فلسفة الوجود في الفكر الفلسفي الإسلامي

علي حسين يوسف
ali.alysfy@yahoo.com

2017 / 9 / 27

يعد الوجود من أعرف الأشياء وأوضحها وأعمها لذلك كثيرا ما يحار المرء في تعريفه لأن التعريف اللفظي في واقع أمره ليس تعريفا حقيقيا فهو استبدال كلمة بأخرى وبما أن الكلمة وجود فإن تعريف الوجود يعني تعريف الوجود بالوجود , وهذه إشكالية كبيرة تقف حائلا أما تعريف الوجود لمن يريد ذلك , وقد لجأ الفلاسفة إلى القول بأن الوجود هو ما يمكن أن يخبر عنه , أو هو الثابت العين , فالوجود قضية بديهية بل هو من أكثر الأشياء بداهة بدليل أنه يتمثل لنا دائما في كل الأشياء , وهو الرابطة بين الموضوع والمحمول في قولنا القمر منير فالرابطة المحذوفة تمثل الوجود وتقديرها القمر الموجود منير , أما الموجود فهو ما أتصف بالوجود سواء كان الوجود نفسه أو أي شيء آخر , وهناك مفهوم يقترن بالوجود دائما في مباحث الفلسفة الاسلامية وهو مفهوم الماهية , وقد يصل القاري بعد الاطلاع على كتب الفلسفة إلى أنهم يريدون بالماهية الوجود مشخصا لذلك قالوا بأن الماهية هي الجواب عن سؤال ( ما هو ؟ ) ومن هنا قالوا بأن الماهية هي الصفة التي تجعل الموجودات متمايزة ومختلفة , والماهية مفترضة من لدن العقل لغرض التمييز بين الأشياء , وهذا يعني أن للشيء الواحد وجود زائد ماهية , كما لو قلنا في جواب : ما الإنسان ؟ حيوان ناطق فهناك رابطة غير ظاهرة في الجملة العربية تقدر بمفردة موجود , وكأننا نقول : الانسان حيوان موجود ناطق فهنا جعلنا له وجودا ومن ثم ماهية ظهر فيها للخارج .
لكن الفكر كعادته لا يكف عن الأسئلة لذلك راح يسأل عن المائز بين الوجود والماهية وأي منهما هو الأصل , بمعنى هل أن الوجود سابق على الماهية ومصدرا لها أو أن الماهية هي السابقة , والمتأمل يجد أن مفهوم الوجود والماهية يدلان على شيء واحد في العالم الخارجي ويدلان على شيئين في الذهن فزيد يمثل ماهية لموجود محدد , لكن زيد في الذهن أثنان فهو موجود يتصف بالوجود زائد ماهية متمثلة بشخصه , لكن هل أن ماهية زيد بوصفه انسانا شاخصا هي التي حددت وجود زيد أو أن صفة الوجود هي من جعلت لزيد وجودا ؟
وقد شغلت هذه القضية الفيلسوف الايراني صدر الدين الشيرازي بعد أن وجد ملامحها عند الفلاسفة قبله إلى درجة أنه أوقف جل فلسفته عليها , ثم أخذت في الاتساع عند تلاميذه ومعارضيه , ومن تتبع المسألة نجد أن هناك من قال بأن الأصالة للوجود ( الشيرازي وتلامذته ) وآخرين قالوا بل الأصالة للماهية ( السهروردي ) وطرف ثالث قال بأصالتهما معا ( كمال الحيدري ) .
فصدر الدين الشيرازي قال أولا بأصالة الماهية واعتبارية الوجود ثم تراجع عن هذه الفكرة وقال بأصالة الوجود واعتبارية الماهية وقد يفهم من قول الشيرازي والقائلين بأصالة الوجود أن الموجود في الخارج يمثل مصداقا لمفهوم الوجود فالوجود بوصفه مفهوما فهو سابق على ذلك الموجود الذي هو الماهية بوصفه مصداقا , بمعنى أن الماهية في الخارج تالية للوجود لأنه لا يعقل أن يكون التمثل الواقعي للأشياء سابقا لمفهومها , وللتوضيح يمكن أن نضرب مثلا بقطعة من العجين نصنع منها أشكالا مختلفة , فلو افترضنا بأن هذه القطعة تمثل الوجود فإن تلك الأشكال تمثل الماهيات وعليه فإن قطعة العجين قبل تقسيمها سابقة على تلك الأشكال , فهي وجود واحد يعم كل الأشكال التي هي موجودات متعددة لكنها تشترك في ذلك الوجود الواحد , بمعنى أن الماهية منتزعة من الوجود فلا أصالة لها بل هي مفهوم خلقه الذهن للتمييز بين الأشياء فهي غير موجودة حقيقة بل أن وجودها اعتباري لغرض التمييز والتشخيص فقط .
واللافت أن هذه المسألة كتبت فيها عشرات المجلدات , ويبدو أن غرض الفلاسفة من الالحاح في شرحها وبسطها كان يهدف من بعيد إلى تعزيز المبدأ الاسلامي في اثبات الوجود المجرد لله وإن لم يصرحوا بذلك أحيانا بدليل انتقالهم من هذه القضية إلى قضية أخرى وهي ما أطلقوا عليه تشكك الوجود وتعدد الماهية ويريدون بها أن الوجود واحد في كل الأشياء بدرجات متفاوتة أما الماهيات فمتعددة وكثيرة فالإنسان والقلم والسرير ونور الشمس ونور القمر تشترك جميعا في شيء واحد وهو الوجود على الرغم من هذا الوجود في بعضها أقوى من البعض الآخر كنور الشمس الذي هو أقوى من نور القمر , لكن الماهيات متعددة بتعددها فهناك وجود واحد لكن هناك ماهيات لا حصر لها , وهذا الوجود يتفاوت من الضعيف إلى القوي حتى نصل إلى الوجود الأكمل وهو الله .
وتتفرع من المسألة المتقدمة مسألة أخرى وهي تقسيم الوجود على مادي ومجرد ثم أنهم يقصدون بالمادي والمجرد الأساس الذي يكون أصل الوجود منه هل هو في عالم مجرد ( روح , مثلا ) أو مادة ( ذرات , مادة متحركة ) ولكل طرف حججه في ذلك , منها على سبيل أن الماديين يقولون بأننا يمكن أن نشير إلى جهة وجود العالم ونتلمسه , وهو خاضع للتبدل والتغيير والحركة وهذا كله لا ينطبق على الروح لذلك فإن الأصل هو المادة .
أما الذين يقولون بالروح فيعدون هذه الصفات حجة على بطلان الأصل المادي فكيف يكون أصل الوجود مادة وهي خاضعة للتبدل والتغيير والحدوث ونحن نعرف إن كل متغير حادث وليس قديما , فالروح هي الأصل لكن الفلاسفة المسلمين لا يعبرون عن الموضوع بهذه الطريقة , بل يطلقون على الروح تعبير واجب الوجود , وبغية التدليل على وجوبية واجب الوجود يقسمون الموجودات على : الواجب والممكن والممتنع ويريدون بالواجب هو ما كانت فيه نسبة المحمول للموضوع لازمة الوجود لا تقبل الانفصال كقولنا : الأربعة زوج فالزوجية لا تنفك بحال عن الأربعة , أما الممتنع فما كانت نسبة المحمول للموضوع لازمة الانفصال كقولنا الخمسة زوج , أما الممكن فهو الذي يحتمل الأمرين كقولنا الرجل قائم فالقيام بالنسبة للرجل لا يمكن أن يكون واجب التلازم ولا يمكن أن يكون الانفصال والعكس صحيح أيضا , وقد وجدوا بأن الواجب فيه لحاظان فهو إما أن يكون واجبا بنفسه أو واجبا بغيره والأول مثل واجب الوجود أو الله فهو لا يحتاج لعلة توجده والثاني واجب الوجود بعلة توجده مثل العالم والإنسان , أما الممتنع فهو إما ممتنع فإما أن يكون ممتنعا بذاته أو ممتنعا لعدم وجود علته , والأول مثل المثلث المربع والثاني مثل البيت قبل بنيانه , والممكن أيضا يمكن أن نلحظ فيه أقسام لذلك قسموه على إمكان ذاتي أو خاص وهو الذي سلب منه الوجود والعدم كالإنسان فهو لا واجب الوجود ولا ضروري العدم , وهناك أيضا الإمكان العام وهو سلب للضرورتين كقولنا مرة : الانسان ممكن الوجود ومرة أخرى الانسان ممكن العدم , ففي الأولى سلبنا عن الانسان ضرورة العدم وفي الثانية سلبنا منه ضرورة الوجود , وقالوا بنوع ثالث من الإمكان وهو الامكان الوقوعي وهو أمر إحتمالي ممكن وقوعه كولادة إمرأة لأربعة تؤائم , وهناك أيضا إمكان استعدادي يتعلق بقابلية الشيء أن يوجد كقابلية النبة الصغيرة أن تكون شجرة كبيرة .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن