ظاهرة التطرف الديني ( أسباب وعوامل)

عصام أسامه عبد العزيز
Sniper3sam2020@gmail.con

2017 / 10 / 16

ظاهرة التطرف الديني ( أسباب وعوامل)
تشهد الحقبة الحالية اوضاع من الصراع والنزاع الدموي ، ووصل التناحر لأشده ، ومع اتساع رقع العنف الراديكالي الدائر في مناطق بؤر صراع الربيع العربي ، ونجد ان الجدل المرحلي يتركز حول تحديد منبع مظاهر التطرف الناتجة عن تيارات الإسلام السياسي المتمثلة في حركات السلفية الجهادية(تخصيص) .

ويدور التساؤل -هل الازمة تكمن داخل التراث ذاته أم ترجع إلي الواقع الإستبداد السياسي ؟!

وتمهيدا لطريق الكشف عن عوامل -نشأة التطرف الديني- يقتضي البدء من تعريف العنف كظاهرة انسانية مركبة عامة وذلك لتنسيق وترتيب العوامل وربط المقدمات بالنتائج وتفادياً لمغالطة " حدث قبله إذا هو سببه" ومن ثم نحاول توضيح مسببات نتائج الوضع الحالي ودوافعه ،و يتسني لنا بعد ذلك تفكيك ظاهرة التطرف الديني لبلورة صورة مترابطة تعبر عن جوهر الاسباب الرئيسية لتكوين العنف الديني ، ولذلك و قبل محاولة استقراء الوضع و جمع طلاسم المشهد العام لتحديد العوامل الفاعلة في خلق التطرف ، يجب ان نبدأ من تعريف سلوك العنف في العام (ولا استخدم مصطلح الارهاب لما له من استخدام سياسي اختزالي) ومن ثم الولوج منه الي الجانب السياسي وتحديد أثر تبدياته .
*العنف إختصاراً ، كحركة تبعث عن حالة عدم الإستقرار والتسبب بالأذي للغير ،فهو استخدام فعل القسر والاجبار والتعسف في استخدام القوة سواء من " فرد/جماعة/دولة" علي نظيرها ، ونكتفي بالتعريف العام دون عرض اشكال وصور العنف ومظاهره ونقف من خلال مفهوم العنف لنسبل أغوار ظاهرة العنف في التاريخ.
*تاريخياً : استخدام العنف والقوة لازمت الانسانية منذ مطلعها ووجود الانسان العاقل الاول "Homo sapian" ، ونجد طرحين بارزين في علاقة العنف بالتاريخ ، الاولي القول بان -العنف مدشن التاريخ- وعبر عن ذلك الفيلسوف والسياسي الانجليزي تومس هوبز عندما ربط ظهور التاريخ بنشأة الاجتماع والدولة واعتبر حياة الانسان قبل ذلك مجرد طبيعية حيوانية تسودها حالة العنف المعمم فلا وجود لسلطة تكبح النوازع العدوانية وتقنن التنافس في صراع البقاء ، ويشترك سيجموند فرويد في نفس طرح هوبز حيث يرى الإنسان كائن عنيف وعدواني بطبعه وذلك على اعتبار أنه محكوم بغرائز فطرية واهواء تحتم عليه القيام بسلوكات ذات نزعة عدوانية قصد إشباع حاجته حتي ان العقل لا يكبح ذلك ، ولذلك اعتبر هوبز العنف مؤسس الاجتماع والدولة التي تحتكر العنف وتملك سلطة تجعل من العنف مؤسسي ، وتبني فرويد ذلك ايضا في تحليل وجود المؤسسات الدينية ، والطرح الثاني يعرض العنف كظاهرة داخل التاريخ وعبر عن ذلك كارل مركس ، بالتأكيد علي أن العنف وليد الصراع الطبقي ، فبعد مجتمعات المشاعة الاولى وانقسامها الي طبقات تتمثل في الطبقة المستغِلة والطبقة والمستغَلة (أحرار vs عبيد ،، اقطاع vsاقنان ،، برجوازية vsبروليتاريا") ومن خلال التحليل الماركسي يتحدد العنف في شكلين " السياسي والاقتصادي " ويكون العامل الاقتصادي صاحب الدور الاساسي كمحرك لتطور المجتمعات ،ومع الاختلاف في التحليل لدور العنف في التاريخ الا ان العامل الواضح لدينا في كون العنف ظاهرة انسانية مركبة و متعددة الجوانب والتغييرات، ولا يمكن تفسيرها بمتغير أو عامل واحد فقط فالمؤكد أن هناك مجموعة من العوامل تتفاعل بل تتداخل وتترابط وتؤثر بعضها على بعض سلباً أو إيجاباً وتتسبب في تشكل التطرف ولذلك يجب التعاطي مع ظواهر العنف ك التطرف الديني من كل اتجاه سواء .. اقتصادي ، سياسي .. اجتماعي ونفسي
*العنف ومشروعيته
وكما اوضحنا أعلاه أن مع ظهور الدولة بدأ العنف المؤسسي ، واحتكرت الدولة القوة واستخدام العنف وسلب الجماعات والافراد منه وذلك بإضفاء عملية شرعنة من المجتمع لحق الدولة بذلك وإستناداً لتعريف ماكس ڤايبر للدولة- بأنها هي التي تدعي احتكار العنف المادي المشروع ويجب ان تتم عملية الاحتكار باضفاء الشرعية والمبرر لاستخدام العنف -وداخل الدولة يتصارع المجتمع حول السلطة وتتنافس الطبقات ومن ثم نجد اطروحات مثل الماركسية تشرعن العنف الثوري من قِبل البروليتاريا ، والمقاومات للاحتلال والاستبداد تشرع في وقت ما حق الاغتيال السياسي مثلا ومعظم الثورات تقوم علي مظاهر العنف المندلع منها ،فاذا العنف هنا يمثل اداة رفض واعتراض ووسيلة للضغط لتحقيق أهداف معينة " سياسية او اقتصادية ..." وياتي اللجوء للعنف كخيار نهائي وضروري في حالات الرفض المطلق والراديكالي ويكون لاصحابها بالطبع رؤية وشرعنة لذلك.

عوامل تحليل العنف:-

ونأكد انه لا يمكن ارجاع ظاهرة العنف إلي عامل محدد ولذلك لا يمكن فهمها إلا في سياق تركيبها وسنحاول قراءة الواقع من خلال ما تيسر من العوامل بالترتيب والحركة التالية :
-العامل السياسي والاقتصادي
-العامل الاجتماعي "sociology"
-العامل النفسي "psychology"
-العامل الثقافي والديني
وقبل السرد الاستقرائي للعوامل وتكوين قوام التطرف الديني ، يجب التمييز بين الاسباب المباشرة الفاعلة لحدث التطرف وبين تلك العوامل الغير مباشرة،والتمييز بين أصل ومحور الأزمة وبين الأسباب والعوامل البنائية الكامنة والتي تعتبر بمثابة المظهر او الحافز والشرارة ، فواقعة تعذيب الشاب خالد سعيد قبل الثورة المصرية لا تعتبر سبب مباشر لاندلاع الثورة و لا حتي بسبب ارتفاع الاسعار ، ولكن يكمن في مجموعة من الاسباب المتراكمة والمترابطة بالواقع أدت بالازمة للإنفجار من شدة الضغط، ويجب التنبيه إلى أن التأثير النسبي لهذه العوامل ليس واحداً بل يختلف من دولة إلى أخرى طبقاً للاختلافات والتمايزات المرتبطة بالتركيب البنيوي .

الطبيعة السياسية والاقتصادية:-

‎ ويبدأ العرض التحليلي من المشهد العام والعالمي ، عالم السياسة والنظم الاقتصادية ،حيث هيمنة القوى العظمي والشركات والعولمة وفرض القوي للتبعية سياسياً وإقتصادياً والسعي الدائم للحفاظ علي التوسع والهيمنة ،وطبيعي ان السياسة التوسعية عبر التاريخ أخذت شكل تطور الواقع ، من الغزو المباشر المعلن إلي السيطرة والتبعية الغير معلنة ،العصر الوسيط والتوسع العربي الاسلامي ومن بعد السيطرة والغزو علي ايدي الاسبان والبرتغال ، وعصر الثورة الصناعية وهيمنة الانجليز والفرنسيين ( الإمبريالية الجديدة) وما بعد الكولونيالية وعصر الذهب والدولار ( مؤتمر بريتون وودز )،
والسطو الأمريكي ، وكل نزعات البشر من أجل السيطرة والتفوق لابد ان يصاحبه الجشع في إمتلاك القوة المادية والإقتصادية التي تمكنه من فرض الهيمنة وذلك عبر اخضاع اكبر قدر من مصادر الموارد تحت السيطرة والنفع سواء المباشر او غير المباشر ، وبما أن الإحتلال المباشر أصبح غير مناسب للعصر وحقوق الامم وتقرير المصير ، فيكون المناسب نزع الاستقلال الذاتي عن أحقال النشاط الإقتصادي ومصادر الموارد والاستفادة من استمرار بؤر الصراع في مناطق والارتباط بمصالح مع طبقات حاكمة شمولية وفي الاغلب تكون عسكرية ..
..الادارة السياسية إنعكاس للمصالح الإقتصادية..
الغزو من خلال المشاريع والشركات ،والسيطرة من مبرر المساعدات الدولية وتخفيف الفقر والبؤس وكل هذه الشعارات من الايثار ، ما هي الا ايثار للذات ،وهذا الشكل الامبريالي الحديث في استعباد الشعوب من اجل الموارد والطاقة ،و تحويل البلاد الي عنقود من العنب يختار منها ما نفع ( حليف وتابع وحقل موارد ومشاريع وربح) -هذا حكم الشركات الذي قسم العالم الي مناطق اقتصاد نوعية تخدم كل منها علي حده اغراض واهداف الشركات الامريكية -( فنزويلا والخليح والمكسيك للنفط .. امريكا اللاتينية للعمالة الرخيصة .. الصين للاستهلاك) ،ولذلك تستخدم الامبريالية منظمات كـ صندوق النقد والبنك الدولي كأداة تضغط من خلالها علي دول العالم الثالث لفتح اسواقها امام الشركات متعددة الجنسية والعولمة التجارية، وكل ذلك من مظاهر استغلال البلاد التي اسموها النامية -موارد طبيعية وعمالة رخيصة -هي التي تزود مشروعات وانشطة الشركات التجارية " حكم الشركات Corporatocracy " ،واستمرار تتابع السيطرة علي الشرق الاوسط والاقصي بالهيمنة الاقتصادية والتدخل السياسي والتجزئة والتفتيت وتقسيم العالم لقطاع متقدم وقطاع نامي ومتخلف ، يخلق حالات رفض اجتماعي واحتقان داخل مجتمعات الربيع العربي (كنموذج)، ويتشكل من رحم الحالة والمعاناة حركات مقاومة بايدولوجيات مختلفة ناقمة ورافضة للسطو والهيمنة والتبعية واعتراضا علي سلب الارادة والاستقلال السياسي الغير مباشر، وقهر وقمع الاستبداد السياسي العسكري واحتجاجات آخرى تندلع من تبعات التراجع المعيشي والفشل الاقتصادي والتنموي ، وقد جاءت رياح الربيع العربي تعبيراً عن روح التغيير والتعبير عن الذات والتطلع لاهداف كثيرة مفقودة، وظهور العنف مع الثورات بتفاوت نسبي ، يكون ناتج بالأصل عن حالة اضطراب واحتقان من وضع ما .
ومن هنا ننطلق خلال الوضع الاجتماعي
العامل الاجتماعي
يتحدد المنظور الاجتماعي علي قدر سمات ملامح الشكل السياسي والاقتصادي الموجود ، فيرتبط التوازن الاجتماعي باستقرار الاوضاع السياسية والإقتصادية وتحقق حالة توازن داخلي ، تجعل المجتمع في وضع سلم واستقرار ، ويظهر ذلك بناءً علي درجة الصراع ومعادلة القوى الداخلية وتأثير الهيمنة من الخارج ،فكما سبق القول ان العنف يؤدي لوضع غير مستقر ولكن ذلك لا يعني بالضرورة ان الوضع كان مستقر بالاساس ، بل علي العكس ، يغلب ان يكون ناتح عن حالة غضب متراكم واحتقان كامن ، ينفجر من شدة الضغط ،وهذا ما شهدناه في حركات الربيع العربي -حالة غضب اندلعت كالنار في الهشيم وظهرت المطالب الاجتماعية والتعبير عن اللا عدل الاجتماعي والاستغلال الطبقي -وخرجت جماعات وحركات سياسية الي مشهد ،والتي كانت تعاني من فقدان التمثيل السياسي ، وسعي التقلب الاجتماعي نحو أسس الديموقراطية والمواطنة وهي المشاركة المجتمعية والتمثيل لجميع فئات المجتمع ،وذلك يجعل مجال الصراع والتنافس داخل الاطر السياسية بآلاليات المؤسسية والقانونية وبالتالي الي توازن اجتماعي واستقرار ،ومع تراجع بعض الانظمة من جراء الانتفاضات مثل مصر وتونس .. واستمرار الصراع " سوريا وليببا واليمن " .. ادي لخلق سقف من الامال والطموحات الجديدة للتغيير الجذري عن ما سبق ،وبقي مكسب الهوية والتمثيل السياسي حق غير قابل للتراجع عنه ،ومن هنا يتشكل العامل النفسي مجتمعياً

العامل السيكولوجي " نفسياً "

وتأتي خيبات جيل الربيع العربي من الحقبة الحالية ، وذلك من جراء السير في الاتجاه المضاد لما كان متوقعًا من الثورات لصالح اهداف التغيير والحد الادني منها وهو التمثيل السياسي والمجال المفتوح ،اما الاثر الاقدم في الشخصية العربية يتلخص في تاريخ العدوان القريب علي افغانستان والعراق بالاخص ، وكل ذلك تحت مسمى الحضارة ، وكل تلك الممارسات المناقضة للمبادئ التي تأسست عليها الحضارة ، قد القت بظلالها داخل وجدان الشعوب العربية وكل أشكال الهيمنة وفرض الإرادة بقت جلية عن السابق، وهذا الشكل يعبر عن حالة من الحرمان والاحباط من الحضارة ، بالاضافة الي احباط فشل مشاريع التنمية الداخلية والتفاوت الواسع سياسيا واجتماعياً .
ومن بعد علو الطموح والامال في الربيع العربي وتغير مجرى الاحداث وتحولها الي خريف زابل الحصاد ، رسخت تلك الفترة حالة من الهزيمة والاحباط نتج عنها حالة شعورية جمعية بالفشل وعدم الجدوى من التغيير ، ومن هنا يكون أقصر طرق العجز هو خيار العنف ، ولذلك وجدنا تلك الفترة هي الاكثر قابلية للترويج والانضمام للتنظيمات العنيفة ، وهنا لا اتحدث عن سبب نشأة تلك الجماعات " القاعدة/ داعش .. او غيرها ( لذلك موضع اخر) ولكن لتبين مدي تزايد التفاعل الملحوظ خلال فترات سقوط الربيع العربي، فبالطبع اعضاء المجتمع الاكثر رفضاً للواقع والاشد عجزاً عن تغييره ، تمثل لهم تلك التنظيمات طوق نجاة يستوعبهم من حالة الهزيمة ويعيد تجديد الأمل داخل نفوسهم ، ولكن ذلك يتطلب وجود بديل فكرى يجذب الثقة ويشكل المثال الافضل من الوضع وتعويض ضياع الهوية ، ومن هنا ننتقل إلي
المحور الثقافي والاعتقاد الديني :
ومما سبق من تكوين صورة عن سيرورة وجدلية الواقع وعن طبيعة العنف وتبدياته في شكل الرفض السياسي والاجتماعي ، ويأتي دور البنية المعرفية والموروثات الثقافية ، وامتداد لعوامل نشأة ظاهرة التطرف الديني ، يتمثل المحور الثقافي هنا في جانبين :
- القالب المشكل لسمات شكل فعل العنف (التطرف) -ويترتب ذلك بناءاً علي أبعاد الظاهرة الدينية الخاصة ، حيث أن الفهم الديني السائد يعبر عن طبيعة شمولية ، مما يحبذ الحس الطائفي والتعصب الناتج عن الاعتقاد بامتلاك المعرفة والصواب المطلق.
-العامل المحفز والمحدد لقابلية تبديات العنف من الجانب القيمي ، وهذا الملمح يربط الحاجة للعنف كضرورة في السياق السياسي والاجتماعي ولذلك يحتاج لقيمة ثقافية تضفي المشروعية علي الافعال العدوانية والمتطرفة، بالاضافة الي تحديد عنصر الجدوى من ذلك ( هدف/بديل) .
ولان المعتقد الديني هو المصدر الاساسي للتكوين الثقافي للمجتمع ، ومع التقدم والتنمية من حولنا ، يطمس الوجدان المجتمعي في حالة من فقدان الهوية الثقافية التي يؤمن بفاعليتها وصلاحيتها اللامنتاهية ، وتكون هذه الحاله النفسية الكامنة و المستشرية -في الشعور بالحنين للماضي " نوستاليجيا" - وتحقيق فترة المثال المنشود (حقبة الجيل الاول في عهد النبوة والخلافة الراشدة " ومفهوم السلف الصالح) ولذلك كان الحنين لنقل مظاهر الماضي للحاضر هدف أسمى لإسترجاع الذات المفقودة - وهذا الفكر الارتكاسي قابع برجعيته في الوعي الجمعي - للمجتمع ،فالتاريخ المعروف عن الخلافة الاسلامية وفترات الهيمنة والتوسع ، يجعل الموروث الثقافي والمعرفي-الإعتقاد الديني- ذو مكانة تاريخية فاعلة .
ومن هنا يكون مدى العنف وملامحه ، مستمد من التاريخ والنصوص المرتبطة بسياقها ، ومع نسبيه مدلولات النصوص و خضوعها لعلاقة جدلية بين الفهم البشري - ب إعتبار الظرف المكاني والزماني- و النص ، ويكون شكل التطرف المستمد من النصوص الدينيه - مخالف لقيم العصر الحالي وذلك كما بينا لاعتماد نفس قيم العصور المنقضية ، وتلك الرجعية الارتكاسية هي سمات الفهم الديني الاصولي والشمولي السائد الذي يمثل احتكار مطلق للمعرفة والصواب ، ويتجلي ذلك في كل مظاهر حركات التطرف سواء ضد الاقليات والطوائف المختلفة او ضد الابداع والتقدم الساري.
ومن المهم توضيح أن التحليل محل البحث ، لا يهمش من أثر إشكاليات الموروث وجمود الفقه وقصور آليات الإجتهاد القديم مع مقتضيات العصر ، وإنما هو محاولة لوضع فاعلية كل أثر في سياق بناءه التركيبي محل الظاهرة بما يتناسب مع السياق الموضوعي والتاريخي. أما موضوع أزمة الخطاب الديني -كونه محور هام في الحفاظ علي بيئة خالية من التعدد والإختلاف - والتي تعبر بالفعل عن عقبات في قضايا التعايش وقبول الأخر ، مما يجعل تقدم وتطور المجتمع موقوف ، وبالرغم من أننا نرى بالفعل أن التراث يقف وراء عديد من الاحداث كعامل مباشر للتطرف (طائفية وتحريض ) ولكنها تكون في الاغلب بشكل عرضي ، إذ يرجع ذلك لقوة الانظمة السياسية وترابط منظومة المال ، مما لها القدرة علي التلاعب بالعامل الديني .
أما تداول العامل الديني والثقافي كعامل رئيسي وسبب مباشر لظهور حركات الجهاد الراديكالي(المتطرفة) في المنطقة ، ينطوي علي الكثير من عدم الاتساق مع نسق تحليل وترابط العوامل الآنف ذكرها ، فإدعاء أن السبب الجوهري يكمن فقط من جراء وجود نصوص تحض علي العنف ، تحليل قاصر وغير كافي لشرح مظاهر الاحداث وارتباطها ، فالتعامل الموضوعي يتناول دراسة المعتقدات الدينية - كظاهرة انسانية واجتماعية قابلة للتغير والتطور وحتي الاندثار- فإذا نظرنا إلي ديانات غير شمولية كالهندوسية (لا تبشيرية)/ بوذية -نجد بعض مظاهر التطرف منذ عقود- وذلك بالرغم من خلو الديانتين من اي نصوص محرضة علي التطرف ، ولكن كما اشرنا ان كل حدث مرتبط وناتج عن مسببات من جدلية الواقع مثل احتكاك الهندوسية بالديانات الشمولية مما اوجد بعض التناحرات والتطرف ، ومن ناحيه آخرى فإن قياس دوافع نشأة الحركات المتطرفة بالتماثل مع نشأة حركات التوسع(ما يسمي الفتح العربي) يقع في نفس المغالطة ، التي تتصورها تلك الجماعات من إقامة السابق علي الحاضر.
ولذلك نأكد ختاماً :-
أن التطرف الديني كأحد مظاهر العنف حدث مركب ، وبعد عرض عدة جوانب، ألقينا الضوء علي العوامل المباشرة والتي ترتكز علي - غياب التمثيل السياسي وفقدان الهوية واللا عدل الإجتماعي- والتي بدوره أدت لخلق مساحات كبيرة من الرفض الجذري للمنظومة ككل اقليمياً ودولياً ، فيرجع الجوهر ولب ظهور حركات العنف المتطرف إلي الردة علي مظاهر فرض الثقافة والتبعية وسلب الهوية ،والتطرف -المشرعن- من قبل الدول العظمي وكل ما شهدناه من جرائم جماعية ، وما كان لكل عاجز وغريق غير الإستنجاد بالماضي العريق والتاريخ المسطر ، وهنا تكون دور البيئة الثقافية الإرتكاسية-الرجعية- المعيقة للتقدم والنمو ، والتي تقوم بشرعنة عنفها بناء علي الحس والديني والمقدس.





https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن