الأستاذ الجامعي بين قانون الخدمة الجامعية النافذ وقانون التأمينات الاجتماعية المقترح

عماد عبد اللطيف سالم
emaasalem@gmail.com

2017 / 8 / 25

الأستاذ الجامعي بين قانون الخدمة الجامعية النافذ وقانون التأمينات الاجتماعية المقترح



لقد كتبتُ في مقالٍ سابقٍ بأنّني "مُستفيد" بشكلٍ مطلق من قانون التقاعد الحاليّ (أي من قانون الخدمة الجامعية رقم 23 لسنة2008 ) وشهادتي عليهِ ، وعلى أيّ قانونٍ بديلٍ له ، ويقوّض امتيازاته ، هي شهادةٌ "مجروحةٌ" بجميع المقاييس.
مبدأ "تضارب المصالح" يمنعني من الدفاع عن قانون التقاعد النافذ من جهة ، ومن توجيه النقد لقانون التأمينات الاجتماعية المقترح من جهةٍ اخرى .
وأودُّ التأكيدَ هنا على اعتذاري لأصدقائي واساتذتي من حاملي شهادتي الماجستير و الدكتوراه (بمعناها العلمي والمهني الحقيقي) ، من غير العاملين في وزارة التعليم العالي ، وغير المشمولين بقانون الخدمة الجامعية ، اذا كانوا يعتقدون ولو للحظةٍ واحدة أنّني مجرد متضرّر من تعديل نظام الخدمة والتقاعد في هذا البلد .. و مجردّ ناقمٌ على تعديله.. وبالتالي فأنا مجرد مُدافعٍ عن امتيازات فئةٍ مُعيّنة مُستفيدةٍ منه .
لا قانون مقدّس ، وغير قابل للتعديل .
ونظام التعليم العالي في العراق ، وسياساته الخاطئة(منذ تسعينيّات القرن الماضي إلى هذه اللحظة)هي التي اسقطتْ هيبة الأستاذ الجامعي .. وهي التي أوصلتنا الى تخمة الشهادات الأكاديميّة والألقاب العلمية "المجّانيّة" و "الاعتباطيّة" ، بكلّ ما في هذه الكلمات من معنى (مع استثناءات قليلة ، وقليلة جدّاً) .. وهي التي ورّطتنا وورّطتْ حكوماتنا المتعاقبة ، بالمأزق الحياتي والقيمي والأخلاقي والمهني الذي نحنُ فيه الآن.
غير انّني أوّد التنويه فقط هنا ، الى عدم مراعاة "دولتنا" العظيمة لقاعدة التوازن في التعامل مع "اصحاب المصلحة" عند قيامها بتشريع القوانين ذات الصلّة برواتبهم ، ومستوى معيشتهم ، وبأنّ "دولتنا" هذه لم تتحسّب أبداً لما يمكن أن يترتب على ذلك من تبعات.
إنّ "دولتنا" هي التي شرّعتْ القوانين التي قفزتْ برواتب التدريسيين (اصحاب الخدمة الطويلة) بـ "الزانة" ، وأوصلتها الى ما يقرب من أربعة ملايين دينار شهرياً (أو أقلّ أو اكثر من ذلك بقليل ، حسب درجات الفئات المشمولة ) .. بين لحظةٍ وضحاها .
ودولتنا هي التي منحتْ هؤلاء رواتب تقاعدية تزيد عن المليونين عند احالتهم على التقاعد بعد بلوغهم السنّ القانونية . ودولتنا هي التي كانت تقول انّها بذلك انّما تقوم بـ "تكريم" اولئك الذين أفنوا عمرهم في الخدمة العامة .
ودولتنا هذه هي التي تقفزُ بالزانة الآن ، ولكن بالمقلوب ، لتجعل الراتب التقاعدي لا يزيد عن 800 الف دينار (أو أقلّ أو اكثر من ذلك بقليل ، حسب درجات الفئات المشمولة بالقانون) .. وبين لحظةٍ وضحاها أيضاً .
وهذا يعني أنّ التدريسي (أو الأستاذ الجامعي) من أصحاب الخدمة الطويلة ، والطاعن في السنّ ، سيموتُ من هول الصدمة بعد سنواتٍ قليلة من نفاذ قانون التأمينات الاجتماعية المقترح ( اذا كان صابراً مُحتَسِباً) .وسيموت من هول الصدمة بعد اشهرٍ قليلةٍ فقط من نفاذ القانون البديل (اذا كانَ رومانسيّاً فاسِقاً مثلي).
اما "أرملتهُ" التي ستتقاضى بعد وفاته في حدود الـ 600 ألف دينار (أو أقلّ أو اكثر من ذلك بقليل ، حسب درجات الفئات المشمولة بالقانون) فإنّها ستموتُ من هول الصدمة أيضاً ، وقبل انقضاء "عُدّتها" الشرعية ، و قبل أن يُتاح لها الوقت لتُفكّر مليّاً في الزواج من متقاعدٍ "رئاسيّ" غير مشمول بأحكام قانون التأمينات الاجتماعية الجديد .
أمّ لماذا استاذ جامعي متقاعد يدفع لصندوق التقاعد "الوطنيّ" توقيفات تقاعدية طيلة 45 عاماً ، يصبحُ فجأةً مشمولاً بقانونٍ لـ" التأمينات الاجتماعية " .. فهذا علمهُ عند ربّي ، وعند الذين قاموا بإعداد هذا القانون .
إنّ دولةً كهذه ، تتخبّطُ في قوانين خدمتها ورواتب موظّفيها ، كلّما تخبّط بها موجُ الريع الخابط ، وخَبَطها خَبْطاً .. هي ليستْ "دولةً " فقط ، بل هي من اكثر الدول روعةً في هذا العالم .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن