قانون العنف الاسري الفرص والتحديات

حسن كاظم عبيد
hassan20828@yahoo.com

2017 / 10 / 11

قانون العنف الأسري الفرص والتحديات
يعتبر مشروع قانون العنف الأسري من المشاريع الإستراتيجية على الصعيد المجتمعي إلا أن مجلس النواب العراقي لم ينجز إقرار هذا القانون بالغ الأهمية بل ولم يدرجه على لائحة القوانين قيد التشريع التي يعلنها الموقع الالكتروني الرسمي لمجلس النواب على الرغم من أن انتهاء ثلاث سنوات من عمر البرلمان .وهو القانون الذي يمس أنماط حياة الفئات الهشة في المجتمع ،المرأة والأطفال وكبار السن وهم ايضاً الفئات الأكثر تعرضا للعنف الأسري.هذا العنف الذي لا تقتصر أساليبه على العنف الجسدي أو العنف المادي الذي يمكن أن يمارس بين جدران المنزل بل قد يشمل هذا العنف صوراً أخرى محسوسة ولكنها غير منظورة في نفس الوقت، فبالاستطاعة أن نذل أو نجرح أو نهين أو نقتل الآخر بدون أن تمتد لنا يد أو يرفع لنا صوت عنف اقل ما يقال عنه بأنه عنف فاسد وهو عنف يقوم أساساً على استنزاف الآخر معنوياً ونفسياً ويمكن للفرد أن ينجح بتدمير الآخر بانتهاج هذا الأسلوب الملتوي ،تقول ماري فرانس صاحبة كتاب الاستنزاف المعنوي والعنف اليومي الفاسد (انه بالإمكان فعلياً عبر كلمات غير مؤذية ظاهرياً وعبر تلميحات وإيحاءات وسكوتات أن نزعزع أنسانا ما او نحطمه من دون أن يتدخل المحيط)عنف يحيد المحيط الاجتماعي ويتفرد بالضحية.
ان المجتمع العراقي يشهد نوعاً من التسامح إزاء هذا العنف الرمزي بسبب الأعراف والعادات والتقاليد السائدة التي تسمح بان ينظر إلى هكذا ممارسات وهكذا عنف على أنها "تفاهمات" أو شجار عائلي ما يجعل هذه الانتهاكات تمارس داخل الأسرة على مرأى ومسمع الأهل والأقارب والجيران،وباسم الحفاظ على الخصوصية وعدم التدخل في شؤون الغير تنتهك كرامة الفئات الأضعف داخل الأسرة. من اجل هذا جاء قانون تجريم العنف الأسري ليتصدى لهذه الانتهاكات التي لا تقف آثارها عند حد ضحايا العنف فقط بل تنتقل لتتسرب إلى المجتمع ما يعني مضاعفة هذه الآثار السلبية التي تلقي على الدولة ومؤسساتها المختلفة مسؤولية التصدي لهذه الظاهرة ومكافحتها ووضع الحلول المناسبة والمعالجات الكفيلة لحماية الفرد والأسرة والمجتمع من هذه الآفة الخطيرة.وبالفعل فان المادة الأولى من قانون العنف الأسري تحقق هذا الغرض إذ تشير إلى تعريف جريمة العنف الأسري على أنها (الاعتداء الجسدي أو الجنسي أو النفسي أو الفكري أو الاقتصادي الذي يرتكب أو يهدد بارتكابه ضد أي فرد من أفراد الأسرة ضد الآخر)وتكمن اهمية هذا القانون كونه جرم ظاهرة العنف الأسري وجعلها تندرج ضمن العقوبات الجزائية فهي أما "جناية او جنحة او مخالفة "وتبنى رؤية إصلاحية تسعى للحفظ على كيان الأسرة وسلامة المجتمع ولا تقتصر هذه الرؤية على إيواء المعنفة او المعنف وإنما سعى أيضا إلى تحقيق الاركان الثلاث الأساسية للإصلاح وهي الوقاية والعلاج والرعاية اللاحقة. بل ذهب إلى ابعد من ذلك عندما اوجب على اللجنة العليا للحماية من العنف الأسري وضع السياسات العامة لمكافحة العنف الأسري في المجالات القانونية والصحية والثقافية والخدمية وأشرك القانون المادة الرابعة-ج - منظمات المجتمع المدني في الحضور والرقابة على عمل اللجنة العليا للحماية من العنف الأسري وهذه نقطة في صالح اللجنة العليا.إلا أنه لم يمنحها حق التصويت على قرارات اللجنة ما يعني أن هذا التمثيل وان كان جيداً إلا انه تمثيل يبقى ناقصاً وهنا لابد أن نؤشر إلى أهمية أن تجرى تعديلات على بعض الفقرات القانونية وتضاف أخرى.بالمقابل يبقى القانون مهم ومحفز لأنه أعطى حقوقاً للمرأة لم تعطى لها من قبل هذه الحقوق التي لا يمكن لها أن تسود في المجتمع إلا بسيادة القانون وأفول القيم القبلية والعشائرية وملازماتها العرفية والتعصبية.كما أنه يناصر قضايا المرأة والطفل وكبار السن ضحايا العنف الأسري وبالخصوص انه يمكن النساء من الاحتكام خارج إطار العشيرة التي يقوض من سلطتها وهيمنتها ونفوذها في المجتمع كجهة مرجعية للاحتكام وفض النزاعات .أيضاً يمكن لهذا القانون أن يكسر صمت المرأة اتجاه تعرضها او تعرض أطفالها لأي نوع من العنف سواء كان عنفا ناعماً أم عنفاً خشن.
أن إقرار القانون يمثل انتصاراً لقيم وأنماط السلوك الحضري وتراجعاً في سلوك وأنماط التريف في المدن وهو بداية جديدة لحقوق ظلت تنتهك لقرون من الزمن .وأمام كل هذه الفرص التي يقدمها القانون تبقى هناك تحديات كبيرة تواجه وثيقة القانون قد تعيق التنفيذ الناجز للقانون وفي طليعة هذه التحديات هو ضعف الدولة وضعف أدواتها التنفيذية نتيجة الأزمات التي يمر بها العراق منذ 2003 وهشاشة البنى المؤسسية المطلوبة لتنفيذ هذا القانون على ارض الواقع الاجتماعي.أيضا هناك عوائق تتعلق بالبنية الاجتماعية والثقافية للمجتمع العراقي باعتباره من المجتمعات الذكورية التي تعطي امتيازات خاصة للرجل دون المرأة في السلطة والقيادة والمسؤولية الأسرية ما يخول الرجل فرض سلطته على المرأة والأطفال وكل الأسرة ولوا تطلب الأمر ممارسة العنف لفرض هذه السلطة والهيمنة والتوجيه.فالموروث العشائري والقبلي يخول الرجل ممارسة العنف داخل الأسرة باعتباره حقاً من حقوقه المشروعة وهذا ما يوجد نوع من التساهل الاجتماعي اتجاه العنف وشرعنته.لقد احتاجت الحقوق التي تحفظ كرامة ومكانة الزوجة والطفل والأسرة في أوربا لأكثر من قرن من الزمن لتتأصل في القوانين النافذة والتشريعات ويُعترف بها مجتمعياً وهي حقبة ليست بالقصيرة ما يحيلنا إلى تساؤل عن الحقبة الزمنية التي يحتاجها مجتمعنا ليكون هذا القانون متأصلا في الضمير الاجتماعي لعقول ونفوس الأسر والعائلات في المجتمع العراقي الذي لازال يرزح تحت الكثير من الأعباء الثقيلة والأزمات المستمرة هذا التحدي يضع مسؤوليات ضخمة على عاتق منظمات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية والمنظمات المستقلة المدافعة عن حقوق الإنسان في سبيل صياغة هذه القوانين وإقرارها ومتابعة تنفيذها.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن