جدلية الارتباط العاطفي والاشباع النفسي الطفلي

عدوية السوالمة
s.ad20@yahoo.com

2017 / 11 / 13

نية الارتباط هي احدى النوايا الاكثر بحثا في العمق السيكولوجي للفرد فكلما كثرت ندوب العلاقة الوالدية كلما غامت وتشوشت صورة الشريك المنوي اختياره .
الاختيار في مرجعيته النفسية يعتمد في الدرجة الاولى على مدى وشكل استدماج صورة الوالد من الجنس الاخر , والقدرة على حل الاشكالية الاوديبية بالتماهي مع المنظومة القيمية والسلوكية للوالد من ذات الجنس .
ففي الوقت الذي يظهر الاستدماج كمؤشر على الاشباع العاطفي الحاصل في العلاقة الوالدية وبالتجاوز الآمن للمرحلة الاوديبية , يوحي فعل النفور الى تشكل الارتباطات القلقة غير الآمنة في العلاقة الوالدية وتعثر في التجاوز الصحيح للمرحلة الاوديبية . وبالتالي البحث عن الشريك هنا يصبح أكثر ارتباطا بمحتوى سيكولوجي تشكل عبر كل سنوات العمر الماضية متأثرا بتواصله المستمر مع صورة الاخر الوالدية بحثا عنها كمكون آمن , أو نفورا منها ومن كل ما يذكر بها , او الدنو من مقوماتها المنفرة بدافع الحب والكراهية معا .
الرفض الوالدي يشكل المادة الاساسية للاضطرابات النفسية اللاحقة تدفع نحو الانتقام من صورة الذات والنيل منها , او تظهر كراهية معلنة في مظهرها الخارجي للصورة الوالدية في حين ان الداخل يعلن صرخات النجدة والرغبة في القرب .
هذا لا ينفي طبعا دور تفاعل الشخصية الفريد في تنوعه مع مثيرات البيئة الخارجية بحيث تقدم الصعوبات مسارا جيدا لتطور البعض نفسيا في حين انها تشكل لدى البعض الاخر نوعا من التفاعل العدائي معها .
القرب والنفور يجسد شكل معالجتنا وادراكنا للمعلومة التي تقدمها المثيرات الخارجية لنا فيما يتعلق بالاشخاص المهمين عاطفيا في حياتنا .
الاشباع العاطفي الطفلي يدفع بالراشد نحو خيارات أكثر استقرارا كنتيجة للقدرة على الترجمة الصحيحة لدوافع وسلوك الآخر وبالتالي تقييمها بعيدا عن اي ادراك نفسي مسبق بالتهديد . في حين أن عدم الاشباع العاطفي الطفلي الذي يخلف وراءه صراعات غير محلولة تواصل كمونها الى مرحلة الرشد لتعلن تدخلها في الاختيار غير مفهوم الدوافع والغير واعي للاشخاص المراد الارتباط بهم عاطفيا . النمو النفسي السليم المتاح يرفع من قدرات الفرد التوافقية مع ذاته ومع الآخر وهو ما يجعل التعلق بالآخرين يتقدم بشكل آمن دون أن يكون هناك فرصة لتشكل ندوب عميقة في حالات عدم النجاح أو الانفصال . ففي دراسة نشرت في مجلة Journal Personality and Social Psychology بينت أن الاشخاص الذين يعلقون مصيرهم بشخص واحد كانوا الأقل في مسامحة شركائهم في العمل والأضعف في إيجاد الحلول والتغلب على العقبات في علاقتهم مع شركائهم.
دراسات أخرى بينت أن النمو والنضج يهدئ العلاقات بعد العراك مع شريك الحياة، اضافة الى كونه يقدم فرصة مناسبة أمام الافراد لتحسين قدرتهم على تحمل المسؤولية وتصوراتهم حول ادوارهم.

الصورة الضبابية المنعكسة عبر الام لشكل هذه الشراكة بفعل مستجدات الحياة في وقتنا الراهن تحتل مرتبة الصدارة في استدماج مفاهيم وقيم ملتبسة غير مشروحة من قبل الطفل , مضافا اليها المسافة التكنولوجية التي فرضتها الاجهزة الذكية فانفردت بالابناء والآباء كل على حدى . مغرقة اياهم بواقع افتراضي خائلي معزول . ناهيك عن استدماج قيمه ومعارفه بصالحها وطالحها بدون اي تنقيح لدى الكثيرين .
ارتفاع نسب الطلاق في العالم الغربي والعربي تعترف بالخيارات المشوشة لشريك الحياة بفعل الارتباك النفسي وعدم القدرة على تبين الشريك المناسب كنتيجة للتدخلات غير الواعية التي فرضت نفسها في عملية الاختيار . فالخيارات الغير موفقة بفعل عدم التكامل النفسي للفرد تتيح ببساطة الفرصة أمام اشكاليات الحياة وتحدياتها للتدخل في انهاء علاقات الشراكة الزوجية بدل الصمود واسناد الشريك .
معوقات الاستمرار في الشراكة في مجتمعنا العربي وان تعددت أسبابها تقدم صورة عن الخيارات المعوقة نفسيا بفعل سلوك المسارات النمائية النفسية بالاصل مسارات غير صحيحة وغير قادرة على دعم البناء النفسي وتصليبه بالشكل المناسب لدى الافراد .
الهرب من العنوسة في مجتمعنا العربي والهرب من المواجهة عملية ضاغطة تبعد فرصة الخيارات المنطقية من أمام النساء وتجعلهم يخضعون لابتزاز المجتمع خاصة الدائرة النسوية ذاتها ويفتح الباب على مصراعيه بعد الزواج لقوانين الحظ في التلائم النفسي مع الشريك وهو أمر نادر الحدوث.
الحديث عن اليسر الاقتصادي وتشريع تعدد الزوجات في المجتمعات ذات اليسر الاقتصادي تجعلنا نشير الى ارتفاع امكانية تدني التفكير بالخيارات المناسبة المتعلقة بالرجل لتصبح خيارات غير حقيقية لاعتبارها تجارب يمكن تكرارها بسهولة بعيدا عن العوائق المادية , وبالتالي المغامرة بحد ذاتها وان كانت نسب نجاحها قليلة تصبح ممكنة لسهولة البدء بتجربة مشابهة في ذات الوقت مع خيار جديد . لاشك هنا أننا أمام فعل يعكس سطحية في التفكير , وعدم الامتثال لقوانين النضج والنمو النفسي السليم الذي يفرض تحمل مسؤولية الشراكة في العلاقات الانسانية .
الهروب الى مواقع التواصل الاجتماعي بعد الزواج اما سيقود الى البعد عن التفاعل الاجتماعي الزوجي والعائلي , أو الى الارتباط بشريك جديد قدمته البيئة التكنولوجية كبديل أكثر تفاعل من الشريك الفعلي وهنا ايضا هروب من مواجهة اشكاليات الارتباط غير المتوافق .
الضرب والتعنيف يقدمان صورة عن الاستدماج الغير سليم للصورة الوالدية التي انعدمت فيها معالم احترام الآخر والذات ومعا وقدمت بدلا عن ذلك صورة مشوهة المفاهيم .
دائما هناك مكون نفسي عميق يدفع أو ينفر من الآخر يحيلنا نحو الأمان غير المفهوم أو التهديد أيضا غير المفهوم فنقول ارتحنا له أو لم نرتح له . دائما هناك تلك المكونات الشخصية الخاصة بنا والمتفاعلة بشكل فريد مع بيئتنا الاجتماعية في دائرتها الاولى بحسب ايكولوجيا برنفبرونر والتي تقدم نفسها لتتدخل في خياراتنا لشركائنا وفي طرق حل اشكالياتنا معهم وفي تعبيرنا عن أنفسنا أمامهم وفي حل صراعاتنا معهم وتتدخل في رؤيتنا لشعورنا بالأمان أوالتهديد معهم .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن