المنهج البنيوي في العلوم الاجتماعية (1- 2)

حسين علوان حسين
hussainalwanhussain1951@yahoo.com

2017 / 11 / 27

أولاً / تمهيد
بتاريخ 23 / 10 / 2017 ، نشر موقع الحوار المتمدن الأغر مقالة المفكر الماركسي القدير الأستاذ سمير أمين المحترم الموسومة :
الأسباب الموضوعية لفشل الثورات الإشتراكية الأولى
المتوفرة على الرابط :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=150587
و لست هنا بصدد مناقشة مندرجات هذه المقالة الدسمة التي كتبت تعليقا موجزاً جداً عنها ، رغم أن كل المقالات الماركسية للأستاذ سمير أمين تمتاز بالموضوعية و بالعمق النظري الذي نفتقده في غالبية الأدبيات الماركسية العربية . أنا هنا بصدد الاستجابة لتعليق على تلك المقالة كتبة الأستاذ الدكتور أفنان القاسم المحترم بنفس التاريخ على المقالة أعلاه في التسلسل (1) ، و نصه :

تحليل إيديولوجي مسئم!!!
لا وجود لٌلإنساني فيه ولا يقف على قدميه أمام المنهج البنيوي!!!

أنتهى نص التعليق . (الكَرَم في تثليث علامات التعجب من الأصل .)

و لكون مناهج علم اللغة – و البنيوية من أهمها – هي اختصاصي الأكاديمي الدقيق ، فقد استغربت من الربط الاعتباطي الذي يقيمه الدكتور أفنان القاسم المحترم بين "مكوناته المشتتة" : الإيديولوجيا ، و الإسئام ، و المنهجين الإنساني و البنيوي في الماركسية . فمن المعلوم أولاً أن كل فعل في نقد الإيديولوجيا هو بالضبط فعل إيديولوجي بامتياز ، شئنا ذلك أم أبينا ، سواء كان هذا النقد يورث السأم أم يقدح النهم للإلهام الفكري ، و عليه فإن الرمي بالإيديولوجيا هو تلفيق غير منتِج . كما أن المنهج البنيوي في الماركسية قد تأسس في أوربا كضد تحريفي مناهض تماماً للمنهج الإنساني الجدلي لماركس و إنجلز فيها ، ثانياً ، و لا يمكن الجمع بينهما قط . و ثالثاً ، من المعلوم للمطلع بأن المنهج البنيوي ألتوسيري في الماركسية قد اندثر في أوربا – فرنسا خصوصاً – و ذلك على الأقل منذ ثمانينات القرن الماضي بعد أن نبذه تلامذة ألتوسير أنفسهم . فإذا كان هذا هو واقع الحال ، فكيف ينبري الدكتور أفنان القاسم المحترم لوصف المنهج البنيوي في الماركسية بكونه هو الذي : "يقف على قدميه" ؟ أم لعله يحيل في تعليقة هذا إلى أعمال كلود ليفي - شتراوس و بارت و لاكان ..إلخ في الأنثروبولوجيا و الأدب و علم الاجتماع – أي الى خارج نطاق الفكر الماركسي ؟ من المشهود لنا في الشرق أن التقليعات الفكرية الأوربية تحتاج إلى نصف قرن من الزمان على الأقل لكي تنبعث مجدداً من مقابرها الأوربية في حياتها الفقاعية الأخرى بالعالم العربي الحزين ؛ فهل أن الدكتور المحترم قد أختار الدخول بها الآن في البورصة الفكرية المتخلفة للسوق العربي ، مثلما سبق و أن فعل غيره مع "ماسنيون" و "ديوي" و "بوبر" و "كولن ولسن" و "هابرماس" و شركاه ؟
و للوقوف على المقصود ، خربشت له أنا هذا التعليق بنفس التاريخ :

هلا تفضلتم بإفهامي ما الذي يقوله المنهج البنيوي ؟
الأستاذ أفنان القاسم المحترم
تحية ، و بعد
في ت1
تفضلتم بالقول :
لا وجود لٌلإنساني فيه ولا يقف على قدميه أمام المنهج البنيوي .
انتهى نصكم .
هلا تفضلتم بإفهامي ما الذي يقوله المنهج البنيوي عن الثورات الاشتراكية السابقة و التي ستأتي و عن - الإنساني - كذا - لطفاً لكي استفيد ؟
معلوماتي الشحيحة جداً جداً تفيد بعدم وجود منهج بنيوي واحد في الغرب ، بل أن هناك عشرات المناهج البنيوية ، إن لم تكن مئات ، فعن أي بنيوية تتحدثون ، لطفاً ؟ أسعفوني بأسماء البنيويين ممن تقصدون ، تكرماً .
مع التقدير .

انتهى نص تعليقي .

و قد رد عليَّ الاستاذ الدكتور أفنان القاسم المحترم بما هو آت :
التسلسل: 5 - سأكتب شيئًا حول الموضوع دكتور حسين
مع فائق شكري لاهتمامك.
أنتهى نص الرد .

و كانت استجابتي له تحاول تبديد ما يمكن تبديده من الحزن الشرقي العتيد بترديد أغرودة السلطانة طيبة الذكر نجاح سلام بالقول :

التسلسل: 6 تكرم ، يا عيوني ، تكرم
الأستاذ الفاضل السيد أفنان القاسم المحترم
ت 5
ممتن أنا لاستجابتكم ، و أنا بالانتظار .
مع فائق التقدير .

بتاريخ 10 / 11 / 2017 ، نشر الاستاذ الدكتور أفنان القاسم المحترم على صفحات الحوار المتمدن الغراء مقالة موجزة بعنوان : "البنيوية والثورة الروسية" ، رابطها هو :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=578705
و التي أرى أنها علاقة لها لا بالبنيوية و لا بالثورة الروسية ، بل هي – مع القطع بمشروعيتها – محض تثاقف من موقع الكراسي الوثيرة . و لكي لا يتحول الحوار إلى جدلية : أنا أقول ، و أنت تقول ، فقد اخترت من جانبي ترجمة مقالة حيادية موجزة - أعطيتها أنا العنوان أعلاه - و المنشورة على الصفحة الفلسفية الماركسية على الرابط :
https://www.marxists.org/reference/subject/philosophy/help/structur.htm
و ذلك بغية عرض أهم مميزات تطبيق هذا المنهج في العلوم الاجتماعية ، و بعض ما له و ما عليه ، و كيف أن ميكانيكيته الفاقدة للطاقة الديالكتيكية المحركة لحيويته تلغي عنه إمكانية "الوقوف على قدمين" من وهدة الانكفاء عن الفكر الماركسي الخلاق تحديداً ، و ذلك خلافاً لزعم الاستاذ الدكتور أفنان القاسم المحترم . و رغم وجود اعتراضات جدية على بعض رؤى كاتب هذه المقالة (الذي فشلت في التعرف على اسمه للأسف) ، إلا أنها تتميز بالعمق و بسعة المدى – كما أزعم .

ثانياً / الترجمة [الأقواس لي]:
قيمة الإشارة المعرفية
البنيوية
مع بداية أولى سني القرن العشرين و حتى اندلاع الحرب العظمى [الحرب العالمية الأولى : 1914-8] ، انبثق تيار فلسفي جديد بفعل المعضلات التي واجهتها الفلسفة الوضعية في تعاملها مع "العلوم الاجتماعية" نتيجة عدائها المقصود و التجريبي لكل ما تعتبر أنه "ميتافيزيقيا" ، و هو الأمر الذي ألغي أي إمكانية للدفاع عن أي تصور مهما كان للاستمرارية و لا للبنية و لا لأي "معنى" تنطوي عليه كل الظاهرات الاجتماعية و النفسية المشهودة . و قد واصل هذا التيار الجديد - البنيوية - المشروع الوضعي في سعيه لاكتشاف آلية للبحث الموضوعي و العقلاني و العلمي في تحليل المعطيات المُدرَكة التي تتطلب التفسير للأزمات البنيوية العميقة و الصيرورات التحويلية التي شهدتها أوربا في مطلع ذلك القرن و التي بان بوضوح فشل الفلسفة الوضعية في تقديم تفسير لها .
عند نهاية القرن التاسع عشر ، أفضى تقسيم العمل الى الاعتبار بأن المسائل الجوهرية لا يمكن تصورها إلا من خلال النشاط النظري في مجموعة من الاختصاصات المنفصلة [في العلوم الاجتماعية] . و هكذا ، فقد نشأت البنيوية من المقاربات الجديدة في عدة حقول مستقلة للبحث مثل علم اللغة و الأنثروبولوجيا و علم النفس و الاقتصاد السياسي . وقتها ، كانت مناهج البحث البنيوي قد سبق لها و أن تأسست منذ وقت طويل في علوم الميكانيك و الفيزياء ؛ في حين كانت الفلسفة الوضعية تواجه أزمتها الخاصة داخل نطاق علمي الفيزياء و الرياضيات ، و هذا موضوع آخر .
و تشتمل البنيوية نفسها على طيف واسع من التوجهات المنفصلة تماماً و الطاردة عدائياً لبعضها البعض ، غير أنني سأستخدم مصطلح "البنيوية" هنا بمعناه الواسع جداً و الذي يغطي علم اللغة البنيوي لفيردنان دو سوسير و تروبيتزكوي و رومان ياكوبسن ؛ و علم النفس البنيوي لتچنر ؛ و الأنثروبولوجيا البنيوية لكلود ليفي- شتراوس ؛ و الاقتصاد السياسي لكينز و ملتن فريدمان و غيرهم ؛ و لعلم الاجتماع الوظيفي لتالكوت بارسنز ؛ و للبنيوية "الماركسية" للويس ألتوسير ؛ و للنقد الأدبي البنيوي لرولان بارت .
و برأيي ، فإن إميل دوركهايم كان هو البشير للبنيوية في علم الاجتماع ، مثلما كان فيلفريدو باريتو في علم الاقتصاد رغم كونه وضعياً على نحو جلي ، و مثلما كان علم النفس التجريبي لفيلهلم فونت في البنيوية النفسية .
و رغم ان البنيوية نفسها قد انبثقت عند حوالي بداية الحرب العالمية الاولى كما أراها ، و لكنها لم تثبت أقدامها بقوة كتيار سائد [في الغرب] حتى نهاية الحرب العالمية الثانية [1939-45] . و لقد طرأت على هذا التيار طوال تلك الفترة الكثير من التحولات حيث شهدت السنوات ما بين الحربين العالميتين أزمة كبرى في الفكر الأوربي .
و إذا ما تحدثنا بشكل عام ، فإن بزوغ البنيوية هو الانعكاس الأيديولوجي لحركة العالم من أيام التمدد لرأسمالية "دعه يعمل" في أوربا و أمريكا إلى المرحلة الإمبريالية التي يهيمن عليها رأس المال المالي و السوق العالمي الواحد .
بودي الآن أن أورد باختصار الأفكار المركزية لتياراتها المكونة الرئيسة .

يتبع ، لطفاً .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن