الحوار المفتوح........ ج5

عباس علي العلي
fail959@hotmail.com

2017 / 9 / 6

سؤال_ أنت في النهاية من كلامك السابق تعود إلى جذورك المذهبية وتعيد قراءة قضية الحاكمية الإسلامية بمنطق أخر ولكن النتيجة ذاتها التي تصل إليها بقراءتك مع الجذر الطائفي الذي تحاول لإنسلاخ منه؟.
الجواب_ لا أبدا لا عودة للجذور ولا تبني المخارج ذاتها أو الأسس التي يقوم عليها مذهب الشيعة، لو نظرت إلى تفاصيل قرائتي في الأجوبة السابقة فهي تنفي وجود حاكمية إسلامية دستورية جاءت بها أحكام النصوص، هذا الموقف ينسف كل التأويلات والتفسيرات والأدلة والحجج والبراهين الكلامية والعلية التي يقول بها أنصار مدرستي الخلافة والإمامة، ثانيا في المدرسة الإمامية هناك قاعدة ذهبية لا يمكن مناقشتها أو حتى التقرب منها وهي تعداد الأئمة والتنصيص عليهم حصرا سواء أكان عبر تلميحات عقلية أو نصوص نقلية، أنا أرى كما أسلفت أن الإمامة وشروطها المؤكدة والمتحققة لا تتعدى الثلاثة أشخاص حصرا وهم الإمام علي وولديه الحسن والحسين، وما جا بعدهما أو ما نقل عن غير رسول الله في هذه القضية مجرد أشارات قد تصح ولا تصح في هذا أو ذاك، إنما معيار التثبت من وجود الإمام هو بتطبيق الشروط المعلنة بكل تجرد وحيادية وصرامة في القياس، هذا لا يعني أنني أنفي أن يكون هناك أكثر من إمام في وقت واحد أو خلو المجتمع من إمام تطبيقا لنص سابق (أنت منذر ولكل قوم هاد).
الإمامة ليست منصب سيادي لا يجوز المزاحمة فيه، ولا هو حكري لأحد لا يمكن المشاركة فيه على وجه التساوي أو التوازي، فوجود ثلاثة أئمة في وقت واحد وفي زمن رسول الله يعني أن الإمامة لا رئاسة دينية ولا زمنية بقدر ما هي مكانة تكليفية تتوفر بقدر الحاجة إليها أو بقدر ما تمنح الواقع من خدمة في سبيل الله، لذا لا يمكن التسليم بأن الإمامة تتوارث من إمام لإمام على وجه التخصيص والتنصيص طالما أنها لا تتزاحم ولا تتعارض مع التجربة السابقة وإن كان النص مثلا يشير إلى حقيقة التبعيضية في الإمامة إلا أن ذلك لا يعني النزول بالتبعيض إلى أخر مرتبة يصلها الإمام {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }آل عمران34.
النقطة الثالثة والأهم هنا في سؤالك حول إرجاعي لجذوري المذهبية أقول، ليس كل ما قالته المدرسة المحافظة من أفكار ورؤى ونتائج أجتهادية أو فقهية هي بالعموم لا تصح ولا يصح العمل بها، ولا كل ما قالته المدرسة الإمامية من ذات الطروحات والأفكار والنتائج محسومة بالصحة والكمال أو بالعكس، هناك جهود فكرية وأجتهادات منطقية نسلم لها ونتبعها دون أن نصنفها على أنها أفكار فئة، فالعقل الديني الإسلامي وإن أخطأ كثيرا وتعثر طويلا لكنه أيضا نجح في بناء جانب مهم من العقلانية الدينية وعلينا أحترامه وتقدير منجزه العلمي.
أحيانا علينا أن ننحاز للمعقول بدل أن ننحاز للمأثور، فبالقدر الذي نحترم فيه عقولنا علينا أن نحترم العقل الأخر ونتفهم كيفية وشكلية العملية التكوينية للأفكار والمعتقدات، وبالتالي متى ما توافرت هذه الألية في التعامل بين المتعارض الفكري والثقافي والحضاري وأصبحت جزء من ألية التعاطي البيني بين أصحاب الأفكار، أستطعنا أن نتجاوز حواجز القطيعة والتشكيك والتعصب، ونمارس الحرية الفكرية بالطريقة التي تنتج الإثراء والتراكم الإيجابي، وهنا نكون قد أدينا الوظيفة المعرفية التي نحملها من جهة، وأرسينا أسس طريق عامر للجيل والأجيال القادمة لتتعامل مع واقع رصين بدل أن تتقاذف الأتهامات بالتكفير مرة والتشريك والخروج عن الملة مرة أخرى.
سؤال_ هل يمكن لفرد من طائفة أو ملة من ملل الإسلام أن يأخذ بعضا من أحكام هذه الطائفة أو تلك ويتعبد بها، كذلك يأخذ من أحكام وأراء طائفة أخرى ويجعل منها توليفة عبادية؟ ألا يشكل ذلك تشويشا على وحدة الرؤية والموقف والتعبد عند مثل هؤلاء؟.
الجواب_ لو رجعنا إلى المأثور والمنقول لنا من حياة المسلمين الأوائل وحتى إلى وقت ما من العصر العباسي الأول نجد أن هذا الذي تطرحه كان ما يتعامل به تقريبا كل المسلمون، فليس هناك مذاهب معلنة ولا طوائف تتمتع بالأستقلالية الفكرية، الإسلام كدين وإن كان يحتاج للضبط في تطبيق أحكامة والمطابقة التقريبية لما فيها من شروط وضروريات، لكن الله أيضا منح الإنسان رخصة وهي أن الأعمال بالنيات ولكل أمرئ ما نوى، المهم وخاصة عند العامة من المتعبدين أن يكون عمله خالصا لوجه الله وأن لا يكون شاكا بالقدر الذي لا تصح معه الإخلاص في النية.
من هنا أستطيع أن أقول أنه رغم الأختلافات الظاهرية في بعض القضايا الفرعية والتفصيلات الحكمية إلا أن عموم المسلمين لا يفترقون من حيث الأصل على كليات وأساسيات الدين، فمثلا سواء أصلى المؤمن خمسة أوقات في خمس مرات، أو صلاها خمس أوقات في ثلاث مرات مع إيمانه بأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، هنا يكون قد أدى واجبه العبادي بأكمل وجه، ولكن ما الفائدة أن يؤدي الصلاة بأوقاتها وإن خرج منها خرج من دينه وإنسانيته ولم تمنعه صلاته من إيذاء الناس أو التعرض لهم.
الجواب أذن لا بأس أن يتحرى المؤمن الحقيقي ما هو عقلاني ومطابقا لروح النصوص الحاكمة سواء أكانت من هذه الجهة أو تلك دون أن يلزم نفسه بمدرسة محددة يجعلها البديل عن ساحة الإسلام العامة، كذلك أجيب سوف لن يكون هناك تعارض حقيقي ولا تشويش طالما أنه في الأخير يتوجه إلى رب الدين بالنية الحسنة والقصد التقربي من العبادة، بهذا يمكننا وتدريجيا أن نتجاوز حالة التشظي والأصطفاف المعلن أما كهنوت التفرقة والتقسيم وأئمة الخلاف.
سؤال_ لو كان الأمر بهذا النمط من التفكير العقلاني وألتفت المسلمون إلى ما يوحدهم وراعوا النية الخالصة في التعبد، هل يمكننا مثلا أن نؤسس لمشروع وحدوي إسلامي يعيد للمجتمع روحية الإسلام التي لخصها النص التالي {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ }الأنبياء92؟.
الجواب_ لا شك أننا سنصل حتما لمفهوم هذه الآية ومقصديتها طالما أننا أصلاأمة واحدة مشتركاتها أعظم من الأنفعالات والأفعال المحدثة عن قصد أو بسوء نية، لأننا جميعا ندع أننا نعبد الله كلا حسب ما يعلمه ومتيقن منه، الأساس الذي سننطلق منه جميعا هو العبادة لله وكلما أقتربنا من روحية النصوص وحاكميتها على طرق التعبد والعبادة أضحينا الأقرب لله، روح الإسلام كدين هي الوحدة في التعاط معه على أساس النية الصالحة والصادقة ولا شيء أخر{مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }يوسف40.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن