الحوار المفتوح........ ج18

عباس علي العلي
fail959@hotmail.com

2017 / 9 / 21

سؤال_ هل يمكن أن يتراجع الوعي الجمعي عند هذه الطوائف أو المذاهب تحت تأثير ما يكتب وينتقد من دراسات عقلية ويصحح من أخطاءه أو ما يعرف بالمستحدث السلوكي لديها؟ وهل تظن أن الوعي هذا أصلا قابل للتعديل في المدى المنظور مع تضخم هذه البدع والسلوكيات عام بعد عام؟.
الجواب_ في ظل دور المؤسسة الفكرية الدينية الراهنة والمنخرطة في نزاعاتها التأريخية والأصولية، وأقول وأحدد (المؤسسة الدينية عند كل الأطراف والملل والطوائف) لا يمكن أن نتفائل بحدوث تحولات جذرية أو ما هو إيجابي سائر نحو التصحيح والعودة لدين الله القويم، ورفض المستحدثات الطقوسية ما هو خارج النص أو تبع الحكم التكليفي، الذي يجري اليوم بين هذه المؤسسات حرب وجودية لذات المفاهيم الفرعية التنازعية وليست حالات أنتصارا للعقل أو للدين، لذلك فالكل مشغول في معركة كسر العظم والقطيعة إلا أصوات نادرة وخائفة تترقب لا مجال لها في التأثير أو طرح المشروع البديل.
سؤال_ البعض يتهم الدين وخاصة الذين يستشعرون خطر الراديكالية الإسلامية بأن الإيمان الديني لا يمكن أن يتوافق مع واقع ومستلزمات التسامح والعيش المشترك بين الناس، هل حقيقي أن الإيمان الديني بطبيعته يميل للإقصاء والتشدد ضد الأخر المختلف مهما أدعى البعض من شواهد وحالات معينه ضد هذا الواقع؟.
الجواب_ الإيمان الديني له واقعان أفتراضي ومن أساسيات الفكرة الدينية وتطبيقاتها الحقيقية، والإيمان الواقعي الفرضي الذي نعيشه، الفرق بينهما يعود بالإساس أن الكثير من البشر حين يؤمن بفكرة ما لا يرى أنها تقبل التنافس لأنه يعتقد بنهائيتها وأنها الأحق بالتواجد في الواقع، وهذا ما يدفعهم غريزيا للدفاع عنها في وجه المنافسة التي يستشعرها أفتراضا، الإيمان الديني حين يكون كاملا ومتكاملا لا بد أن يستند كما أسلفنا سابقا إلى شرط الحرية والأختيار وأن نؤمن بذلك عمليا لننزع فتيل الشعور بالمنافسة والتزاحم.
لو تأملنا مثلا النص التالي والذي يكشف ظاهريا نظرية عدم القبول بالأخر حتى لو كان على درجة من القرب والقرابة بسبب الإيمان {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }التوبة23، النص يشير إلى قضية الولاء بالدرجة الأولى وهي دعوة لأبدال الصلات الطبيعية بين الأفراد إلى صلة ومحدد أخر يعتمد الإيمان، وهذا يعني ظاهرا وأكرر المعنى أن التبديل هذا يعني رفض الأخر لأنه مخالف بعنصر الإيمان، الحقيقة لو تتبعنا مفهوم الولاء وما يعني بالفهم الديني الذي يرتكز على قضية الأنحياز لما هو عامل تجميع وأجتماع، لا يعني بالضرورة البراءة من الروابط الأخرى والدليل ما جاء بنص أخر مرتبط بذات الموضوع ورتب على أساسه قيمة العلاقة الإنسانية الطبيعية {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }لقمان15.
هنا المصاحبة بالمعروف شرط أخر مقترن بالولاء الإيماني، فلا إقصاء للعلاقات الطبيعية أجتماعيا وواقعيا ولا جعب رابطة الإيمان بديلا عن رابطة الدم أو العيش المشترك حتى لو كان هناك مقاومة أو صد من الطرف الثاني، فالدين كونه علاقة فردية مع الديان لا بد أن تبسط جزء من أثر وجودها في عقل الإنسان لتكون قاعدة أخرى من قواعد العمل اليومي التي يتبعها المؤمن ومن ضمن هذه الأسس التي تقوم عليها قاعدة الولاء أن لكل إنسان مصير مدركه لاحقا يختص به ولا يتعدى لغيره {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ }فاطر18.
ملخص الجواب هنا أن تعميق الروابط الدينية بين المؤمنين أنفسهم لا يمكن أن تكون بديلا عن الروابط والعلاقات المجتمعية الطبيعية داخل تنوعات المجتمع، ولا يمكن أن تكون مدعاة لأن نرفض الأخر بدعوى أنه على غير ديني أو على غير العقيدة التي أؤمن بها، ولا يحق لأي كان ومهما كانت مركزتيه في الواقع الديني أن يفرض شكل العلاقات داخل المجتمع خارج ما هو أساسي وطبيعي أجتماعيا أو عقائديا، هذا ما نعرفه ونستقيه من مصادره النصية، أما ما في الواقع من معاملات ترجع في طبيعتها إلى سيكولوجية المجتمع القابلة للتقلب والتطور حينما يكون الوعي قادرا على ملامسة الحقيقة.
سؤال_ عندما يرد نص في القرآن يقول (إنما المؤمنون أخوة) هل يعني ذلك كل من أمن بالله؟ أم تحديدا من أمن بالقرآن؟.
الجواب_ الأكيد والثابت عندي أن الإيمان بالله على أي شكل هو الرابط الحقيقي الذي يجمع المؤمنين جميعا على أنهم أخوة، فالإيمان بالله وملائكته وكتبه هي من صفات المؤمنين الحقيقين {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً }النساء136، فلا يمكن أن ننكر إيمان الغير ونحن نؤمن بدينه أنه من الله وأن رسوله كرسولنا وأن كتابهم ككتابنا من حيث المصدر ومن حيث الخطاب، فالإيمان هنا ليس أمتيازا لأحد طالما أنه يسير وفقا لإرادة الله ولأجل أن يكون (الدين لله) جميعا، فالأخوة التي أشار إليها النص يجب أن تسري وفق ما يظهره أي مؤمن دون أن نتدخل نحن في طبيعة هذا الإيمان وشكلياته الخاصة، فمن أمن بالله وتعبد بدين الرب فهو أخي حتى تثبت الوقائع خلاف ذلك.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن