ترامب والقدس: سانتاكلوز جاء مبكراً

محمد السعدنى
elsaadani5@gmail.com

2017 / 12 / 11

"لكن ترامب أحمق، وهو أحمق لأنه جاهل ويعتقد أن العالم بدأ في اليوم الذي انتخب فيه، لذا يمكن خداعه بسهولة" هكذا كتب توماس فريدمان فى افتتاحية الـ "نيويورك تايمز" الجمعة الماضية تعليقاً على قرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب باعتبار القدس عاصمة موحدة لإسرائيل. وأضاف كنت أفكر فى عنوان كتاب عن سياسة ترامب الخارجية وأخيراً وجدت العنوان:"فن الهبات" ذلك أن ترامب يتقن فن منح الهبات مجاناً، ففي تغطيتي للسياسة الخارجية الأمريكية على مدار الثلاثين عاماً الماضية فإنني لم أر رئيساً أعطى كثيراً وأخذ أقل بدءاً من الصين وإسرائيل، فقد حل عيد الميلاد مبكراً في المملكة الوسيطة في الصين وعلى أرض إسرائيل، بينما يهمس الصينيون والإسرائيليون لأطفالهم "هنا سانتا كلوز" واسمه دونالد ترامب، ولا أحد يلومهم.
وأضاف الكاتب الأمريكى المتخصص فى شئون الشرق الأوسط توماس فريدمان فى مقاله "ترامب وإسرائيل وفن الهبات" طبقاً لما نشره الكاتب إبراهيم درويش فى القدس العربى:"ومن ناحية إسرائيل فقد رغبت كل حكومة إسرائيلية منذ نشوئها باعتراف الولايات المتحدة بالقدس كعاصمة وتجنبت كل حكومة أمريكية الأمر وربطت اعترافها بالتسوية النهائية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، واليوم فعلها ترامب مجاناً، وأردف: "لِمَ بحق العالم تقوم بمنحه بهذه الطريقة ومجاناً ولا تستخدمها كورقة من أجل تعزيز منظور صفقة إسرائيلية- فلسطينية؟". وكان بإمكان ترامب الطلب من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمرين، أولا: أنت تطلب مني مرارا الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل، حسنا فلنعقد صفقة، وهذا ما أريده بالمقابل: أن تعلن نهاية الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية وخارج الكتل الإستيطانية التي يتوقع الكل أنها ستكون جزءا من إسرائيل ضمن حل الدولتين”، ومقايضة كهذه مطلوبة وقد تنتج دعماً للمصالح الأمريكية وللعملية السلمية". أما الأمر الثاني: وطبقاً لما اقترحه السفير الأمريكي السابق في إسرائيل مارتن أنديك، فيمكن لترامب القول: "أنه سيبدأ بنقل السفارة إلى القدس الغربية وفي الوقت نفسه يعلن نيته بناء سفارة موازية لدى الدولة الفلسطينية في القدس الشرقية كجزء من الحل النهائي". وبهذه الطريقة كان سيحصن الأمريكيين من الظهور بمظهر من يدعم طرفاً واحداً ويعقد العملية السلمية بينما يمكنه ترك الباب مفتوحا أمام الفلسطينيين. وبهذه الطريقة كان ترامب سيفاخر أمام الطرفين أنه قدم لهما شيئا لم يقدمه باراك أوباما لهما، ولدفع العملية السلمية وحافظ على مصداقية الولايات المتحدة ولم يحرج حلفاء أمريكا العرب، ولكنه أحمق وجاهل".
هذا مافعله ترامب بشأن القضية الفلسطينية، أما بشأن الصين، قال توماس فريدمان: "وتبدت حماقة ترامب عندما مزق في اليوم الأول له في المكتب البيضاوي معاهدة الشراكة الباسيفكية للتجارة الحرة التي وقعت عليها 12 دولة، دون حتى أن يقرأ تفاصيلها، وطلب من الصين تقديم تنازلات تجارية، ورمى ترامب النافذة الوحيدة التي يمكن للولايات المتحدة من خلالها الضغط على الصين لفتح أسواقها أمام البضائع الأمريكية، ثم عاد اليوم يحاول التفاوض مع الصين للحصول على اتفاق تجارة ثنائي مع أنه كان قادراً على التفاوض معها من خلال كتلة من 12 دولة واتفاقية تقوم على القيم الأمريكية وتسيطر على 40% من الاقتصاد العالمي. لقد تخلي ترامب عن شراكة الباسيفيك ما أدى لانهيار الثقة بأمريكا وراح الجميع ينظرون الآن للصين، ولأنها دولة ذكية فقد اكتفت بالصمت."
المقال خطير ولعله من أهم ما كتب توماس فريدمان، حيث قدم تشريحاً لحماقة السياسات الأمريكية مع هذا اليانكى الحائر الذى يسكن البيت الأبيض ويتصرف بهمجية وشعبوية يصفها الكاتب بقوله: " إن ترامب قابل لتقديم الهبات هذه لأنه لا ينظر لنفسه كرئيس للولايات المتحدة، بل يرى نفسه رئيساً لقاعدته الانتخابية، ولأنها قاعدة الدعم الوحيدة التي بقيت له، فإنه يشعر بالحاجة إلى مواصلة الوفاء بوعود غير مهذبة قامت على افتراضات خاطئة خلال حملته الانتخابية".
مالم يقله فريدمان، هو أن ترامب بعد أن ضاق عليه الخناق بالاتهامات والتحقيقات والملاحقات له ولفريقه الرئاسى، حاول الهروب للأمام، فخانته قدراته الضعيفة وخذلته مؤسساته فى حسن تقدير ردود أفعال العالم العربى والمجتمع الدولى وضمير العالم الذى رآه متجاوزاً لحدود القانون والأخلاق والسياسة الرشيدة، فثار العالم فى وجهه وضد سياساته الخرقاء، وفقدت أمريكا مصداقيتها كوسيط نزيه ما سوف يقزمها ويحد من نفوذها. مالم يقله الكاتب أيضاً هو أن ترامب كان بمثابة سانتاكلوز الذى جاء مبكراً للشعوب العربية فأشعل ثورتها وأعاد لشبابها جذوة الحماس والفعل والتأثير والغضب النبيل، وربما بدأت الأنظمة العربية تستيقظ وتعى الدرس وتعلم أن كلاب الصيد الأمريكية الهوجاء التى أحسنوا وفادتها يمكن أن تهدد أغنامها ومراعيها أكثر مما تفعل الذئاب المتلمظة. أهلاً سانتاكلوز "كنت فين من زمان"؟.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن