القدس - مدينة السماء - ! (2) من (2)

محمود شاهين
kanaani315@hotmail.com

2017 / 9 / 21



القدس " مدينة السماء " في بعض النثر قديمه وحديثه !
(2) من (2)
*جميل السلحوت يناجي محبوبته القدس .
يناجي جميل السلحوت محبوبته المدينة بقلب مفعم بالألم والأمل:
"أعرف يا حبيبتي أنك تعلمين أن ملوك الطوائف لم يبكوك كما بكى ذلك الملك ملكه الضائع في الأندلس، فقالت له أمّه: أتبكي كما النّساء ملكاً أضعته، ولم تحافظ عليه كالرّجال " لقد أضاعوك ويا حسرة التاريخ لو يعلمون أيّ مدينة أضاعوا، ولو يعلمون أنّهم عندما تركوك سبيّة لم تعد عصمة لأيّ من عواصمهم، لكنّك بالتأكيد تعلمين أن التّاريخ يعيد نفسه مرّتين، مرّة على شكل مأساة ومرّة على شكل ملهاة، وأنّك تكسرين قواعد التاريخ لأنّ تاريخك يعيد نفسه مرّات ومرّات بمأساة وملهاة، ومع ذلك فإنّ الغزاة لا يتعلّمون من التّاريخ، ولعلّ الغزاة الحاليين هم أكثر الغزاة تزييفاً للتاريخ، فخدعوا أنفسهم بطاحونة التزييف الاعلاميّة العالمية التي يمتلكونها، فكذّبوا وصدّقوا أكاذيبهم، وازدادوا ضلالاً وازدادوا جهالة وجهلاً بالتّاريخ، فعملوا بك ما تقشعرّ له الأبدان، وما ترتجف له صحائف التّاريخ، لأنّ التّاريخ لم يشهد تنكيلاً بجسد جميل بريء مثلما يشهد جسدك الطّهور.
لقد عرفتك يا حبيبتي منذ كنت طفلا غرّا عندما كان المرحوم والدي يردفني خلفه على البغلة البيضاء، ليتسوق حاجيات البيت من أسواقك، فتعلقت بك كما يتعلق الطفل الرّضيع بوالدته، ومن يومها فإنّ أجمل لحظات حياتي هي التي أمضيها متجوّلا في زقاقك وحواريك وأسواقك وتكاياك وناسكا في مساجدك وكنائسك، وزاوياك وأديرتك، فسحرك هذا أشتم منه رائحة الآباء والأجداد، وعبق تاريخ وحضارة شعبي وأمّتي الذي لا يكذب، فلكلّ حجر فيك حكاية يشهد بأنّك لنا ولن تكوني لغيرنا. فأشعر بحنانك الزائد، أيّتها الأمّ الرؤوم.
أدخل المسجد الأقصى من باب السلسلة، وأتوقف أمام البناية الأخيرة الواقعة على يميني، أحاول أن أدخلها لأستعيد ذكرياتي الجميلة في هذه البناية التاريخية التي تحدّ حائط البراق من الجهة الشمالية، إنها المدرسة "التنكيزية"التي درست فيها المرحلة الثانوية، حيث كان"المعهد العلميّ الاسلاميّ" الذي تحول في بداية سبعينات القرن العشرين الى "ثانوية الأقصى الشرعية" بعد أن استولى المحتلون على بناية المدرسة، التي كان طابقها العلويّ مقرا للمؤتمر الاسلامي، فيمنعني عسكر المحتلين من تحقيق رغبتي، لكنّ البناية العظيمة مرسومة في ذاكرتي ولا يمكن محوها، ولا أعرف مصير المحراب المزركش بالفسيفساء العجيبة الذي يقابل الباب الرئيس للبناية، حيث كان الطلبة يُصلّون، ومن النوافذ الجنوبية كنّا نشاهد السيّاح يقفون بين الأبنية التاريخية وحائط البراق يلتفتون يمنة ويسرة ويضعون أوراقا في الحائط، لم نكن وقتها نعلم سبب ذلك، وقبل انتهاء حرب حزيران 1967، تمّ هدم تلك الأبنية وتجريف المكان الى عمق يزيد على عشرة أمتار، وليتخذ اليهود المكان دار عبادة لهم، أسموها"المبكى"...هدموا حارتي الشرف والمغاربة...هدموا 1012 بيتا تاريخيا وبنوا مستوطنة يهودية جديدة، ولاحقا بنوا كنيس"الخراب ليعلو الأقصى من الجهة الغربية، أكظم غيظي وأدخل الأقصى باكيا على أمجاد مدينة يُسرق تاريخها أمام ناظري كما سُرقت جغرافيتها.
واذا كان أحد الأجداد الجاهليين قد قال بالفطرة أن " للبيت ربّ يحميه" فصدقت فطرته وتحطمت خراطيم فِيَلِهِ – جمع فيل - الغزاة قبل أن تصل البيت، وغار الغزاة في الأرض، وكان العسس الذي قاد جيش الغزاة عبرة لمن لا يعتبر عندما رُجِمَ بالحجارة حتى الموت، ولا يزال يُرجم وسيبقى يُرجم الى ما شاء الله .
حبيبتي أنت التي تحتضنين أولى القبلتين، ومهد المسيح، وتاريخ أمّة كانت "خير أمّة أُخرجت للناس "واثقة من أن لك ربّا وشعبا يحميانك، ولن يتخليا عنكِ، فما الأعوام إلّا ساعات في تاريخ الشعوب و"هي الدّنيا كما شاهدتها دول .. من سرّهُ زَمنٌ ساءته أزمانُ"
وما هي إلّا سحابة صيف ستنجلي، وستعودين عروس المدائن كما أنت دوما."
( الجنوب ميديا 24/ 4/ 2013)
*****
* العشق الحرام في "ترانيم الغواية " لليلى الأطرش :
تجوب ليلى الأطرش أحياء مدينة القدس وأهم وقائع تاريخها الحديث عبر تتبعها لحياة
ميلادة أبو نجمة وعشقها للراهب متري الحداد . نورد مقاطع من مقال لنا نشر في شؤون فلسطينية العدد 260 .
*ميلادة سالم أبو نجمة ، الملقبة ( ميلادة الحنش ) :
في يوم الزفاف في الكنيسة أشرقت بوادرترانيم مستقبل مختلف يرسمه القدر لميلادة ..فالخوري الكاهن متري الحداد الذي يقوم بطقوس الزفاف ، والمولود يوم وفاة زعيم الطائفة البهائية ،ويوم تسيير أول قطار بين القدس ويافا في السابع عشر من تموز عام 1892 ، وقف مبهورا بجمال ميلادة وهو يمسك بيد زوجها ليدور بهما حول المحراب ويعلنهما زوجا وزوجة . يقول في أوراقه لابنه رفيق : ( وميلادة تشبهني . فرس شاردة مما يطاردها . جامحة أمام ما تخشى . تنفلت مما يقيدها إلى أكوان بعيدة . رأيت هذا في عينيها فسحبني إلى غربتها .. عيناها حمامتان تبحثان عن لا شيء. طرت وراءهما .. فتهت في عالم لم أعرف طريق عودتي منه ." والعين سراج الجسد ") ( ص 167- 168)
من هنا بدأت " ترانيم الغواية " وبانتهائها سيسدل الستار !
* قصة اللقب وفضيحة العشق الحرام !
سبق وأن أشرنا إلى أن ميلادة لقبت ب ( ميلادة الحنش ) ولذلك قصة تداولتها الألسن همسا
وعلانية بعض الشيء :
خرجت " ميلادة " تتنزه في أحراش دير المسكوب .. داست على حنش تكوم في شمس الربيع ، فهاجمها . تسلق ساقها وطوق خصرها وبدأ ينقبض ويرتخي . قالت لم تره ! معقول؟! على طوله وضخامته؟ أكيد.. العشق بيعمي ! قالت لمزارعين هبوا لصراخها : قتلته وحدي، فلم يصدقها أحد ..ونبع الشك من سكوت الرجال . رفض أي منهم أن يحكي عما رأى . كل ما قالوه بعد إلحاح . الله يستر على ولايانا .. وصلنا ورأسه مسحوق ! لكن من يقتنع أن صبية تقتل حنشا وحدها ؟! يعجز عن هذا رجل بطول وعرض! وبعد الحادثة إذا تحدثت النساء عن ميلادة تغامزن وقلن " الحنش راح والحنش جاء "( ص11+12)
شاعت قصة الحب على الألسن إلى أن بلغت بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية اليوناني ذيميانوس . قرر الحداد أن يترك الكهنوت . غير أنه فوجئ بصد البطريرك قائلا : ( لن تحتمل كنيستنا فضيحة ثانية ، يتحلل كاهنان من الرهبنة من أجل النساء والشهوات ،ستنال الطوائف من سمعتنا ،وكنيستنا ما زالت تقاسي من فضيحة الراهب أشيل، بعد أن فشلنا في السيطرة على رعونته . لن نحتمل فضيحة أخرى " ( ص 152)
حاول متري الحداد مقاومة قدره . ترك ابنه في رعاية جدته لأمه "وأبحر يطلب الخلاص في دير بستان العذراء فوق قمة جبل آثوس اليوناني .. متوحد يراقب البحر . زاهد يتعبد لخالقة . يسبح بترانيم الإعجاز صبحا ومساء " ( ص155)
كاد أن يحدث مع الحداد ما حدث مع نيكوس كازنتزاكي خلال اعتكافه في الجبل نفسه وربما في الدير نفسه بحثا عن الله ، فقد " سبقت صورة ميلادة رحيله ،وسكنت كهوف تبتله . تجلت في صلاته لوحة على جدران الدير . تعربشت أشجارا تحرس البحر . غطت صفحة الماء " ( ص 155 بتصرف )
" البقاء بين نساك عابدين أثقل صدر الحداد، زهدهم زاد من ذنوبه. عاد إلى القدس ليتحلل من قسم قطعه على نفسه ،فخذلته قدرته" ( ص 155 بتصرف )
أعلن للبطريرك صراحة " أيها المبجل .. نفسي تدفعني إليها وعاجز عن ردعها . سنوات وأنا أقاوم رغبة المعصية ،ولا مجال لاحتمال أكثر، يراودني الإغواء كل لحظة ،وستتحمل ذنبي يا عظيم الإحترام " ( ص 155 )
بعد مداولات" ومشاورات مع رهبان أخوية القبر المقدس ، هداهم الله إلى قرار أملوا أن يكون فيه الخير ، رغم تعارضه مع قوانين الكنيسة ونواميس الشريعة ، وهو السماح بزواج كاهن أرمل لحماية الكهنوت ولدرء خطيئة الزنى ، شريطة أن يقسم الحداد على الكتاب المقدس ، أن يظل الزواج سرا لا يعترف به لأحد ، حتى ابنه"( ص 156 بتصرف ) ( 12)
******
* القدس لم تعد القدس لعادل الأسطة .
في قصة مطولة له تحمل عنوان ( تلك القدس ذلك السبت ) تتحدث عن الواقع الفلسطيني في ظل الإحتلا ل . يطرق عادل الأسطة أبواب القدس من وجهة نظر بطله النابلسي :
"حين نظرت إلى باب العامود، وجدت سيلاً هائلاً من البشر، كأن المدينة هذه غير المدينة التي أعرفها وتساءلت: هل هي القدس؟؟ عشرات من البشر: رجال ونساء وأطفال من ذوي البشرة البيضاء والشعر الأشقر والعيون الزرق. قلت: يا الهي. أأحلم؟ أين أنا؟
اتجهت يساراً، كانت الإشارة الضوئية تحول دون قطع الشارع، فقد كان اللون البادي هو اللون الأحمر، كنت أحاول الانتقال إلى طرف الشارع ولكن الشرطي على مقربة مني. همست: كل شيء ضدنا، حتى الإشارة الضوئية. فكرت للحظات في أن أعود واستقل السيارة عائداً إلى نابلس، ولكني عزفت عن ذلك، نظرت إلى الأمام: كان الطريق الممتد من باب العامود إلى مكتب البريد مكتظاً بالبشر. كانوا كأولئك الذين أبصرتهم وهم يتجمعون أمام باب العامود . البشرة البيضاء والشعر الأشقر والعيون الزرق.
أهذه هي القدس ؟
أذكر أول مرة جئت فيها إلى هذه المدينة. كان ذلك عام 1964م حين نظمت المدرسة التي كنت فيها رحلة مدرسية إلى البحر الميت فالقدس. كان الطقس ربيعياً وكان منظر السماء جميلاً. يومها اقتادنا المدرس عبر شوارع القدس وأزقتها حتى وصلنا إلى الصخرة. ويومها نظرت إلى السماء وأنا جالس على السور الذي يحيط بالمسجد الأقصى فأبصرت نوراً قلت لعله نور الجنة. كانت القدس في مخيلتي فيضا من الاشراقات، ولحظة غادرنا المكان حزنت كثيرا، كنت أتمنى لو أبقى هناك إلى الأبد، أقيم فيها وأظل حتى أدفن في مقابرها. أنظر إلى الناس فأرى وجوها أليفة وديعة هادئة. أما الآن فأبدو نغماً نشازاً فرداً فريداً، كأنما هبط من السماء، فجأة، على مكان لم يألفه ولم يره من قبل..
هبطت الطريق الفرعية المؤدية إلى مكاتب جريدة الشعب مسرعاً. صعدت الدرج درجتين درجتين، وفتحت الباب بلا استئذان، وسرت باتجاه رئيس التحرير الذي رحب بي كعادته، وبادرته متسائلاً عن السبب الذي حال دون صدور الصفحة الأدبية يوم الخميس، فقال إن الرقابة حذفت أجزاء كبيرة من مقال، ورفضت نشر مقال آخر وقصة قصيرة وقصيدة، ولم نكن طبعنا المواد الاحتياطية التي أرسلتها.
تحدثنا قليلاً عن الأدب والأوضاع السياسية والقدس يوم السبت، وبدا حزيناً. وقال: إذا ظلت الأوضاع على ما هي عليه فهذا حسن، وكنت أنظر إلى لوحة كتب عليها: تذكر أن الجريدة ستصدر غداً. ابتسم لقد كان الرقيب حاضراً حين كنت أحرر الصفحة ويحتل جزءاً من ذاكرتي، كما احتل أولئك الذين يسيرون في الشوارع مساحة القلب ليصاب بالتجلط. ودعته وقفلت عائداً إلى المدينة التي أتيت منها. ولأول مرة لم أفكر بالذهاب إلى مكتبة المحتسب في شارع صلاح الدين لرؤية الكتب وشراء ما أراه مناسباً. كنت أسير بخطى سريعة لأصل إلى موقف سيارات نابلس، غير آبه أيضا ببائع الكعك المقدسي الذي كان مشغولا ببيع ذوي البشرة البيضاء والشعر الأشقر، ذلك الذي عرفني لكثرة ما اشتريت منه، فقد كان لزاما علي أن اشتري، كلما زرت القدس، كعكا مقدسياً، ذلك أن أمي كانت توصيني باستمرار أن أحضره معي لأنه من المدينة المقدسة التي زارها الرسول وأسرى منها ليلاً. وتمنيت لو أنني أصل نابلس فجأة، فقد كانت القدس تختفي ولا أرى منها ما كنت أراه، وبدا لي – وأنا أسير – أنني في مكان آخر غير القدس، مكان لا أشعر فيه بالدفء، مكان يبعث في القلق والرعب والخوف، وحين اقتربت من المقهى القريب من موقف السيارات كانت إذاعة عربية تبث نشرة أخبار الساعة الثانية ظهراً، وكان المذيع يتحدث عن القدس والأهل الصامدين بصوت حاد، غير أنه بدا لي تافهاً وغير ذي بال، فقد كنت أصغر وأصغر ولا أقوى إطلاقاً على التحديق في وجوه الآخرين. لقد كنت فرداً شاذاً في هذا الجمع البشري الهادر. ولا شعورياً – وأنا أصعد السيارة – بدأت أقرأ سورة الفاتحة على المدينة التي كنت أعرفها" ( ديوان العرب 2 آب 2015)
*****
* ابراهيم جوهر : الأمل في الشباب والخير في عزائمهم القوية .
"القدس ، لها من اسمها نصيب القداسة والحماية والحنان . إنها قدسنا التي نحبها ، ونحكي عنها بشغف العشاق المفتونين . قدسنا التي نرسمها كما تحلو لذاكرتنا أن تسترجع تفاصيلها ، فنحنّ لأزقتها ، ولأسوارها ، ولرائحة أسواقها ، ولمناظر ناسها .... لدرجها ، وسقوفها .... لكل شيء فيها أو منها أو يرتبط بها برباط . قدسنا التي تفهم لغتنا ونفهم لغتها ...من هنا كانت حيرتي وحزني وغربتي حين رأيتها وقد تشوّه جمالها الروحي كما تحفظه روحي أنا . ... لعل خيرا قادما من بين دفقات عزم الشباب ينبئ بكفكفة دموع القدس ، وإشاعة الفرح المنتظر لحواريها وناسها وتاريخها ... الشباب بادروا يوما لتنظيف شوارعها من القمامة .... الشباب قالوا هذه خطوة أولى لتنظيف القدس من كل قمامة ... الشباب يدخلون لغة الأدب في أحاديثهم وتصريحاتهم ، فالقمامة هنا تصير رمزا وتكتسي ثوب التورية . إنهم الشباب وهم يتواصلون عبر وسائل التكنولوجيا الحديثة . إنهم زملاء شباب ميادين التحرير في القاهرة وتونس وصنعاء وبنغازي ... الأمل في الشباب والخير في عزائمهم القوية وسواعدهم الفاعلة" .
وهل تنسى القدس؟!
"الجرافة كانت قريبة من زاوية السور. زاويته العالية كانت قريبة من أنياب الجرافة الباحثة عن أثر ما لمارّ من هنا بالصدفة أو بالتخطيط اللئيم، أو بالقوة ، أو بالادعاء...المهم أنها كانت قريبة كما رآها قلمي الصادق وهو يحذر بعفوية وصدق في قصة (تذكرة سفر) التي أخذت مجموعتي الأولى عنوانها.
واللوحة الصفراء التي تحذر من مخاطر الدروب والابتعاد كانت تهتز، وعيون القلم والقلب رأت في اهتزازها إمكانية للتغيير.
التغيير حصل، التغيير قام. التغيير كائن، بالاتجاه الآخر المعاكس تماما لاتجاه الروح والتمنيات.
القدس التي تذوب أرضا وتاريخا ومباني وثقافة اليوم بدأ التخطيط السلحفائي لتغيير روحها مع الساعات الأولى للحضور الغريب .
أغرقت بالمال المشبوه، والمخدرات، والقشور وتبدلت الثقافة بفعل مخطط وجد نفوسا تساوقت معه وغابت رؤاها وانتماؤها. فماذا كان؟
...
في القدس التي أعرفها طفلا وأحمل لها صورة وردية حدث أمر غريب صبيحة ذاك اليوم الدخاني القاتم.
نظرت إلى الدخان الأسود في عام الحريق من هناك من قمة الجبل الذي كان استراحة تكبير لفاتح عظيم بحجم (عمر بن الخطاب).
كان الدخان يتصاعد شاكيا ، والناس في تساؤل وترقب، فما زال في الروح بقية من أمل وانتظار ورجاء، وعجز وكثير من الحيرة...
(غولدا) قالت: لم أنم تلك الليلة!!
نامي يا عزيزتي، نامي...فالناس الذين تخشين ردة غضبهم الفاعلة لاهون ينتظرون الفارس الأبيض ينزل من سماء عجز ومن حكايات (ألف ليلة وليلة).
ونامت بفرح وطمأنينة، حتى ولغ الذئب في قلب المدينة والناس والتاريخ."(13)
*****
* صبحي فحماوي يعيد بناء القدس الكنعانية .
في روايته ( قصة عشق كنعانية . يذهب صبحي فحماوي بعيدا في أعماق التاريخ ليعيد بناء القدس اليبوسية . ( يبوس أو اور سالم ) نسبة إلى الملك الكنعاني سالم الذي كان يحكمها والذي بنى أسوارها حسب الرواية .
" يصل موكب الأمير دانيال في ليل يرخي سدوله والقمر والنجوم يضيئان سماء الجبال المحيطة بيبوس،وخيوله المجهدة تزفر برطانة شديدة وهي تدخل الباب العالي للمدينة المضاء بمشاعل مرفوعة على الجانبين وذلك قبل الإغلاق المعتاد لرتاجها عند انتصاف الليل "(95)
" يأمر دانيال مساعده فيضحي بسبعة جداء سمان على صخرة الهيكل ، ثم يدخل البهو فيستقبله خادم الهيكل ، وعندما يتعرف إليه ويشاهد ضحاياه تنزف دما على الصخرة يبلغه الأمير عن مقصده فيقوده إلى جبريل كاهن الهيكل "(95)
" ولقضاء السهرة يأخذ كاهن الهيكل جبريل ضيفه الأمير في عربته الخاصة ، فتسير بهم في طريق مضاء بالمشاعل ، ينتهي بساحة مستديرة تدعى مسطبة الحكواتي ، فشاهد أنها محاطة بأسيجة حجرية مرتفعة لتعطيها خصوصية بعيدا عن المساكن والبيوت ، حيث يلتقي كبار رجال المدينة ونساؤهم لمشاهدة وسماع الحكواتي بعليل وهو يتصدر المكان على عتبة مسطبة مرتفعة ، بينما يتجمع حضور كثيف في الساحة المجهزة بمقاعد خشبية تتسع للحضور " (100)
"يصف الكاتب ساحة المدينة بالقول " في أطراف الساحة العامة التي تتفرع منها طرقات المدينة تقف تماثيل متباعدة بأطوال مختلفة للأرباب عشيرة وبعل وعناة . وفي زاوية معتمة بعيدة يقبع تمثال مخيف للرب موت . وتنهض في وسط الساحة صخرة المذبح المقدسة أمام تمثال إل العظيم المنحوت من حجر أبيض ضخم ،ويتعاظم خلفهما هيكل اورسالم الكنعاني ، الذي لم يبن مثل معماره الحجري في البلاد ،والمبطنة جدرانه من الداخل بخشب الأرز ، بطول حوالي مائة ذراع ،وعرض يقدر بمئة ذراع ،وارتفاع خمس وثلاثين ذراعا . والذي تمكن رؤية قمة طابقه السابع من كل قمم جبال فلسطين وموآب وعمون وجلعاد وعجلون ". (83/84)
وكأن الكاتب يريد أن يقول لنا هنا أن هذا هو الهيكل الذي ادعى بنو إسرائيل أنه هيكل سليمان !
*****
* محمود شاهين والقدس في سبعة عقود !
لم يعد ثمة مجال للإستفاضة وحتى التطرق إلى كتاب آخرين ، آملين أن يتم ذلك في مقال آخر . لكننا سنتطرق لمحمود شاهين في أول مجموعة قصص طويلة له ، كلها عن القدس . تشكل في مجموعها رواية ، لتكرر بعض الشخصيات في قصصها ، تبدأ بالعهد التركي وتنتهي بعد حرب 67 . وهي مجموعة " نار البراءة " الصادرة عن دار ابن رشد 79 .
* أسبوع الآلام وموسم النبي موسى !
" انطلق موكب النبي موسى من ساحة المسجد الأقصى وقد تصدره بعض الولاة الأتراك والعرب ،وبعض القضاة والأعيان ورجال الدين الإسلامي والمسيحي وبعض الوجهاء ،وقد أحاطت بهم البيارق والأعلام المركزة على الخيول ،وسارت خلفهم فرق الإيقاع بطبولها الصغيرة والكبيرة ،ومزاهرها وكؤوسها النحاسية ،يرتدون ثيابا ملونة وينقرون على دفوفهم بإيقاعات جميلة مختلفة ،وسارت خلف هؤلاء وعلى مسافة منهم جوقة تنشد وترتل الموشحات والمدائح النبوية . تبعها فرق وحشود من مختلف القرى ،وبدوا وهم يهزجون وينشدون :
صلوا يا أهل الفلاح ... على النبي زين الملاح
شعره أسود يماني .... كامل زين المعاني
ماله في الحسن ثاني ...شأنه شأن الملاح .
اصطف عشرات الرهبان بملابسهم الفاخرة في موكب منظم تظلله أعواد السعف المزينة بالازهاروالاشرطة الملونة . خرج البطريرك من الكنيسة وقد زاده اللباس الفاخر المزين بالجواهر الثمينة هيبة وجلالا . تقدم من الحمار الذي أسرج بسرج زين بالذهب والفضة وأرسن برسن من الحرير الثمين الموشى بالخيوط الملونة ،فساعده المطارنة والقساوسة على امتطائه ...
انطلقت المواكب متتبعة الطريق التي سار معها المسيح عندما دخل القدس ....
في باب السباط اصطدم موكب البطريرك بموكب أهالي الخليل الخارج من ساحة الأقصى . وقف شيوخ الخليل على خيولهم تحيط بهم البيارق والأعلام ،ووقف البطاركة والمطارنة
خلف حمار البطريرك المزركش ،تظللهم أعواد السعف ..احتار الطرفان في الامر .. ألقى البعض اللوم على رجال الجندرما الذين لم ينظموا سير المواكب بحيث لا تتصادم مواكب المسيحيين مع مواكب المسلمين في هذا المدخل الضيق .
بعد مداولات دامت أكثر من نصف ساعة أقنع الخلايلة بالتراجع إلى ساحة الأقصى،ريثما يمر موكب المسيحيين الذي انحسر بين الأسوار .
انتهى موكب المسيحيين إلى كنيسة القيامة ،وتابع موكب الخلايلة طريقه إلى النبي موسى "
( مقتطفات من قصة أسبوع الآلام ص 135/136/137)
بقي أن نشير إلى أن غاية هذا البحث ليست نقدية . هي ارشيفية فقط وتلقي الضوء على أسماء في الساحة الفلسطينية وبعض ما كتبوه عن القدس .
م.ش.
****
هوامش القسم الأول:
1- راجع الكتاب المقدس . سفر صموئيل الثاني . الإصحاح الثامن وما بعده . علما أننا نورد هذه الوقائع استنادا إلى الكتاب المقدس دون اعتمادها كنصوص تاريخية حقيقية ، فنحن نتعامل معها كأدب متخيل بالدرجة الأولى .
2- مراثي ارميا الإصحاح الأول . ونورد مراثيا إرميا كأدب متخيل ودون اعتماده كأدب لبني اسرائيل الوارد ذكرهم في التوراة والذين أثبت علماء التاريخ عدم وجودهم في القدس في ذلك الزمن !
3- مراثي أرميا الإصحاح الثاني
3- ( من 1 إلى 13 ) مراثي أرميا الإصحاح الرابع .
4+ 5(1-2-3-) مراثي أرميا الإصحاح الخامس.
6- من وحي رواية ليلى الأطرش " ترانيم الغواية "
7- نشيد الأنشاد الذي لسليمان . الإصحاح الأول .(2-15) وما قلناه عن مراثي إرميا ينطبق على نشيد الأنشاد الذي أشارت بعض المصادر أنه نشيد كنعاني ،وأخرى قالت أنه نشيد يمني .
8- المصدر نفسه الإصحاح الثاني.
9- نفسه .. الإصحاح 3 ( من 3-7)
10- نفسه الإصحاح 4 ( من 4 – 10 )
11- نفسه الإصحاح 7( من 1- 9)

هوامش القسم الثاني :
12- ترانيم الغواية . ليلى الأطرش . ضفاف 2014
(13) (من الورقة التي قدّمها الكاتب في مؤتمر القدس الذي عقد في مقر المؤتمر الشعبي للقدس- رام الله) 22 /1 / 2012.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن