هل يمكن اعتبار الجماعات المحلية أدوات تنموية ؟.....5

محمد الحنفي
sihanafi@gmail.com

2006 / 2 / 19

مسؤولو السلطات المحلية، و استغلال الوصاية على الجماعات المحلية :

و كما يستغل المسؤولون الجماعيون الموارد الجماعية لصالحهم، فإن مسؤولي الجهات الوصية يستغلون تلك الموارد عن طريق ابتزاز المسؤولين الجماعيين الذين يسعون باستمرار إلى المصادقة على مشاريعهم المقدمة إلى تلك المصالح.

و مسؤولو السلطة الوصية يستغلون جميع الفرص ابتداء بصناعة الخريطة الجماعية، و مرورا بإعداد اللوائح الانتخابية، و التحكم في توجيه الناخبين، و غض الطرف عن ممارسات بعض المرشحين، و انتهاء بإعلان النتائج التي تكون موجهة لجعل مسؤولي الجماعات المحلية رهن إشارة السلطات الوصية، و في خدمتهم.

و انطلاقا من هذه الممارسة، فإن مسؤولي السلطات الوصية يتحكمون في :

1) التنمية الجماعية على المستوى الاقتصادي حيث لا يصادقون إلا على المشاريع التي يرون فائدة لهم على مدى تواجدهم في المسؤولية باعتبارهم اكثر تطلعا إلى الاصطفاف إلى جانب الطبقات السائدة في المجتمع.

2) التنمية الجماعية على المستوى الاجتماعي حيث يساهمون كثيرا في الاستفراد بإسناد المشاريع إلى مختلف المقاولات، بناء على علاقة خاصة بها، و ليس على أساس المناقصة التي تجرى بطريقة ديمقراطية، لا أساس فيها لأية شبهة سواء تعلق الأمر بإنشاء المؤسسات التعليمية أو الصحية أو السكنية، و هو ما يعتبر أنه بقدر ما يتقرر إنشاء مؤسسات اجتماعية و صحية بقدر ما تكون هناك إمكانية الاستفادة بسبب حاجة الجماعات المحلية إلى المصادقة عليها.

3) التنمية الجماعية على المستوى الثقافي حيث تقوم السلطات الوصية بالتحكم في إنشاء المؤسسات المحتضنة للجمعيات الثقافية و التربوية، فلا توافق على انشائها، أو توسيعها إلا إذا رأت كذلك فائدة لها.

و ما تقوم به السلطات الوصية يعتبر عملا معرقلا للعمل الجماعي من جهة، و للتنمية الجماعية من جهة أخرى.

و قد كان المفروض في مسؤولي السلطات الوصية باعتبارهم مسؤولين عن تطبيق القانون، أن يقوموا بمراقبة المسؤولين الجماعيين، و أن يعملوا على محاسبتهم في حالة ثبوت تلاعبهم بالمال لعام للجماعات المحلية، و تفعيل مبدأ من أين لك هذا لحماية الجماعات المحلية من عملية استنزاف الموارد الجماعية بطرق غير واضحة.إلا أن هذه السلطات الوصية لا تقوم بأي شيء من ذلك، بل تغض الطرف عن استغلال الموارد الجماعية لحاجة في نفس يعقوب كما يقولون.

و الواقع أن الجماعات المحلية في حاجة إلى هيأة للرقابة على ضبط الموارد من جهة، و على صرف تلك الموارد من جهة أخرى و على التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية للجماعة. و هذه الهيأة تتمتع بالصلاحيات الكاملة لمحاسبة مسؤولية السلطات الوصية. و قد يعتبر البعض أن المجلس الاعلى للحسابات هو الذي يلعب هذا الدور. فنرد عليه بأن هذا المجلس غير مستقل عن الحكومة، لأنه يعمل تحت أشرافها. و الحكومة متكونة من الأحزاب المتورطة في نهب موارد الجماعات المحلية. ولذلك فهذا المجلس سيكون مجلسا صوريا، لا دور له، و لا يمكن أن يقوم بأي دور، لمحدودية تأثيره، و هو في الأصل وجد لاعطاء الشرعية لمسلكية المسؤولين الجماعيين من جهة و مسؤولي السلطات الوصية من جهة أخرى و بذلك يبقى الأمر على ما هو عليه إلى حين.

ما العمل من اجل جماعة محلية للتنمية ؟ :

و حين تقوم الجماعات المحلية بدورها التنموي في إطار التنمية الوطنية العامة، لابد من القيام بإعادة النظر في الممارسة التي ينتجها المسؤولون الجماعيون من جهة و مسؤولو السلطات الوصية من جهة ثانية. و للوصول إلى ذلك لابد من :

1) مراجعة الدستور من أجل جعل سيادة المواطنين على الجماعات المحلية مضمونة، لأنه بدون تلك السيادة لا نستطيع جعل المسؤولين ينكبون على العمل الجماعي الجاد.

2) مراجعة القوانين المنظمة للانتخابات حتى تتضمن ضمانات إجراء انتخابات حرة و نزيهة و حتى يتم وضع حد للتلاعب بالنتائج، و ارتكاب الخروقات المختلفة، سواء من طرف الجهات الوصية، أو من طرف المرشحين الذين يجب أن يخضعوا للمساءلة القانونية أثناء القيام بالحملات الانتخابية. ذلك أن القوانين الانتخابية المدققة تساعد على تجنيب الجماعات المحلية الكثير من المشاكل، و تفرز مجالس جماعية في مستوى تطلعات المواطنين.

3) مراجعة الميثاق الجماعي لإزالة كل ما يتعارض مع الممارسة الديمقراطية الحقة، و مع إعطاء الاستقلالية للمجلس الجماعي، و تمكين جميع أعضائه من ممارسة الرقابة على المكتب بصفة عامة و على الرئيس بصفة خاصة، و على السلطات المحلية التي يجب وضع حد لوصايتها حتى تصبح مجرد مساعد للمجلس على تنفيذ برامجه التنموية، و مراقب له، و محاسب قانوني. و حتى يتضمن القانون الجماعي بنودا واضحة حول التقرير و التنفيذ، و التمويل و الصرف، و التوظيف حتى لا تبقى مجالات للتلاعب بمصير الجماعة، و في أفق جعل الجماعة أداة تنموية رائدة.

4) تحريم شراء الضمائر في الانتخابات من قبل الإقطاع و البورجوازية الهجينة نظرا لما لذلك من اثر في إفساد الحياة السياسية بصفة عامة، و في التأثير على نتائج الاقتراع بصفة خاصة، و لكونه يستغل جهل الناس و فقرهم، و يكرس عادة المتاجرة بالضمائر حتى من قبل الأشخاص الذين يفترض فيهم الامتناع عن بيع ضمائرهم.

5) تجريم كل اشكال التزوير التي تعتمدها السلطات الوصية، و التي لا تتناسب ابدا مع رفع شعار الممارسة الديمقراطية. كما تتناقض مع ادعاء الحرص على اجراء انتخابات حرة و نزيهة، سواء تعلق الامر بالشوائب التي تجعل اللوائح غير صالحة، أو بتغيير النتائج، أو بالسماح باقامة الولائم بمناسبات مختلفة، أو بدون مناسبة، أو بغض الطرف عن شراء الضمائر، أو قيام المقدمين و الشيوخ بتوجيه الناخبين.

6) تمتيع المجالس الجماعية بالاستقلالية التامة عن السلطات المحلية و الاقليمية و التنفيذية، سواء تعلق الامر بالتقرير أو التنفيذ، مع مراعاة التنسيق الاقليمي و الجهوي و الوطني حتى تتكامل التنمية مع الجهات المعنية بالمساهمة، و مع مراعاة عقد الشراكة مع تلك الجهات حتى لا تتبدد الجهود، و حتى تكون المساهمة التنموية متكاملة.

7) ضمان تمتيع الجماعات المحلية بالحد الادنى من الموارد بما يتناسب مع حاجيات التسيير اليومي، و مع ضرورة احداث تنمية اجتماعية أولية في مجالات التعليم و الصحة و السكن و التشغيل.

8) ضمان امكانية تطوير تلك الموارد لمواجهة الحاجيات الطارئة عن طريق البحث المستمر، و القيام باستغلال ممتلكات الجماعة، و اتاحة الفرصة لتوظيف رؤوس الاموال الاجنبية و الوطنية في تراب الجماعة.

9) انشاء هيئة وطنية مستقلة مختصة بمحاسبة المسؤولين الجماعيين تتمتع بحق احالة الملفات على القضاء. و مهمة هذه الهيأة هي القيام بمراقبة تنفيذ المقررات التنموية التي تقوم بتقويم التكاليف الحقيقية لانجازها حتى لا تتحول إلى مجرد وسيلة للسطو على موارد الجماعات المحلية.

10) وضع مخطط خماسي لكل جماعة محلية على حدة يتضمن خطوطا عريضة للتنمية الجماعية حتى تسترشد به المجالس الجماعية مهما كانت خصوصيتها حتى لا تبقى الجماعات المحلية رهينة بما هو آني فقط، بل ترتبط بما هو مستقبلي ايضا.

11) محاسبة الجماعات المحلية على مدى تنفيذ بنود ذلك المخطط من قبل الهيئات المحلية و الوطنية للوقوف على مدى التزامها به.

12) إشراك المواطنين من خلال لجان محلية مشكلة حسب الدوائر الانتخابية في وضع دراسة لكل جماعة على حدة تعتمد للوقوف على الحاجيات، و على الأولويات في التقرير و التنفيذ.

13) اعتبار الحاجيات الآنية في المجالات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية في عملية اجرأة تنفيذ المخطط الخماسي.

14) استهداف التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية بالعمل الجماعي حتى يكون عملا فاعلا، و متفاعلا في نفس الوقت مع التنمية الإقليمية و الجهوية و الوطنية.

15) اشتراط التوفر على مستوى قانوني معين لتحمل المسؤولية الجماعية، أو لشغل وظيفة من وظائفها.

16) انشاء هيأة جماعية للتدقيق في الحسابات الجماعية تكون مستقلة عن الجماعة، و تتمتع بصلاحية احالة الملفات على القضاء في حالة ارتكاب خروقات معينة من قبل المسؤولين الجماعيين، أو من قبل المقاولات، أو من قبل موظفي الجماعات المحلية، و ترفع هذه الهيأة تقاريرها إلى نظيرتها على المستوى الوطني.

17) سحب اختصاصات التوظيف المباشر من المسؤولين الجماعيين الرئيسين، و اشتراط مبدأ تكافؤ الفرص بين ابناء الجماعة الواحدة بعد الإعلان عن الوظائف الشاغرة أو الجديدة من اجل تنظيم مباراة حولها.

18) وضع مساطر مبسطة للتعامل مع الجماعات المحلية في مجالات التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية حتى تجذب إليها المشاريع التنموية. و بذلك نكون قد حاولنا الاجابة على السؤال ما العمل من أجل جماعة محلية للتنمية ؟ حتى نرسم الخطوط العريضة للحياة الجماعية، و حتى تكون تلك الحياة وسيلة لبناء الانسان الذي هو أساس كل تنمية في هذا الواقع.

خاتمة :

و الخلاصة التي نصل إليها أن الشكل الحالي للجماعات المحلية و لو في ظل الميثاق الجماعي الجديد. لا يمكن أن يساعد أبدا على تنميةاقتصادية و اجتماعية و ثقافية ما لم تتغير الشروط القائمة بشروط تجسد الممارسة الديمقراطية الجقيقية التي تساهم في جعل سكان الجماعات يختارون من يمثلهم في الجماعات المحلية اختيارا حرا و نزيها، بعيدا عن كل اشكال التزوير التي تمارسها السلطات الوصية، و بعيدا عن ابتزاز الاصوات عن طريق شراء الضمائر، و في اطار دستور ديمقراطي تكون فيه السيادة للشعب، و قوانين انتخابية مكرسة لنزاهة الانتخابات إلى غير ذلك مما تناولناه من خلال هذه المعالجة التي استعرضنا فيها الدور التنموي للجماعات المحلية، و عوائق التنمية الجماعية، و هل يمكن اعتماد الجماعات المحلية عدوات تنموية، و معاناة المسؤولين الجماعيين من عقلية الاستبداد على مستوى التقرير و التنفيذ، و دور المؤسسة المخزنية في تحريف العمل الجماعي، و دور السلطات المحلية في استغلال الوصاية على الجماعات المحلية، كما استعرضنا الخطوات التي نرى ان اتباعها يقود إلى تنمية جماعية حقيقية.

هل يمكن أن نتصور أن الانتخابات الجماعية التي عرفها المغرب في عهد الاستقلال، انتجت مجالس جماعية اهتمت و تهتم بمجالات التنمية الحقيقية بعيدا عن الحسابات الحزبية الضيقة، أو الشخصية الضيقة ؟

و هل يمكن أن نعتبر أن المجالس الجماعية قامت و تقوم بعملها في استقلال تام عن السلطة الوصية؟

إننا امام اشكالية قائمة في الواقع اسمها العمل الجماعي الذي لا يمكن اعتباره، و منذ وجود الجماعات المحلية في تاريخ المغرب الجديد إلا سلما للتسلق الطبقي، و ما سوى ذلك ليس إلا طريقا لذلك التسلق.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن