آيات الجهاد والحرب والخروج من الورطة

حيدر لازم الكناني
hd_la_kt1973@yahoo.com

2017 / 8 / 18

التسامح الذي يبديه الإسلام مثلاً في بعض آياته لم يعد له قيمة أمام آيات نسختها وألغت حكمها في نظر ممن ينتقدون الإسلام ويوجهون مدافع الاتهام حوله كدين سماوي يدعوا إلى المحبة والتسامح ، هذه النظرة للأسف هي انعكاس لفهم أسلام المدينة (الحربي ) والذي نزلت فيه معظم آيات القتال والتي كان فيها النبي (ص) وأصحابه في حاله مواجهة واحتراب مع قريش مما يتطلب شحذ الهمم وخلق مجتمع حرب لمواجهة العدو " كما يحدث في عصرنا الحاضر عندما تكون إحدى الدول في حالة حرب فإنها تعسكر المجتمع وتسخر كل الإمكانيات المادية والفكرية للحرب " في بداية الرسالة السمحاء في مكة كانت آيات القران تحض على التسامح وإشاعة روح المحبة والاختيار في الدين مثلا قوله تعالي : "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر " (صورة الكهف)
فذكر أنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر (سورة الغاشية 22-23) .
أما المرحلة الثانية من الإسلام فتبدأ بعد الهجرة إلى المدينة وتمكن المسلمين فلو القينا نظرة عامة حول الآيات التي نزلت في مكة والآيات التي نزلت في المدينة فإننا نلاحظ تصاعد آيات الحض على القتال والجهاد بعد دخول المدينة مباشرة، وتزداد وتيرة آيات الجهاد وقتال الكفار بشكل ملحوظ في البدايات المدنية إلى أن تهمد ولو بشكل مقتضب كقوله تعالى :
"قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ" (التوبة: 29) وقوله تعالى "فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ" (التوبة 5).
وفي أخر الرسالة النبوية تبدأ مرحلة ثالثة هي مرحلة التهدئة كقولة تعالى "وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ * اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ " (الحج:68،69) وقوله " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ"(الحج:17)
ووفقا لابن عباس فأن هنالك 164 آية حرب وجهاد في القرآن من أصل 6236 آية، أي ما يشكل نسبة 2.62% من آيات القرآن المشكل الأكبر . لذا يعتبر معظم علماء المسلمين أن اية السيف قد نسخت آيات الصفح وتلك هي الطامة الكبرى حيث يقول ابن تيمية :
" فلما أتى الله بأمره الذي وعده من ظهور الدين ، وعز المؤمنين أمر رسوله بالبراءة إلى المعاهدين ، وبقتال المشركين كافة ، وبقتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون . وقال ابن باز :
إن هذه الآية ناسخة لجميع الآيات التي فيها الصفح والكف عن المشركين والتي فيها الكف عن قتال من لم يقاتل ، قالوا: فهذه آية السيف ، هي آية القتال ، آية الجهاد ، آية التشمير عن ساعد الجد ، وعن المال والنفس لقتال أعداء الله ، حتى يدخلوا في دين الله ، وحتى يتوبوا من شركهم ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام.
وأن الإسلام بمفهوم آية السيف تحول إلى دين جهاد وقتال لينهي نهج السلم الذي أنتهجه في البداية لذا نجد المتطرفين و كل الحركات الجهادية تؤمن وتُطبق حرفيا هذه الآيات . والسؤال الذي يتبادر بالذهن هل من المعقول أنّ معظم آيات الحرب تنسخ آيات السلم والتسامح فإذا عرفنا أن آية السيف تنسخ حوالي 121 آية، والبعض يرجح أكثر
وللإجابة على هذا السؤال والخروج من هذه الورطة والمأزق يمكن أن يسعفنا ما طرحة الشهيد الأستاذ محمد محمود طه في كتابه الرسالة الثانية في الإسلام حيث يقول :
إن السالك في مراقي الإسلام يسير على معراج لولبي، ينضم نحو مركزه، كلما ارتفع نحو قمته، ويدور على نفسه دورة، كلما رقى في سبع درجات، أولها الإسلام، ثم الإيمان، ثم الإحسان، ثم علم اليقين، ثم عين اليقين، ثم حق اليقين، ثم، في نهاية الدورة، الإسلام. لقد جاء القرآن مقسما بين الإيمان والإسلام، في معنى ما جاء إنزاله مقسمًا بين مدني ومكي. ولكل من المدني والمكي مميزات يرجع السبب فيها إلى كون المدني مرحلة إيمان، والمكي مرحلة إسلام والاختلاف بين المكي والمدني ليس اختلاف مكان النزول، ولا اختلاف زمن النزول، وإنما هو اختلاف مستوى المخاطبين. "فيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا" التي أتت في بداية بعض الآيات المدنية خاصة بأمة معينة. "ويَا أَيُّهَا النَّاسُ" التي أتت في بداية بعض الآيات المكية فيها شمول لكل الناس لقد جاء القرآن مقسمًا بين الإيمان والإسلام، كما جاء إنزاله مقسمًا بين مدني ومكي، وكان المكي سابقًا على المدني، وطرح الأستاذ محمود محمد طه في هذه الآونة كتاب "الرسالة الأولى للإسلام"، ثم "الرسالة الثانية للإسلام"، وكان مجموع أفكاره أنّ الآيات التي نزلت في صدر الدعوة الإسلاميّة بمكّة تمثّل أصل القرآن. ففي هذه الآيات يبدو الإسلام دينًا متسامحًا ينبذ الإكراه، وهى الآيات التي بدأ بها النبي دعوته في مكّة، ومثالها "وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ ".بمعنى كانت نظريته تره ترك إسلام المدنية العنيف لأنها كانت مرحلة مؤقتة مرحلة حرب ومواجهة وكانت آياتها تختص بأناس معينين وليست شاملة لذا سميت آياتها بآيات السيف . ورأى طه أن المدعوين إلى تلك الآيات كانوا أقلّ قامة من ذلك الخطاب المتسامح، فهم قد رفضوا الدعوة وحاربوها، وضيّقوا على الدعاة وعذّبوهم حتى الموت، وتآمروا على حياة النبي نفسه بالقتل، حتى اضطرّوه إلى الهجرة، ومن هنا ظهرت الحاجة إلى آيات الفروع، وهى آيات الجهاد التي مثّلها "وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ»، ثم كان الحديث النبوي "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله " .
وبهذا يمكن الخروج من الورطة التي أقحمنا فيها علماء المسلمين بتفاسيرهم ويكشف لنا التزوير الذي تعرض له الإسلام طوال قرون . وما على علماء الأمة إلا أن يقوموا باتخاذ خطوة جريئة والقيام بعملية تصحيح لمسار الإسلام ومراجعة كل ما تم كتابته في عصر كان كاتبيه ورواته يعتقدون أن الأرض هي مركز الكون والشمس تدور حول الأرض . لذا فمن الضروري أن يتم أعادة مفاهيم الإسلام بروح علميه أكثر وملائمته لروح العصر تنطلق من مفاهيم الإسلام المكي الذي يدعوا إلى التسامح وقبول الأخر . وإلا فأننا وحسب ما أراه من معطيات فسنشهد مرحلة ظلاميه جديدة، يكثر فيها الإلحاد والعزوف عن الدين وربما نشهد طوابير من المسلمين واقفة على أبواب الكنائس لأخذ دورهم في التعميد لتغير دينهم واعتناق المسيحية . ويبقى الإسلام الحالي الذي يتم تعليمه في الأزهر أو في المدارس الحجازية أو بعض الحوزات للأسف قاعدة ينطلق منها الفكر الداعشي والتشدد عند البعض من جهة ومن جهة أخرى سيكون قاعدة للنفور من الدين وهجره عند البعض الأخر وكما قال رسول الله" (ص) بَدَأَ الإِسْلاَمُ غريبا ، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيباً، فَطُوبى لِلْغُرَبَاءِ"



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن