أتذكرون كيف تُصنع الديكتاتورية في بلادنا

محمد ليلو كريم
mohemmedlilocream@yahoo.com

2017 / 11 / 5

(( حشد العقلاء أمر معقد للغاية ، أما حشد القطيع فلا يحتاج سوى راع و كلب .
- شيكسبير ))

لن نقفز الى تلك الحالة من التطور والرُقي ما لم نقفز في داخل عقولنا ، وإلا فالقفزة التالية ستأخذنا الى ديكتاتورية جديدة ، والديكتاتورية مصنع يحتاج الى آلات ويد عاملة ومواد خام ، والموادة الخام هم المتخلفين والجهلة والغير متعلمين والذين ينظرون للثقافة من بعيد كمن يُشاهد جمال بافاريا عبر شاشة تلفاز صنع ألماني ويُعلق مؤكداً : أحنة وين وهمة وين ..
نعم ؛ أنتة وين وهمة وين ، لأنك بعقل عاجز وذهن متخلف وكيان شهواني يلهث وراء اللقمة والنكاح والفلوس وتكثير أفراد العائلة بتكرار لا حد له من الولادات و ( الستر والعافية ) .
أنت وعائلتك البائسة مادة خام لمصنع الديكتاتورية ، وقد ترتقي الى يد عاملة ، أو آلة ، ولكنك في كل الأحوال مجرد فرد ضار ، غير حر .
نحن كعراقيين مقبلين على عهد ديكتاتوري قمعي ..
الديكتاتورية كما عرفناها وعشنا عهدها السابق تكتمل بالإنتصارات العسكرية وآلاف الشهداء والتوجه بقوة لضرب الجبل وتحول رجل الدولة الأول الى فارس الأمة وقائد المعارك والموحد للوطن والذي يبدأ بوجه صبور ومرن ومتفضل وهو القادم من المجهول الى المعلوم السياسي الصارخ في عملية درامية شهدها العراقيون أوائل سبعينيات القرن المنصرم حين مهد قصير القامة البكر الساحة السياسية والأمنية والمخابراتية لرجل الظل صدام حسين وفي اللحظة المتاحة وثب صدام الى الكرسي الأول وبدأ مشروع ( الركضة ) وهي لا تنتهي إلا بالسقوط جراء الإنهاك ..
هل يحق لنا أن نقرن ظهور ديكتاتورية قمعية بالتخلف الإجتماعي والجل والأمية ؟.
نعم ؛ وسنجري مقاربة نُبين فيها سبيل الديكتاتورية الذي تتخذه لإستكمال قوتها وهيمنتها مستغلة حالة التخلف والجهل والأمية في المجتمع :
يقول علماء الإجتماع أن الدولة لها التأثير الأكبر في بلورة ثقافة المواطن عبر نوع النظام السياسي القائم ، فالنظام هو من يُحدد نوع التعليم وجودته والمستوى الثقافي وحالة الحرب أو السلم والسماح لتدخل الدين في السياسة من عدمه ودرجة وعي الجمهور ، فإذا قصد النظام السياسي إستغلال الجمهور وتحويله الى قطيع اتخذ سبيل إنهاك الناس وزجهم في دوامات تستنزف قواهم ووعيهم فيسهل اقتيادهم ونهبهم ودفعهم لكل تهلكة ، أما النظام الذي يريد بالجمهور خيراً يهتم بالتعليم أيما إهتمام وبالتنوع الثقافي والفكري ويرتقي بمواطنيه في كل المجالات ، ونحن نتحدث هنا عن العراق ..
لم يكن في العراق بداية القرن العشرين نظام سياسي عراقي مستقل ، بل كان تابعاً للدولة العثمانية وأحد مقاطعاتها ، وعند دخول الإنجليز الى العراق وطرد العثمانيين كان للقيادة دور جاسم في تحديد مسار الجمهور ، وآنذاك كانت القيادة أو شكل السلطة الإجتماعية ديني متمثلاً بالمرجع الحوزوي الفقيه ، ولأن المرجع الشيعي حينها رفض الإفتاء بالثورة تجاه الوجود الإنجليزي لم تقم الثورة ، ولأن عقبه أفتى بجواز قيام الثورة قامت الثورة ، والفرق بين المرجعين واضع في تحديد مسار المجتمع الشيعي اللاحق سياسياً وفي بقية المجالات ، فالمرجع الأول الذي رفض الإفتاء بقيام عمل مسلح ضد الإنجليز كان يسعى لقيام ثورة تعليمية واقتصادية بمعونة المحتل المتقدم علمياً ومعرفياً ، ويذكر لنا الدكتور علي الوردي حركة المرجع السلمية والمتنورة في كتابه لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث الجزء الخامس وسنعقبها بتوصيف لحركة المرجع الثاني كما جاء في كتاب الدكتور الوردي .. يصف الدكتور الوردي حركة المرجع الأول وهو كاظم اليزدي بعد أن يؤكد الخلاف بين المرجعين : (( كان هناك خلاف كبير من المرجعين اليزدي والشيرازي في كيفية إدارة شؤون الشيعة في العالم )) ويأتي الدكتور علي الوردي أولاً على وصف حركة المرجع كاظم اليزدي : (( السيد اليزدي كان ذو ميول معتدلة ترغب ببناء علاقات مع الغرب والبريطانيين لبناء دولة حديثة مدنية ولم يكن يؤيد تدخل سلطة رجال الدين في الحكم السياسي وكان يؤيد قيام ثورة سلمية من الشعب. بل ان السيد اليزدي التقى الحاكم البريطاني ثلاث مرات في اقل تقدير في الكوفة وطلب من البريطانيين مساعدة العراق في بناء اول مستشفى وأول مدرسة حديثة إذ كان نسبة من يقرأ ويكتب 5% من الشعب العراقي عام 1914 )) وعلى النقيض يأتي الدكتور الوردي على وصف المرجع محمد تقي الشيرازي الذي أعقب اليزدي بعد وفاته عام 1919 : (( بالمقابل كان الشيخ الشيرازي والذي كان يسكن في سامراء وعلاقته متوترة يالسيد اليزدي يقود ثورة فتاوى ضد الانكليز ، ... ، كان ذو ميول متشددة جدا في العلاقات السياسية ويكفر الغرب جميعا )) ، ويبدو أن السيد الشيرازي كان أكثر تأثيراً في ما تلا من تاريخ العراق فإنتقل شبح ميوله الى النظام السياسي الذي قام في عام 1921 ، فبعد قيام المملكة لم يتخلص العراق من العقدة الكؤود التي أودت به في آخر المطاف ومن ثم أدخلته في تأزم آخر ما زلنا نعايش فصوله المدمرة ، وكم كان الوضع مختلفاً تماماً لو أُهمِلَ شبح السيد الشيرازي وأحتُفي بروح السيد اليزدي سياسياً بدل إستعارة شخصية الشيرازي التي تفكر بمُثِلْ لا تحسب للمصالح العامة أي حساب ، ولأن النظام السياسي أستكمل تشكله مع إصراره على إستعارة فكرة الغرب الكافر والدفاع عن المقدس دخل الجمهور العراقي ومنه الشيعي ومنذ البدأ في أزمة مع العالم بفضل تحريض قيادته الدينية ومن ثم السياسية ، بل أن الحالة تجاوزت المنطق فراح الشيعي العراقي يرفع السلاح ضد كل العالم حتى بوجه شيعة وعمامة ولاية الفقيه في إيران ، وبوجه العرب وهو عربي ، وبوجه الكل ، وبالتالي اتساءل : أي عقيدة مقدسة يحمل هذا الشيعي المحارب ؟؟!! ...
إنتقل الرفض من الحيز الديني الى الحيز السياسي ثم تطور الى رفض مجرد لا يمكن مناقشته واقعياً ، وفي كل مرحلة يتلاعب زعماء الجمهور بجمهورهم ويحرضونهم ضد كل العالم ويُعززون فيهم تصور الآخر العدو ، وفي الأثناء يزداد الزعماء قوة وهيمنة تعزيزاً لتسلطهم الديكتاتوري التي تضر في كل مرة بالجمهور الشيعي ، ولكل الجمهور الشيعي لا يتعض ، بل قد تحول فعلاً الى أداة ضاربة في آخر تحول إذ صار قوة صائلة بزعامة سياسية دينية !!!! .
بدأب وتضحيات جسام و( ركضة ) طويلة ومتعبة يهب الشيعة طينهم وعظامهم لبناء صرح الديكتاتورية الآخذة بالتشكل ، وبعد حين سيلتفت الشيعة ابى خطيئتهم ويذوقون شر مسعاهم الدؤوب عندما تضربهم الديكتاتورية التي أقاموها وينقلبوا ضدها لتُنهي المهزلة عملية إحتلال خارجي تُعيد صياغة المهزلة . .

(( نحن نقرأ التأريخ بشجاعة الرجل الشعبي لا بشجاعة الرجل المثقف . - محمد ليلو كريم ، مواطن ))



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن