تنامي الحركة الإنفصالية السودانية والعالمية

سعد محمد عبدالله
simsimp666@gmail.com

2017 / 10 / 4

شهد العالم علي مدار التاريخ قيام دول بمسيات ونظم مختلفة منذ نشأة البشرية علي كوكب الأرض، هذه الدول تزدهر حضارة وإقتصاد ثم تواجه مشكلات داخلية وخارجية ولا تجد لها حلول فتنهار وتسقط وتقوم دول آخرى مكانها، وإستمرت وضعية تشكل وتفكك الدول لقرون، وتصاعد الخطاب الإنفصالي في العصر الحديث وتعالت الأصوات المنادية باستقلال مناطق كثيرة تعيش صراعات سياسية وثقافية عميقة ترجع لسنوات بعيدة لم تتمكن خلالها الدول من وضع معالجة حقيقية لتلك المشكلات.

ويعتبر تنامي الحركة الإنفصالية العالمية وسط القوميات الكبرى والصغرى خطرا سيؤدي إلي تقلصات جغرافية تتشكل من خلالها دويلات جديدة، وسيؤثر ذلك بشكل مباشر علي الإقتصاد المحلي والعالمي والتركيبة السياسية والوشائج الإجتماعية والثقافية وهذا ثمن باهظ سيدفعه المجتمع مقابل الإنفصال.

تقرير المصير حق مكفول لكل شعوب العالم، وهو عملية ديمقراطية تعطي الشعوب حق الوحد والإستقلال بموجب الإستفتاء، وهناك نمازج كثيرة للإنفصال حول العالم منها تجارب المانيا الشرقية والغربية وكوريا الشمالية والجنوبية وبورندي ورواندا والسودان وجنوب السودان، كل هذه الإنفصالات دفع المجتمع ثمنها سياسيا وإقتصاديا وإجتماعيا رغم تمكن بعض الشعوب من تطوير مقدراتها والخروج من تجاربها بأقل الخسائر.

لم نستغرب الإستفتاء الذي حدث في إقليم كردستان - العراق وتسبب في محاصرة الإقليم من قبل الحكومة المركزية ودول الجوار والعالم، كما لا نستغرب أن ينطبق ذلك الوضع علي إقليم كاتلونيا - اسبانيا حيث إتخذ فيه النظام المركزي وسائل العنف لقمع الصوت الإنفصالي، وليس غريبا أن تتوالى الأحداث وتأتينا أنباء عن تلك المواجهات الدامية التي جرت في دولة الكمرون بين متظاهرين إنفصاليين تقودهم حركة (امبازونيا) وبعض المجموعات الإنفصالية وراح ضحيتها حوالي ثمانية شخص،
هذا الوضع يضاف إلي بروز خطاب إنفصالي آخر في السودان بعد إنشقاق مجموعة القوميين المتأثرين بخط سياسي إتخذه الرفيق عبدالعزيز الحلو ضد رفاقه في قيادة الحركة الشعبية، وهذا الخط وإن كان تكتيك سياسي هدفه كسب بعض شرائح المجتمع التي تعاني من الظلم والقهر والإستبداد من قبل السلطة الحاكمة إلا انه خطر جديد يهدد خارطة الدولة السودانية، وقد عمد النظام طوال الفترة السابقة علي ترويج مفهوم تجزئة القضية السودانية لحل مشاكل مناطقية معينة، متفاديا بذلك النظر لجزور الصراعات التي تكمن في النظام الأوحادي المتحكم في كل مفاصل الدولة والذي همش المجتمع السوداني ولا يريد سماع صوت يدعوا لتفكيك ذاك النظام لصالح بناء موطن المواطنة والمساواة والديمقراطية حيث يجد المواطنيين كل حقوقهم السياسية والمدنية.

وجد النظام ضالته في الحركة الشعبية وسط مناخات مفاهيمية تعتمد في قرارها السياسي علي معاير المصلحة الآنية مدفوعة بالشعور القومي الذي يرتبط بالقبيلة والمنطقة ولا يتسع لتقرير مصير وطن ظل شعبه يقدم الشهداء من حرائره وأحراره لتحقيق مستقبل مشترك، وبدلا عن تحليل هذا الوضع والإستفادة من الأخطاء التاريخية والتمسك بالكفاح المشترك والدفع بمشروع وطني يرتكز علي السلام الشامل والديمقراطية والمشاركة في السلطة بالتساوي ونقل المدينة إلي الريف لتنمية الريف المهمش صمتت دوائر كثيرة في السودان ولم تحرك ساكن وبل تلوح بتأيدها لما يجري.

إننا أمام تجربة خطيرة قد تنسف بلادنا وترجعها إلي عهد سيادة القبيلة، والنظام الذي ظل يرسل إشارات قبوله بما يطرح مؤخرا من قبل الإنقلابيين في الحركة الشعبية وإستعداده للتفاوض معهم بذات الأجندة المعلنة هو إعتراف رسمي بأن النظام يسعى لتفكيك البلد من أجل سطوته وسيطرته علي الحكم وبناء الخلافة الإسلامية التي تحدث عنها الرئيس البشير بشكل واضح بعد إنفصال دولة جنوب السودان عن السودان، ولم ينفصل حديثه عن أحاديث كتاب التيارات الإسلاموية ولا عن نهج السلطة في التعاطي مع الأزمة الوطنية في كل إتجاهاتها.

علي الشعب السوداني وكل أمم العالم إعادة التفكير في المستقبل، وعلي سائر المثقفين والسياسيين العمل علي إنتاج أفكار جديدة ترفع المظالم التاريخية وتقوي تواصل الشعوب وتحقق التنمية المتوازنة، وبدلا من أن يطرح الإنقلابيين إستبيان الإنفصال لكل ولايات السودان لحصد توقيعات تحشد بها البعض للمؤتمر الإستثنائي الذي وضحت نتائجه قبل قيامه، كان الأفضل والأمثل طرح إستبيان لبناء الولايات المتحدة السودانية وتوسيع مفهوم الحكم الذاتي الذي يتيح لكل ولاية فرصة التطور الذاتي وتوظيف الموارد لصالح الولاية، كان من الأفضل أن نتحدث عن عقد إجتماعي جديد يعطي كل السودانيين حقوقهم الدستورية بالتساوي ويحرر أجهزة الدولة من الهيمنة الإنقاذية الراهنة، فالسودان للسودانيين وليس للإنقاذيين.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن