وقالت صحيفة نيويورك تايمز، إن الأمير محمد بن فرحان آل سعود، البالغ من العمر اثنين وثلاثين عاما، "لا يعرف عنه الكثير، وينحدر من فرع بعيد من العائلة السعودية الحاكمة، وليس له تاريخ في جمع اللوحات الفنية، ولا حتى مصدر ثراء عظيم معروف. وبما أنه شخصية غير معروفة في عالم جمع اللوحات الفنية، ولم يسمع به أحد من قبل، قام المسؤولون عن مؤسسة "كريستيز"، بإجراء العديد من التحريات للتأكد من هويته ومن قدراته المالية، رغم دفعه عربونا قدره 100 مليون دولار لكي يتأهل للمزاد". وهذا أدى الى اكتشاف أن الأمير محمد بن سلمان هو المشتري الحقيقي لتلك اللوحة.
واعتبرت الصحيفة الأمريكية أن شراء اللوحة بثمن أعلى من أربعة أمثال القيمة المقدرة لها، يشير إلى "انتقائية في الحملة على الفساد" في السعودية. فهل سيخضع الأمير محمد بن سلمان بدوره للتحقيق أمام لجنة مكافحة الفساد، أسوة بباقي الأمراء وكبار الشخصيات السعودية، لتبرير كيفية حصوله على 950 مليون دولار، أنفقت على ما يمكن اعتباره من غير الضروريات، بل ومن الكماليات... أي على يخت ولوحة فنية، مع تناسي قضية شراء القصر الجديد باعتباره قد يصنف من الضروريات لأمير قد يصبح ملكا في وقت غير بعيد؟
ولغايات الدقة والموضوعيةـ، ينبغي أن نذكر بأنه في محاولة للتغطية على ما حدث، ترددت مؤخرا أنباء مفادها بأن اللوحة الفنية موضوع البحث، ستهدى لمتحف اللوفر حديث النشأة في أبو ظبي، وكأنهم يريدون القول، بأن الأمير محمد بن سلمان لدى شرائه لتلك اللوحة الثمينة جدا، انما كان يقدم خدمة لمتحف اللوفر الاماراتي. ولكن أحدا لم يتفهم أولا سبب السرية التي أحاطت عملية الشراء تلك، ودواعي التستر ثانيا وراء الأمير محمد بن فرحان آل سعود في استكمال عملية الشراء، وثالثا الحاجة لأن يكون الأمير محمد بن سلمان هو مشتري تلك اللوحة الذاهبة لمتحف اللوفر الامارتي، وليس مثلا الشيخ محمد بن زايد، ولي العهد في أبو ظبي؟ فمن باب حسن الظن، لا بد من القول أن تلك اللوحة، ربما أريد بها أن تكون هدية السعودية لمتحف اللوفر الاماراتي حديث النشأة.
ومع ذلك، فانه ازاء البذخ في الانفاق، سواء من قبل الأمير محمد بن سلمان، أو غيره في الأسرة المالكة، يتوجب التساؤل حول ما اذا كانت قضية مكافحة الفساد في السعودية قضية جدية، أم مجرد مبرر لتحجيم خصوم الأمير محمد بن سلمان المعترضين على توليه العرش، مع مناسبة لاجبارهم على التنازل عن بعض أموالهم، لا خدمة لمصلحة الشعب السعودي، بل كخطوة نحو تكديس أموال تستخدم في حرب سعودية قادمة ضد دولة أخرى غير اليمن؟
المفاجأة الثالثة:
==========
هذه المفاجأة لا تتوقف لدى الكشف عن وجود خلافات بين الأردن والسعودية. اذ أنها تمتد لتكشف عن أحد جوانبها، وهو الخلاف حول من يحمي المقدسات في القدس الشرقية: الأردن أم السعودية؟.
فالمعروف أن الأردن هو المكرس حاميا للمقدسات في القدس الشرقية. ولكن هذه الصفة قد تزول عنه اذا تكرست القدس بشقيها عاصمة لاسرائيل، خصوصا وأن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو، قد بادر فور اعلان ترامب عن الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل، الى القول بأنه "سيضمن حرية العبادة واقامة الشعائر الدينية لكل الطوائف في القدس الشرقية"، مما وضعه في مركز حامي المقدسات الدينية.
ويقول أحد المصادر بأن قضية من يحمي المقدسات في القدس الشرقية، كانت ضمن المواضيع التي طرحت على الرئيس محمود عباس لدى زيارته السابقة للسعودية، لطرح بنود صفقة القرن عليه. فأحد المطالب التي تقدم بها السعوديون، هي قيام عباس بالغاء حق الأردن المعلن بصفته حام للمقدسات في القدس الشرقية، وبقيام عباس بمناشدة السعودية بأن يصبح الملك سلمان بن عبد العزيز، خادم الحرمين الشريفين، حاميا أيضا للمقدسات في القدس الشرقية، ليصبح خادما لكل مقدسات المسلمين الثلاثة.
وبرر السعوديون ذاك الاقتراح، بالقول أن اعتراف ترامب بالقدس بشقيها عاصمة لاسرائيل، سيجعل من الاسرائيليين، ومن نتانياهو بالذات، حام لتلك المقدسات ولحرية العبادة فيها. أما اذا قبل أبو مازن بنقل حق حماية المقدسات من الأردن الى السعودية، فانه لا الولايات المتحدة ولا اسرائيل ستجرؤان على الاعتراض على ذلك. كما أنه سيخفف من وطأة القرار الترامبي بالاعتراف بالقدس بشقيها عاصمة لاسرائيل، طالما ان خادم الحرمين، سيصبح هو حامي تلك المقدسات، وخصوصا الحرم القدسي الشريف من بينها.
وبطبيعة الحال فان الرئيس عباس لم يكن بوسعه تقبل مقترح كهذا، طالما أنه لا يلغي تماما اعتراف الرئيس ترامب بالقدس بشقيها عاصمة لاسرائيل.
الا أن هذا المطلب السعودي اذا ما تأكد حصوله، يكشف عن مفاجأة أخرى تزيل الغموض الذي رافق سر الهاشتجات والتغريدات السعودية التي ظهرت فجأة وبشكل متواصل على موقع تويتر. فتلك التغريدات التي كانت تقول على لسان مئات... بل آلاف السعوديين، بأن الرياض أهم من القدس، مما قد ...ربما، يكشف عن المفاجأة الرابعة، حيث كان المقصود من ورائها، القول بأن الرياض أهم من القدس طالما أنها (أي القدس) ليست تحت حماية سعودية...حماية خادم الحرمين الشريفين، الذي بات يرغب بأن يكون حامي المقدسات الاسلامية الثلاثه، في مكة...في المدينة...وفي القدس أيضا.
فهل تريدون مزيدا من المفاجاآت؟ .... ربما في مقال آخر قادم لا محالة، ولو بعد حين.
الكاتب والمفكر ميشيل حنا الحاج.
عضو مركز الحوار العربي الأميركي _ واشنطن.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن