اليسار والجامعة!

محمد مسافير
moussafir.med@gmail.com

2017 / 9 / 11

كنا، زمن الرفاق، ننظم حلقات فكرية داخلية تدوم أسابيع داخل غرف ضيقة لا تكاد تتسع لأجسادنا ودخان سجائرنا... كنا نخضع لتنظيم دراسي صارم، نستيقظ باكرا ونشرع بعد الإفطار في فك رموز رأس المال والنظام الإمبريالي وخدعة الديون ونظام البرصة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي... وكلما فرغنا من كتاب، استمتعنا بنشوة الانتصار، وكأننا تقدمنا خطوة أو خطوتين نحو تحرير البشرية، نناقش ونحلل العالم داخل تلك الغرفة الضيقة، ونحن حالمون بتدمير نظام عالمي بأكمله، وتشييد نظام بديل على أنقاضه...
نغادر الحلقات الفكرية وإحساس بالعظمة يغمرنا، فقد تقوت معارفنا أمام الخصوم، وأي خصوم...
نبادر إلى فتح حلقة نقاش جماهيرية أمام باب كلية الآداب، ونستدعي رفاق البرنامج المرحلي إلى مناظرة موضوعها ثورة عبر مراحل أم ثورة دائمة... يحتدم النقاش، يدلي كل طرف بما بجعبته من حجج وبراهين، وغالبا ما تكون استنادا على دروس ثورة 1917، قال لينين، قال تروتسكي، قال ماركس وإنجلز إلى وقت متقدم من الليل، حتى يمل الطلاب من أسطوانة لا يفقهون فيها شيئا ولا تهمهم في شيء، ربما همهم الوحيد قتل الوقت والاستمتاع بالخصام، خاصة وأن أغلبهم لم يكن يملك تلفازا أو حاسوبا...
يستمر النقاش في الغد الموالي، وربما يمتد أسبوعا كاملا، لكنه دائما ينقضي بعراك يدوي، يتحول مباشرة إلى تنظيم معسكرات حربية وميليشيات قتالية مسلحة ببعض السيوف أو أسلحة حادة أخرى شبيهة بالمناجل (زبارات)...
ينتهي النقاش دون أن تقوم ثورة دائمة ولا ثورة عبر مراحل، اللهم بعض العاهات الخطيرة والجروح وحرمان بعضنا البعض من اجتياز الامتحانات!
وجلالتهم في قصوره ينعم بالحياة، ويقضي معظم وقته خارج البلاد، ويشتري جيت سكي آخر موضيل لولي العهد، وتاج ألماس لحرمه المصون!

في إحدى المواجهات ضد قوى القمع أيام الجامعة، أعطاني أحد الرفاق مقلاعا كي أرمي به الحجارة فوق رؤوس رجال الأمن، لكني لم أكن متدربا على استعماله، ولم أرده في وجهه، بل وضعت فيه حجرة متوسطة الحجم، ورجعت إلى خلف الطلاب الذين كانوا منغمسين في المواجهة، أدرت المقلاع دورتين كاملتين، ثم أطلقت الحجرة في السماء، لكن بدلا من أن تصيب رأس أحد رجال الأمن، سقطت فوق رأس رفيق لي، تفاجأ بالضربة التي جاءته من الخلف، التفت يمنة ويسرة، ثم اتجه نحوي قائلا بهمس:
- إحذر يا رفيقي، فإن بيننا طلابا مندسون، لا بد أن النظام قد اخترق صفوفنا، فقد أصابني أحدهم قبل قليل على رأسي...
أجبته وأن أحبس الضحكة:
- أبناء القحبة... كنت أشك في ذلك!



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن