ليس بذنبه ان لم يحس بانه وطنه

عماد علي
emad19634@yahoo.com

2017 / 9 / 9

شاهدته و هو يجمع بقايا فتات الاغذية و القاذورة التي تركها السياح حال انتهائهم من سفرتهم العائلية، و عز عليه البقعة الجميلة من الجبل و الواحة الخضراء فاراد ان يبقى المكان نظيفا كما يريد و هو شيخ طاعن في السن او فرض عليه ما يعقتد و يؤمن به على موقفه الوطني المدني الجميل هذا . اعرفه منذ مدة و لم يعلم بوجودي هناك، و هكذا تابعته و تذكرت موقف معاكس جدا لافعاله ابان ايام الجامعة و في وقت الشدة و التظاهرات . هذا ما شدني و اثار فضولي كي اسال عما يجول في خاطره و خصوصا كنت زميلا له ايام الجامعة و لي علم بما كنا عليه في ايامه، و هو لم يكن حريصا على البلد الذي ينتمي اليه كهوية ورقية رسمية و ليس احساسا بالانتماء الحقيقي وما كان المفروض عليه من ادائه لواجباته و حقوقه، و تذكرت ايام الجامعة التي درسنا فيها بالتفصيل و خصوصا اثناء لحظات الغضب و ردود الافعال الشبابية ابان التظاهرات التي حدثت في اصعب ايامنا، و لمح امام عيني لحظة انفعل فيه هذا الاخ الشيخ اليوم و كسر كل ما تلقاه اماه حتى من الكلية التي كان يدرس فيها، و سالته عن الفروق الجوهرية بين ما كان يفكر و يعمل و يؤمن به في حينه و ما فعله اليوم من جمعه لقاذورات الاخرين و الشيب فعل فعلته في جسمه و شعره . قال احب كوردستان عقلا و روحا و احس انني انتمي اليها بكل ما انا فيه و بكياني القائم على تارخي و بدني، و وصلت لعمر لست من الطائشين و عمري و تجربتي فرضت علي ماهو الواجب و انا الان لست في موقع و عمر و عقلية ان تكون افعالي وفق ردود افعال في ساعته، بل هدات من روعي و انفعالاتي و الزمن زاد من تجربتي الخاصة و اتسع افق تفكيري و انظر لهذه البقعة كما هي غرفتي في البيت، و انت شاهدت ان هؤلاء الذين كانوا هنا قبل ان يطلقوا رحالهم لم يهتموا بما يفعلوه و لم اقل لهم بما تركوه و لكنني اعتقدت ايمانا راسخا بانني من يجب ان يرفع هذا، و انت يمكن علمت انهم كانوا من اهل الجنوب او الوسط العراقي و اعتقدت بانهم اما مهملين و لم يصلوا لما يجب ان يحسوا به ازاء المكان الذي قضوا فيه اجمل ساعاتهم او هكذا هم من يعكسوا ما تربوا عليه، و الا هم ليسوا على الاحساس الذي كنا فيه في ايامنا لانهم لم يتلقوا اي افعال مشينة من قبل كوردستان بل هم سائحون و كان بعض منهم في اعمارنا و يمكن انهم تلقوا ايضا الضيم من الدكتاتورية ايضا ان لم يكونوا من ازلام النظام السابق، و قالها و هو يشهق ضحكا؛ ان لم يكون ربما فيهم من هؤلاء بانفسهم من فعل بنا من قبل ما فعلوه و اليوم يعيدونه بهذا الشكل و بالطريقة التي شاهدت . ثم اردف قائلا؛ لالك شيئا اننا ايضا لسنا بمثاليين و هناك لحد اليوم و من لا يؤمن بالوطن و لم يعرف ماهيته و ما عليه ازاءه، و حتى نحن ايضا لم نكن مثاليين اضافة الى ما كنا فيه من الاغتراب و عدم الاحساس بامتلاكنا لوطن ننتمي اليه و علينا واجبات كما لنا الحقوق عليه، و كان جل ما نشعر به الوقوف ضد كل ما تتطلع اليه الحكومة الظالمة التي فرضت علينا المشقة في شبابنا و لم نحس بعمرنا، و حتى انا اتذكر في سفراتنا نفعل كما فعل هؤلاء و لكننا مع ذلك كان لدينا نظرات و توجهات سياسية مخالفة و انت تعلم نعتقد بان حتى الارض التي كنا نسير عليها هي ملك الحكومة و نبني مواقفنا على ذلك، و فعلنا مافعلناه في تظاهراتنا السياسية الشبابية في الجامعة . و اليوم على الرغم مما انا فيه من عدم الرضا لما نعيش فيه و نراه من الوضع السياسي الاقتصادي الا انني اعلم هذا ذنب الاحزاب و القيادات السياسية و الحكومة و ليس للوطن اي جرم لما يحصل، و عليه يجب ان نميز بينهما و نتخذ المواقف المختلفة ازاء كل منهما، فالوطن باق و الحكومة و الاحزاب زائلة .
هذا ما قاله الشيخ الطاعن في السن و علمني درسا و احسني بان الاحساس بالانتماء لم ياتي بشكل فجائي او بالقوة مهما كانت الظروف، انه شعور عفوي ينبع من الايمان او النظرة الى الموضوع كما هو حال الحس بالانتماء الى اي كيان .
هكذا دخلت في عمق التامل و التمعن في الفعل و رد الفعل و حسابات العمر و الانتماءات و العقيدة والفكر و العوامل التي تدخل في خانة التاثير على الايمان بموضوع ما و بالاخص ان كان عاما . عندما يدعي الحاكم السائد بان البلد للجميع و عليهم الواجبات و لهم الحقوق، ليس هذا سهل ان يسود في عقلية الجميع بمجرد جرة قلم او بكلام نظري نابع من المصلحة او من واقع المتحدث بل انه احساس داخلي يبنيه التفاعل مع الواقع و التعامل معه وفق الايمان الذي يمكن ان يفرض عكس الصحيح في احيان كثيرة، و الا التعامل مع ممتلكات كليتك بقسوة و انت تدرس فيها و تريد ضمان مستقبلك العلمي و العملي شيء نابع عن دوافع كثيرة و اولها عدم الاحساس بالانتماء الحقيقي لاسباب سياسية اجتماعية تاريخية معلومة، و التعامل المعاكس من جمع بقايا قاذورات من اتوا من وسط او جنوب العراق احساس معاكس تماما و نابع بعمق الايمان و الانتماء المدني و الحب للموقع كبقعة من الوطن الذي يفرض الاحساس بالانتماء اليه من خلال مسيرة الحياة و العقلية و التوجه السياسي و العقيدة و المواقف اليومية من حياة الانسان، و على ذلك يمكن ان نعمم بان اكثرية الكورد لم يحساو بان العراق بلدهم انتماءا نتيجة لما ذاقوه من الويلات على ايدي حكامه و اربتط الوطن بالحكومة و امتزج في عقلية المواطن الكوردي و اعتقد بانهما وحدة واحدة لانه لم يلمس ما يمكن ان نعرفه بالمواطنه و الواجبات و الحقوق فيه و كان يعيش و كانه في سجن كبير بعيد عن الحرية التي تبني كل تلك الاحاسيس الجميلة المنية فيها .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن