العراق..وطن منهوب.مقاربة بين نظامين ضدين (1-2)

قاسم حسين صالح
qassimsalihy@yahoo.com

2017 / 8 / 29



توطئة.
تنطلق هذه الورقة من حقيقة ان من يستلم السلطة في العراق فانه يمتلك الثروة ويستفرد بها، وتهدف الى اجراء مقاربات بين النظام الدكتاتوري الذي سقط في 2003والنظام الديمقراطي الذي خلفه، في ايهما كان اكثر نهبا للعراق واكثر افقارا لأهله. ويعني (النهب) وفقا لقاموس المحيط ،الغنيمة بلا مشقة،فيما نعني به هنا قيام الناس بأخذ او سلب ممتلكات عامة اوخاصة ،وقيام الحاكم بأخذ اموالا وممتلكات تخص الدولة والمواطنين.
***
كانت اول عملية نهب في العراق الجديد قد حدثت قبل سقوط النظام الدكتاتوري بيوم واحد،وتحديدا في ( 8 نيسان 2003).اقول هذا بوصفي شاهد عيان لما جرى. فقد كانت شقتي تقع بشارع حيفا مجاور وزارة البلديات ومقابل وزارة العدل التي يقع تحتها مصرف حكومي. وكنت اراقب ما يجري بعين الباحث لأوثّق للتاريخ ما حصل. ففي صباح ذلك اليوم،بدأ افراد قليلون التوجه نحو وزارة العدل ،بينهم امرأة محجبة حملت حقيبتين حديديتين،ورجل حمل اربع اطارت حديثة،والتفت يسارا حيث كانت تقف تحت تمثال الملك فيصل الأول أربع دبابات امريكية وثمان جنود..يريد ان يعبر باتجاه علاوي الحلة،وجاءته الأشارة من أحد الجنود ان أعبر.
وكان الجنود الاميركان في الايام الاولى التي تلت التاسع من نيسان 2003،يشجعون النهّابين على القيام بنهب ممتلكات المؤسسات العامة،اما ضمنيا بالسكوت،او بشكل صريح بأن يومئوا لهم بأيديهم للدخول،فيما سمعت احدهم يقول
(come on Ali Baba take it its yours )..مع انه ما كان يعرف حكاية (علي بابا) التي تشبه قصة(روبن هود) في الأدب الأنجليزي حين تحاورت معه.
كان الآخرون بعيدين يرقبون فازداد عددهم تدريجيا واقتحموا البنك ونهبوا ما فيه.وكنت احمل كامرتي بيدي ، وحين عبر احدهم وهو يجرّ كيسا كبيرا من النقود ،عمدت الى تصويره،اطلق نحوي رصاصة ارتطدمت بجدار شباك شقتي. ولا اعلم من اوصل الخبر الى مراسلة صحيفة امريكية لتأتي هي وزوجها الى شقتي، وحين شاهدت الفلم تركت مكانها وجلست على الارض قبالة شاشة التلفزيون..واجرت معي لقاءا صحفيا لتحليل ما يحصل.
وللتاريخ ،فان ما يقرب من 90% من الذين قاموا بهذه الأعمال هم جيل العنف من المولودين زمن النظام السابق ،وأحد أهم الأسباب يعود الى تخلخل مصادر تشكيل المنظومات القيمية لديهم،وما احدثته الحروب التي عاشوها من تغير في سلّم القيم،لتصعد في الصدارة القيم المتعلقة بالحاجة للبقاء المصحوبة بالقلق من المستقبل،الذي يدفعهم لنهب الممتلكات العامة في وطن ينهار فيه نظام حكم اعتبر الوطن ملكا له،ويبررونه بانه استرداد لحق مسلوب وشفاء لغليل من حيف. لكن النهب تجاوز (استرداد الحق) الى (فرهود) ثروة هرب سارقوها وتركوها نهبا للناس،ظهرت بينهم فئة اطلق عليهم في حينه اسم (الحواسم) نهبوا البنوك وممتلكات الدولة ونطوا من الحضيض الى القمة،وقيل ان بينهم من اصبح بين المسؤولين في النظام الديمقراطي.
وللتاريخ ايضا،فان تصرف القوات الأمريكية التي احتلت بغداد توجهت لحماية مؤسستين فقط:القصر الجمهوري ووزارة النفط ،وتركت المؤسسات الأخرى دون حماية،لأكثر من غرض:
ان اميركا ارادت ان تقدم للعالم في لحظات الزمن الحاسم،أدلة مادية عبر القنوات الفضائية بأن النظام في العراق قد انهار،ولتثبت ايضا بأن النظام كان يحتكر الثروة وترك الناس في اغنى بلد نفطي فقراء ينهبون الكراسي (سألت احدهم كان يحمل كرسيا نهبه من دار الأذاعة،لماذا..فأجابني:حصتي من النفط!). وانها (امريكا) ارادت ان تعطي صورة عن الشعب العراقي توحي للعالم بأنه متخلف و(غوغائي) يستدعي بقاء القوات الأمريكية سنوات لتحويل العراق الى انموذج للديمقراطية في الشرق الأوسط.
وبوصفي شاهد عيان فان الذين شاركوا في عمليات النهب كان معظمهم قد جاء من احياء فقيرة انهكهم الجوع والحرمان.فبعد ان احرق نفط العراق في حربين مدمرتين ،دخل العراقيون حربا اقتصادية هي الاقسى والاطول في حصار امتد ثلاث عشرة سنة.
وكان النظام الدكتاتوري عمد في منتصف سبعينيات القرن الماضي الى اعادة توزيع الثروة وبدأها بأن وضع اليد على المحال التجارية في (الشورجة)التي كان يسيطر عليها التجار الشيعة،وعمد الى اجراء مزايدة علنية لها حصرها بين اشخاص غالبيتهم من صلاح الدين والموالين للنظام.واستولى قادة الحزب وكبار المسؤولين على افضل الأراضي وحولوها لمزارع خاصة..وعاشوا في عالم خيالي وتركوا معظم العراقيين يتضورون جوعا في عالم من المآسي ..ومن يكون حاله هكذا فان نهب الممتلكات الخاصة والعامة يكون مشروعا يرى فيها الفقراء انهم يستردون حقا كان النظام هو الباديء بنهبه.
استنتاج .
مع ان (النهب ) في العراق يمتد تاريخه الى ما قبل نهب ممتلكات اليهود في اربعينيات القرن الماضي، مرورا بسقوط النظام الملكي 1958وما تلاه،لكن أبشعه هو الذي حدث عند سقوط النظام الدكتاتوري 2003،وما تبعه خلال حكومات النظام الديمقراطي. ما يعني أن سيكولوجيا النهب تحكمت لدى من تهرأت لديه منظومات القيم ومعيار الحلال والحرام. والمفارقة أن العدالة الاجتماعية واعادة بناء المنظومات القيمية الأصيلة ينبغي ان تكون من اولويات النظام الديمقراطي ،غير ان ما حصل هو النقيض..وتلك مهمة القسم الثاني في مقاربات بين النظامين الضدين في العراق.
28/8/2017



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن