زواج القاصرات الاصل السياسي

حسين سميسم

2017 / 11 / 11

زواج القاصرات الاصل السياسي
الحلقة الاولى
كنا نأمل حدوث ثورة فكرية - بعد القضاء على داعش عسكريا - تسقط قاعدته الثقافية وتقطع طريق عودته مرة اخرى ، لكن الامر ليس بهذه البساطة ولم يكن هذا التفاؤل مع الاسف في محله ، بسبب التشكيلة الحالية من الاحزاب المتربعة على راس السلطة . فقد اصيبت قوى الاسلام السياسي بنفس المرض الاخواني القطبي المتطرف الذي اصاب داعش من قبل ، ونمى وتطور هذا المرض في احشاء تلك القوى وظهر مباشرة بعد امتلاكها المال والسلطة ، وحفزته رائحة النفط وشعلته التي اعمت باضوائها الساطعة عيون قادتهم وقلوبهم .
لقد ظلت القاعدة الفكرية للداعشية معششة في الثقافة السائدة في التدين السياسي ، وما ان توفر لها الجو المناسب حتى ظهرت بقوة كظهور الجراد في اول امطار الصحراء . عاقدة العزم على تحقيق هدفها في عودة الخلافة الاسلامية ، فباشرت بتاسيس نظامها الديني واستثمرت كل الاثار الفكرية المغلفة بالمقدس لاستعمالها في الصراع السياسي لاخراج الخصوم من الساحة السياسية بوسائل تكفيرية وعنفية . وها نحن نعود مرة اخرى لمناقشة افكار كنا نظنها قد بادت وماتت في بطون الكتب بسبب نقص الهواء والضوء ، لكنها ظهرت في كل المنعطفات السياسية وفي الفترات الصعبة التي تواجه شعوب المنطقة ، وكان دافعها الاول هو صدور قانون الاحوال الشخصية .
لقد طالب البعض منذ سقوط النظام الصدامي بالغاء قانون الاحوال الشخصية 188 لعام 1959 ، والتعجيل بتطبيق الشريعة الاسلامية ، والاقتداء بالثورة الايرانية ، وكان البلد حينئذٍ يواجه مهمات كبرى : فقدان الامن - وانهيار الدولة - والتفجيرات اليومية - وتحكم القوى الدولية بمصير البلد - والخوف العام الذي الم بالناس . كان العراق يواجه مهمة لملمة بقايا اشلاء الدولة واعادة تركيب الوزارات والبرلمان والمؤسسات المنهوبة ، وفي ذلك الوقت بالذات كان البعض يطالب بالثار من حكومة عبد الكريم قاسم التي سقطت قبل اكثر من اربعة قرون .
كان قانون الاحوال الشخصية 188 هو اليافطة التي تجمعت ضدها كل القوى الاستعمارية والرجعية المتضررة من ثورة 14تموز ، وقد وحدت قواها ضد التغيرات الاقتصادية والاجتماعية فتآمرت على عبد الكريم قاسم وقتلته ، وها هي تثأر اليوم من الشعب العراقي الذي صفق يوما للزعيم او ترحم عليه او آمن بمنجزات ثورة 14 تموز ، او تطلع يوما وفكر بالحرية والتقدم .
ان مبررات طرح هذا القانون في هذا الوقت هي مبررات لم تلامس الواقع الاجتماعي ولم تظهر في اي نشاط شعبي مطلبي ، فقد جاء في نصوص الاسباب الموجبة لسن قانون الزواج من القاصرات هو ( ضمان حرية الافراد في الالتزام باحوالهم الشخصية حسب دياناتهم او مذاهبهم أو معتقداتهم او اختياراتهم ، وللحفاظ على المحاكم كجهة قضائية موحدة لتطبيق الاحكام الشرعية للاحوال الشخصية بعد الرجوع الى الجهة ذات الاختصاص ) . وسوف لن اتطرق لصياغة العبارات المذكورة في المادة 41 من الدستور وترابطها ، ولا للقنابل التي تفصل الكلمات لكنني من خلالها اشير فقط الى ان الجهة التي كتبت تلك المادة هي نفس الجهة التي طالبت بالغاء قانون الاحوال الشخصية في 29 كانون الاول 2003 (أ) وكان هذا الالغاء من الضعف بحيث استطاعت ثماني نساء ( ب) فقط من اسقاطه خلال ثلاثة اشهر ، في حين فشلت اعتى الدكتاتوريات التي مرت في تاريخ العراق في اسقاط قانون الزعيم الذي انصف النساء ، والذي اخذ افضل التشريعات الاسلامية الموجودة في كل المذاهب .
ان هذا القانون قدم للبرلمان في غفلة من الزمن ، وسيبقى معزولا عن رصيده الاجتماعي والسياسي وحتى المرجعي الديني ، فلم نر حراكا شعبيا يواكب هذا القانون او يتبنى تطبيق الشريعة من وجهة نظر احزاب التدين الاسلامي ، بل ان تلك الاحزاب نزعت ثوبها الديني غشا واصبحت تتسمى بالاسماء المدنية ، فخلت اسماء احزابهم من الاسماء الدينية نظرا للفشل الكبير الذي صاحب مسيرتهم السياسية ( الاخوان سموا انفسهم بالتجمع المدني للاصلاح ) ، ويمكن ان اشير الى علامات الفشل والضعف الذي صاحب تقديم هذا القانون كما يلي : --
لم يطلب مراجع الدين تقديم هذا القانون بشكل مباشر او غير مباشر ، ومن يلاحظ خطب الجمعة للشهرين الماضيين يلاحظ شكوى المرجعية من تزايد حالات الطلاق والتفكك الاسري والمشاكل العائلية ، ولا تحتاج تلك الخطب الى ذكاء خارق لمعرفة عدم وقوف المرجعية خلف هذا القانون ، فكيف تضيف المرجعية مشاكلا الى المشاكل الاجتماعية التي يعاني منها الناس اصلا ؟ خاصة وان اصول هذه القضية خلافية بين رجال الدين ، وسابين في المقالة القادمة تهافت المباني التي بنيت عليها فرضية صدور نصوص القانون من مصدر الهي مقدس . ان تقديم هذا القانون سيحرج المرجعية الدينية ، لان سهام الرد عليه ستصيب الناطق والساكت ، ومن يرد عليه فانه سيرد على باب مشهور من ابواب الفقه الديني ، وبذلك سيرد على المرجعية ذاتها ، وسينسحب المستفيدون من طرح هذا القانون من المشهد ويضربون هذا بذاك .
-- ان طرح هذا القانون من مجموعة صغيرة من اعضاء البرلمان يتكلمون باسم الدين يدفعنا للسؤال عن مدى اعلمية هؤلاء ، وهل حصلوا على الاجتهاد العلمي المناسب ام لا ؟ وبذلك عليهم ان يبرهنوا عن مستوى علميتهم وكيف وضعوا المرجعية خلف ظهورهم ليفتوا بهذا القانون ، وهم يعلمون بأن من افتى بغير علم اكبه الله على منخريه في سقر .
-- ان الهدف من طرح هذا القانون واضح من جملة امور ، ليس منها ارجاع الناس لتطبيق ديانتهم وتنفيذ شرائعهم الدينية على انفسهم ، بل الهاء الناس عن ماهم فيه من مشاكل . وفي هذه المناسبة اسأل اصحاب هذا القانون: من من المراجع او وزراء الاسلام السياسي او نوابه زوج ابنته او حفيدته في هذا العمر كي يكون قدوة لمن يقتدي ؟ .
-- لقد ظهر هذا القانون قبيل الانتخابات التي ستجري في بداية العام القادم ، وقد سبق ان طرحت بعض الاحزاب الاسلامية القانون الجعفري قبيل الانتخابات السابقة ، وتتكرر هذه المسألة وامثالها عندما يبدأ البرلمان في مناقشة قضايا جدية ( قانون الاحزاب ، المفوضية ، الميزانية .الفساد. الاقليات ، القضية الكردية .المرأة .... ) وقد سبق وان طرحت قضية الخمر ،واجازات البارات والنوادي ، في اوقات كان البرلمان ينوي فيها في مناقشة قضايا جدية . ان الغرض من ذلك اصبح واضحا وهو صرف الانتباه عن تلك القضايا المهمة ، واشغال العناصر المدنية والمطلبية بقضايا جانبية .
-- ان دعوة المجتمع لتطبيق الشريعة الاسلامية بشكل انتقائي هي دعوة مشبوهه تهدف فيما تهدف اليه الى رمي الكرة في ملعب الاخر ، فلماذا لم يسنوا قانونا لقطع أيدي الفاسدين بدءا من كبارهم وذلك هو من صريح النص القرءاني ؟ ولماذا لم يطبقوا قوانين اخرى تشكل احكام الشريعة الاسلامية التي لا يختلف عليها اثنان في ورودها في محكم ايات القران الكريم كالرق وملك ذات اليمين والجزية والجلد ؟ .
-- هل واجهت البلد ازمة نقص في عدد النساء حتى يستعان بالرصيد الاحتياطي من القاصرات ؟ ان الحروب المستمرة والاعداد الكبيرة من الشباب من ضحايا الارهاب والحرب التحررية من داعش ادت الى مشكلة معكوسة تتطلب حلا مناسبا عن طريق تسهيل زواج الشباب بتوفير الظروف المناسبة لهم من فرص عمل ورواتب مجزية وشروط كافية لتأسيس حياتهم الزوجية.
-- لقد لعبت ادارة البرلمان دور الموجه للمرجعية التي عليها الاستجابة لما تطلبه المحاكم منها ، وعلى الوقفين الشيعي والسني تقرير الامر بدل المحاكم التي فقدت استقلاليتها بهذا القرار . ان العامل السياسي لا الديني هو الدافع الاساسي لتقديم هذا القانون للبرلمان الذي وافق عليه موافقة اولية ، وهو متناقض مع القوانين الدولية لحماية الطفولة وحقوق الانسان التي وقع عليها البرلمان نفسه ، ويمثل جريمة بحق الطفولة . --------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
(أ) قرار مجلس الحكم بجلسته المنعقدة بتاريخ 29/12/2003 1- تطبيق احكام الشريعة الاسلامية فيما يخص للزواج والخطبة والاهلية واثبات الزواج والمحروات وزواج الكتابيات والحقوق الزوجية من مهر ونفقة وطلاق وتفريق شرعي وخلع والعدة والنسب والرضاعة والحضانة ونفقة الفروع والاصول والاقارب والوصية والايصاء والوقف والميراث وكافة المحاكم الشرعية ( الاحوال الشخصية ) وطبقا لفرائض مذهبه . 2- الغاء كل القوانين والقرارات والتعليمات والبيانات واحكام المواد التي تخالف الفقرة 1 من هذا القرار . 3- يعمل به من تاريخ صدوره .
(ب) هن نسرين برواري ، وامال المعلمجي ، والا طالباني ، وباسكال ايشو ، وهناء ادور ، وزكية اسماعيل حقي ، وآمنة محمود ، وهند علوش وخلفهن حركة وطنية نسائية عريقة .
يعقبه الاصل الديني
حسين سميسم



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن