دستور العراق... هو دستور تقسيم العراق الجزء (2)

سعد السعيدي
s.alsaidy@yahoo.com

2017 / 11 / 4


نأتي الى الباب الخامس المتعلق بسلطات الاقاليم (الذي هدفه إرساء قواعد تقسيم العراق) :
المادة (116) : يتكون النظام الاتحادي في جمهورية العراق من عاصمةٍ وأقاليم ومحافظاتٍ لا مركزيةٍ وإدارات محلية.
هذه المادة هي احدى اسس التمهيد لتقسيم العراق. فهي تدعي بأن الدولة الاتحادية في العراق يتكون من تلك الاجزاء المذكورة !! قد تبدو هذه المادة للقاريء غير المطلع وكأنها جملة تائهة لا معنى لها. لكن في السياسة لا يوجد شيء بريء. والدستور في هذه المادة يتحول الى وثيقة سياسية بامتياز. المقصود في هذه المادة هو ان العراق يتكون اصلا من تلك الاجزاء المذكورة التي يراد الايحاء بكونها اجزاء ومساحات تائهة اصلا لا تشترك فيما بينها باي شيء... ليجري تجميعها بطريق هذا الدستور مثل اجزاء السيارات لتُكوّن الدولة الاتحادية لجمهورية العراق !!! وهذه مغالطة كبرى واكذوبة كان يتعين محاسبة من وافق على صياغتها بهذا الشكل من اعضاء لجنة كتابة الدستور حسابا عسيرا. فليس من وظائف الدساتير ابتداع وقائع لا وجود لها. لكن يبدو ان اعضاء اللجنة نيابة عن اصدقائهم الاجانب كانوا يريدون للبلد ان يكون كما كان اولئك الاجانب يرغبون برؤيته والتمهيد له لاحقا : اجزاء قابلة للتفتيت والتقسيم لاحقا مثلما جرى تجميعها بداية من اجزاء تائهة لا تشترك فيما بينها باي شيء !! ولا يخفى على احد بان اساس النظام الاتحادي او الفيدرالي هو بالضبط جمع مناطق لا تشترك فيما بينها بشيء في نظام دولة واحدة. وهذا هو بعيد جدا عن حال العراق. وهذه المادة هي مما اصر الاكراد ومعهم الاميركان على ان تحشر في الدستور. يتوجب إعادة كتابة هذه المادة مع دمج المادة (117) اللاحقة بها في واحدة تشدد بأن العراق يتكون فعليا من الشعبين العربي والكردي وتربطهما وشائج يجري تحديدها.
المادتان (118) و (119) : هما مما كتبنا عنهما في مقالتنا السابقة عن مسودة قانون الاقاليم. يتوجب إلغائهما وتعديل او إلغاء ما بعدهما من مواد كما سنبينه هنا لقطع الطريق امام كل امكانية لتقسيم البلد.
المادة (121) : وهي المادة التي يبدو من كونها العمود الفقري لصلاحيات الاقاليم في هذا الدستور. تقوم هذه المادة بتحديد صلاحيات الاقليم وهي كما يرى صلاحيات واسعة جدا. وهي مما جرى وضعه لغرض توفير الاقاليم بالصلاحيات السيادية والتهيئة لانفصالها لاحقا إن رغبت وتمزيق وحدة البلد بهذه. ولا توجد دولة تقبل على نفسها منح مثل هذه الصلاحيات الخطيرة لاية وحدة من وحداتها الإدارية مما يمثل انتقاصا لسيادتها هي. فمثلا هناك الصلاحية القضائية الممنوحة للاقليم (دون السلطة الاتحادية) المتعلقة بمنح سلطات الاقليم حرية تعديل تطبيق القانون الاتحادي في حالة وجود تعارض مع قانون الاقليم !!! هذا معناه فتح الباب لتأويلات شتى للقانون الاتحادي. وهذا البند عدا عن كونه محاولة واضحة لإرساء الفوضى ، فإنه يتعلق بما لا يقبل الشك بامور إدارة واستخراج النفط. وهو ما نراه حاصلا على الارض منذ ان جرت الموافقة على هذا الدستور.. وكما في المادة (115) آنفاً تناقض هذه المادة (13) القائلة بانه لا يجوز سن قانون يتعارض مع هذا الدستور ، والمادة (120) القائلة بعدم جواز تعارض دستور الاقليم مع الدستور الاتحادي. كذلك فهناك الصلاحيات التشريعية الممنوحة لبرلمان الاقليم. ولا نعرف عن اية صلاحيات تشريع يجري الكلام هنا إلا بكونها محاولة كما اسلفنا للتهيئة لانفصال الاقليم. وهناك البند المتعلق بإنشاء وتنظيم قوى الامن الداخلي. هذا ايضا هو من الامور السيادية ومن صلاحيات المركز حصرا. فمنح الاقليم الاستقلالية في إنشاء قوى الامن الداخلي بمعزل عن المركز معناه تجاوز الاول للثاني في تأسيس قوات عسكرية لا تعترف بعلوية المركز ولا باوامره. وهو ما يمكن ان يؤدي الى حروب اهلية. ويوجد كذلك بند تأسيس مكاتب للاقاليم والمحافظات في البعثات الدبلوماسية !!! وهذه النقطة بالذات هي تجاوز آخر على صلاحيات المركز. يتوجب إذن تعديل كامل هذه المادة بشكل لا تؤدي فيه الى فتح مثل هذه الابواب الخطيرة.
كذلك لا بد من ضمن التعديلات من اضافة ما يشير على ارتباط الاقليم بالسلطة الاتحادية ومسؤوليته امامه للتوكيد على وحدة البلد وعلى علوية السلطات الاتحادية في التشريع والقضاء وباقي السلطات السيادية لنبتعد بذلك عن منح الاقليم مطلق الحرية في التصرف بمعزل عن السلطة المركزية. وهذا الاخير هو ما نراه حاصلا في البلد منذ إقرار هذا الدستور التقسيمي.
يلاحظ في هذا الباب المتعلق بالاقاليم بانه لم يجرِ فيه تحديد اجزاء اي اقليم مثلما جرى تحديده بالنسبة للعراق الاتحادي في المادة (116) اعلاه ، وكما ستعاد الكرة في البند الاول المادة (122) ادناه. وهي مما يتوجب الانتباه اليه إن كنا نريد تعديل الدستور وضمان الحفاظ على وحدة البلد.
المادة (122) : تمنح المحافظات التي لم تنتظم في إقليم الصلاحيات الإدارية والمالية الواسعة بما يمكنها من إدارة شؤونها على وفق مبدأ اللامركزية الإدارية، وينظم ذلك بقانون.
هذه المادة هي مما يمكن اعتباره جزء من مسودة قانون تأسيس الاقاليم الممهد لتقسيم العراق. ولما كانت الصلاحيات المذكورة في المادة ، اي انها قد تركت غير واضحة بشكل متعمد ، نرى من جانبنا بانها لا تكون إلا محاولة لتشتيت صلاحيات المركز وإرساء اركان تدمير وتفتيت البلد. يتوجب إلغاء هذه المادة إن كنا نريد الحفاظ على وحدته.
كذلك يتوجب تعديل ما يشير الى أن مجلس المحافظة جهة مستقلة بذاته كما تذكره إحدى بنود المادة هذه. فاستقلال هذه المجالس هو اساس هذه اللا مركزية التي لا نرى الضرورة المراد التوصل اليها إلا بكونها محاولة للتأسيس لاقاليم مستقلة مستقبلا. لذلك فالافضل ان يبقى مجلس المحافظة هذا جهة لخدمة المحافظة حصرا من دون منحه امكانية الاستحواذ على صلاحيات المركز. ويكون مسؤولا امام الحكومة الاتحادية وخاضعا لرقابة مجلس النواب حاله كحال سلطة الاقليم.
المادة (123) : يجوز تفويض سلطات الحكومة الاتحادية للمحافظات، أو بالعكس، بموافقة الطرفين، وينظم ذلك بقانون.
تشبه هذه المادة اختها المادة (122) السابقة. فسلطات الحكومة الاتحادية هي صلاحيات مفروغا من كونها سيادية بالمطلق. فبأية صفة يراد تفويضها للمحافظات ؟ إن تفويضها هذا المذكور بالدستور هو امر مرفوض بالمطلق. لذلك يتوجب شطب هذه المادة من الدستور.
الباب السادس حول الاحكام الختامية :
المادة (126) : لا يجوز إجراء أي تعديل على مواد الدستور، من شأنه ان ينتقص من صلاحيات الأقاليم (...) إلا بموافقة السلطة التشريعية في الإقليم المعني، وموافقة أغلبية سكانه باستفتاءٍ عام.
تهدف هذه المادة الواضحة المعنى الى تقنين حماية تجريد الدولة من سلطاتها السيادية لصالح الاقاليم. وهي مادة غير مقبولة وغير منطقية كونها تضع البلد باكمله رهينة لدى جزء منه. يتوجب على هذا شطب هذه المادة.
المادة (140) : هذه المادة الخدعة هي احد اركان تقسيم وتمزيق العراق كما اوضحنا سابقا. فعن طريق جملها المبهمة مثل جملة المناطق المتنازع عليها مع مفردات اخرى غامضة اللهم إلا عن وثيقة سابقة ملغاة بالكامل (وهو ما يشكل مهزلة بكل معنى الكلمة) ، قد اعطي الحق لمن لا يستحق بوضع اليد على اية مساحة يريدها في العراق بمجرد إطلاق هذه الجملة عليها !!! وهكذا اصبحت كل المناطق المحيطة بالاقليم وخارجه بموجب هذه الخدعة من ضمنها محافظات كاملة مناطق تسمى متنازع عليها يحق للاقليم التمدد فيها والاشتراك مع السلطات الاتحادية في إدارتها وإصدار القرارات بشأنها ! وفي هذه المناطق تصادف وجود اهم آبار النفط الوطنية فيها واغزرها انتاجا... مما تركز عليها من انظار الطامعين بها من قوى دولية ممن تقوم بتحريك عميلها الصغير ذاك القابع في أحدى محافظات الشمال. وهذه الخدعة هي كما يستنتج ليست سوى عملية تقسيم واستقطاع لاراض. يتوجب هنا إما اعادة كتابتها بشكل يوضح معناها او إلغاؤها بالكامل.
كما يرى من هذه المراجعة فالدستور في ظاهره يتظاهر بالحفاظ على وحدة العراق كما يجري الادعاء به مرارا استنادا على إحدى مواده ، لكن في باطنه يؤسس لتقسيمه وتشتيت قواه وإضعافه كما رأينا في البابين الرابع والخامس. فقد كتب وصيغ بحيث يمكن ان يخلق واقع دولة ذات سلطات سيادية داخل الدولة الاتحادية المشتتة السلطات السيادية. لذلك يتوجب اعادة كتابته بحيث يقطع الطريق الى النتائج التي نراها الآن واللاحقة المراد الوصول اليها وبطريق التجهيل التام بمحتواه.

-----------------------------------
روابط ذوات صلة بالموضوع :
تعرّف على من كتب الدستور
http://www.alsabaah.iq/ArticleShow.aspx?ID=145910
مراحل كتابة الدستور العراقي
http://www.alsabaah.iq/ArticleShow.aspx?ID=145909
ملاحظات حول الدستور العراقي الدائم – جريدة الصباح الجديد
http://newsabah.com/newspaper/52036
ظروف كتابة مسودة الدستور العراقي
http://www.aljazeera.net/specialfiles/pages/dfcb101d-1cf5-45e3-8175-970d5b7434ce
الدستور العراقي..لجنة كتابة مسودة عام 2005 | شبكة الاعلام العراقي
http://www.imn.iq/archives/200317



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن