مواقف وأحداث في مئوية اكتوبر

محمد نفاع
aljabha.org@gmail.com

2017 / 11 / 19



** الغميضة والأطفال
في سبت العمل كان لينين يعمل كالآخرين ويجادل الذين يريدون مساعدته. وعد الاطفال بالحضور في رأس السنة، لكن العاصفة الثلجية العاتية هبّت في منطقة سوكولنكي، الا انه لم يخلف الوعد فجاء ولعب لعبة الغميضة مع الاطفال، وهيأ لهم من المنفى قبل الثورة رحلة إلى الضاحية، وكان احد الاطفال لا يعرف الزهور، كان يحسبها مخلوقات تتكلم، وفي فسحة الارض في الضاحية قضى الوقت في مخاطبة الزهور والتفرج عليها.




(1)
قبيل الثورة عاش لينين متخفيا في زي حصّاد عشب، عند بحيرة رازليف، على مبعدة من بتروغراد، كان يكتب على قرمة شجرة مقطوعة، وحتى الطفل ابن صاحب الحقل الذي كان يحرس المكان لاحظ الفرق بين لينين والرفيق الآخر الذي عارض القيام بالثورة واعتبرها مغامرة. كان لينين يصحو نشيطا حيا ضاحكا، يستحم في البحيرة بمهارة، اما الرفيق الآخر فكان يبدو متحفظا عابسا مشغولا مع ذاته ومترفعا، هناك دبّ الخلاف بينهما، بين من كان يؤمن بالثورة وبين من كان ماهرا في الشعارات الرنانة، ولكن ليس للتنفيذ.
- زرنا المكان سنة 1971 وشاهدنا مكان نومه في مخزن الحشيش وحجارة الموقد وأدوات الأكل.




(2)
في منفاه عند نهر شوش في سيبيريا مع عدد من الرفاق، مانع الصياد المحلي ابنه الطفل من الذهاب معهما في رحلة الصيد بحجة ان الحظ ليس بجانبه!!
سأل لينين: ماذا الحظ!! تقول الحظ!! فليذهب معنا وسنسلك على السبل المطروقة.
وكان الصيد موفقا فقال لينين: الحظ لا يحالفنا!!




(3)
في نفس المكان على ضفاف نهر شوش، ولينين منشغل والاولاد يريدون التزلج على الجليد، لكن ذلك خطر، قال لينين: ماذا لو أعددنا لنا ساحة حقيقية للتزلج!! ازاحوا الثلج، ارتفعت الجدران البيض، جاءوا بأغصان الشوح، وعندما أُعدت ساحة التزلج بدأ لينين يعلّم الاطفال، ومنهم الطفل ليوشا الذي لا يؤاتيه الحظ!! مكث لينين في المنفى المثلج ثلاث سنوات، كبر ليوشا وتزوج وأنجب وتسابق مع احد اطفاله في التزلج فسبقه، وقال الطفل:
لك ساقان طويلتان.
- من يسبق ليس من له ساقان طويلان بل من له ساقان اسرعان. وما شأنك بالتسابق يا ولد من علمني التزلج في طفولتي لينين لا غيره.
وقصّ الأب ليوشا لابنه كيف أعدت اول ساحة للتزلج.
في اول ايار في ذلك المكان أبى لينين الا ان يحتفلوا في الهواء الطلق، وغنوا الاناشيد الثورية بالروسية والبولونية، ويحلمون بالثورة ويخططون لها.




(4)
عندما وقّع لينين على اتفاقية بريست الظالمة تحت الضغط العسكري الالماني ثارت ثائرة البعض: كيف نتنازل عن ارض للعدو!! أما لينين فكانت القضية الجوهرية بالنسبة له سلامة ثورة اكتوبر الاشتراكية. مرت فترة قصيرة وتغير نظام الحكم في المانيا، وألغيت الاتفاقية وسلمت الثورة وهو الامر الاساس.




(5)
بالرغم من حاجة الروس إلى الخبز، الا ان بعض الرفاق جمعوا عربات قطار من البقسماط الأسود والدقيق لايصالها إلى العمال الألمان، لكن الألمان باعوا انفسهم للبرجوازية وامريكا ولم يقبلوا الهدية. في تلك الايام قضوا على قائد الجمهورية الاشتراكية الالمانية قصيرة العمر كارل ليبكنخت، وضربوا روزا لوكسمبورغ او روزا الحمراء بالبندقية عدة ضربات على رأسها حتى الموت ورموا جثتها في قناة المجاري.




(6)
قبل الثورة ـ وفي احد مؤتمرات الحزب الذي عقد في بروكسل وانتقل إلى لندن بسبب الملاحقة تجادل لينين مع الكاتب الشهير مكسيم غوركي فقال: انت في الأدب أقدر منك في الفكر والسياسة، إنسَ قضية المصالحة والتسامح في قضايا فكرية وتنظيمية!! وكان غوركي يعاني من مرض صدري، وراح لينين يتحسس فراشه في الفندق الرطب، ويقول غوركي: كان لينين يعمل كثيرا ويأكل قليلا، لكنه كان يهتم بالرفاق اكثر من اهتمامه بنفسه، بعد الثورة طلب لينين من غوركي بشكل آمِر: إذهب وتعالج في احد المصحات في اوروبا حالا، لغاية الآن لا توجد لدينا مصحات، والتوقيع: لينينَك.




(7)
كان لينين محبا كبيرا للموسيقى، موسيقى الباليه مثل بحيرة البجع لتشايكوفسكي، لدرجة انه كان ينسى نفسه، يغمض عينيه ويصغي بهدوء وقلّما يؤاتيه الهدوء للتعايش معه في خضم الإعداد للثورة وقضايا الثورة. ومن الاناشيد التي أحبها انشودة الألزاس واللورين باللغة الفرنسية، والتي سيطر عليها الالمان. وقال عن تشيخوف: هذا "الاقطاعي" يكتب بصورة ممتازة. كان لينين محبا لروسيا وللشعب الروسي والأدب الروسي، وعندما رأى قاطعي الأخشاب في بريطانيا قال: عندنا في روسيا يعملون بشكل افضل ولا يضيعون هذه الكميات الكبيرة من نثار الخشب، فرك يديه بمرح وقال: بعد نجاح الثورة سيكون هنالك المنشار الكهربائي وسنعمم كهربة البلاد.




(8)
في سنة 1918 جاء إلى لينين رسول من قرية باخومكا في الشمال للاستفسار عن قيمة وفعالية منشور الارض، فوجد لينين يأكل هريسة بلا سمن في خوذة عسكرية مبعوجة، تطلع الفلاح وقال: يا نيقولاي المنذور!! هريسة بلا سمنة!! يا أمنا الطاهرة!!
- نعم بلا سمنة لغاية الآن.
فلش الفلاح زوادته وفيها خبز الجودار والشحم الوردي اللذيذ ووضعه امام لينين فقال لينين:
كلا كلا شبعت. فقال الفلاح: سيخْرونَني في القرية، انت تأكل هريسة بلا سمن وأنا آكل شحما وخبزا، قال لينين: هات إذا قطعة صغيرة لانقاذ روحك، واستطاب خبز الجودار، وقال: العمال محرومون من الخبز. فقال الفلاح: أظن ان الفلاحين سيعطون مما عندهم من القمح، سجل لينين ملاحظة في مفكرته وبدأت فِرق التموين تجمع الحبوب الزائدة من الفلاحين بالرغم مما رافق ذلك من مصاعب جمة. في هذا الموضوع كتب مكسيم غوركي قصته الرائعة: ابن حرام. يومها كان لصوص الثورة المضادة يسرقون البذار ودواب الحرث، ويقتلون افراد هذه الفرق ومسؤولي الكولخوزات، كما جاء في كتب: مضيق الثلوج والدماء، والراعي، وأرض الأم، وعشرات المؤلفات الأخرى.




(9)
مع نجاح ثورة اكتوبر، بدأت الثورة المضادة، قادها اقطاعيو وبرجوازيو روسيا الذين استولوا على مناطق غنية، وأنزل الحلفاء الاستعماريون قواتهم في مورمانسك من 14 دولة ومنها بريطانيا، والى جانب الجوع ومرض التيفوس والبرد وتوقف المصانع عن العمل صارت الثورة في خطر. لكن لينين بالاعتماد على العمال والفلاحين والجنود كان متأكدا من نجاح الثورة ويعمل عشرين ساعة في اليوم، الكثير من قادة الحزب ماتوا جوعا ومرضا، وعندما كان يُهدى إلى لينين شيء من المواد الغذائية كان يوزعها على اطفال الفقراء. تسلح بالعمل الدؤوب والثقة بالنفس والشيوعيين، وكان يعرف ان للحزب البلشفي الدور الهام في القضاء على المتدخلين الاجانب والحرس الابيض من القوى المحلية. ورأى في الجريدة منظِّما وموجها وهو الذي قال: طبقة عاملة منظَّمة هي كل شيء، وطبقة عاملة غير منظَّمة لا شيء.
وكان يؤمن بالعمل الجماعي، وضد المواقف المغامرة، وكم حزن وعتب على اخيه الكسندر الذي أعدم بتهمة محاولة اغتيال القيصر، الامر الذي استُغل للقضاء على العديد من "المكاسب". يُقتل قيصر يأتي قيصر آخر. في السجن كان يرسل رسائل سرية – يقوّر كعب الرغيف ويملأه بالحليب ويسلم الرسالة إلى اخته او إلى صديقته كروبيسكايا التي اصبحت شريكة حياته، قاد الحزب وهو في المنفى وهو في السجن او في المخبأ السري، تارة تخفّى بوقّاد قطار، وأخرى بحصاد، وثالثة برجل ذي مكانة اجتماعية مرموقة حيث مرّ بثقة امام البوابين الذين طلبت منهم حكومة كيرانسكي فحص نزلاء الشقق السكنية، الا انه تقدم منهم يحمل مظلة بثقة تامة أبعدت عنه الشبهة.
في سبت العمل كان يعمل كالآخرين ويجادل الذين يريدون مساعدته. وعد الاطفال بالحضور في رأس السنة، لكن العاصفة الثلجية العاتية هبّت في منطقة سوكولنكي، الا انه لم يخلف الوعد فجاء ولعب لعبة الغميضة مع الاطفال، وهيأ لهم من المنفى قبل الثورة رحلة إلى الضاحية، وكان احد الاطفال لا يعرف الزهور، كان يحسبها مخلوقات تتكلم، وفي فسحة الارض في الضاحية قضى الوقت في مخاطبة الزهور والتفرج عليها.
مع نجاح الثورة لم ينم تلك الليلة، بل أعد مرسوم الارض ومرسوم السلام، نام ساعتين ونهض نشيطا حيا متفائلا كعادته.
كان للينين القائد الدور البارز في نجاح الثورة، بدقته، ونشاطه، ورؤياه الشاملة، وتحصين الحزب من كل خلل فكري وتنظيمي، وفضحه لمختلف التيارات المعادية من اقتصاديين واصلاحيين وتحريضيين.
كان يبدو عليه الحزن العميق والتأثر، عندما وجد عدد من رفاقه الذين عمل معهم انفسهم خارج الحزب، لكنه لا يعرف المهادنة في القضايا الفكرية والتنظيمية. ان كتبا مثل ما العمل، والمرض الطفولي اليساري في الشيوعية والكثير الكثير غيرها ساهمت في التقديم للثورة ونجاحها، ومع انتصارها فضحت اتفاقية سايكس بيكو الاستعمارية التي لا زلنا نعاني منها حتى اليوم، في كل مكان انسحبت منه بريطانية المحتلة تركت فيه "موقد حرب" لدوام الخلاف والاقتتال خدمة لمصالحها.
رأت الماركسية اللينينية في الاستعمار العدو الأساسي، وهذا ما نراه اليوم في منطقتنا، في سوريا والعراق وليبيا واليمن وفلسطين وكوريا وكوبا وفنزويلا ولبنان، وهذا الربيع العربي..، واحتلال اوروبا الرأسمالية الاستعمارية لمعظم دول العالم، حيث يقف الاستعمار والصهيونية والرجعية علينا ان نقف الضد، ويكون الموقف صحيحا على الدوام.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن