الذكري ال 27 لحرب الخليج

تاج السر عثمان
alsirbabo@yahoo.co.uk

2017 / 8 / 24

الذكري ال 27 لحرب الخليج
بقلم: تاج السر عثمان
تقديم:
كتبت هذه الورقة بعنوان " أزمة الخليج" في: 21/ 12/ 1991م، بعد أن احتل صدام حسين الكويت في 2/أغسطس/ 1990م، ووضعت حرب الخليج أوزارها، والتي نشبت بسبب احتلال صدام حسين للكويت ، وكنت وقتها أعمل في قيادة الحزب الشيوعي السوداني، ومختفيا أثناء المقاومة السرية لنظام الجبهة الاسلامية (المؤتمر الوطني حاليا) الفاشي الذي جاء للسلطة بانقلاب عسكري في يونيو 1989م، والذي كان يمارس ابشع أساليب القمع والتنكيل والتعذيب للمعارضين السياسيين، كما أنه بارك وأيّد احتلال صدام للكويت. والورقة أساسا كتبت كمساهمة في اعداد وثيقة كانت تزمع قيادة الحزب اعدادها لتوضح وجهة نظر الحزب الشيوعي حول حرب الخليج وتداعياتها علي المستوي الاقليمي والعالمي، و لكن كان لظروف التنقل من مكان الي آخر والاعتقال الأثر في بعثرة أوراقي وكتاباتي، جراء تأمينها في آماكن مختلفة.
وبعد خروج الحزب الي العلنية في يناير 2005م راجعت اوراقي القديمة، ووجدت هذه الورقة، ورأيت فيها بعض النقاط التي مازالت نابضة بالحياة ، و اشارة لتحولات عميقة مرتقبة سوف تحدث في المنطقة والتي تجسدت فيها عمق تناقضات النظام الرأسمالي العالمي ، والنهب البشع لثرواتها النفطية، ومصادرة الانظمة القمعية للحقوق والحريات الديمقراطية، واتساع موجة الإرهاب بإسم الدين،..الخ، حتي اصبحت مرجلا يغلي وبركانا يفور، حتي انفجر في ثورات المنطقة ( تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن.الخ، وماحدث بعدها من موجة الإرهاب بإسم الدين الذي تشهده المنطقة في الظروف الراهنة، وما تشهده المنطقة حاليا من تجدد لأزمة الخليج بعد انفجار الصراع بين قطر والسعودية وحلفائها في المنطقة.
ونقدم فيما يلي الورقة:

أزمة الخليج:
وضعت حرب الخليج أوزارها بهزيمة صدام حسين واخراجه من الكويت ، وتم تدمير ترسانته العسكرية. ولكن آثار الأزمة ونتائجها ستظل مستمرة لسنوات طويلة علي الصعيدين العربي والعالمي. وتم كتابة الكثير عن الأزمة خلال وبعد الحرب ، وتجري دراسة الحرب في الأكاديميات العسكرية ، والتي استخدمت فيها تكنولوجيا عسكرية متطورة. وحرب الخليج كانت من أكبر الحروب – من حيث استخدام ترسانة عسكرية ضخمة فيها- بعد الحرب العالمية الثانية وحرب فيتنام والحرب العراقية – الايرانية التي استمرت ثمان سنوات بلغ عدد ضحاياها من الجانبين حوالي مليون شخص.
المؤلفات والمقالات التي ظهرت خلال وبعد الحرب تناولت القضية من زواياها المختلفة، وكل تناولها من منهج ورؤيا مختلفة، ولن اضيف جديدا في هذه الورقة علي تلك الكتابات، كما لن نتوقف كثيرا عند أسباب الأزمة وعن دوافع احتلال صدام حسين للكويت ، ولن نتعرض للجذور التاريخية لعلاقة الكويت بالعراق وتركيبة العراق نفسها التي تتكون من الأكراد والشيعة والسنة ، وطبيعة النظام العراقي نفسه الذي كان سببا في الأزمة، كل هذه مسائل معروفة ، وتعرضت لها الكتابات السابقة بتفصيل يغني عن الاضافة اليه، كما تم تناولها بعمق وتحليل شامل.
ولكن مايهمنا في هذه الورقة هو ابراز وتجسيد القضايا الأساسية التي تواجه الشعوب العربية بعد الحرب وقضايا صراعها المقبلة مثل:
• التحرر من التبعية الاقتصادية للغرب الرأسمالي والسيطرة علي موارها النفطية وفق شروط تبادل متكافئة.
• قضية الديمقراطية وحقوق الانسان وحكم القانون.
• قضايا التغيير الاجتماعي والسياسي والثقافي والارتقاء بالفكر والعقل العربي الي مستوي تحديات القرن الواحد والعشرين الذي بات وشيكا علي الأبواب.
• القضية الفلسطينية والوجود الاسرائيلي في الأراضي العربية المحتلة.
• نزع السلاح وتصفية كل ترسانة الاسلحة الكيمائية والجرثومية والنووية تصفية تامة في كل المنطقة وجعلها منطقة سلام دائم.
• تصفية الوجود العسكري الأجنبي من المنطقة.
هذه القضايا وغيرها تحتاج الي طرح ثوري وعميق بهدف المسك بها ، وتتطلب جبهة عريضة للنضال من أجلها في الفترة المقبلة.
ومن جديد تطرح هذه القضايا في ظروف دولية معقدة ومتشابكة تغير فيها ميزان القوي لمصلحة امريكا وحلفائها في المنطقة بعد انهيار التجارب الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي وبلدان شرق اوربا والتي كانت سندا تقليديا للبلدان العربية في صراعها ضد الهيمنة الامبريالية علي المنطقة.
ولكن من جانب آخر هناك تغييرات عميقة جارية في العالم بعد انتهاء الحرب الباردة، وهناك حركة جماهيرية عميقة تجري في العالم ، تتوق للديمقراطية وتدافع عن حقوق الانسان وعن السلام وحماية البيئة..الخ، وتشكل عاملا مساعدا لنضال الشعوب العربية من أجل الديمقراطية والتغيير الاجتماعي، كما أن العالم الغربي الرأسمالي نفسه يعيش أزمة وتناقضات عميقة تثقل خطاه للهيمنة الكاملة علي مصائر الشعوب.
معركة الشعوب العربية طويلة ومعقدة ومفتاح حلها هو نجاحها في انتزاع الديمقراطية وترسيخها داخل كل بلد عربي.
• كانت أزمة الخليج مرآة" عكست بوضوح أحد جوانب التناقضات العميقة للنظام الرأسمالي العالمي وأزمته، كما عكست بجلاء مصالح أمريكا وحلفاءها في المنطقة والتي كانت حاسمة في الصراع الذي دار ، كما عكست طبيعة الأنظمة العربية نفسها وانقسامها وتصوراتها ومفاهيمها المختلفة حول القومية والاسلام وانقسام العالم الاسلامي ، كل يبرز الدين الاسلامي بما يخدم مصالحه في الصراع، كما كشفت المنزلقات الخطيرة التي يمكن أن تؤدي اليها المواقف اللامبدئية والمنزلقات الخطيرة ايضا التي يمكن أن تؤدي اليها غياب الديمقراطية وانتهاك حقوق الانسان. كما عكست التبديد غير العقلاني لثروات ومقدرات الشعوب العربية الاقتصادية. ولكن من جانب آخر عكست الأزمة رغبة الشعوب العربية في التحرر والتقدم الاجتماعي وتصفية الوجود الأجنبي من المنطقة وتطلعاتها الأصيلة للديمقراطية وحقوق الانسان ورفضها لشعارات الطغاة الطنانة- التي لاتسمن ولاتغني من جوع – حول القومية والاسلام السياسي.
ومع ترسيخ أقدامنا في قلب الحركة الجماهيرية العربية نبرز بوضوح وجلاء قضايا الصراع للمسك والوعي بها ، باعتبار ذلك هو الشرط الأول لنجاح النضال نفسه ونوضح الحقائق المرة التي كشفت عنها تلك الأزمة.
1- أحد جوانب أزمة النظام الرأسمالي العالمي:
احتل العراق الكويت في : 2/ 8/ 1990م، وفجّر بذلك أزمة عالمية كان سببا مباشرا فيها ، ولكن كانت هناك أسباب غير مباشرة قادت الي هذه النتيجة، ولانقلل من مسؤولية صدام فيها، والواقع أن صدام ما كان ليجرؤ علي احتلال الكويت لولا الترسانة الضخمة من الأسلحة التي كدسها والتكنولوجيا العسكرية المتطورة التي أمدته بها الشركات المتعددة الجنسيات، والتي كان للشركات الغربية فيها نصيب الأسد. فمنذ عام 1984م أنفق العراق 14 مليار دولار علي شراء الأسلحة . وبين عامي 1982/ 1985م استورد العراق بما يعادل 42,8 مليار دولار من الأسلحة، أي أن بغداد كانت علي امتداد السنوات القليلة الماضية أكبر مستورد للعتاد الحربي في العالم، واحتكرت لنفسها ما يقارب 10% من الأسلحة التي بيعت في العالم. والشركات الغربية وغيرها هي التي أمدت نظام صدام بالتكنولوجيا العسكرية المتطورة غير التقليدية وتفاصيلها كالآتي:
- 86 شركة ألمانية غربية، 18 شركة أمريكية ، 18 شركة بريطانية، 16 شركة فرنسية ، 12 ايطالية، 11 سويسرية، 17 نمساوية، 8 بلجيكية، 4 أسبانية.
- أما البقية فتتوزع بين الأرجنتين( 7) ، اليابان(1)، البرازيل ( 1)، مصر (1)، السويد (1)، هولندا ( 1)، بولندا( 1)، الهند ( 1) موناكو ( 1)، جرسي(1).
اذن كان للشركات في البلدان الرأسمالية المتطورة نصيب الأسد في مد نظام صدام بالتكنولوجيا العسكرية المتطورة والنصيب الأكبر من الأرباح الهائلة التي جنتها من ذلك.
وقد شملت تلك التكنولوجيا المتطورة أسلحة بيولوجية وجرثومية ، أسلحة كيمائية( تكنولوجيا + مواد تحضير)، تصميم قذائف صاروخية أو معدات للتصنيع ، أسلحة نووية وتكثيف اليورانيوم ( تكنولوجيا + تجهيزات + معدن)، تصميم أسلحة أو مواد للتصنيع ، وهذه الفئة تتعلق بقضية المدفع العملاق.
وبنهاية الحرب العراقية – الايرانية – والتي كانت في الوقت نفسه بداية أزمة الخليج – كانت آلة العراق العسكرية كالآتي:
55 فرقة مقابل 10 فرق عام 1980م، مليون جندي مدرب تدريبا جيّدا ، وعلي أتم الاستعداد للقتال، و500 طائرة ، 5500 دبابة، هذا اضافة للصواريخ والأسلحة الكيمائية والجرثومية الأخري.
ومن نافلة القول ، أن نذكر أن من أسباب تضخم ترسانة العراق العسكرية دعم الدول العربية النفطية للعراق خلال حربها مع ايران حتي وصلت ديون الكويت والسعودية وحدهما لدي العراق خلال حربها مع ايران 30 مليار دولار ، وكانت من أسباب الأزمة مطالبة العراق بالغاءها مع شروط أخري للكويت( لامجال لذكرها هنا) بعد نهاية الحرب مع ايران.
خرج العراق من حربه مع ايران مثخنا بالجراح ومنهكا اقتصاديا، ففي بداية حربه مع ايران كان العراق يملك 30 مليارا احتياطيا من الدولارات وبنهاية الحرب تجاوزت ديون العراق 100 دولار. ولاجدال أن الدول الغربية الرأسمالية وشركاتها جنت ارباحا طائلة من بيع الأسلحة للطرفين خلال الحرب العراقية – الايرانية.
اذن يمكن القول أن الأزمة هي نتاج لأحد مظاهر أزمة النظام الرأسمالي العميقة وشركاته التي يشكل الربح دافعها الأساسي حتي لو كان لاأخلاقيا مثل دعم ديكتاتور مثل صدام حسين الذي قهر شعبه واحتل دولة أخري منتهكا بذلك كل المواثيق والأعراف الدولية.
2- تهديد مباشر للمصالح الأمريكية وحلفائها:
شكل احتلال صدام للكويت تهديدا مباشرا للمصالح الحيوية لأمريكا وحلفائها الاطلسيين واليابان، وتحركت أمريكا هذه المرة تحت مظلة قضية عادلة يسندها المجتمع الدولي، تحركت وبسرعة خيالية دفاعا عن مصالحها في المنطقة. ولعل أصدق التعبير عن تلك المصالح ماورد في مقال كاسبر واينبرغر في جريدة "الشرق الأوسط السعودية" الصادرة بتاريخ الأحد: 12/ 8/ 1990م، عن الاحتلال العراقي للكويت ورد الفعل الأمريكي والذي عبر فيه عن الأفكار الآتية:
• احتلال العراق للكويت يشكل تهديدا مباشرا للمصالح الحيوية لأمريكا.
• أمريكا تستورد أكثر من 50% مما تستهلكه من النفط.
• تمتلك كل من العراق والكويت والسعودية حوالي 40% من الاحتياطي النفطي العالمي.
• احتفاظ صدام بالكويت يعني أنه سيتحكم بحوالي 20% من الاحتياطي النفطي العالمي.
وبالتالي، فان أمريكا لن تقبل هذا الوضع، وسوف تسعي بكل السبل لاخراج العراق من الكويت.
وقد عبر مسؤول أمريكي عن المصالح والأهداف الأمريكية حين قال: " ان احتلال العراق للكويت لايشكل بحد ذاته تهديدا للمصالح الأمريكية، فالتهديد الحقيقي يكمن فيما سيحصل عليه العراق الذي يمتلك 20% من الموارد النفطية في العالم، من قدرة حين سيسيطر علي منظمة الدول المصدرة للنفط وعلي الشرق الأوسط مهددا اسرائيل وساعيا للحصول علي القنبلة الذرية".
هذه هي المصالح والدوافع للتحرك الأمريكي السريع. وقبل ذلك بسنوات كان الاحتلال الاسرائيلي للاراضي العربية، ولم تتحرك أمريكا بالسرعة اللازمة، هذا اضافة لانتهاك أمريكا نفسها قبل شهور من أزمة الخليج شرعية دولة أخري مثل بنما حينما تدخلت عسكريا فيها.
• ومعلوم أن الكويت أغني دولة في العالم بفضل النفط ويصل ناتجها الخام الي 20 مليار دولار. وكانت توظف 10% من عائداتها النفطية في الخارج كالآتي:
2% كانت تذهب للعراق في شكل قروض خلال حربه مع ايران!!.
8% توظف "للاجيال القادمة" وتدار بواسطة "مكتب الاستثمار الكويتي" في لندن ، وحسب التقديرات بلغت قيمة الأموال التي يديرها المكتب بين 100 الي 120 مليار دولار، أما توظيفات الكويت في الولايات المتحدة الأمريكية فكانت تمثل 10% من مجمل استثماراتها الأجنبية ، أي مايوازي 25- 30 مليار دولار موزعة بين الأسهم وسندات الخزينة والعقارات. وتعتبر أسبانيا مركز التوظيفات الأكبر حيث يشارك الكويتيون في مجالس ادارة شركات عديدة تعمل في مجالات حساسة كالصحافة والمحروقات والدفاع، وكذلك الأمر بالنسبة للندن التي يلعب فيها مكتب الاستثمار دورا هاما ويمثل عاملا أساسيا في الحياة الاقتصادية والمالية لبريطانيا العظمي ، وقد سيطر هذا المكتب لوقت ما علي 22% من أسهم شركة النفط العملاقة بريتش بتروليوم ، ولكن في مواجهة ضغوط الحكومة البريطانية اضطرت الكويت الي الاكتفاء ب 9,9% من أسهم هذه الشركة.
أما في المانيا الاتحادية فان الأموال تسيطر علي عدة فروع من الشركات الهامة.
وفي اليابان تعتبر الكويت أهم مصدر اجنبي للتوظيفات بشكل سندات خزينة أو نشاطات مالية ، اضافة الي أن اليابان تعتمد بنسبة 90% من مستورداتها النفطية علي الخليج.
اذن كل البلدان الرأسمالية بما فيها جنوب أفريقيا كانت مستفيدة من قبل "مكتب الاستثمار الكويتي" . وباحتلال صدام للكويت أصبح يسيطر علي 20% من البترول المنتج علي الصعيد العالمي ، اضافة لامكانية استيلائه علي الاستثمارات الكويتية واعتبارها "غنيمة حرب" يستطيع بواسطتها ممارسة الضغوط علي الاقتصاديات الغربية ، هذا فضلا عن تحقيق حلمه باحتلال الكويت ، واصبح يمتلك 200 كلم من الشواطئ المطلة علي الخليج.
وبالتالي، لم يكن غريبا تحرك أمريكا السريع والمحموم مع حلفائها الغربيين دفاعا عن مصالحها في الاتجاهات التالية: -
• كان قرار أمريكا المباشر هو صياغة وثيقة قانونية بتجميد الأرصدة العراقية والكويتية علي الأراضي الأمريكية. وتبعتها فرنسا التي جمدت الودائع العراقية الكويتية ، وكذلك بريطانيا فيما يتعلق ب 5,4 مليار دولار من ودائع الكويت في البنوك البريطانية، وتبعتها بتجميد الودائع العراقية بعد 4/ 8 / 1990م.
• وكان قرار الأمم المتحدة رقم 660 الأول فيما يتعلق بموضوع الغزو العراقي الذي دعي بغداد الي انسحاب مباشر وفوري وغير مشروط من الكويت والي اعادة الأمور لنصابها. وقد رفضت اليمن وحدها التصويت في حين وافقت الصين والاتحاد السوفيتي وفرنسا وبريطانيا وكوبا، واستند القرار الي الفصل السابع من دستور الأمم المتحدة الذي يقرر اتخاذ عقوبات ضد البلد المعتدي، حتي اذا فشلت تصار الي حصار أوعمليات برية وبحرية وجوية من قبل قوات الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
• وكان هناك قرار الجامعة العربية الذي اتخذه وزراء الخارجية العرب الذي ادان العراق وطلب الانسحاب غير المشروط من الكويت ، وقد رفضت التصويت علي القرار 7 من أصل 21 عضوا وهم: العراق، الأردن، ليبيا، اليمن، السودان، جيبوتي، ومنظمة التحرير الفلسطينية. وكان القرار تعبيرا ونتاجا لشقين: 1- قرار عادل يتمشي مع المواثيق الدولية ومع مواثيق الجامعة العربية. 2- الضغوط الأمريكية وخاصة علي مصر وحلفائها الآخرين للوصول الي مثل هذا القرار، ولاعجب في ذلك ، فمصر مع اسرائيل هي البلد الأكثر استفادة من المساعدة المالية الأمريكية ( 2 مليار دولار سنويا).
• اقناع العربية السعودية بانزال القوات الأمريكية والمتعددة الجنسيات علي أراضيها لحماية السعودية وللتمهيد لعملية " عاصفة الصحراء". وبالطبع وافقت السعودية التي حجم قواتها 65 الف جندي مقابل قوات صدام البالغة مليون جندي. ورغم أن السعودية اشترت خلال السنوات الأخيرة بأكثر من 150 مليار دولار أسلحة متطورة من الغرب ( أكثر من 3 أضعاف مشتروات العراق). ورغم ذلك عليها أن تقبل بأنها ستكون عاجزة عن الدفاع أمام هجوم بلد شديد التسلح مثل العراق!!. ورغم أن السعودية قبل ذلك استخدمت عائداتها النفطية الهائلة حوالي 50 مليار دولار في السنة في محاولتها صياغة تحالفات اقليمية وتحييد الأعداء المحتملين، لكن أزمة الخليج كشفت فشل هذه الاستراتيجية ، فلا وظفت تلك الأموال الضخمة لازدهار وتطور الشعوب العربية ، ولاحمت السعودية من الخطر!!.
• ممارسة الضغوط علي العراق: 1- أغلق السعوديون خط الأنابيب الذي ينقل النفط العراقي الي مرافئ البحر الأحمر. 2- منعت تركيا تسيير وشحن النفط علي شواطئها ، وتم تعويض تركيا التي كانت تستفيد من ذلك ( 300 مليون دولار سنويا + تزويد بغداد تركيا ب 3/4 ما تحتاجه من الطاقة). هذا اضافة للقرار رقم 665 للامم المتحدةالذي أجاز استخدام القوة لفرض الحصار ( 13 صوت مقابل لاشئ ، وبامتناع كوبا واليمن).
• كسب أمريكا مصر لصفها نهائيا باعفاء ديون مصر العسكرية والتي بلغت 7 مليار دولار ، اضافة الي 5 مليارات دولار من الدول النفطية في الخليج.
• تهدئة وتحييد اسرائيل وتم وعدها بتقديم مساعدات عسكرية تبلغ قيمتها 1,8 مليار دولار مقابل صفقة أمريكا العسكرية مع الرياض خلال الأزمة، والتي قدرها الاسرائيليون ب 2,5 مليار دولار وتشمل 200 صاروخ استنغر ، 150 دبابة، 24 ف 15 س ، هذا اضافة لصواريخ باتريود التي أمدت بها أمريكا اسرائيل خلال اندلاع الحرب مع العراق.
• كان هناك قرار القمة العربية، في: 10/8/ 1990م، الذي توصل الي : 1- رفض ضم الكويت ، 2- الموافقة علي العقوبات والحصار ضد العراق استنادا الي قرار الأمم المتحدة، 3- الدعوة الي تشكيل وحدات عربية دولية موازية للقوات الدولية في العربية السعودية. وصوت لصالحه 12 من أصل 21 عضوا في الجامعة العربية و3 ضد هم : العراق، ليبيا ، ومنظمة التحرير الفلسطينية وامتناع 2 هما الجزائر واليمن، ولم يشارك الباقون في التصويت.
• حتي كان قرار مجلس الأمن، بتاريخ: 29/11 / 1990م، الذي تبني صيغة قرار تجيز استخدام القوة ضد العراق مع الاشارة الي تاريخ ثابت للانسحاب من الكويت وهو منتصف شهر يناير 1991م.
• تم تحضير قوات عملية " عاصفة الصحراء" والتي قدرها البنتاغون بأنها تكلف 10 ملايين دولار في اليوم الواحد، دفعت دول الخليج النفطية حوالي 60% منها ، حتي بدأت العمليات الحربية، وتم اخراج العراق من الكويت وتدمير ترسانته العسكرية.
من السرد السابق تتضح للشعوب العربية الحقائق المرة التي جسدتها "أزمة الخليج" واكدتها بصورة واضحة وجلية منها:
أ‌- تبديد ثروة الشعوب العربية النفطية:
كشفت الأزمة كيف يعتصر الغرب الرأسمالي ويحلب أموال وثروات البلدان العربية النفطية، وكيف يجني أرباحا هائلة من الأموال الموظفة في بنوكه والتي وصلت الي 800 مليار دولار !.
كما رأينا كيف ينهب الغرب وشركاته أموال البلدان العربية النفطية في شكل مبيعات للأسلحة، وكيف أن هذه الأموال الضخمة ذهبت هدرا بتدمير ترسانة العراق العسكرية، وبحماية السعودية والبلدان العربية النفطية الأخري حتي بعد شراء كل هذه الأسلحة المتطورة وبالمبالغ الخيالية !!.
وصلت ديون العراق خلال حربها مع ايران الي أكثر من 100 مليار دولار، وقبل حربها مع ايران كانت قد انفقت 42,8 مليار دولار لشراء معدات عسكرية قبل الأزمة ، اضافة لأنها كانت تصرف سنويا 50 مليار دولار لأمن الخليج وخلال أزمة الخليج اشترت السعودية أسلحة بمقدار 2,5 مليار دولار.
لذلك ، فان معركة الشعوب العربية في البلدان النفطية هي معركة مزدوجة : فهي من أجل الديمقراطية ، ومن أجل حق هذه الشعوب في السيطرة علي مواردها النفطية، ووضعها في خدمة مصالحها ومصالح الشعوب العربية والاسلامية الأخري.
ولو وظفت 10% مثلا من هذه الأموال لمساعدة بقية البلدان العربية الأخري اقتصاديا لتحولت تلك البلدان الي بلدان صناعية وزراعية متطورة، ولتحولت الي جنان قطوفها دانية.
وهذه الثروات المبددة هي جريمة لاتغتفر في حق الأجيال القادمة وفي حق شعوب المنطقة.
وستظل هذه القضية من محاور الصراع الساخنة لشعوب المنطقة في صراعها ضد الهيمنة الأجنبية علي أموال وثروات المنطقة.
ب‌- قضية الوجود الأجنبي في المنطقة:
وهذا محور مهم في الصراع لأنه يرتبط بالسيادة الوطنية لشعوب المنطقة العربية المعنية بالموضوع . والوجود الأجنبي مرفوض مهما كانت مبرراته بعد خروج العراق من الكويت. ومهم ترك شعوب المنطقة لتقرر بنفسها نظمها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، وتحرير ثرواتها من النفوذ الأجنبي والتبعية، ووضعها في خدمة شعوبها أولا وشعوب المنطقة ثانيا.
ج – قضية الديمقراطية:
برزت من جديد وبحدة أكثر مما مضي قضية الديمقراطية وترسيخها في البلدان العربية، فهذا العبث والدمار الذي فعله نظام صدام حسين ماكان ليحدث لو كانت هناك مؤسسات ديمقراطية حقيقية منتخبة تحول دون تلك النزوات والنزعات غير المعقولة.
كما برزت أيضا وبشكل فاضح تناقض الغرب الرأسمالي بقيادة أمريكا التي ترفع شعار الديمقراطية وحقوق الانسان، وفي الوقت نفسه تغض الطرف عن نظم استبدادية وظلامية في المنطقة لتنتهك الديمقراطية وحقوق الانسان، بل ونظم تدوس علي المواثيق الدولية وتحاول ابادة شعب بأكمله كا سرائيل.
وهذا التناقض يحاصر أمريكا من كل جانب ، وفي ظروف عالمية يتسع فيها مدي ونطاق الديمقراطية والتعددية ، وتوسيع حقوق الانسان في العالم، وتتقلص فيها رقعة النظم الديكتاتورية والفاشية.
فالموقف من الديمقراطية وحقوق الانسان يجب أن يكون منسجما ومستقيما حتي النهاية، ولايقبل غض الطرف عن غياب الديمقراطية وانتهاك حقوق الانسان في أجزاء من البلدان العربية، دفاعا عن مصالح حيوية لأمريكا وحلفاءها في المنطقة، والمطالبة بها في بلدان أخري.
وأخيرا أصبحت الديمقراطية هي المفتاح لحل كل مشاكل المنطقة الأخري ، والشرط لازدهار وتجديد الحركة الثورية والاشتراكية واليمقراطية في المنطقة ومفتاح للتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المرتقبة.
د- القضية الفلسطينية والاحتلال الاسرائيلي:
برزت بحدة بعد الأزمة ضرورة الحل العادل للقضية الفلسطينية وقيام دولته الوطنية المستقلة، وانهاء الاحتلال الاسرائيلي لللاراضي العربية.
ه – حركات الاسلام السياسي.
برز بوضوح خلال الأزمة مأزق حركات الاسلام السياسي السلفية التي تسير ضد منطق العصر الذي يتوجه شطر الديمقراطية واحترام حقوق الانسان ، وتقليص رقعة الديكتاتورية والنظم الشمولية والتحولات العلمية والثقافية والفكرية العميقة الجارية في عالم اليوم التي لاينفع فيها التعصب ودفن الروؤس في الرمال. وتحتاج لمواجهة من مواقع العلم والاستنارة وحرية الفكر والديمقراطية السياسية والاجتماعية والثقافية.
وكشفت الأزمة انقسام العالم العربي والاسلامي بين مؤيد ومعارض لاحتلال صدام للكويت وتقديم التبرير والسند الديني والاسلامي للموقف السياسي المحدد.
كما كشفت تخلف العقل العربي وعزلته التامة عما يجري في عالم اليوم من تحولات عميقة، نحتاج فعلا للارتقاء الي مستواها.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن