نتائج الإستفتاء تتلاشى والعراقيون أقرب إلى السلم

محمد رياض حمزة
mrhamza1010@gmail.com

2017 / 10 / 2

دأب القادة والمتحدثون الكرد العراقيون على تكرار تصورين الأول أن الحكومة العراقية تنصلت عن "اتفاقات وتفاهمات" قطعتها للإقليم وكان لابد للإقليم أن يتخذ القرارات لحفظ مصالحه. والتصور الآخر أن الكرد مهمشين ويعاملون كأنهم من الدرجة الأدنى وليسوا شركاء. ولعل التصورين لا سند واقعي لهما. لأن الإقليم الذي رأسه السيد مسعود البرزاني منذ 1991، ومنذ 2003 وحتى قبل إقرار الدستور العراقي في 7 كانون الأول 2005 كان قد إستقل بالإقليم بحالة انفصال غير معلن فلدى الإقليم دستور والإقليم مسيطر على المنافذ الحدودية الجوية والبرية. وأتاح الإقليم لمؤسساته التفرد بقرارات أحادية بذريعة " تنصل الحكومة عن الشراكة" ولعل تلك القرارات الاستثمار المباشر لثروة النفط، دون علم أو موافقة الحكومة المركزية، التي تم استغلالها مع عدد من الشركات الأجنبية بعقود غير مسبوقة تعطي الشركات 80% من العائد المالي عن صادرات النفط. ثم أنشأ الإقليم أنبوبا رديفا للأنبوب العراقي لنقل النفط الخام المنتج في الإقليم إل ميناء جهان التركي. وبع احتلال " داعش" أجزاء من كركوك عام 2014 ثم انسحب منها ليخليها لقوات البيشمركة ليكون الإقليم قد استولى على كامل نفط شمال العراق. وبالرغم من تفاهمات شكلية مع الحكومة المركزية بشأن تقاسم الموارد المالية عن صادرات النفط واصل الإقليم تصدير النفط بأقصى طاقة دون أن يعطي دولارا واحدا للحكومة المركزية.
وهنا وجب توضيح الموقف الذي تسبب بالعجز المالي للإقليم وعدم تمكن مؤسساته المالية من دفع حتى رواتب موظفيه. فعندما إنهارت أسعار النفط منتصف 2014 وتوالى تراجعها حتى اليوم، لم يعد الإقليم ولا الشركات على تحقيق الموارد المالية الصافية (الربح) من النفط الخام المصدر التي تغطي تكاليف التشغيل وعمليات الاستخراج والتصدير .... وخلال السنوات الثلاث (2015ـــ 2017) أُثقل الإقليم بالديون للشركات التي بدأت تخسر. واضطر الإقليم دفع قسما من الديون بمعونة من شركة " روسنفت" الروسية وعدد من الشركات. إذ أوردت وكالة "رويترز" في 1/9/ 2017 خبرا مفاده " أن مشترين لنفط الإقليم أقرضوه أموالا من بينهم شركة "روسنفت" الروسية لمساعدته في تسوية قيمتها مليار دولار لدعوى قضائية في لندن . وقد دفعت فعلا. وقالت مصادر حكومة الإقليم إنها بصدد أعادت هيكلة بعض اتفاقاتها القائمة لتمويل صادرات الخام مع مشتري النفط لجمع أموال لتسوية دعوى طويلة الأمد مع شركة دانة غاز، التي تتخذ من الإمارات العربية المتحدة مقرا لها، وشركائها.وقالت مصادر إن الإقليم طلب من "روسنفت" وشركات تجارية بقيادة "ترافيجورا" إعادة هيكلة اتفاقات قائمة للتمويل المسبق لصادرات النفط وإرجاء بعض المدفوعات.ذلك الخبر امتنعت روسنفت عن التعليق .وقبل أحدث الدعوى القضائية في لندن ، أقرضت الشركات التجارية وروسنفت حكومة إقليم كردستان العراق نحو ثلاثة مليارات دولار بضمان مبيعات نفط مستقبلية.
وربما يدرك قادة الإقليم أو لا يدركون أن الضائقة المالية التي تسبب بها إنهيار أسعار النفط التي أخسرت مالية الإقليم وحجّمت أرباح الشركات، كان هناك مستفيد واحد ما خسر ولن يخسر أنه تركيا التي أعلنت إنها ستتعامل مع الحكومة المركزية في بغداد في صادرات النفط لأن تركيا لا علاقة لها بأسعار النفط لأنها تفرض رسوما عن كمية النفط الخام المصدر. وقد خبرت أن تعاملها مع الحكومة المركزية أضمن من تعاملها مع الإقليم ويأتي قرارها في إطار " العقوبات" التي تعد بتطبيقها على الإقليم على خلفية الاستفتاء.
الذريعة الثانية: التصور أن الكرد مهمشون ويعاملون كأنهم مواطنون من الدرجة الأدنى وليسوا شركاء في الوطن. فإن ذلك تصور ذاتي يجافي الواقع. فالكرد العراقيون ممثلون في البرلمان ب 53 مقعدا وبالعشرات من الوظائف القيادية في الوزارات والمؤسسات الحكومية ابتداء بالبرلمان وكل مفاصل الدولة العراقية بما فيها وزارة الخارجية والقوات المسلحة العراقية.
لا تتخذوا قراراتكم وأنتم منفعلون غاضبون
الآن ... قال الكرد العراقيون " نعم للاستقلال والانفصال عن العراق". وكان ذلك متوقعا. وقبل اجراء الاستفتاء وبعده قامت الدنيا ولم تقعد. وبقدر ما واجه قرار اجراء الاستفتاء بموعده في 29 أيلول 2017 من الرفض وبشدة من كل من بغداد وانقرة وطهران وواشنطن وبروكسل والأمم المتحدة ... بالقدر ذاته جاء إصرار السيد مسعود البرزاني، ولا أقول كل القادة الكرد، على إجراءه بموعده فتحدى العالم. فما كان للبرزاني من خيار إلاّ إجراء الاستفتاء بموعده.
أخطأ معظم قادة الإقليم بعد 2003 في تعبئة شعبهم وإيهامه بطموحات لن تتحقق بتأكيد الذات القومية في الانفصال على العراق وتأسيس دولة وهم يعلمون أن بلدان الجوار ، ولا أقول بغداد ،أشد رفضا لمجرد استفتاء وليس قيام دولة . وأن معظمهم يعلم علم اليقين أن الأمر ليس يسيرا آنيا وآجلا. وبقدر مشروعية طموحات الكرد القومية فإن إيهام الشعب الكردي بقرب قيام الدولة نتج عنه إندفاع جماهيري عفوي قد تترتب عليه تبعات سلبية . وجاء البرهان على استحالة قيام دولة الكرد المستقلة في شمال العراق الآن بالرفض الدولي القاطع لأسباب الجغرافية السياسية وللمصالح والظرف الآني إذ تعاطف العالم مع حكومة العراق المركزية في الوقت الذي لا تزال قواتها المسلحة تقاتل داعش وتقدم الشهداء لتحرير الأرض من أنجاس داعش فيما كانت أعراس الاستفتاء متواصلة في أربيل.
كان اجراء الاستفتاء وإعلان نتائجه على قيام كيان مستقل للكرد العراقيين وتبعاته تؤكد قصر نظر بعضا من القادة الكرد وخطأ حساباتهم. فإجراء الاستفتاء ومن ثم اعلان نتائجه الذي قوبل برفض الحكومة المركزية وإعتباره باطلا إتخذته انقرة وطهران حجة وجاء ردهما أعنف من رد بغداد.
وأخطأ معظم قادة الإقليم في نهجهم بفرض سياسة الأمر الواقع والتهديد بالقوة بقرارات صرحوا بها في حالة من الزهو والغضب. يوم قال البرزاني " أننا نرسم حدود كردستان ولا رجعة إلى ما كانت المناطق المتنازع عليها قبل 2014." وهنا وجب التذكير بأن جرائم التطهير العرقي التي ارتكبت في نظام حكم صدام حسين بتهجير الكرد من ديارهم. فإن "البيشمركة" الكردية اقترفت ذات الأعمال في القرى العربية المتاخمة للإقليم. ليس بإدعاء الحكومة العراقية وإنما جاءت من منظمات حقوق الإنسان الدولية التي وثقتها "هيومن رايتس ووتش". واعتبرتها جرائم تطهير عرقي ضد العرب. وإنها موثقة في لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة .فتعبئة الجماهير الكردية بقرب قيام "دولة كردستان" وفرض الأمر الواقع بالاستيلاء على كركوك ونفطها وكل المناطق المتنازع عليها والتصريح بترسيم حدود دولة "كردستان" وإجراء الإستفتاء على الانفصال، كلها، تؤكد عزم الإقليم على المواجه وليس الحوار. كما يكرر القادة والمتحدثون الكرد. إذ أن فرض الأمر الواقع يأتي من القوة التي تفرضه.
ـــــ انتشرت صورة على مواقع التواصل الإلكتروني تجمع بين مسعود البرزاني جالسا بزيه الكردي محاطا بعدد من القيادات الإسرائيلية ـــ الصهيونية وجلس إلى جانبه يتحدث اليه عراب الربيع العربي "هنري بيرنارد". وكان بين الجمع وقوفا "كوشنر" و " كوهين" و" جول بيرت" أحد خبراء تفتيت يوغسلافيا.
لم يعد خافيا ولا سرا تواصل العلاقة بين أسرة البرزاني وإسرائيل التي تعود إلى أيام الملا مصطفى البرزاني في ستينيات القرن الماضي وما بعدها التي تواصلت إلى اليوم. فإن كان هدف الانفصال حب الزعامة والجاه لبعض من قادة الكرد فإن عددا من قادة الكرد حكماء مدركون أن إسرائيل لا تريد خيرهم ولا تأييدا لطموحاتهم بالانفصال. وإنما فقط لهدف آني ملخصه إحداث أزمة أخرى في المنطقة. ولهدف أبعد هو تفتيت العراق وخلق حالة دائمة من عدم الاستقرار تشمل المشرق العربي كله وإيران وتركيا. فإن سوغ الإسرائيليون للبرزاني إجراء الاستفتاء على الانفصال الآن فإنهم لن يغضبوا إدارة الرئيس الأمريكي " دونالد ترامب" التي قالتها صراحة إنها رؤيتها تتمثل بعراق موحد ديمقراطي فيدرالي.
الأمل في أن تهدأ النفوس كي لا تسفك قطرة دم عراقية لعرب العراق أو لكرده أو تركمانه أو من يقيم على ارضه من البشر. والحوار يجب أن يكون الشافي لجراح أبناء الوطن الواحد على أسس المساواة والعدل.
"ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل" ( الطغرائي)



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن