الأسئلة في قصيدة -ضحكات الثعلب- محمود السرساوي

رائد الحواري
read_111@hotmail.com

2017 / 10 / 4

الأسئلة في قصيدة
"ضحكات الثعلب"
محمود السرساوي
عندما يستخدم الشاعر/الكاتب الأسئلة فهو يريدنا التوقف عند أسئلته، والتفكير/التأمل فيها، وغالبا ما تكون الأسئلة ناتجة عن حالة احتقان يمر بها الكاتب/الشاعر، أو حالة عدم الرضا/الانسجام مع الواقع، فمن خلال نصه/قصيدته يقدمنا مما يشعر/يفكر فيه، فنحن هدفه، يسعى إلينا ليقدمنا من المعارف التي وصل إليها، لنشاركه تلك المعرفة والمشاعر التي تثيره، فعندما يكلمنا الشاعر كالأصدقاء له يشعر بشيء من الراحة.
شاعرنا "محمود السرساوي" يقدم لنا قصيدة مترعة بالأسئلة، فهو يريدنا أن لا نكون معه لأننا أصدقاء، بل لأننا مقتنعين ومؤمنين بما يقدمه لنا:

"......
لمن أفتح الآن هذا الحوار
وقلبي يبوح نداه المكسر"
إذن الدافع لهذا الحديث هو احتقان الشاعر، فهناك ما يجعله يشعر بحالة من الانكسار/الحزن/الاغتراب، فلا يجد من هو أهل لهذا الحديث/البوح غيرنا نحن القراء، فنحن هنا في موضع الأقرب له ومنه، لهذا خصنا بالحديث دون سوانا.
يبدأ الشاعر أسئلته بصيغة الاستنكار/الاستهجان لما حدث:

" كيف اتفقنا وكيف احترقنا
فما زلت اسمع خلف الزجاج هدير الصدى"
يمكن لهذا السؤال أن يأخذه أي تجمع سكاني في المنطقة العربية، فنحن في فلسطين ينطبق علينا بعد الانقلاب الذي حصل في غزة، ، وفي سورية بعد أن أخذت المصالحات تتوسع بين الفرقاء، ويمكن أن ينطبق أيضا عل حالة لبنان وبعد الحرب الأهلية فيه، ونأمل أن ينطبق قريبا على العراق واليمن وليبيا، لنخلص من حالة الخراب العمراني والسكاني معا، السؤال يأتي استنكار لما حصل، فعل يعقل أن تكون كل تلك الدماء والتشرد والخراب والدمار كانت بدون هدف سامي، بدون مبرر يمكننا أن نستند إليه لنريح ضمائرنا/انفسنا، وأن يكون كل هذا الخراب والقتل والتشرد مجرد عبث/نزوة اقترفناها في ساعة نحس؟
علينا نحن الإجابة، وأن نتوقف/نفكر بكل ما جارى.
يكمل لنا الشاعر أسئلته بهذا السؤال:
"أانت هنا.
إذن لست أهذي
إذا مت كوني الزهور العنيدة في عنفواني
وكوني احتراق الغرور المخبأ تحت الأغاني
وكوني زماني"
يربط الشاعر وجود الآخر بموته هو، وكأنه بهذا التواجد يؤكد على حالة الصراع الدامي التي أخذت احبتنا منا، وجعلتنا وجعلتهم في عالمين منفصلين.
يؤكد الشاعر على فعل الخراب الذي لحق بالمدن وبنا نحن من خلال هذا المقطع:

" فمن بعد صوتك كل المدائن ليست حناني
وهل قلت أن البحار استكانت على سر هذا الدخول المؤقت
في الرمل قبل البدايات قبل النهايات قبل الغوايات
قبل ال"
فالشاعر يرفض ما حصل ويريدنا ان لا نكون وقود له أو فيه، فمن خلال أسئلته يتأكد لنا أن هناك حالة من الخراب تتفشى فينا وعلينا أن نوقفها.
هناك حالة من التناقض/الصراع بين ما يرده الشاعر وما هو حاصل، لهذا نجده يوضح لنا هذه الحالة من خلال قوله:
"وما شأن قلبي
لينسى براءة ثلج تشرد حتى اشتهته القبور
وفي نحل وحدي
وداع قريب لعطر الزهور
فكن يا قصيد
جناحا لقلب سيبكي ذهابي
ويبكي غيابي
وينهض عند المرافئ مثلي
وينهض عند المرافئ مثلي
أنا الآن أرسم ظل الجنازة دون انكسار"
أذا ما توقفنا عن بداية السؤال:
" وما شأن قلبي
لينسى براءة ثلج تشرد حتى اشتهته القبور "
نجد صورة من اجمل الصور التي تحدثت عن واقعنا، فجمع بين بياض/نقاء الثلج والقبر/ وهذا الجمع بين متناقضين يعطي المساحة/المسافة التي تفصلهما، وبالتأكيد سنقف نحن مع بياض الثلج عند الشاعر ضد "القبر، الجنائز".
في نهاية المقاطع يطرح علينا الشاعر مجموعة أسئلة، لكنها أسئلة تحمل الاجوبة أيضا، وما علينا إلا التفكير فيها فقط:

"فمن اين أحفن قمحا جديدا لطير العيون
ومن أين أرفع نبع الغناء لهذا القمر
وكيف سأجمع زهر الشهيد
ولوز البعيد
أنا الآن أرسم ظل الجنازة دون انكسار
وحزن الوتر
لمن أفتح الآن هذا الحوار"
إذا ما توقفنا عند الألفاظ التي استخدمها الشاعر في المقطع الأخير سنجد البياض يغلب السواد "أحفن، قمحا، جديدا، لطير، العيون، أرفع، نبع، الغناء، القمر، سأجمع، زهر، لوز، العيد، الوتر، أفتح" فكل هذا الألفاظ بياض وتعكس حالة الأمل التفاؤل الكامنة في العقل الباطن عند الشاعر، فهو بالتأكيد يحمل لنا بوارق المستقبل الأبيض، لهذا وجدناه يستخدم هذا الكم من الألفاظ البياض.
وإذا ما توقفنا عند الفاتحة والخاتمة:
" لمن أفتح الآن هذا الحوار"
يمكننا أن نستخلص منها أنها كانت في بداية القصيدة استنكارية، لكنها في نهايتها كانت تفاؤلية تأكيدية، فهو بعد أن أفضى ما في نفسه من ألم/وجع واستراحت نفسه وهدئت مشاعره، وبعد أن قدم لنا المعرفة التي ستمنعنا من الانزلاق نحو الخراب والدمار السكاني والعمراني نجده يحمل الأمل بالخلاص من هذا الواقع لنتقدم مع حالة جديدة تحمل البشرى لنا ولوطننا.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن