المغناطيس-في المزرعة-2

نادية خلوف
nadia_khaloof@yahoo.com

2017 / 10 / 1

لم أعد أنتظر مفاجأة سارة. عندما مال قلبي مع النسيم، وكدت أبتسم، وأشعر بطعم الحياة تجمدت البسمة على شفتي عندما نظرت إليّ.
لا أعرف كيف تلحقنا اللعنة . من نحن؟ هو أنا فقط. لا أحد أصيب بذلك النوع من الوباء غيري.
النّاس سعداء في المزرعة. بل أقاموا أمس احتفالاً رقصوا وبأيديهم قضبان ألبسوها أقمشة مزركشة. اللعنة عليكِ يا أنا!
لماذا لا أكون مثل جميع النّاس؟
ربما لأنّني لست مثلهم، النعمة تبدو على وجوههم، وعندما يرقصون يفرحون، هم أتوا ليفرحوا. لا يعقدون المسائل مثلي. يقبلون القضيب، ومن ثم يبصقون في الخلف. دون علم أحد.
أحنّ إلى وطن؟
ماذا؟
وطن!
أصبحتِ مثقفة ثورية يا ابنة الفقر.
انظري يا ختام. سعدون يقول كلمته للجماهير.
-سعدون مناسب لهذا المكان. لقد ربته ثعلبة في الغابة .
. . .

قال لي حارس المعبد . سينتصر الخير في النّهاية، وكلّما مرّ الشّر منتصراً. قال لي وهو يسخر منّي. كلّ إنسان يفهم الخير بطريقته، فأنا الخير بنظر الحارس الأمين.
هل أنا طيبّة؟
لا يا ختام أنت لست طيبة. فقط مغفّلة. تحسبين الأمور بالمنطق، وتنصتين لما تقرئين. الحياة أيتها المغفّلة عكس ما قرأت تماماً، ما تقرئين يحصل في الخيال، أو في فيلم هندي، أو مصري. بعد أن يعيش الشّر المجد ويصبح قاب قوسين من النهاية ما قيمة إن خفّ شأنه؟
لماذا أنجبتني أمّي؟
كأنّني أنسى في هذا المكان كلّ ما يربطني بذكرى عن أمكنتي، أو عائلتي.

دروب ليلي مضاءة
يزدحم فيها القدر، ودليلي قلبي
يخفق بالحبّ ،أو بالحنين
لا أعرف ذنبه من ذنبي
أمسكه ، يبكيني، ثم يضحكني
تتراءى ظلال بعيدة
أهمس خائفة
يتمسّك بي
نضيع، ويهبط علينا الحبّ
نمارس طقوس الفرح
على أمل لقاء
تمسك بنا دوائر الزمن
تداعبنا
ندور معها
تقذفنا
وينسى الليل نفسه معي
لا أنا أنام، ولا هو ينجلي
. . .
كان لدينا أرض في قرية منسيّة
حلمت أن يعطيني أبي قدر قبّة
كنت سوف أزرعها، وبعد أن أجني المحصول
أبني شيئاً ما أسميه وطن
وعندما أصبح غنيّاً
أشتري مهراً
وعربة يجرّها حصانان
وسيارة حديثة
وعلى طرف الأرض من الناحية القبليّة
أبني كوخاً لفلاح
أمرّ عليه كلّ صباح
كي تحضّر زوجته لي الخبز الطري
على الفلاح أن تكون زوجته جميلة وفقيرة كي تدفن الجمال
لو تزوجت ثلاث نساء، وأنجبت ثلاثين طفلاً ذكراً، وأنجبوا بدورهم كل واحد ثلاثين، لأصبح المكان عامراً، وأسميت المكان باسمي" الوطن السعيد" فسعدون لا تعني بالضرورة السعدان، قد تعني السّعيد أيضاً لو تحسّن الحال.
ما رأيك يا ختام بما أقول؟
من وجهة نظري كختام أرغب أن أكون زوجتك لا مشكلة في أن أكون الأولى أو والأخيرة، أما بالنسبة لي كصوفيا فإنّني يجب أن أضعك في السّجن. لا أؤمن بالقتل، لو كنت أؤمن بالقتل لفعلتها، ترغب أن يكون لك فلاحون تبني لهم أكواخ. أنت بلا إنسانية يا سعدون، ولن يكون لك سوى وطن السّعادين.
-أحبّك ختام، ولا أحبّ صوفيا، وهل من يحكمون العالم يفكرون بطريقة أخرى؟
. . .
يطفح صدري بالغضب، لا أميّز بينه وبين الحقد. كأنّ البشريّة خلقت لتقف ضدّي.
يقولون أنّه الحظ، وأنا أسميه لعنة. يطالبونني بالحبّ، ويشيرون إلى قتلي. لم يعلّمني أحد دروس الحبّ. تعلّمت طوال عمري أربع كلمات، الشرف، والسيف، والقتلى، وبكاء الأمهات.
عندما تتحدث معي ختام، أو سعدون-وأنا لا أعرف غيرهما- بمودة. أعود إلى نفسي، وأعاتبها: كم قلبك أسود يا فاطمة! وبينما أكون قد قرّرت أن أقاطعهما. أحاول أن أنظف نفسي من الحقد، وأجاملهما، فينفثان بسموم تجعلني أتراجع إلى زاويتي، وتمتلئ نفسي بالشّر. عليّ أن أكون شرّيرة، فهذا العالم قبيح يجب تنظيفه بالشّر.
حتى لو أردت أن أكون شريرة فإنّ الشّر سوف يرتدّ عليّ. على من يكن شريراً أن يملك مفاتيح النبالة ، ومن بينها مفاتيح سيارة حديثة، وكلام معسول، ومال، وأعمال. حتى السّرقة تحتاج لأدوات.
الآن عرفت من أنا. أنا فقيرة، فأنا شريرة حسب الحالة. مباحة لمن هبّ ودب. شريرة بأصلي وفصلي، وكلّ حكاياتي.
. . .
أبدّل بعض الكلمات في صيغة الحديث، وأقفز فوق الفقر، أصبح غنّياة. أمشي مرفوعة الرّأس قبل أن أذكرني بأنّه عليّ أن أنظر إلى الأرض علّني أرى كنزاً، أو أرى لقمة زادت عن شخص.
تمسّكت بالغنى، نافست الكلاب على العظام كي أكون عزيز النفس. كم ضحكوا علينا، فغنى النفس يموت عندما تتضور جوعاً، وتقبّل قدم أوّل من يعطيك الزّكاة. موضوع الزّكاة هذا كذبة كبيرة، الأغنياء يزكون من أموالهم لرجال الأمن والموظفين. يحزنون عليهم فرواتبهم قليلة. بحثوا في القمامة كثيراً فلم يروا أفقر منهم.
هل يمكن أن تعطينا المزرعة الأمل بالخلاص؟
لكنّهم لا يوزعون علينا الأرباح
وأيامنا مسلوبة تذروها الرياح
ليالينا فارغة من الحبّ
نسينا لغة الكلام
نتعلّم لغة النّباح





https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن