المغناطيس-في الدّرب-1-

نادية خلوف
nadia_khaloof@yahoo.com

2017 / 9 / 5

لا ألومك أيها العابث بحياتي، أستحق ما جرى لي. لم تأخذ إلا بقدر ما أعطيتك.
كنت أعرف أنّك في الدّرك الأسفل من المعرفة، وأنّك متسلّط أناني، فآمنت بقوتي السّحرية على تغييرك، تركت أولادي في مهبّ العاصفة، وسلبتَ منّي حياتي.
ختام في 1-12

هذه صورة الرّسالة التي تركتها لزوجي قبل أن أغادر مع أولادي المنزل.
لا أكذب على نفسي يا فاطمة. أنا السبب في كلّ الأمور التي جرت لي ولأولادي. عندما ضعت ضاعوا، وعندما صحوت من ذلك الاكتئاب الذي ورثته عن عائلتي، عادوا إلى الصّحوة. عندما تزوجت ذلك الرجل كانت ردة فعل، لم أحبّه، ولم أرغب به. كنت أرغب أن أنتقم من عائلتي فانتقمت من نفسي. عائلتي تضمّ من الفلاسفة، والمتسلطين الكثير، وفي داخلي عاش ذلك المستبد الذي ورثته فمنعني من رؤية العالم.
تسعدني صحوة أولادي الأربعة، ولو أنّها متأخرة، بدأناها معاً عندما غادرت المنزل. كنت في الأربعين. ثم درست كليّة التربية. طبعاً الجامعة لدينا تخرّج الأميين، وكل الاستشارات التي أقدمها هي ماورائية لا تقدّم الحلول، وحتى خبير الحيوان لا يقدم معلومات كاملة، لكنّ معلوماته أفضل من معلوماتنا. سألته مرّة، أجاب: هربت من المنزل في سن العاشرة. كان أبي يحمل سكيناً يرغب أن يقتل أمي، هربت إلى الغابة، ولم أعرف طريق العودة، فرأتني لبوة عطفت عليّ. خبأتني في وكر خوفاً من أن يأكلني زوجها، اعتنت بي. أعجبني قانون الغاب. أتمنى لو يكون عند البشر قانوناً متشابهاً.
. . . .
نثرثر ونحن على مفرق طرق
لا نعرف أين نسير
أحد الطرق قد يقود جهة المجرّة
والآخر جهة السّراب
تتشعب المتاهة
القصر أصبح خلفنا
المجهول أمامنا
غابة الزّيتون البري تناشدنا
الخبز، والزعتر اختفى من حياتنا
نمشي على اثنتين أحياناً
وعلى أربع في بعض المرّات
نتحدّث لغة الحيوان
مطرودون من القصر
مغتصبون من الأهل
نبحث عن الحياة
لا فرق بين سعدون ونمر إلا بالاسم
رأيت أمّي في الخمسين تبحث عنّي
كانت تحدّث سلحفاة
لم يكن يعرف سوى هذا الطرّيق
هو هنا
لم يمت
التقيتها والصبر يهد قامتها الجميلة
ومن فرحتها باللقاء
غادرتْ بعد أيام
. . .
أشعر بالجوع. لم نأكل منذ طردنا من القصر. مضى علينا بضع ساعات.
ما رأيكما أن نبحث عن قوت، ونرتاح قبل أن نغادر إلى مكان ما.
-لا بأس يا فاطمة. نحن رفاق الدّرب علينا أن نتشارك في السّراء والضراء. وباعتبار أنّني خبير الغابة هنا سوف أستكشف تلك البريّة .
اعطني غطاء رأسك كي أستعمله لجلب الطّعام.
-وهل تريدني أن أتعرى يا سعدون؟
-لا تكوني سخيفة. نتعلم الحياة من جديد. الحيوانات لا تعرف الله، ونحن هنا نعيش معهم، لكن لا يوجد أحد هنا سوى أنا وأنت ، وختام، والله رابعنا. هل سوف يحاسبك الله على أنّ سعدون رأى شعرك؟ اطمئني فأنا لست رجلاً تثار غرائزه. يوم تركت بيت عائلتي ماتت فيّ الذكورة. لا أعرف جنسي. يطلب منّي أن أكون رجلاً، وأهان كما تهان النّساء.
-توقف يا سعدون، وإلا ضربتك. هل تريد أن أعطيك بعض ثيابي. خذ هذا الآن.
-شكراً لك. لو اضررنا أن نخلع ثيابنا كي نعيش سوف نفعل.
. . .
صوفيا!
هل يمكننا البدء من جديد؟
بصفتي صوفيا. نعم، وبصفتي ختام. لا.
وجدت صوفيا كنسخة عن ختام اليائسة كي تقول للحياة نعم، ولكي تبتكر قصصاً مسليّة لا تمتّ للحقيقة بصلة.
بصفتي صوفيا نستطيع البدء من الصفر
وبصفتي ختام. لن تقوم لنا قائمة، فنحن ورثنا الذّل، والاستعباد، ثمّ بماذا نبدأ؟ هل نبدأ بغطاء رأسك، أو حمّالة صدري. إن اهترأت ثيابنا ولم نجد مخرجاً لأصبحنا عراة.
-كفى ! كأنّك وسعدون شخص واحد في جنسين مختلفين.
ثلاثتنا سليلو الفقر والظلم
القصر خلفنا
العجز يأكل عقولنا
الموت قاب قوس
يتربّص بنا
والأسد على بعد أمتار يفكّر في افتراسنا
لو قدر لي أن أموت قبلك، وقبل سعدون. لا تدفناني وفق الطقّوس. كلا لحمي كي تستمرا في البقاء، وارميا عظامي للكلاب.
أنا سوزانا ريتشي. لا أستطيع أن أكون فاطمة، ففاطمة ماتت عندما مات قلبها.
سوف أحيا كسوزانا، وعندما أصبح فاطمة سوف أقتل نفسي.
أنا فاطمة. أندب حظّي
هل هناك وحش ما يفترسني بلطف هنا؟
قولي لي بصفتك صوفيّا كيف أقتل نفسي؟
. . .
مالك يا نمر تجبن عند أوّل اختبار!
جلبت غطاء رأس فاطمة كي أملأه بالطّعام
هذه شجرة توت. وذلك بئر . يبدو أنّ المكان مهجور
الدلو إلى جانب البئر، والماء على السّطح
من أين أحصل على الخبز. لا أعرف كيف أكل من دونه
كانت أمّي تطعمني رغيفاً ساخناً كلّ يوم
فقط بالخبز وحده أحيا
لو عادت أمّي إلى الحياة لأطعمتني
إنّني ذلك الطفل الذي غادر منزله إلى الغابة. لم أكبر. كنت قيد الانتظار.
قبل أن أعود إلى فاطمة وختام سوف أبكي قليلاً، لا أرغب أن ترياني وأنا أبكي، فاسمي رجل مع أنّني أعرف جيداً أن ما وقع من ظلم على أمّي أفقدني رجولتي.
أشعر بأنّني غسلت ذنوبي
سوف ارتاح إلى ظل شجرة التوت قليلاً، وبعدها أعود إليهما.
أمي!
ما أجملك!
كأنّك سمعت ندائي.
-خذ رغيف خبز ساخن
-لا أصدّق. هل الأموات يسمعون النداء الخفي؟
-اجلس في حضني يا سعد
أنت سعد وليس سعدون
لكن أباك كان يدلّلك بسعدون
أرجو أن تصفح عنه
كان جاهلاً، وفقيراً، ومظلوماً. وكلّها أمراض عشّشت فيه فجعلت منه متسلّطاً.
-ما بك يا نمر؟ هل أنت على قيد الحياة. تأخرت علينا بالوصول، فأتينا نبحث عنك.
-لا توقظاني أرجوكما. دعاني قليلاً مع أمّي.








https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن