التنمية الإدارية وسيكولوجيا الفساد

محمد عبد الكريم يوسف
levantheartland@gmail.com

2017 / 11 / 27




( رئيس دائرة التنمية الإدارية في الشركة السورية لنقل النفط)
مقدمة
الحديث عن ظاهرة الفساد والصراع ليس أمرا جديدا لأن الفساد موجود مع البشر منذ فجر الإنسانية . وما الرسالات السماوية وغير السماوية التوحيدية وغير التوحيدية إلا حركات إصلاحية تتصدى للسلوك الفاسد في المجتمع. والفساد اليوم ظاهرة عالمية لا يخلو منها أي من المجتمعات حتى مجتمعات العالم الأول المتقدمة . لكن ما يجعل الأمر استثنائيا هو أن هذه المجتمعات تتبنى جاهدة سياسة تحجيم الفساد أملا منها بردع آثاره المدمرة والمعرقلة لتنمية المجتمع فعززت حكوماتها الشفافية وأفردت مساحات كبيرة للمساءلة وتقصي الحقائق.
علم نفس السلوك والفساد
الفساد سلوك وممارسة في المجتمع والمؤسسات العامة والخاصة والمشتركة ، وله منعكسات خطيرة على المدى القصير والبعيد على المجتمع والتنمية الادارية والتنمية المستدامة والاقتصاد الوطني بكل جوانبه المادية والمعرفية . تأتي أهمية مواجهة السلوك الفاسد من خطورة تحوله إلى عرف وتقليد يتحول إلى قانون اجتماعي يأكل المجتمع وقيمه ويعيث في سلوكه تخريبا . وكما نعلم جميعا ، يعد العرف الاجتماعي أحد مصادر القانون. تهتم التنمية الإدارية في تحليل السلوك الفاسد وفحصه وتعريته واقتراح الحلول المناسبة لمعالجته.
السلوك الفاسد
يكثر الفساد في المجتمعات التي تعاني من تحولات اجتماعية واقتصادية وسياسية . الفساد موقف اجتماعي يمارسه الصغار والكبار متى سنحت الظروف وخاصة عند غياب الرقابة الذاتية أو الخارجية ، ويظهر من خلال سلوك الأفراد في مؤسسات القطاع العام والخاص والمشترك ، ويتمثل بمظاهر سلوكية متنوعة مثل : الرشوة ، التزوير ، التحريف ، تأويل فهم النصوص القانونية ، طغيان الممارسة الشفوية على الممارسة المكتوبة ، استغلال المنصب الوظيفي ، مخالفة القوانين والأنظمة ، الاهتمام بالشكل على حساب الجوهر، عدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب ، ضعف الأداء ، الاهمال ، التأخير ، استغلال النفوذ ، التغيب عن الدوام ، التأخر في الوصول إلى مكان العمل ، الانصراف المبكر من مكان العمل وغيرها كثير. السلوك الفاسد مؤذ للمجتمع من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والمعرفية كما أنه يؤدي إلى زعزعة الثقة بالقيم الايجابية للمجتمع وهذا يقود إلى التراجع الكبير في أداء الأفراد والمؤسسات والمجتمع وبالتالي بطء كبير ومتعمد في العمليات الإنتاجية . (The Social Psychology of Corruption, Jonathan Rusch, Georgetown University Law Center, Washington DC, USA.)
السلوك الفاسد يقود إلى الاعتلال على الصعيد الشخصي وعلى صعيد المجتمع.
على الصعيد الشخصي :
يقود السلوك الفاسد إلى التخلف الأخلاقي لأنه يعمل في اللاوعي وبالتالي يرتبط كل سلوك فردي بالمصالح المادية ، ويتحكم الدافع المادي في سلوك الفرد ، وهذا يؤدي إلى تراجع المؤشر الأخلاقي عند الفرد الفاسد ويؤثر على ذواتهم وعائلاتهم ومجتمعهم والمؤسسات التي يعملون بها . كما يؤدي السلوك الفاسد إلى تفكك الروابط بين أفراد المؤسسة لأن لاوعي السلوك الفاسد يقود أصحابه للتكتل والتحزب داخل المؤسسات ، وبالتالي يغيب التآلف بين أفراد المؤسسة الواحدة . وتشير الدراسات العلمية المتخصصة في علم نفس السلوك الفاسد إلى أن هذا النوع من السلوك ينتشر بسرعة في اللاوعي تماما كما ينتشر السرطان ، ويظهر فجأة دفعة واحدة متى تسنت له الظروف. (Psychological Processes in Organizational corruption, Celia Moore, London Business School,2015)
على صعيد المجموعة ( المؤسسة )
ينتشر السلوك الفاسد في المؤسسات من خلال الشبكات الاجتماعية التي يقيمها الأفراد وتدخل النظام الاجتماعي للمؤسسة ويظهر التوق للمحاكاة في السلوك والمظهر ويصبح النموذج الفاسد مثالا يحتذى به لدى الأفراد الفاسدين وينتشر في المؤسسة تماما كما ينتشر الصدأ في المعادن أو كما تحدث عمليات الأكسدة في خلايا الجسم ومع الوقت تغيب القيم الجمالية للسلوك الحسن وتعم محلها القيم الفاسدة ويتحول الفساد إلى مؤسسة داخل المؤسسة. (Psychological Processes in Organizational corruption, Celia Moore, London Business School,2015)
تعريف الفساد:
لقد شهد عالم المال والأعمال في مختلف جوانب الحياة و المؤسسات العلمية والثقافية والتربوية والدينية والسياسية والاقتصادية والعسكرية والإنسانية فضائح فساد كثيرة تعددت جوانبها ومظاهرها وأشكالها. وفي كل مرة ، يحاول المعنيون تعريف الفساد أو إيجاد تعريف موحد له ولكن ، للأسف ، تفشل هذه المحاولات . فهل الفساد مخالفة صريحة للقانون؟ أو مبطنة ؟ أم بالنوايا ؟ وهل القانون المعمول به أساسا يحيط بكل الجوانب الأخلاقية التي تكفل تعريف الفساد ومنعه . للأسف ، ليس هناك قانون وضعي محيط لكل جوانب الحياة في كل المؤسسات والمجتمعات ، ولهذا السبب يكثر الالتفاف على القانون ويجد السلوك الفاسد دائما طريقا للنجاح والمرور ولا يُكتشف إلا بعد فوات الأوان . هناك من يقول أن الفساد هو : عدم الالتزام بقوانين المؤسسة والخروج عن روح النص القانوني (Baucus,1989,Szwajkowski,1985) وهناك من يقول بأنه الانحراف عن قوانين المؤسسة وعدم الالتزام بها (Bennett& Robinson,2003) وهناك من يقول أن سبب الفساد هو غياب قواعد السلوك للموظفين وغياب الأدبيات في المؤسسات التي تعرف السلوك الفاسد المنافي لأخلاقيات ورسالة ورؤية المؤسسة وبالتالي عدم وجود تعريف موحد ودقيق للسلوك الفاسد (Kleinig&Heffernan,2004:3) وهناك من يقول أن السلوك الفاسد سلوك ديناميكي معقد ومرن يصعب اللحاق به واكتشافه إلا بعد فوات الأوان وهذا صحيح إلا حد ما بسبب الأليات المعقدة التي تعمل بها المؤسسات .(Ashforth et al, 2008 a) و يضع قاموس أكسفورد تسعة تعاريف للفساد نذكر منها :
- التخريب
- تحطيم الترابط في المؤسسة
- انتشار الترهل والأوبئة الإدارية
- الأكسدة والتآكل في جسد المؤسسة
ومن خلال التعاريف السابقة ندرك أن الفساد مرتبط بعلم النفس والسلوك . الفساد يخرب كل شيء في الحياة كما يسبب التخلف والتراجع الأخلاقي في المجتمع ويؤثر في النفوس من دون قصد ويتغلغل بها في اللاوعي حتى يصبح عادة أصيلة في السلوك . (Tenbrunsel &Messick , 2004)
كيف يستجيب الناس للفساد :
يستجيب الناس نحو الفساد بأشكال مختلفة سنحاول أن نصنفها بأربعة مجموعات أساسية :
أصحاب الرأي والسلطة : يعتمد موقفهم من الفساد إما بالرفض المطلق أو الاستجابة الفعالة وهذا يعتمد على الحالة النفسية والتربية والثقافة والبيئة التي عاشوا بها . فإن كانوا رافضين للفساد يتجهون نحو الوقوف في وجهه وتخصيص جزء من وقتهم لمراقبته وتقصي حالاته ومحاربته ، وفي حال الاستجابة الفعالة للفساد ينتشر بسرعة ويقنن وتتعقد آلياته وفنونه ومظاهرة . هذه الشريحة من المجتمع لها خصوصية وأهمية في مكافحة الفساد أو تعزيزه.
أصحاب الرأي بلا سلطة : يعتمد موقفهم من الفساد على رؤيتهم له فهم يمتلكون الرأي الإيجابي أو السلبي حول الفساد ولكنهم لا يمتلكون السلطة التي تؤهلهم إما لمحاربته أو للسير به .
من لا رأي ولا سلطة له : وهم السواد الأعظم من الناس يتعرضون للتهميش في المجتمعات الشمولية لأنهم لا يمتلكون حرية التعبير عن الرأي ولا يمتلكون السلطة التي تمكنهم من التغيير .
المنظرون : وهم الفئة التي تبدأ بإطلاق النظريات والنصائح والإرشاد حول الفساد ومكافحته ويبقون على موقفهم هذا حتى يوضعون في التجربة . علم النفس يقول بأنك لا تستطيع أن تتحدث عن الفضيلة إلا إذا عرضت عليك الرزيلة ورفضتها . هذه الفئة كثيرة بين أنصاف المتعلمين والمتحذلقين وينتشرون بكثرة في دول العالم النامي ومؤسساته.
( الفساد من وجهة نظر سيكولوجية ، د.مظفر جواد أحمد ، مركز الأبحاث والدراسات التربوية ، 2015)
سيكولوجيا السلوك الفاسد :
تجري الأحداث والسلوكيات العقلية والنفسية في الدماغ على ثلاثة مستويات أساسية وفق مدارس التحليل النفسي:
الوعي (Conscious)
ما قبل الوعي (Preconscious )
اللاوعي (unconscious)
يعالج العقل الواعي الأحداث التي ندركها أما ما قبل الوعي فيعالج الذكريات والأفكار والمشاعر والخيالات التي لا ندركها أنيا في هذه اللحظة ، ولكن يتم استدعاؤها عند الضرورة ويعتقد الكثير من الناس أن الوعي وما قبل الوعي هما المنطقتان البارزتان في العقل ولكن فلاسفة السلوك يعتقدون أن منطقة اللاوعي هي الأساس لأنها الموطن الديناميكي للمشاعر والأمنيات والأحاسيس والدوافع التي تقود سلوكنا وتوجهه . وقد تم تقسيم الشخصية الإنسانية إلى ثلاثة أقسام بنيوية رئيسية هي : الهو( الذات) و الأنا و الأنا الأعلى . يولد الإنسان ومعه الهو المكون الرئيسي لشخصيته ولا يكون له أي اتصال مع المحيط ويبحث عن الإرضاء الفوري لغرائزه يبحث عن الحوافز المادية فقط و يمتاز بالسلوك الفوضوي والثورات الهائجة و ليس لديه تنظيم ولا حس خلقي إلا أنه مصدر الطاقة الإنسانية والسبب في بقاء الإنسان . وحيث أن الهو لا يستطيع إرضاء نفسه بالحصول على حاجياته المختلفة من المحيط ومع النمو يظهر مكون ثان يتم التواصل من خلاله مع الواقع هو الأنا الذي يعمل على مستوى الوعي ليتحكم في السلوك اليومي مع البيئة ويختبره ، ويحقق إرضاء حاجات الهو. الأنا الأعلى هو صوت الضمير والتعبير الأخلاقي عن الشخصية يتطور بالخبرات الاجتماعية والسلوكية التي يكتسبها الفرد من المجتمع التي تمكنه من التمييز بين الخطأ والصواب . يعمل الأنا الأعلى على تحقيق التوازن بين مستويات الشخصية الهو والأنا ويعمل وسط العواصف النفسية التي تجتاح الشخصية ومتى اختل الأنا الأعلى اختل مستوى التفكير السليم وغاب الضمير وساد السلوك الفاسد. ونتيجة لذلك يتعرض الإنسان لما يسمى الضغوط النفسية ، فتتحرك في داخله أليات الدفاع عن النفس ضد حالات الإحباط والتوتر فيلجأ أحيانا إلى أليات دفاعية نذكر منها:
الكبت : وهو استبعاد الدوافع والصراعات والذكريات المثيرة للقلق من حيز الشعور والادراك وبالتالي لا تدخل المادة أو الفكرة المعزولة إلى نطاق الشعور رغم أنها تؤثر كثيرا في السلوك .
الإنكار : وهو رفض الاعتراف بوجود نقص أو مواطن ضعف عند الإنسان نفسه ويحاول أن يحمي ذاته بالتمويه والخداع ويصر أن الآخرين هم من يتصف بهذه الصفات يحاول دائما أن يلغي الاحساس بانحطاط القيمة الذاتية وضعف الثقة بالنفس ويظهر ذلك من خلال الشخص الفاسد الذي ينكر سلوكه الفاسد ويحاول إلباسه للآخرين .
التبرير: وهو عملية تتم في اللاشعور وتعطي أسبابا مقبولة اجتماعيا للسلوك الفاسد كالتبرير بضعف الأجور كسبب مناسب لقبول الرشوة أو بالتساهل في موضوع ما مقابل تلقي مبالغ مالية أو عينية مبررا هذا السلوك بالحاجة أو برغبة الطرف الآخر تقديم هدية ما . التبرير عملية لا شعورية تقوم على أساس تشويه الواقع وتزييف الحقائق ، ويعد من الحيل الدفاعية الهامة التي يستخدمها الفاسدون في سلوكهم وحياتهم اليومية .
التكوين الضدي: وهو إخفاء دافع حقيقي ما باتباع سلوك عكسي يساعد الفاسدين في تجنب القلق المرتبط بعمليات المواجهة غير المرغوبة ، وأحيانا يشعر الفاسد بحالة من اليأس والعجز والسلبية والإحباط ، لهذا السبب تجده يحاول أن يكوّن منطقة نفوذ في مكان ما ولدى السلطات العليا لتكوين شعور بالحماية عن طريق تقديم المال والهدايا والسهرات والولائم .
الإسقاط : وهو أن يلصق الفاسد ما يتصف به من صفات مرفوضة وغير مقبولة من الناحية الاجتماعية والأخلاقية بشخص آخر ليمنح نفسه فرصة كي لا يدرك حقيقة دوافعه. ونسمع ميزة الإسقاط لدى الفاسدين عندما يتحدثون عن فساد المجتمع بأكمله ويستبعدون أنفسهم ، يدرسون في العلن قضايا الفساد ويشخصونها بدقة متناهية رغم أنها من العادات المتأصلة في سلوكهم اليومي .

التعويض: وهو أسلوب يمارسه الفاسد كألية دفاع لمواجهة الضغوط اليومية ويظهر التعويض من خلال المبالغة في سلوك معين لتغطية الشعور بالنقص حيث يحاول الظهور بمظهر الثري ورجل الأعمال والاهتمام بالبريستيج والشراء من المولات التجارية وارتياد الكافيهات والنوادي وتسجيل أولاده في كبرى الجامعات والمدارس الخاصة كتعويض على عقد النقص التي تسكنه .
التقمص: وهو ألية يلجأ إليها الإنسان باكرا في حياته وكلما زاد الشعور بالإحباط لدى الفاسدين والفشل في تحقيق ذواتهم أو الوصول إلى مستوى معين من التوازن الفكري يميلون للالتصاق بأشخاص يجدون فيهم الراحة والأمان والحماية كأن يرتبط الفاسد بأجهزة الرقابة أو الأجهزة الأمنية أو السياسية أو الشراكة في عملياته مع مسؤولين يقبلون ذلك ويشعرون بالفخر عند الظهور مع هؤلاء في الأماكن العامة .
ماهية السلوك الفاسد:
عالجت الكثير من مدارس التحليل النفسي السلوك المنحرف الفاسد وخلصت إلى أنه يرافق بعض الناس للأسباب التالية :
1- اضطراب في الأنا و الأنا الأعلى وعدم النمو المطلوب من الناحية العقلية والفيزيولوجية ، وبالتالي تنمو الشخصية الفاسدة التي تسعى لا رضاء نزواتها فقط على حساب الآخرين ( أفراد ومؤسسات )
2- قد يحدث الاضطراب بسبب خلل في التربية الأولى في البيت حيث تعززت روح الأنانية وإرضاء النزوات والوصولية .
3- النمو المتضخم للأنا الأعلى ونمو العصاب الجرمي في الشخصية . وفي هذه الحالة تكون الشخصية مستهترة بالآخرين ولا تفكر إلا في مصالحها الشخصية .
4- محاولة تقليد فاسدين آخرين وترى فيهم مثلا أعلى في المجتمع.
5- التحريض والتشجيع والتبرير للسلوك الفاسد وتأمين ظروف الحماية والتشجيع.
كيف ينشأ السلوك الفاسد:
السلوك الفاسد في معظمة مهارة شخصية يمر بها السلوك خلال المراحل الأربعة التالية :
الانتباه والملاحظة ، الاحتفاظ والترجيع ، التنفيذ ، ثم التعزيز .
الانتباه والملاحظة : وهي المرحلة الأساسية في السلوك الفاسد . يلاحظ الموظف الجديد موقفا ما يجده خطأ ، ويكتشف أن من ارتكبه حصل على مكافأة بدلا من العقوبة فينتبه إلى هذا السلوك ويرغب في تقليده ثم يستحوذ ذلك على إمكانياته المعرفية والحسية . يدرس الحالة ويحدد خصائص النموذج للموقف.
مرحلة الاحتفاظ والترجيع : وهي المرحلة الثانية حيث يقوم الموظف الجديد بتخزين السلوك الذي لاحظه سابقا على شكل صور ذهنية . يقوم بتخزين المعلومات وترجيعها بين الحين والآخر بطريقتين:
الأولى – الطريقة التصورية حيث يقوم العقل بتخزين المعلومات على هيئة صور ورموز تدل على صورة حقيقية للتجارب والخبرات التي مر بها الإنسان ويتم استرجاع هذه الصور عند الضرورة لأنها تتأصل في العقل .
الثانية – الطريقة اللفظية التي تعتمد على التشفير اللغوي وتتسم هذه الطريقة بالعمومية وفيها تتحول مظاهر السلوك الفاسد من المعلومات البصرية والسمعية إلى الشيفرات اللغوية التي لا يفهمها إلا أصحابها.
مرحلة التنفيذ والمحاكاة : وهي المرحلة التي يدخل بها السلوك الفاسد حيز التنفيذ ويحاول من خلاله ممارسة ومحاكاة نفس الدور الأول القدوة ويترجم ما تعلمه والاحتفاظ به وتخزينه وتحويله إلى ممارسة ظاهرة الأداء وعندما تنتقد هذا السلوك يقول محتجا " هيك تعلمنا ولو كانوا على خطأ لما مارسوه" . في هذه المرحلة يكثر الضحايا بسبب غرورهم وجهلهم بالقانون .
مرحلة التعزيز : يأتي تعزيز السلوك الفاسد من خلال ما يتلقاه من هدايا أو أموال لقاء القيام بسلوكه . للتعزيز وظيفتان أساسيتان : الأول أن يحصل على ما يريد من ثواب مقابل الأنشطة التي قام بها والثانية هي تحويل التعلم الجديد والخبرات المكتسبة إلى أداء جديد يبقى كامنا ينتظر فرصة جديدة لاستعماله.
وتستمر الحكاية ويخطىء من يعتقد أن الفساد سببه الحاجة للمال . المال يحب المال ورجال الفساد أينما وجدوا ووجُدت المصالح يتكاتفون ويتحدون لإنفاذ أمر ما بلا شفقة ولا رحمة.
الحاجات والدوافع للسلوك الفاسد :
بين عام 1940 وعام 1950 وضع المفكر أبراهام ماسلو نظريته الإنسانية المثالية في فهم الدوافع الانسانية وطريقة عملها . وقد اقترح ماسلو أن الإنسان يولد وتولد معه عدة دوافع ترافقه مدى الحياة سماها هرم الدوافع والحاجات ورتبها وفق أهميتها. وفي هذا الاطار يعمل السلوك الفاسد بدوافعه المختلفة لتحقيق حاجياته وتطلعاته وفق ما يراها وهذه الحاجات والدوافع هي :
الحاجات الفيزيولوجية : كالحاجة للزواج والتفكير بالأولاد والحاجة نحو الطعام والشراب والهواء والملبس والراحة العاطفية والحاجة لتأكيد الذات وارتياد الأماكن الراقية واقتناء سيارة وشاليه ومنزل ريفي والدخول إلى المولات التجارية وممارسة التسوق.
الحاجة للأمان المادي والمعنوي : وتشمل حاجة الانسان للشعور بالأمان المادي والمعنوي والنفسي ضد جميع الأخطار التي قد تلحق الفرد أو أسرته . هذا السبب يكون أحيانا خلف السلوك الفاسد .
الحاجات الاجتماعية : وتشمل حاجة الفرد للشعور بأنه محبوب من الآخرين ومتفاعل معهم وبكل تأكيد السلوك الفاسد يود الظهور بالمظهر الراقي ويحب أن يكون محاطا بالمعجبين .
حاجات التقدير : وتشمل حاجة الفرد بالشعور بتقدير الآخرين واحترامهم له بالإضافة إلى الشعور بالمقدرة والنجاح ولهذا السبب يكون السلوك الفاسد سخيا في تقديمه المساعدات في المناسبات الاجتماعية والإنسانية والدينية .
حاجات تحقيق الذات : وتشمل حاجة الفرد لتحقيق أحلامه وآماله بأن يصبح كما أراد يوما يحقق حلمه باستخدام قدراته ومواهبه في الوصول إلى المركز المطلوب وهذه الحاجة هي أكثر ما يرغبه معظم الناس للحصول على أفضل ما يكون . تحقيق الذات غاية نبيلة لكل الناس .
ونسأل دائما نفس السؤال.
لماذا ينتعش الفساد وعلام يؤشر؟
لماذا يلجأ الكثيرون إلى اتباع سلوك الفساد ؟
ولماذا ينظر كثيرون بإعجاب للفاسدين؟
يقول اينشتاين : هذا العالم مكان خطير يصعب أن تعيش فيه ليس بسبب الأشرار الكثر الذين يعيثون فيه فسادا بل بسبب أولئك الذين لا يوقفون الأشرار عند حدودهم .
قد يكون قول اينشتاين أفضل جواب لأي سؤال يخص الفساد وصناعته ومؤسسات تسويقه الرسمية وغير الرسمية .

المراجع
Alcoa World Alumina Plea Agreement (2014). United States v. Alcoa World Alumina LLC, No. 14-7
Western District of Pennsylvania), [online] p. 1. Available at:
https://www.justice.gov/sites/default/files/criminal-fraud/legacy/2014/01/15/01-09-2014pleaagreement.
pdf [Accessed 14 Mar. 2016].
Alstom S.A. Plea Agreement (2014). United States v. Alstom S.A., No. 14-CR-246 (District of
Connecticut), [online] p. 1. Available at: https://www.justice.gov/sites/default/files/criminalfraud/
legacy/2015/01/09/DE-5-Plea-Agreement-for-SA.pdf [Accessed 12 Mar. 2016].
Avon China Plea Agreement (2014). United States v. Avon Products (China) Co. Ltd., No. 1:14-cr-
00828-GBD (Southern District of New York), [online] p. 1. Available at:
https://www.justice.gov/sites/default/files/criminal-fraud/legacy/2014/12/30/avon-china-plea-agt-filestamped.
pdf [Accessed 12 Mar. 2016].
Bazerman, M. and Tenbrunsel, A. (2011). Stumbling Into Bad Behavior. New York Times, p. A27.
BNP Paribas Statement of Facts (2014). United States v. BNP Paribas, S.A., No. (Southern District of
New York), [online] p. 1. Available at:
https://www.justice.gov/sites/default/files/opa/legacy/2014/06/30/statement-of-facts.pdf [Accessed at
12 March 2016].
Brehm, J. (1966). A Theory of Psychological Reactance. New York: Academic Press.
Cheves, J. (2015). Former mine inspector explains lucrative scams during bribery trial of former
state lawmaker. Lexington Herald-Leader, [online]. Available at:
http://www.kentucky.com/2015/06/24/3916289_former-mine-inspector-explains.html [Accessed 12
Mar. 2016].
Cialdini, R. (1993). Influence: The Psychology of Persuasion. Revised ed. New York: Quill.
Darley, J. (2005). The Cognitive and Social Psychology of Contagious Organizational Corruption.
Brooklyn Law Review, 70(4), pp. 1177-1194.
Feiler, B. (2000). Pocketful of dough. [Online] Gourmet. Available at:
http://www.gourmet.com/magazine/2000s/2000/10/pocketful.html [Accessed 13 Mar. 2016].
Holder, E. (2010). Remarks at Organisation for Economic Co-Operation and Development.
Washington, DC, US Department of Justice [online], p. 1. Available at:
https://www.justice.gov/opa/speech/attorney-general-holder-delivers-remarks-organisation-economicco-
operation-and [Accessed 12 Mar. 2016].
Kahneman, D. (2011). Thinking, Fast and Slow. New York: Farrar, Straus and Giroux.
Köbis, N., van Prooijen, J.W., Righetti, F., and Van Lange, P. (2015). “Who Doesn’t?”—The Impact
of Descriptive Norms on Corruption. PLoS ONE, [online] Volume 10(6), p. e0131830. Available at:
http://journals.plos.org/plosone/article?id=10.1371/journal.pone.0131830 [Accessed 12 Mar. 2016].
Latané, B. and Darley, J. (1970). The Unresponsive Bystander: Why Doesn’t He Help? Upper Saddle
River: Prentice Hall.
Lebowitz, S. (2015). Google considers this to be the most critical trait of successful teams. Business
Insider, [online]. Available at: http://www.businessinsider.com/amy-edmondson-on-psychologicalsafety-
2015-11 [Accessed 12 Mar. 2016].
Louis Berger International Deferred Prosecution Agreement (2015). United States v. Louis Berger
International, Inc., Mag. No. 15-3624 (District of New Jersey), [online] p. 1. Available at:
https://www.justice.gov/opa/file/631346/download [Accessed 13 Mar. 2016].
Myers, D. (2004). Intuition: Its Powers and Perils. New Haven: Yale University.
Nohria, N. (2015). You’re not as virtuous as you think. Washington Post, [online], p. 1. Available at:
https://www.washingtonpost.com/opinions/youre-not-as-virtuous-as-you-think/2015/10/15/fec227c4-
66b4-11e5-9ef3-fde182507eac_story.html [Accessed 12 Mar. 2016].



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن