متى تتحقق أحلام أكراد العراق بدولتهم المستقلة

نبيل عبد الأمير الربيعي
Nabeel_alrubaiy58@yahoo.com

2017 / 10 / 1

إن المسألة الكردية تثير اهتماماً كبيراً ليس لأن المنطقة جبلية يقطنها الأكراد ستنفصل عن العراق لرغبة أهلها في تأسيس دولة لهم , وإنما لاعتقاد الكثيرين من أن استقلال الأكراد معناه سلخ ينابيع النفط الغزيرة من عراقنا العربي وحرمانه منها , ومن هنا إذن جاء اهتمامهم بالوحدة العراقية المفتعلة , وهذا الوهم مغلوط من الأساس.
إن القومية الكردية حقيقة واقعة , وإن لأكراد العراق مقوماتهم القومية الواضحة , وأنه من صالح القومية العربية أن تعترف للأكراد بحقهم في تقرير مصيرهم ضمن إتحاد فدرالي أو كونفدرالي مثلاً , فيكون هذا بداية تعاون واخاء مستديم بدل أن يكون تجاهلنا للواقع والتاريخ وأماني الشعوب سبباً لأن ينال هذا الشعب حريته بقوة السلاح أن عاجلاً أو آجلاً , فإن لم يفلح كان خنجر خيانة في ظهر كل الحركات القومية العربية التحررية في العراق(1).
لقد حدثت ثورات وانتفاضات عديدة في أقسام كردستان المختلفة , كانت أكثرها تطالب بالعدالة والتحرر القومي , وقدم أبناء كردستان البررة تضحيات جسيمة , وناضلوا في سبيل قضية بلادهم نضالاً دائباً واعياً.
إن أقدم السجلات السومرية لا تترك شكاً بأنه قبل 2000 سنة ق.م كان هنالك شعباً اسمه (گوتو) أو (گوتى) , سماهم الآشوريون بعدئذ كرتي , وسماهم الآشوريون الأواخر وعرب ما قبل الإسلام (كاردو) , , ودعاهم الأرمن (كورتوخ) , وفي العلوم اليونانية واللاتينية (كاردوخي) , (كرتي) .
إن بعض سجلات سرجون الثاني الآشوري تشير بوضوح إلى بعض القبائل الكردية العظيمة كالمري وميراني (ملي) وبابان , حوالي القرن السادس قبل الميلاد(2).
حاربت القبائل الكردية السلالات السومرية سنة 1370 ق.م , وحاربوا جميع الملوك الآشوريين العظام من سلمانا سور فصاعداً إلى أن ساعدوا سياكارس لقلب نظام نينوى وبابل . وعندما حارب صلاح الدين الأيوبي (وهو كردي من قبيلة رواوي في أذربيجان) الصليبيين , ووحد معظم القبائل الكردية في سوريا في القرن الثاني عشر الميلادي , وأسس الإمارة الأيوبية بلغ الحكم الكردي ذروته.
في القرون الوسطى , عندما ضعفت سلطة الخلفاء المركزية قامت عدة إمارات كوردية كالـ(الشداديين وحسنوية و بنوعناز) , وفي القرن السادس عشر تحدت الإمبراطورية العثمانية بصورة جدية استقلال الأكراد الواقعي , عندما احتلت كردستان ونصبت إدارة تركية ومنذُ ذلك الحين حارب الأكراد محتلي أراضيهم في سلسلة من الحروب والثورات , وإن آخر الإمارات الكردية بوتان تلاشت في سنة 1848م بعد مقاومة طويلة ضد الجيوش العثمانية.
ولو نقدم نبذة وجيزة عن تأريخ الشعب الكردي : أن ديانة أبناء القومية الكردية فكانت عبادة الديانة الزرادشتية قبل اعتناقهم للإسلام , ويلاحظ بقايا الزرادشتية الآن بين الأكراد الأيزيدية , كما أن عدد سكان كردستان العراق لا يمكن احصاؤه بدقة , حيث لا توجد احصائيات دقيقة أو رسمية , وعدد سكان كردستان من الأكراد 2500000 نسمة , ويصنف الأكراد عادةً كآريين .
أما اللغة الكردية فهي لغة هندو – أوروبية , من المجموعة الإيرانية الحديثة , ومقسمة إلى لهجتين رئيسيتين (الكرمانجية , وهي لهجة غالبية أكراد الموصل وزيبار) و (السورانية وهذه لهجة أكراد إيران والعراق والسليمانية واربيل وكركوك) . واللهجات الأخرى تشمل الفيلية في إيران (لورستان والعراق) , وأخيراً كلهوري ويتكلمها بعض أكراد إيران.
هناك ميزات خاصة في اللغة الكردية عامة والأدب الكردي خاصة , فبالرغم من سياسة الإدماج وعرقلة نمو الثقافة الكردية وقلة المطبوعات الحديثة وضآلتها فقد حافظت اللغة الكردية على نقاوة مدهشة تدعو إلى الإعجاب , وهذه النقاوة ظاهرة خاصة في كلام الأميين الذين يكوّنون غالبية الشعب الكردي.
يستمد الأدب الكردي وحيّهُ من الأساطير الشعبية الغنية التي تكون جزءاً هاماً من التراث الثقافي , إن الميزة التي تلفت النظر في الأقاصيص الشعبية الكردية هي روحها القومية القوية وإشاراتها المتكررة إلى الأكراد وكردستان . إن نوروز كما عند الفرس يبشر بقدوم العام الجديد ولكن في كردستان العراق تشير أيضاً إلى ثورة الحداد كاوة قبل حوالي 3000 سنة ضد الطاغية ضحاك ودحره وتأسيس حكم أصلح للشعب.
أما اقتصاد كردستان فيعتمد قبل اكتشاف النفط على رعاية الماشية والمنتوج الزراعي من محاصيل الحنطة والشعير والرز والسمسم والعدس والتبغ والخضروات والفواكه.
لأكراد كردستان العراق الدور الفعال في الحركة الوطنية , إذ قام الأكراد بدور فعال وخاصة في ثورة العشرين الوطنية (حزيران 1920م) , ومن المعروف أن أكراد العمادية افنوا قوة بريطانية مكونة من 300 جندي في گلي مزيرگا . شنَّ الشعب العراقي عرباً وأكراداً وقومياتٍ أخرى كفاحاً مشتركاً في سبيل الاستقلال والسيادة الوطنية , وخلال هذا الكفاح نمت أواصر الأخوة العربية الكردية وتوطد التضامن بين العرب والأكراد والقوميات الأخرى حتى أصبح حجر الزاوية في كل نضال يخوضه الشعب العراقي , وأصبح الضمان الأساسي لإحراز الانتصارات الوطنية والطبقية.
في نهاية عام 1945م أنجز الشعب الكردي المناضل انتصاراً رائعاً بتأسيس جمهورية مهاباد الديمقراطية التي تعتبر مفخرة عظيمة من مفاخره , ففي كانون الأول عام 1945 وتحت قيادة الحزب الديمقراطي الكردي في كردستان إيران تأسست الجمهورية الديمقراطية الكردية في مهاباد , وكانت جمهورية ذات حكم ذاتي وذو برنامج عملي محدود , ثم رفع العلم الوطني الكردي واجتمع البرلمان في 22 كانون الثاني 1946م , وانتخب القائد الكردي قاضي محمد رئيساً للجمهورية وتألفت وزارة شرعت في تنفيذ برنامج إصلاحي(3).
وتعهدت الدولة بالدفاع عن مصالح العمال وتأسيس نقابات لتحسين حالهم , وأرجعت الملابس الكردية التي حرمّها رضا شاه للاستعمال , وجهزت جميع الأطفال بالمدارس الابتدائية , وطبعت الكتب للمدارس باللغة الكردية , ونشرت جريدة كردستان وصحيفة دورية ومجلتان أدبيتان.
وأعلن الدستور ضرورة تثقيف الشعب بغض النظر عن القومية أو الدين أو الجنس , كذلك أعلن وجوب تمتع المرأة بجميع الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يتمتع بها الرجل , وحرم الدستور الربا.
وزعت الحكومة الكردية الأرض على الفلاحين وجعلت اللغة الكردية اللغة الرسمية , واتخذت إجراءات لتحسين التجارة والصحة العامة , ووقعّت الحكومة على اتفاقية بعدم الاعتداء مع الحكومة الإيرانية , يمكن اعتبارها اعترافاً واقعياً من الحكومة الإيرانية , كذلك وقعت الجمهورية على معاهدة صداقة مع الحكومة الديمقراطية الأذربيجانية.
وبحجة تأمين الانتخابات في جمهورية مهاباد دخلت الدبابات الإيرانية إلى كردستان , وتمكن الجيش الإيراني من دخول مهاباد واعتقال رئيس الجمهورية مع اغلب أعضاء الحكومة الكردية , ودخل الجنود الإيرانيون المدينة دون مقاومة بعد إخلاء البارزانيين لها إشارة لنياتهم الطيبة , وقد حوكم الرئيس قاضي محمد في محكمة عرقية وصدر حكم بإعدامه مع القادة الآخرين , ونفذ الحكم بعد أشهر قليلة , وعاد الحكم الفارسي القمعي القديم.
وقد هاجم الجنود الفرس القوات البارزانية المنسحبة إلى العراق ونشبت معارك عديدة أشهرها معركة (مامش) التي أظهر فيها مصطفى خوشناو بطولة رائعة . وبهذا تم القضاء على جمهورية مهاباد الكردية الفتية.
إن الشعب الكردي يشكل أمة لها كل مقومات الأمم من أرض ولغة وتاريخ وعادات وتقاليد وأماني وأحلام وتطلعات نحو تكوين دولة لها كل مقومات الدولة . ليس معقولاً أن يستطيع الشعب الإيراني المتكون من مجموعة من القوميات تكوين دولة يحكمها الفرس , وأن يستطيع الأتراك تكوين دولة لها مقومات الدولة العصرية ويحرم الأكراد من حق طبيعي لهم في تأسيس دولة لهم , تكون ممثلة للشعب الكردي , وإن من حق هذا الشعب أن تكون له هذه الدولة المستقلة.
إذا آمنا بوجود حقيقة الشعب الكردي , آمنا لهم بحق تقرير المصير.


المصدر
1- أحمد فوزي. خناجر وجبال . قاسم وأكراد . 25/12/1961. ص70. رأي الدكتور الراحل هلال ناجي.
2- 3- صلاح الدين محمد سعد الله (كردستان الوطن المجزأ في الشرق الأوسط) .




https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن