عبدالخالق محجوب - ندوة جامعة الخرطوم

يسرا أحمد بن إدريس
yousra.idriss@yahoo.com

2017 / 9 / 18

اليوم 18/09/2017 أصبحت ندوة الجامعة لعبدالخالق محجوب (1927 – 1971) مكتوبة لأول مرة منذ أن ألقاها في ستينيات القرن الماضي ، حيث قُمت بنقلها من مادة مسموعة (تسجيل صوتي) إلي وثيقة مكتوبة ، أقيمت الندوة في نادي طلاب جامعة الخرطوم نهايات سنة 1969 أو بدايات 1970 في عهد جعفر النميري ، جاءت فكرة النقل من تسجيل صوتي لوثيقة مكتوبة لأنني رأيت أنها في غاية الأهمية فالقضايا التي شغلت عبدالخالق محجوب قبل اكثر من أربعين عاما مازالت سارية حتي اليوم ولكن الملفت والمثير للإعجاب هي طريقة تفكيره وطريقة طرحه للحلول ورؤيته للاشياء ، إذ أزعم أنه متطور الفكر قافزا علي زمنه لأزمان لم يعشها ، فهو رمز وطني انساني بجدارة قلما يأتي السودان بمثله ومن الظلم إحتكاره في اسوار ايديولوجية بعينها ، يوما ما سيكون هناك تمثالا بهيا له في أحد شوارع السودان ، هذه احد أمنياتي ، وهذا هو خطابه لكم تمت كتابته ومراجعته عدة مرات بواسطة يسرا أحمد بن إدريس :


عبدالخالق محجوب – ندوة جامعة الخرطوم ( نقلا من تسجيل صوتي : https://soundcloud.com/reco2/mizotmexkzpb )


مفهوم الديموقراطية للجماهير هذا شئ حيوي وركن اساسي لتطور أي ثورة من الثورات ، سواء كانت الثورة السودانية أو سواء كانت الثورة العربية أو الافريقية أو أي ثورة بتطرح قضايا التقدم الإجتماعي ، بدون نشاط الجماهير وبدون إبداع الجماهير فإن أي تغير في السلطة سيظل في حدهِ من فوق ، تغير في السلطة فقط وتصبح الجماهير متفرجة تتلقي القرارات والقوانين ولا تستطيعُ أن تحول القرارات والقوانين إلي واقع وإلي تغيير حقيقي في حياة الجماهير، فتجربة الثورات في العالم الثالث ونحن جزء من العالم الثالث ، ومأساة جميع الثورات في العالم الثالث التي إنتكست هي القصور في فهم الديموقراطية للجماهير، في فهم الديموقراطية الجديدة ، وفي فهم حقيقة أن الجماهير لا يمكن أن تعبُر وتصل للإشتراكية بدون أن تتمتع بأقصي حد من الديموقراطية الشعبية والديموقراطية الثورية لهذه الجماهير.

إننا نذكر بألم ما وقع في غانا تلك البقعة التي مهما حاول المشوهون للحقائق أن يدمغوا بها نظام الرئيس نكروما إلا أنها كانت قلعة من قلاع الثورة الإفريقية وكانت أمل للجنود المسحوقين الذين عاشوا قروناً تحت العبودية سواءا كان في داخل افريقيا أو في القارات الأخري التي كانوا يُصَدرون إليها ، مأساة هذه الثورة الأليمة هي أن موضوع الديموقراطية للجماهير لم يطرح بل إن القوي الحاكمة وضعت نفسها نيابة عن الجماهير في إصدار القرارات وإصدار القوانين وكل شئ ينتهي هناك لأن الاجهزة القديمة تُعَوق تحويل هذه القوانين إلي ادوات لتغيير حياة الجماهير وتغيير حالتها من البؤس إلي رخاء وإلي تدريبها تدريباً سياسياً لأن الوعي هو الاساس ، نحن في العالم المتخلف ماذا نقدم الآن للبشرية ؟ يعني ماذا في إمكاننا ؟ التكنولجيا لا نملكها .. في إمكاننا أن نقدم الاختراعات الآن ؟ لا نقدم هذا ، في إمكاننا أن نبني بلادنا إعتمادا علي آخر ما تصل من التكنولوجيا والتقدم العلمي في اوروبا ؟ لا نستطيع هذا ، إننا نعتمد علي حماس الجماهير وعلي تفجير طاقات الجماهير حتي بآلات قديمة حتي بالسلوكة بالمنجل بغيرو لزيادة الانتاج .. وبدون حماس الجماهير وبدون تحويل الجماهير إلي توهين ومدركين سياسيا ويروا القدرات السياسية الحقيقية في إكتشاف طاقاتهم وإكتشاف اصدقائهم من اعدائهم فإن عملية التغيير الإجتماعي وعملية التقدم وعملية الإنتاج كلها تظل حبيسة القرارات وحبيسة القوانين.

للطبيعة الإجتماعية للسلطة شئ هام جداً ، لأن السلطة مهما كان منشأها ومهما كانت الدعايات حول عدالتها فإنها في النهاية لابد أن تكون سلطة إجتماعية وسلطة طبقية ، السلطة في الماضي كانت مبنية علي تحالف قوات المدينة علي الرغم من إنه الدولة وقتها كان بيدعوا فكرياً إنها هي للجميع وكلكم متساوون امام القانون والعدل وإشاعة العدل بين المواطنين لكنها كانت لمصلحة طبقات معينة كلكم تعرفون ، كان في اشباه اقطاعيين .. في العناصر التي تريد دفع السودان في طريق رأسمالية ، في القوي الطبقة الحاكمة .. في القوي .. أو ممكن أن نلخص السلطة اللي كانت موجودة هي الفئة الحاكمة من القرية إلي مجلس السيادة ومجلس الوزراء في الخرطوم ، فئة واحدة لا تحجز بينها حواجز علي الرغم من الخلافات الطائفية وعلي الرغم من الخلافات الحزبية تجد أن وشائج الصلة بين هذه القوي اقوي من الاختلافات الطائفية إنهم يقفزون قفزاً من فوق الحواجز الطائفية والحواجز الحزبية في أي إمتحان عسير أمام الحركة الشعبية ، في اكتوبر عندما تجمعت القوي الشعبية نجد أن الخلافات الحزبية بين القوي الرجعية زالت ، وتجمعوا في صف واحد في تنظيم واحد هو الجبهة القومية لتحقيق ثورة اكتوبر ، وفي كل إنتفاضة واخري كانوا ينسون كل شئ ، ينسون الخلافات الحزبية ، الخلافات الطائفية ويتجمعون في صف واحد ، وما قصة الإندماجات المختلفة والإتلافات المختلفة بغائبة عن اذهانكم ، إنها لا تعبر عن حقيقة سطحية ولكن تُعَبر عن واقع وهو أن في السودان وجِدت فئة حاكمة من الشيخ والعمدة في القرية إلي مجلس السيادة والتنظيمات السياسية المختلفة يجمع بينهم اكتر من ود وأكبر من وجه سياسي.

ثورة اكتوبر أنجزت شئ هام هو نقل السلطة من يد القوي الرجعية إلي يد قوي ديموقراطية وتقدمية ، ولكن كل الخرطة السياسية الباقية الأخري باقية كما هي ، يعني القوي الرجعية موجودة كما هي ، صحيح بعدت عن السلطة ولكنها موجودة ، قوي اليمين موجودة ، العناصر المتطرفة والمتشنجة من الأخوان وغيرو موجودة ، موجودة في داخل المجتمع ، كل الشي الجديد هو إنه وجدت ظروف جديدة أفضل من ما مضي للقوي الثورية والتقدمية في السودان لإنها تحسم الصراع الاجتماعي لمصلحة الشعب ، إنما كان يعوق القوي الثورية في البلاد ليس هو قدراتها علي مناهضة ومناجزة والصراع ضد القوي الرجعية بقدر ما كان يعقوها وجود السلطة في يد الرجعيين ، وقد جربنا هذا حتي بعد اكتوبر ولكي نكشف إدعاء القوي الرجعية في البلاد بأنها مع الديموقراطية نحن قدمنا بالانتخابات ودخلنا بالانتخابات ولكن لم يبقي الحزب الشيوعي إلا ثلاثة أشهر ، رفضوا هذا لأنه السلطة بيدهم ولأنهم ما استطاعوا قبول الصراع علي اساس الصراع الإجتماعي بل تعمل السلطة والقمع ضد تطور الحركة الثورية في السودان.

وفي تقديري أنه عندما تطرح الاشتراكية في بلادنا المتخلفة ، فهي تطرح كأمل في المستقبل وهذا ايضا له دلالته وله أهميته ، نجن ندرك أن بلادنا الآن مازالت في فترة متأخرة من فترات التطور وعليها أن تحسم قضاياها الأولي الهامة وهي قضية الحرية الوطنية ، لأن السودان حتي في إستقلاله السياسي لم ينعم بالحرية الوطنية ، فمواقع الإستعمار الحقيقي في اقتصادنا موجودة ، مواقع الإستعمار القديم موجودة ، القرارات كانت لا تصدر من الخرطوم بقدر ما تصدر من عواصم أخري خارج الخرطوم ، ولهذا فإن الطبيعة الوطنية في الأول للثورة في السودان هي شئ هام ، أمامنا مشاكل التخلف وخير تعبير لهذا أن لا يمكن أن نتغلب علي التخلف بسلوك طريق مبتور وليس طريق التطور الرأسمالي ، بناء البلاد علي طريقة جديدة وبإمكانيات وإستثمارات الدولة لأن الطبقات الاخري وخاصة طبقة الرأسماليين في السودان ضعيفة وليست لديها إمكانيات وهي طبقة غير متعلمة وغير متنورة ولا يمكن علي الأطلاق أن تضع من دخولها النسبة الكافية للأستثمارات ، كلكم تعيشون في السودان وتعرفون! الرأسمالية دي بتاعة التجارة دي لا تبني شيئاً علي الأطلاق وكلكم تعرفون أن التاجر عندما يوفر يضع إمكانياته ويستثمر في البناء ، كل الأمان إنه يبني بيت للإيجار، مافي شي! كلكم تعلمون نتاج خطة العشر سنوات، بُنيت علي تقدير أن الرأسماليين يستطيعون أن يُسهموا إسهاماً حقيقياً في قضية التنمية في البلاد وقُدر لهم أن يستثمروا في الصناعة بأكثر من عملية بتاعة 25 مليون جنيه وكلنا نعرف نتاج هذا السودان جاري في المنطقة الصناعية ، هذا هو النتاج ، مصانع قليلة جدا لبعض السلع الإستهلاكية البسيطة .. كالشعيرية والمكرونة والصابون وغيرو .. ماذا نُرجي من مثل هذه الطبقة! ومهما نفخنا فيها من الروح ، لا نُرجي منها شيئاً إذا كنا نريد أن نبني الخزانات ، نريد أن نبني الصناعات الكبيرة ، نريد أن نبني المشاريع الكبيرة ، اين هذا التصور ؟! واين هذا الإنتظار للرأسمالي الذي يعيش علي التجارة ويعيش في القطاع الأدني من التجارة لكي يستثمر في هذه الميادين التي تحتاجُ إلي زمن وتحتاجُ الي خيال وتحتاجُ إلي الإنتظار! ، ولهذا رضينا ام أبينا .. أصبح لازم علينا .. أصبح من المهم أن تتولي الدولة في البلاد قيادة الاقتصاد السوداني ، وهذا ما نسميه بتطور غير رأسمالي في البلاد.

في قضية التأميم ، ونحن من المهم تحرير هذه الجماهير وكل الخطوات يجب أن تمشي في سبيل تحرير هذه الجماهير ، بداية في تقديري بداية بمواقع التقدم بين الجماهير لأن السودان بلاد بزيد إنتاجه بأوضاع مختلفة ، اقتصاد اشكال مختلفة لا يربط بينها سوق واحد ، مناطق مغلقة ، مناطق في الجبال لا تنتج أي شئ ، الجنوب الإنتاج بتاع الفرد في حالات السلم 14 جنيه في السنة ، الفرد الواحد لا ينتج اكثر من 14 جنيه ، وأنت تريد أن توقظ هذه الجماهير ، تريد أن تجذب هذه الجماهير إلي حلقة النشاط السياسي والإجتماعي والإقتصادي والإنتاج وغيرو .. من أين تبدأ ؟ لابد أن تبدأ من مواقع الوعي ، من مواقع التقدم ، من مواقع المناطق المتقدمة بين المزارعين ، من مواقع المناطق المتقدمة بين العمال والمثقفين وهذه القوي هي التي تفتح الطلاسم هي التي تبني الجسور للوصول إلي هذه الجماهير وتحريكها ، إن الوعي لا يأتي هبة من السماء وإن واقع الانسان لا يأتيه بالوعي علي الإطلاق ولو كان الواقع والفقر يأتي بالوعي لكانت الشعوب المتخلفة في الطليعة وكان الشعوب المتخلفة هي التي تقود عالم اليوم ، الوعي يُنقل من الناس الذين عندهم وعي إلي من ليس عندهم وعي ، وهذه مسألة نعرفها في المدارس ، من منا تعلم بدافع إنه يريد التعليم ، كل الاطفال عايزين التعليم بدون المدرس لا نتعلم ، المدرس هو القنطرة الجاهزة لنقل التعليم ، الوعي للجماهير وإيقاظها فيه قنطرة من مناطق الوعي إلي مناطق غير الوعي وكيف يضبط هذا بقضية كبيرة وقضية من المشاكل التي كانت عنق زجاجة بالنسبة للحركة الثورية في السودان لضعف الامكانيات ، لوجود التخلف ، لإستغلال شعار الدين استغلالاً وثنياً في البلاد استغلالاً..(قطع في التسجيل).. إنه قائم علي طائفية وقائم علي نظام الفكي وغيرو وبتاع لا علاقة له بالدين وما سمع به الدين الأسلامي والاسلام برئ من هذه الترهات وهذه المشاكل ، كل هذا كان سياسي لازم نفهم!
وأعني لأستكمال الحرية الوطنية مواقع النفوذ الاجنبي في الاقتصاد السوداني ، من العسير أن نتسلم أمن حريتنا الوطنية وعن أننا نبني اقتصاداً مستقلاً والمصارف في يد رأس المال الاجنبي ، هذا أمر عسير فهمه علي الأطلاق ، مهما يكون الأمر ، يعني .. مسألة المصارف هذه مواقع استراتيجية حقيقية ، يعني لايمكن إنه تعمل سياسة مالية تقرر سياسة إندماج أو سياسة تضخم أو غيره إذا كانت السياسة المصرفية ليست ييدنا وإذا كانت السياسة المصرفية موجودة في يد القوي الاجنبية في يد رأس المال الاجنبي ، كافة المشاريع اللي طرحت من قبل علي العهد الماضي ـ طرح موضوع سودنة ، القوي الثورية رفضت موضوع السودنة علي إعتبار أنه السودنة هي عملية تغطية لوجود رأس المال الاجنبي في موقع هام وموقع استراتيجي في الاقتصاد السوداني وإنه هذا ضد الحرية الوطنية للبلاد ، وإنه رأس المال السوداني حيصبح بهذه الطريقة سمسار .. بهذه الطريقة يصبح سمسار وتقطع له كافة الإمتيازات وهي في الواقع إمتيازات لرأس المال الاجنبي ، فمسألة البنوك الاجنبية بالنسبة لثورة لا بديل من إستيلاء الدولة علي المصارف لأن هذه عملية حيوية بالنسبة لتطور الاقتصاد.

في موضوع التغيرات التي تجري في علاقاتنا التجارية ، في موضوع النقل ، في موضوع التأمين ، التأمين اللي هو إلي الآن بيستنزف ما يقرب من 2 مليون جنيه من إمكانيات السودان ، هذا التأمين موجود بيد رأس المال الاجنبي ، النقل كان موجود بيد رأس المال الاجنبي حتي البحرية بتاعتنا ضعيفة في العملية دي ويمكن أن نستبدل بأشياء كثيرة جدا ، نريد قبل أن نبني الإشتراكية نريد إستقلالاً إقتصاديا ، نريد اقتصاد وطني مستقل.

وكذلك لابد من ـ لتأمين التطور الثوري في السودان ـ وضع كافة القوانين بين يد الجماهير ـ يعني مثلا في قانون مثلا الادارة الاهلية الفصل او غيرو او غيرو في خطوة تتعمل في هذا الموضوع. إن الإصلاح الإداري وتصفية الإدارة الأهلية وتغيير القضاء الأهلي إلي قضاء مدني خطوة ورا خطوة ، هذه في الواقع هي جزء من الثورة الزراعية في السودان ، لأنه الثورة الزراعية في السودان في مناطق كثيرة جدا ليست ثورة أرض أو غيرو لأن الارض ملك الدولة ، ليست ثورة تمس اشياء بهذه الطريقة التقليدية الموجودة في بعض البلدان التي كان بها إقطاع ، ولكنها تمُس عملية الديموقراطية بالنسبة لهذه الجماهير ، عملية إدخال هذه الجماهير إلي الحياة الحديثة ، وعملية تفتيت وتصفية النظام القبلي لأن لا يمكن أن نتكلم عن التقدم والاشتراكية بوجود نظام قبلي ولا أعتقد أن النظام القبلي من تقاليد ومقدسات الشعب السوداني ، هذا نظام بالي ويجب أن يذهب كما ذهب في كثير من بلدان العالم.

الحقيقة من اكتوبر اتطرح موضوع التطهير ، وده شكل كان من الأشكال لكن حدوده هي تخفيف وطأة العناصر الرجعية في جهاز الدولة وهو لا يصل إلي المستوي الثوري الحقيقي ، إن إنتكاسات الثورة في العالم الثالث كان من ضمنها تخيل بعض الثوريين بأنه من الممكن أن تكون ثورياً من فوق وتستعمل جهاز الدولة القديم لتطبيق الثورة والإشتراكية ، في ظروف معينة يمكن أن يُقهر هذا الجهاز – في ظروف معينة ظروف سياسية فيها مد الشعب متحمس يقهر هذا الجهاز ويمكن أن تصدر قرارات وينفذها- ولكن في أي إهتزاز فإن هذا الجهاز هو الذي سيلعب الدور الحاسم في عملية الثورة المضادة ، في ناس نكروما وفي ناس مالي وكل دي تجارب موجودة ، وفي البلدان العربية واضحة التجارب ، لا يمكن أن نتناسي في البلدان العربية إنتكاسة يونيو 1967 ، إن إنتكاسة يونيو 67 كان من ضمنها هذا العامل ، لقد ضرب جهاز الدولة القديم الحركة الثورية وهي في معركة وطنية مقدسة ، ضربها بالهزيمة ثم ضربها بأعمال المخابرات ، ثم ضربها بقتل كل التطور الثوري وحرمان الشعب من المشاركة الحقيقية في العمل الثوري وفي تحديد مستقبله.

إن فكرة الديموقراطية الجديدة نابعة من طبيعة الثورة السودانية فإذا كانت المهام التي تواجه الثورة السودانية هي بالفعل توسيع لكي تصبح ثورة وطنية ديموقراطية فإن هذا يعني أن تمس هذه الثورة ساكن الأقاليم بل أذهب ابعد من هذا وأقول إن محتوي الثورة الديموقراطية في السودان هو ثورة القطاع الزراعي بأقسامه المختلفة بالعاملين في الثورة الحيوانية ، والعاملين في مناطق الزراعة المطرية ، والعاملين في مناطق الزراعة المروية ، الاشتراكية لا يمكن أن تُبني من فوق الفقر ، إن الأشتراكية والفقر عدوان لدودان ، اشتراكية الفقر اشتراكية لا تؤدي إلي شئ غير التحلل وغير الإنهيار ، الأشتراكية القائمة علي تقسيم الفقر أكثر منه تقسيم الغني بين الناس إشتراكية واهية لن تسير ولن تتقدم ، لأننا في عهد طابعه العالمي ومحتوي العصر هو الصراع بين الاشتراكية والرأسمالية ، فإذا كان ما تمنحه الاشتراكية للعالم هو تقسيم الفقر فإنها قطعا منهزمة في المباراة العنيفة بينها وبين النظام الرأسمالي لأن النظام الرأسمالي حتي في أوضاعه الرأسمالية فإن الجماهير تستطيع أن تتمتع بحد معين من مستوي المعيشة ولا يمكنها أن تفهم ولا يمكنها أن تقبل التنازل عن مستوي معيشتها نظير نظريات ونظير شعارات ، ولكي تُبني إشتراكيةُ بلادنا وتقدم بلادنا فوق أرض من الكفاية وفوق أرض من الإنتاج لابد أن يكون البرنامج الاشتراكي للسلطة والبرنامج الاشتراكي للشعب والبرنامج الاشتراكي لحركة الطلبة الديموقراطية والتقدمية والاشتراكية شاملاً لثلاث مراحل:
المرحلة الاولي ، وهي فترة الخروج من الأزمة الراهنة
والفترة الثانية ، هي فترة التطور غير الرأسمالي
ثم الفترة الثالثة ، هي فترة بناء القواعد الأساسية للأشتراكية

ولكن يجمع بين كل هذه الفترات إتجاهات أساسية وهو إتجاه رئيسي هام ، وهو أنه لايمكن أن نبني مجتمع جديد إلا بالإعتماد علي مواردنا الداخلية ، إلا بتفجير هذه الموارد ، إن التصورات الساذجة التي تقول بأن المعسكر الأشتراكي يمكنه أن يبني الأشتراكية في بلد قالت أنها اشتراكية تصور ساذج إلي حد بعيد ، الإشتراكية تبني برغبة الشعب وبقدراته علي التضحية وبإحساسه بحتمية الاشتراكية ، لايمكن أن تُصدر الثورة ولا يمكن أن تُصدر الأفكار ولا يمكن ايضاً أن يُصدر التقدم الأقتصادي ، إن الاشتراكية والإتجاه الاشتراكي والمنهج الاشتراكي يتطلب في الأول أن تقبض السلطة علي كافة الموارد الداخلية التي تهيئ لها فائضاً إقتصادياً للإستثمار في مرافق التنمية المختلفة. وفي وضعنا في السودان نعتقد أن هذه الفترات إعتماداً علي تفجير مواردنا الداخلية المادية لابد أن تستهدف شيئين ، لابد أن تستهدف تحرير إقتصادنا الوطني وفي نفس الوقت بناء القواعد الثابتة المادية للتقدم الاجتماعي.


من الذي يقول إن هذه الجامعة مفروض أن تخرج الكوادر الفنية للعمل وخاصة في ميادين التطور الاقتصادي في السودان وهو جوهر الاشتراكية ، إن المناهج التي سرنا عليها واقول إني يعني لا اعرف كثيراً من هذه المناهج ولكني إلتقيت بالكثير من خريجي الجامعة وخاصة العاملين في الحقل الاقتصادي ، إن المعادلات القديمة الخاصة بالثمن الحدي يساوي الدخل الحدي المارجن وغيرو أفة آفة إقتصادنا وآفة المفكرين لميزانياتنا ، هذه النظريات لايمكن أن تفيد أي مجتمع اشتراكي ، المجتمع الاشتراكي يُبني علي أساس كوادر اشتراكية والكوادر الاشتراكية لا يعني أنهم لا يدرسون النظريات الرأسمالية في الاقتصاد ولكن لا تكون قبلتهم هذه النظريات لأنه لايمكن أن تبني الاشتراكية بكوادر تؤمن بالاقتصاد الرأسمالي ولهذا فهناك مسؤلية كبيرة في الجامعة في تغيير المناهج بحيث تصبح مناهج لبناء اقتصاد متخلف ، نسيب (Shots, Grocery and Utility) كل المعلومات البتجي دي الشوتس والقروسري واليوتيلتي .. ده كلو هو ده ما داخل لأنه اقتصاد السودان أولاً واخيراً هو إقتصاد تعبان ، إقتصاد متخلف مشكلته الانتفاضة الانتاجية ، مشكلته أن الناس لا يعملون ، مشكلته إنه 85% من سكان السودان ينتجون 51% فقط من عائد الإنتاج الأهلي ، يبقي معناتا إنه المواطن لا ينتج فنظرية التمن الحدي ونظرية الدخل الحدي وغيرو ما بتنفع في هذه المسألة ومن الخير أن تعالج من الجامعة برضاها وبدون تدخل من أحد.

كذلك إن مسؤليتنا هنا ايضا فيما يختص بحركة الطلبة الجنوبيين ، لقد هزني بالفعل أن أجد بين الموقعين علي بيان الاتجاهات الاشتراكية جبهة الطلبة الجنوبيين ، لقد غابت عنا تلك الأيام المجيدة التي كان فيها الطلبة الجنوبيون جزءا من حركة الطلبة ، إن مسؤلية الاحزاب التقليدية منذ عام 55 في هذا الإنفصال .. إن الإنفصال لم يكن هو الإنفصال الجغرافي أو محاولة فصل الجنوب عن الشمال بل الأخطر هو كان الإنفصال الأجتماعي ، الطلاب الجنوبيون لهم حركة منفصلة ، العمال الجنوبيون لهم حركة منفصلة ، النساء الجنوبيات لهن حركة منفصلة ، هذا هو الشئ الخطير ، إن الإطار الجديد يجب أن يدفع بالرجل بالانسان الجنوبي الشجاع إلي حلبة الصراع الجديد ، حلبة الصراع الاجتماعي والتقدمي الذي يوحد حركة الطلبة لا فرق فيها بين الشمال والجنوب وإنما هناك حركة واحدة تسعي من أجل التقدم الاجتماعي وهذا هو أساس للوحدة.
ما يسمي بالحركة الاسلامية في السودان من جماعات الاخوان المسلمين خاصة ، إنما يبنون مواقفهم فوق مواقع جامدة لا يعرفون التطور ولا يعرفون بأن المفاهيم الإسلامية لابد من وضعها في مجري التاريخ ولابد من وضعها في مجري التطور ، بل يعرفون من الجانب الاسلامي الاستغلال وقبول الاستغلال الطبقي وقبول الحكم الرجعي في البلاد ، إن التيارات الاسلامية التي طلعت في مطلع هذا القرن العشرين في المنطقة العربية لم يصل أثرها في السودان ، لقد حدث تطور هائل علي ايام الأمامين محمد عبده وجمال الدين الافغاني ثم الكُتاب المختلفين والمثقفين في العالم العربي لتطوير الفكرة الاسلامية ولوضع/نقل فكرة العدالة الاسلامية إلي واقع القرن العشرين ، ولا يمكن أن تنتقل فكرة العدالة الاسلامية إلا إذا إنتقل الأساس المادي للعدالة وهو إختفاء الطبقات وهو إختفاء الملكية لوسائل الإنتاج ذلك كان أساس العدالة علي المجتمعات الاسلامية الأولي.

استقلال الجامعة هو إنعكاس لحاجيات إجتماعية ، سواء كانت حاجيات اجتماعية منفعية ، أو إن كانت حاجيات روحية وفكرية لتغيير المجتمع من المجتمع الإقطاعي الذي كانت تتحكم فيه الكنيسة إلي المجتمع الحديث المعروف بالمجتمع الرأسمالي ، فإذن نستطيع القول بأن شعار إستقلال الجامعة في تاريخه كان مطروحا بالحاجة للتقدم وكان المظلة التي تتجمع حولها قوي التقدم لتغيير المجتمع الجديد وكان المظلة التي تناضل تحتها الطبقة الجديدة ومثقفوها من أجل تغيير المجتمع ومن أجل النضال ضد قوي الرجعية الارستقراطية القديمة ، وفي هذا المحتوي وبهذا المعني أُسست الجامعة في الخرطوم من الادارة البريطانية ومن المثقفين البريطانيين الاوائل المتأثرين بهذا التفكير، وكان هذا المحتوي محل صراع حقيقي ولكنه لم يكن محل صراع لمجرد المُثل أو الشعارات كان صراعاً بين القوي الرجعية والطبقات الرجعية في المجتمع التي كانت تريد أن تنشر سلطتها علي البلاد بأكملها ، فالحكم العسكري مثلا -الحكم الديكتاتوري العسكري- الذي ردحت البلاد تحته سنوات طويلة هو الذي طرح شعار التدخل في الجامعة وشعار عدم إستقلال الجامعة ولكن ماذا كان يريد من ذلك التدخل ، كان من ضمن المؤسسات التي يريد أن يبسط عليها نفوذه: الجامعة ، لكنه كان ينظر إلي الجامعة كجزء من المؤسسات التي لابد من أن يبسط نفوذه عليها ، كان يرمي إلي إتجاه عام ، إلي ربط البلاد بالاستعمار الحديث ، إلي دفع البلاد في طريق التطور الرأسمالي ولهذا كان لابد له أن يبسط سلطانه علي كل مكان ولهذا فالصراع تحت راية استقلال الجامعة ضد تسلط الحكم العسكري كان في واقع الأمر شعاراً للنضال الذي تقف تحته وتدفعه قوي التقدم ضد قوي الرجعية في البلاد ، ونلحظ ايضا أن الاحزاب بعد أن عادت - بعد ثورة اكتوبر- حاولت بكافة الطرق أن تبسط نفوذها في البلاد وأن تدعم من قواها الاجتماعية في داخل بلادنا ومن ضمن المؤسسات التي كانت تريد أن تبسط نفوذها فيها: الجامعة ، ولماذا حدث هذا بعد اكتوبر ، إن الاحزاب كانت موجودة قبل اكتوبر في فترة 56 - 58 بعد الاستقلال وحتي في فترة الحكم الذاتي 54 – 56 كانت تتحكم في البلاد ، إذا أردنا أن نكون واضحيين في هذا نقول بأن الاحزاب وقتها قبل الحكم العسكري كانت تستطيع حكم البلاد عن طريق الديموقراطية البرلمانية علي صيغتها الغربية ولهذا لم تكن في حاجة لهذا البسط ولهذا الاندفاع في التوسع في نفوذها في البلاد لأنها كانت تضمن بقاءها عن طريق الديموقراطية البرلمانية الغربية ، ولم يكن الشق الآخر من الديموقراطية البرلمانية الغربية وأعني شق الحقوق الديموقراطية وحرية الرأي يهدد بقاءها أو يهدد كيانها ولم يكن في ذلك الوقت أداة فعالة في يد الجماهير لتستطيع أن تعرف بها سير الاحداث في البلاد وليتسع وعيها ، وقد تغيرت الاحوال بعد ثورة اكتوبر ، بعد ثورة اكتوبر اصبح الاتجاه العام للاحزاب في البلاد يدل بوضوح علي عجزها عن أن تتحكم في مسيرة الجماهير عن طريق الديموقراطية البرلمانية الغربية ، كانت تستطيع عن طريق الديموقراطية البرلمانية الغربية أن تنال الاغلبية في البرلمان وأن تشكل السلطة ولكن الشق الآخر من الديموقراطية الغربية وهو شق الحقوق الديموقراطية ، حرية الرأي ، إستقلال الجامعة ، إستقلال القضاء أصبح يهتز بين يديها وأصبحت الجماهير علي الرغم من ضيق هذه الحقوق وعلي الرغم من ضيق الحقوق الديموقراطية البرجوازية تستطيع أن تستغلها في النضال ضد القوي الرجعية في البلاد ومن ثم كلنا يذكر تلك الايام حينما ضاقت الرجعية بإستقلال الجامعة شعار البرجوازية حينما ضاقت بإستقلال الجامعة .. إستقلال القضاء .. إستقلال الجامعة وحرية الرأي في البلاد.

ولهذا في رأيي بأنه ليس هناك تناقض، إستقلال الجامعة في منشأه هو المظلة التي حمت قوي التقدم في اوروبا حتي تستطيع تلك القوي تغيير المجتمع إلي مجتمع جديد ، وفي السودان بصفة هذه المؤسسات القضاء او إستقلال الجامعة هي مؤسسات في المنشأ مؤسسات برجوازية تأتي من اوروبا حمت إلي حد ما قوي التقدم في البلاد التي تريد أن تصرع الرجعية ، لقد لاحظنا أنهم كانوا يرفضون هذا الاستقلال بطرق مختلفة بعد مجيئهم -اي بعد مجيئ الاحزاب بعد ثورة اكتوبر- فأُسس .. أُسس استقلال الجامعة .. أُسس الحياة الجامعية حتي بالمعني الغربي الموروث يتطلب اساساً حرية الرأي وحرية الرأي وقتها لم تكن مكفولة كلنا يشهد أن الحياة السياسية في البلاد سُممت إلي درجة بعيدة وأبتدت تنهار الحياة العلمانية السياسية في البلاد ، وابتدأ يُطرح بوضوح وينفذ ربط الحياة السياسية بالمفاهيم الدينية ، ربط الحياة السياسية بالمعتقدات الدينية ، ولا يمكن في محتوي المفهوم لإستقلال الجامعة وحرية الرأي في الجامعة أن تتسمم الحياة في البلاد وأن لا يُفتح الطريق للعلم وترتبط الحياة السياسية في البلاد بالإرهاب الديني ، لا يمكن أن تكون هناك حرية فكر ومن ثم لا يمكن أن تتوفر الدعائم الأساسية لإستقلال الجامعة بالمعني البرجوازي الذي أُسست من فوقه الجامعة.

الجامعة تغذيها المدارس من المدارس الاولية والوسطي والثانوية ، فإذا كان الحكام وقتها حادبين فعلا علي أن تتمتع الجامعة بإستقلالها أي بأساس حرية الرأي فيها ، فكان من الواجب أن تتجه المناهج في إتجاهات علمانية .. إتجاهات علمية ، ولكن كلكم يعرف أنه في السنوات الاخيرة زُج بالعقيدة بطريقة مشوهة في مناهج التعليم بالمدارس الثانوية .. في الشهادات .. في التعليم الثانوي كانت تفرض مؤلفات محمد قطب وسيد قطب وهذا أمر مشكوك فيه وهذا أمر متنازع ، وهذا أمر فيه جدل طويل ، هل مؤلفات سيد قطب ومحمد قطب هي حقيقة الفلسفة الاسلامية! هي حقيقة الفلسفة التي أخرجت المفكرين الاسلاميين إبن رشد وإبن سينا وغيرهم أم أنها تعصبُ معتزلُ للمجتمع ؟ ام أنها تعصب يجعل الفرد خارج المجتمع ومُحطماً للمجتمع لا بانياً له علي الاطلاق ...
وحتي بين الاساتذة ، حتي بين أساتذة الجامعة أنا قرأت بيان الاخوان المسلمين تحت اسم "الاتحاد" ، يتكلمون عن هذا المعني ويدافعون عنه ، فإستقلال الجامعة بتعريف السلطات الحاكمة هو الاستقلال الاكاديمي وحرية البحث العلمي وإختيار الإساتذة وحرية إختيار المناهج ، المناهج توضع بحرية بدون تدخل الدولة ، بدون تدخل الشعب ، بدون تدخل الرأي العام .. ولكن أود أن أُحيلهم علي ما كتبت اللجنة الفنية ويجب ألا ننسي هذا الدستور : مشروع الدستور المقدم للجمعية التأسسية يناير 68 ـ اللجنة الفنية التي وضعت هذا الدستور بينها الأستاذان الدكتور "مدثر عبدالرحيم" والأستاذ "حسن عمر" ، والأستاذ السابق بالجامعة الدكتور "حسن الترابي" – يقول التالي: المادة 15 اللي هي حول حرية المناهج ، بأن الدولة لا تتدخل في المناهج بل المناهج توضع من داخل الجامعة – "تشرف الدولة علي المناهج التربوية والدراسية في جميع .. (تصفيق وانقطاع في التسجيل، يواصل) ... تعمل الدولة علي تأمين إستقلال الجامعات وحرية الفكر والبحث العلمي وذلك في حدود قوانينها التأسيسية ودون مساس بحق الدولة في تخطيط التعليم العالي وتنفيذه".

في ميدان الذي يمس الجامعة هناك .. والذي يمس حاجيات البلاد هناك الحاجة بالفعل إلي الثورة الثقافية الديموقراطية في السودان ، إن العلم والرشد هما المقياسان الوحيدان في مثل هذه الظروف ، فالمعرفة كما هو معروف سلسلة من التراث الانساني ولا يجب قَبلُها، ولهذا ولطبيعة الثورة السودانية فإنه من العسير ومن غير الصحيح ومن الخطأ أن يُفرض في ميدان الثقافة الديموقراطية ايديولوجية بعينها ، إن فرض ايديولوجية إن كانت ايديولوجية الشيوعية او ايدلوجية غير شيوعية أو اشتراكيين عرب او قوميين عرب او اشتراكيين ثوريين لا يتمشي علي الاطلاق مع متطلبات النهضة الثقافية في فترة الثورة الديموقراطية ، الذي يجمع بين الناس في هذه الفترة في إشعال وتطوير الثقافة .. النهضة الثقافية في البلاد هو أن يتحكم العلم وأن توظف ثقافة السودانيين وحياتهم ، هذا هو الجامع لكل الناس في هذه الفترة ومثل هذا الوضع الذي لابد أن يتحكم فيه العلم والرشد لا مكان للعقل المتحجر ولا مكان للعقل غير الأمين لأن مثل هذا العقل لا يصلُح. (تمت)


(تمت كتابة هذه الوثيقة بواسطة : يسرا أحمد بن إدريس)



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن