حقوق السحب الخاصة عملة حسابية مكملة للاحتياطيات الدولية

اخلاص باقر النجار
Dr.ikhlasalNajjar@yahoo.com

2017 / 9 / 12


هناك تشابه ما بين مفهوم الاحتياطيات الدولية ومفهوم السيولة الدولية والذي يمثل ما تدّخره المصارف المركزية الدولية من احتياطيات قابله للسيولة ، وإن عناصر الإحتياطيات الدولية يجب أن تتمتع بصفة القبول العام للقيام بتسوية المدفوعات الدولية ، وتتمثل أهمية الاحتفاظ بالاحتياطيات الدولية بكونها تستخدم كجزء من الغطاء النقدي للعملة المحلية ، وانها المركز الأساس في بناء واستقرار القيمة الخارجية للعملة المحلية والدفاع عنها بأسعار صرف عالية الاستقرار ، وتتمثل عناصر الإحتياطيات الدولية في أربع نقاط رئيسة أولهما : الذهب الذي استخدم للتبادل النقدي وتسوية المدفوعات الدولية للمدة (1870 – 1914 ) ، وثانيهما : الجنيه الاسترليني : حيث اعتبرت بريطانيا طوال القرن التاسع عشر المركز المالي الرئيس في العالم والمجهزة الوحيدة للسيولة الدولية ، وثالثهما : الدولار الأمريكي : بعد حركة التصنيع التي شهدتها الولايات المتحدة الأمريكية بعد عام 1920 ، أصبح إنتاجها الصناعي يعادل (46%) من إجمالي الناتج العالمي وبدأت تحقق صادراتها فوائض مالية سنوية ، ورابعهما : حقوق السحب الخاصة.
وتمثل حقوق السحب الخاصة تخصيصات سحب خاصة بهيئة وحدات نقدية حسابية تعطي الدول الأعضاء في صندوق النقد الدولي الحق في الحصول على عملات قابلة للتحويل من الدول الأعضاء الأخرى ، كما أنها أصل احتياطي تكميلي وشكلاً مطوراً ومهماً يساهم في مواجهة مشكلة السيولة الدولية ، وانها ليست عملة ذات وجود مادي يمكن استخدامها في المعاملات التجارية ، وانما مجرد قيد حسابي في دفاتر صندوق النقد الدولي الذي أوجدها في عام 1969 ، لاكتساب أداة من الاحتياطيات الجديدة للسيطرة على عرض السيولة الدولية لتصحيح ميزان المدفوعات ، لذا اقتصرت حيازتها واستخدامها منذ البداية على الدول الأعضاء، ويمكن مبادلته بأي من العملات القابلة للتداول الحر ، وإنه من ضمن الاهداف المعلنة للدول الأعضاء هو ان تصبح SDR في المستقبل بمثابة مصدر رئيس للاحتياطي النقدي العالمي والسيولة الدولية ، ولا تستخدم بشكل مباشر في المدفوعات الدولية ، وانما تستخدم للحصول على عملات قابله للتحويل ، الذي يقتصر بدوره على عملية الوساطة بين الدول ، بعد ان يكون قد تسلم طلباً من دولة ذات عجز ، بالحصول على عملة قابلة للتحويل ، تعين تلك الدولة المطلوبة عملتها ، والذي يتوجب عليها ان تقبل SDR لقاء عملتها.
وتأتي أهمية SDR من كونها جعلت قيمة كل وحدة من الحقوق عند اصدارها ، تساوي محتوى الدولار الأمريكي من الذهب (0.88876) ، لتصبح الرصيد الاحتياطي الاساسي في نظام النقد الدولي ، وفي عام 1974 ، اصبحت قيمتها تتحدد يومياً على اساس اوزان مرجحة لسلة تتألف من (16) عملة دولية وقد تضمنت السلة عملات الدول التي كانت مساهمتها لا تقل عن (1%) من مجموع التجارة الدولية ، لتفادي تقلبات الدولار الامريكي ، وتكون حصة كل دولة من SDR بنسبة حصتها من رأس مال صندوق النقد الدولي الى مجموع رأس مال حصص الدول المشتركة فيه ، ونظراً لكبر حصة الدول الصناعية ، جاءت القرارات التي يتخذها الصندوق متمشية مع مصالحها ، حيث يتمتع كل الاعضاء بحق الاسهام في نظام SDR ويتعين عليهم قبول هذه الحقوق اذا قدمها عضو اخر ووقع عليه اختيار الصندوق ، وعليه في هذه الحالة ان يدفع مقابلها عملة قابلة للتحويل، وان حقوق (SDR) ليست عملة ولا استحقاقا على الصندوق ، إنما هي استحقاق محتمل على العملات القابلة للتداول الحر الخاصة بالأعضاء،ويستطيع الحائزين لها إتباع إحدى طريقتين للحصول على هذه العملات في مقابل ما لديهم من حقوق ، أولهما : الاتفاق على إجراء مبادلات طوعية بين الأعضاء، وثانيهما : تكليف أعضاءاً من ذوي المراكز الخارجية القوية بشراء الحقوق من الأعضاء ذات المراكز الخارجية الضعيفة .
وان (SDR) هي مجرد إجراءات ائتمانية اكتسبت قيمتها من الالتزام بالاتفاقية الدولية التي أنشأتها وحكمت استخدامها ، وتتوقف الثقة بها على الثقة بصندوق النقد الدولي والمسؤولية المشتركة لأعضائه ، ويمكن إصدار (SDR) فقط عند موافقة (85%) من الأعضاء ، وقد كان مؤتمر بريتون وودز في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1944 ، بمثابة إعلان للنظام النقدي العالمي الجديد الذي يقوم على تحقيق توازن اقتصادي بين دول العالم دون الحاجة إلى فرض قيود على التجارة الدولية وإنشاء أهم المؤسسات الاقتصادية في العالم وهي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ، وإرساء قواعد جديدة للنظام النقدي الدولي ، والتي عن طريقها تتعامل الدول أحداهما مع الأخرى ، طبقا للاتفاقية بدلالة الذهب أو الدولار الأمريكي ، وتتمثل طبيعة (SDR) بكونها وحدات نقدية حسابية تعطي الدول الحائزة لها ، الحق في الحصول على تسهيل ائتماني لعملات قابلة للتحويل من الدول الأعضاء ، ويجوز للصندوق بموجب اتفاقية تأسيسه ان يوزع مخصصات من (SDR) على الأعضاء بالتناسب مع حصص عضويتها من الصندوق ، ويتيح هذا التوزيع حصول كل عضو على أصل احتياطي دولي دون شروط ، وتتسم آلية (SDR) بالتمويل الذاتي حيث تفرض رسوماً على التوزيعات يتم استخدامها لاحقاً في سداد الفائدة على حيازات (SDR) ، وإذا لم يستخدم العضو أيا من حيازاته المخصصة له تصبح الرسوم مساوية للفائدة المتلقاة ، أما إذا زادت (SDR) لدى الدولة العضو فتجاوزت المقدار المخصص له ، فأنه يكتسب فوائد فعلية على المقدار الزائد ، وبالعكس إذا كانت حيازاته أقل من المخصص يصبح عليه دفع فوائد على مقدار النقص ، وان عملية التخصيص ليست إلاّ عملية خلق سيولة جديدة ، أما عملية إلغاءه فهي عملية معاكسة وتهدف إلى إزالة هذه السيولة ، وان كان من حق دولة العضو رفض ما يصيبها من عملية التخصيص إلاّ انه لا يحق لها رفض ما يخصها من عملية الإلغاء ، وتتحدد القرارات المتعلقة بتخصيص (SDR) وإلغائه لمدد متتالية مدتها خمس سنوات وذلك بأغلبية الأصوات ، ويضمن صندوق النقد الدولي للمشاركين إمكانية استخدام نصيبهم من (SDR) بواسطة عملية التخصيص ، وذلك عن طريق تقديم إحدى العملات بشرط ان تكون هناك حاجة ناتجة عن وضع ميزان المدفوعات للعضو الطالب للعملات الحرة وليست لغرض تنويع الاحتياطيات النقدية .
وكأي عملية تعاقدية رتبت اتفاقية (SDR) على أطرافها إلتزامات وأقامت لهم حقوقاً ، ومن أهم هذه الحقوق ، حرية الدول المشاركة بشراء وبيع ما خصص لها من حقوق سحب خاصة لحيازة عملات دول أخرى مشتركة في النظام قابله للتحويل ، وذلك طبقاً لقاعدة التعيين المعمول بها في نظام هذه الحقوق ، بالإضافة إلى ذلك فأنه أصبح بإمكان المشترك الاتفاق مع مشترك اخر دون اشتراط وجود حاجة الى استخدام هذه الحقوق ، او على موافقة مسبقة من صندوق النقد الدولي للحصول على مبلغ معادل من عملة المشترك او المشتركين الاخرين ، وتستخدم مثل هذه المعاملات بين الدول الصناعية لتسوية الديون فيما بينها ، ويتوقف إلتزام المشترك بتقديم عملة لمشترك اخر متى ما اصبح ما بحوزته من حقوق معادلاً لثلاثة اضعاف حصته الاساسية ، بالاضافة لما تقدم فأن كل دولة مشاركة كانت تلتزم بمبدأ إعادة التكوين الذي هو عبارة عن إلتزام العضو بإعادة تكوين موجوداته من (SDR) في نهاية المدة التأسيسية ، بحيث لا يزيد المعدل الاجمالي للمستخدم على (70%) من مجموع ما خصص للدولة من حقوق ، وفي سنة 1981 قرر الصندوق مبدئياً إلغاء العمل تدريجياً في ما يتعلق بشرط اعادة التكوين ، الامر الذي يعني حرية الاعضاء باستخدام (100%) من مخصصاتهم بدلاً من (70%) ، ويحتاج الاعضاء كثيرا الى شراء (SDR) لاستخدامها في سداد إلتزاماتها تجاه الصندوق او قد ترغب في بيعها لتعديل مكونات احتياطياتها ، ويجوز ان يقوم الصندوق بدور الوسيط بين الأعضاء والحائزين المعتمدين للتأكد من امكانية مبادلة (SDR) بالعملات القابلة للاستخدام الحر ، وقد عمل سوق (SDR) لأكثر من عقدين ماضيين عن طريق اتفاقيات المبادلة الاختيارية .
وبالرغم من الايجابيات الكثيرة لهذه الحقوق فأنها لم تسلم من التشكيك في امكانية استمرارها ، وقد توالى نقدها في دول العجز ودول الفائض ، فدول الفائض تعتقد ان هذه الحقوق ليست في صالحها ، لأن الاتفاقية تجبرها على تقديم رأس المال الى دول العجز ، على اعتبار ان دول العجز لم تعد مجبرة على اتخاذ اجراءات لوقف التدهور في ميزان مدفوعاتها ما دامت تستطيع تغطيته ، وفي المقابل ان دول العجز تنتقد اسس التوزيع لأن الحصة الأكبر منها تذهب الى الدول الغنية ، الامر الذي يعني ان هذه الحقوق خلقت لمصلحة الدول الغنية ، وطالبت بعدم قصر استخدامها لاغراض تسوية موازين المدفوعات فقط ، وانما لتمويل المشروعات الانمائية وتثبيت اسعار المواد الاولية ، الا ان الدول الصناعية رفضت اقامة علاقة بين (SDR) وعمليات الانماء الاقتصادي ، واخيرا عن الثقة في (SDR) حتى الان لم يثير هذا الموضوع الكثير من الجدل ، لاسيما وإن بعضهم يعتقد ان مجموع ما هو مصدر يعدُّ بصورة غير مباشرة مغطى بالذهب ، اذا ما تم تقويمه بالاسعار السائدة عند الاصدار لكن الامر سيتغير عندما يتزايد اصدار هذه الحقوق ، لهذا السبب يقول الاقتصادي الامريكي ميلتون فريدمان : { ان (SDR) في الواقع اداة نقدية اوجدت بصورة اصطناعية وسيكون مصيرها مصير الكثير من اتفاقيات الدفع والاتفاقيات الدولية الخيالية الى الزوال ).



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن