ما هذه الخلائق الغِثاث العِجاف .. مقاربة بحثية .. جزء أول

محمد ليلو كريم
mohemmedlilocream@yahoo.com

2017 / 11 / 21

(( ما هذه الخلائق الغِثاث العِجاف
باليات الجلود والأطمار
غريبات الحركات والأطوار
..
بنكو ، قائد في جيش الملك الأسكتلندي دنكان
..
رواية مكبث ، شكسبير ))

أكثر ما تشمئز نفسي منه نوع من البشر يمارسون العاطفة بأساليب مقززة تُثير الرغبة بالقيء .
هُمْ يتعاطفون وكأنهم بكتريا عفنة تفرز العفن عاطفةً .
في يومٍ لم يمض على إنقضاءه أكثر من شهر وبينما أنا جالس في آخر مقعد من سيارة ( الكية ) والمقاعد مغطاة بالأتربة والأوساخ نطق ، عفواً ؛ نهق أحد الركاب بما أصابني بالدوار وأستفزني الى درجة شعرت بأصابتي بوعكة صحية حقيقية ، وفعلاً ؛ وصلت للمنزل مصاباً بوعكة موجعة .
الجمال في حياة الإنسان حال مصاحب في حلهِ وترحالهِ ، حتى أن من يستخدم المرافق الصحية يفضل المرافق المجهز بأجود النوعيات من الأثاث الصحي ، ويحرص أن يستخدم الماء والصابون وكل ما يُعيد له النظافة المتكاملة .
حتى الميت يُجهز بسدر وحنوط وطيب بعد غُسل بماء نظيف ، ويُلف بكفن ابيض قماشه غير مُستخدم ولا وسخ فيه .
حتى الزوج وزوجته في سرير المضاجعة ، تتأنق الزوجة ويتعطر الزوج ويتجملان لبعضهما قبل الدخول في عملية ممارسة الجنس .
الجماليات بكل صورها الشكلية والتعبيرية تُميز الإنسان وهو يحرص أشد الحرص لإظهارها بأبهى ما يكون .
نرجع الى الصورة القبيحة العفنة وقد نهق شبيه البشر برذاذ نتن وما كلماته إلا قيء أصابني بالغثيان ، فصدّر حديثه بإعلان سخيف أبدى فيه عاطفة جياشة لرمز يعتبره ذلك الخط الأحمر الذي لا يمكن تجاوزه أو التجاوز عليه رغم بشاعة كل ما فيه من خُلق وخَلق ونبرة صوت وسلوك ، وأنا أستمع لإعلانه المتخم بالتقيحات اللفظية والتقرحات التعبيرية ، وتحاملت الى أن وصلت للمكان المقصود وصحت بالسائق : ناااازل ..
أيُ نوع من المسوخ نعيش معها وتعتاش على اعصابنا وهدوئنا وتطلعنا للجمال والعاطفة السوية ، فهولاء الزومبيات يستهلكون ما فينا من جمال وعاطفة سوية وينخرون في قلوبنا وأرواحنا وعقولنا وليس من مهرب أو صومعة نحتمي بها ، والأدهى والأمّر أنهم هم الأغلبية قِبال اقلية ضئيلة تُدافع بكل ما تبقى لها لتجنب تأثيرهم والتعرض لظلامهم وقبحهم وعفنهم ، ولكن الهجمة المتخلفة البربرية قوية اجتياحية أصابت مناطق من الجمال في مقتل ..
من لحظة خروجك من المنزل الى أن تصل الى منعزل ما تتعرض لأبشع وأشنع وأفضع الأصوات والملامح والمناظر والعلاقات والاحاديث والآراء وكانك تجتاز درب يُحيطه مستنقع آسن ..
كيف ينتكس المجتمع الى حالة من الهمجية ونبذ الجمال والتنكيل بالثقافة وتجاهل الإبداع والسخرية من النماذج الثقافية والفنية متمثلةً بأشخاص يتملكون ثروة فكرية أو جمالية يستحقون بها أن يتخذهم المجتمع كرموز يُحتذى بها وتُقلّد بدل تقليد وإتباع والتأثر برموز القبح والجهل ؟؟..
لا ينكر أحد أن الثقافة والفكر والفن من الجمال ، فالثقافة مثلاً تُعطينا الرواية ، والفكر يُبلور التفلسف ، والفن يُبدع جمالاً ، فالفنان والمفكر والمثقف يُنتجون الجمال عبر العمل الإبداعي الذي يسحر الألباب ويأسر القلوب ويرتقي بالذوق العام والخاص عكس منتجي القبح والشعبذة والأحاديث السطحية الضحلة .
ولكن بعض المجتمعات تُقدس رموز القبح وتنبذ الجميل وهذا ما يجعل التعايش معها وفيها شاق ومخاطرة نفسية وعقلية مؤكدة .
انعكست حالة النفس المخربة على الشوارع والأرصفة والأحياء وتراصف المنازل وتواجد الناس في بيوتهم أو خارجها وكيفية لعب الأطفال ، وعلى شبكات الكهرباء وتوصيل الماء والصرف الصحي ومكبات النفايات ، فالحالة الخرائبية تغلغلت في النفس والخارج داحرة التكوين النسقي الأبستملوجي والأنطلوجي مما ولد مجتمع يُظهر لك القبح في كل تفاصيله والزوايا ، والإضطرار للعيش في هكذا وسط له تبعات لا يمكن تجنبها ، ولتأثير هذه التبعات مستويات ، فقد يتحول المتأثر الى داخل دائرة القبح والبشاعة أو تصيبه بأضرار خارجية كذبول نظارة الوجه أو الإصابة بمرض أو التعرض لحالة نفسية مرضية ، وأنا شخصياً شاهد عيان له حصة لا بأس بها من التأثر الفضيع ..
حتى التعليم تأثر سلباً بحالة قبح المجتمع ، والتأثر ضرب كل ما له علاقة بالتعليم ، فالتلاميذ والطلاب يتلقون تعليماً رديئاً وبأساليب رديئة كلاسيكية وبمناهج جافة وأبنية لا جماليات معمارية فيها ولا في أثاثها ، ولا الكادر يستخدم اساليب جمالية له فيها خبرة ، والحصيلة أن أعداد كبيرة تتلقى سنوياً تعليماً متخلفاً عن طرق التعليم والتربية المتبعة في الدول المتطورة الراقية رغم أن العراق دولة غنية ووريثة أرث حضاري وتراثي متنوع وضخم كان من الممكن أن ينعكس على العمارة والأثاث والشكل الهندسي للمدارس والمعاهد والجامعات والمناهج الدراسية عبر إقرار تسلسلات دراسية منهجية يتزود من خلالها الدارس بمعلومات عن الحضارة والتراث العراقي تُعرِفه بالجوانب التاريخية والعلمية والثقافية والفلكلورية والمعمارية والفنية فتساهم إيجاباً في خلق جيل متعلم تزود بالجمال عبر الوعي الحضاري والأساليب العصرية ..
تعرضت الثقافة الى ضربة مؤثرة بعمق في عقود المسخ ، فالكتاب استبدل بكتاب ، واستبدلت الرواية برواية ، واللوحة بلوحة ، والفن بفن ، وأزاح الواقع الثقافي الجديد الثقافة وعزلها في زوايا ضيقة ومنبوذة ، والمجتمع اليوم يمارس ثقافة الطقوس السطحية وفنون الرثاء الرث وينجذب لروايات سوداوية مخربة للوعي والذوق ويتقيد بهذه الثقافة القبيحة ويرتدي لها الأزياء والأثواب والوجوه المتجهمة الظلامية فينتشر التجهم والقبح في الأرجاء والأجواء في لوحة قبيحة لا يستسيغها كل ذوق سليم ..
الجذب الأقوى يأتي عبر العاطفة التي تجر الإنسان الى جانب معين ، وفي مجتمعنا تلعب العاطفة دور أساس في جر المجتمع للتقليعات الطقوسية والولائية الضارة بالذوق والوعي ، والأنكى أن هذه التقليعات تصرف الوعي والذوق عن جوانب حياتية كثيرة ينبغي أن تُراعى فتُضاف للحياة المعاشة ومن ثم تُعتاد حتى تغدو من اساسيات الحياة وهنا يكون المجتمع متقدماً ثقافياً وجمالياً ، والعاطفة تعتاد على ما تفضل ، فإن شعر الشخص بعاطفة تجاه حديقة ورود راح يحلم ويتمنى أن تتحول كل المساحات الى حدائق ورود ، أما إذا جُرَ عاطفياً الى مشاهد دامية عنيفة مليئة بالدمار والدخان تبلورت في داخله رغبة أن تتحول كل المساحات الى مسرح دامي مليء بالدمار والدخان ، وتحت ضغط هذا التلقي العاطفي تُجر النفس الى القبح ، وبالتدريج يتحول الى قبح مفرط يعشش في العقل الباطن واللاشعور ..
وأنا أتأمل مقدمة ( گطرات النده ) وهي مجموعة شعرية للشاعر كاظم اسماعيل الگاطع ، والمقدمة لفلاح المشعل ؛ قرأت التالي : (( إذن ؛ فالأنهيار الذي حصل في قانون الوجود العراقي ابّان العهد الفاشي ، حصده الشاعر الگاطع ، بانهيار صحته ، فاصيب بجلطة دماغية )) .. يتبع



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن