البحث عن الحياة تحت ركام الموت

عيد الماجد
a.seer.2007@hotmail.com

2017 / 8 / 17

لم يعاني احدا مثل ماعاناه العراقيون من حكومات العمائم وميليشياتهم وهناك الاف القصص التي ذهب ضحيتها الكثير من ابناء الشعب العراقي الحزين وانا سوف اكون بطل احدى هذه القصص وهذه قصتي المؤلمة التي حدثت معي في بلادي والتي اجبرتني على الهروب للنجاة بحياتي فلقد استولت مليشيات الظلام والخرافه على بيتي ومصدر رزقي ولم تكتفي بهذا بل طاردتني في كل مكان على ارض العراق حتى اضطرتني الى الهروب للنجاة بحياتي وانا في غاية الالم واليأس وكل هذا بسبب انني شتمت الخرافة وعريتها بالكلمة لا بالسلاح وبالحقيقة لا بالتدليس والكذب ورفضت ان اسكت مثل الكثير من الصامتين والمتخاذلين امام اللصوص واردت ان اساهم في توعية الشعب العراقي المغلوب على امره وانقاذه من مستنقع الجهل والضياع لقد كانت تجربة مريره فيها تكالبت علي ايدي الاعداء والاصدقاء لم اجد فيها احدا يساعدني غير احد اصدقائي البعيدين ممن جمعتني بهم ظروف الحياة ولولا هذا الصديق لكنت الان احد ضحايا مليشيات العمائم وتجار الخرافة
بدأت القصة في احد ايام شهر يوليو في صيف العام 2015 وبينما انا منهمك بالعمل في المحل الخاص بي في محافظة البصرة واذا بعدة اشخاص يرتدون ملابسا سوداء ويغطون وجوههم يداهمون المحل لينهالوا علي بالشتائم والصراخ لانني بحجة انني لم اغلق المحل الخاص بي بمناسبة مولد امامهم المهدي المختفي لانهم كانوا يحتفلون بولادته كل عام في هذا الوقت ويمنعوا ان تفتح المحلات ابوابها في هذا اليوم لانهم يعدونه استهزاء بشعائرهم الدينية وعدم احترام فتحججت بانني لا اعلم عن هذه الشعائر شيئا وقلت لهم وارجو ان تسمحوا لي بالعمل لانني في حاله مادية صعبه وبحاجة للمال لمواجهة ظروف الحياة ولكنهم رفضوا وطلبوا مني اغلاق المحل والا سوف يكسروه فوق راسي ان عادوا ووجدوني لم اغلقه ولكنني رفضت ان اغلقه بشده وقلت لهم ليس لديكم اي حق بمضايقة وتهديد الناس دون سبب فاستهزؤا بكلامي وازدادت لهجتهم شدة وعنف وقالوا انت لاتعرف من نحن ولا مالذي نستطيع فعله ونحن نستطيع ان نقتلك الان ولن يقف معك احد ولن نهتم بك ولكن سوف نعطيك فرصه للتراجع فلا تضطرنا لنفعل مايجعلك تندم عليه وخرجوا من المحل وركبوا سياراتهم السوداء وذهبوا وبعد ذهابهم قمت باغلاق المحل وانصرفت مسرعا الى المنزل وفي صباح اليوم التالي وبينما انا استعد للخروج من البيت بأتجاه العمل فوجئت برسالة ملقاة تحت الباب فالتقطتها وقرأتها واذا بها رساله تهديد ووعيد ومهله زمنيه للمغادره خلال اسبوعين لقد حصل ماكنت اخشاه ووقعت الكارثه ولكن اين نذهب لاوقت لدي لبيع المنزل والمحل هل اتركه خلفي من اين اتي بالمال الازم حتى استقر في منطقة اخرى بدأت الاسئله تقتحم رأسي حتى اصبحت كالمجنون لا اعرف ماذا افعل ولكني وتحت اثر الصدمة وعدم وجود الحل فضلت ان اتجاهل الرساله ربما لاتكون جدية واردت ان اذهب في هذا اليوم الى العمل وافكر في ذات الوقت عن حل لهذه المصيبه او ربما يعود الاشخاص مرة اخرى حتى احاول ان احل المشكله معهم ربما يغفروا لي وينتهي الموضوع ولكن لم يأتوا ومر الاسبوع سريعا ولم افعل شيئا لانني اعتقدت ان القصة بسيطه وانتهت بانتهاء اسبابها ولكنني كنت مخطأ ففي صباح اليوم الثامن فوجئت برسالة تهديد جديده تحت الباب وهذه المرة بلهجة اقوى وبمهلة زمنية ثلاثة ايام فقط للمغادرة فجننت من هول ماقرأت فلابد من الهروب بأي شكل وبأي طريقه من الطرق فلم اذهب في ذلك اليوم للعمل وفضلت البقاء في المنزل لترتيب امر الهروب وجمع حاجياتنا الضرورية وفي الليل هجمت على منزلنا اكثر من اربع سيارات سوداء ونزل من اشخاص يحملون اسلحة و ذوو اشكال وهيئات شيطانية مرعبة اقتحموا علينا المنزل واشبعونا اهانات وشتائم متسائلين لماذا لم نغادر المدينة فسألتهم ماذا فعلنا لنترك المدينة ونرحل فأجابوا لقد استهزأت بمناسباتنا وائمتنا الاطهار ولن نغفر لك هذا ابدا ولو قبلت ارجلنا وايدينا وان لم تغادر فسوف يكون مصيرك مشابه لمصير من سبقوك في هذا الامر وهذا هو الانذار الاخير فأحذر من غضبنا فطلبت منهم بعض الوقت حتى ارتب اوضاعي فقالوا هذا ليس من شأننا لديك الوقت من هذه الليله الى مساء الغد والا سوف تقتل ثم تركونا وانصرفوا وبقينا يقظين الى الصباح ننتظر بزوغ الفجر حتى نهرب ولكن الى اين وفي هذه الاثناء تذكرت ان لي صديقا في بغداد تعرفت عليه اثناء عملي في محل صيانة الكمبيوتر وكنت احتاج منه بعض البضائع احيانا فاتصلت به واخبرته بالامر فطلب مني المجئ سريعا قبل ان يعودوا الي هؤلاء المجرمون كما اخبرني ان لديه بيتا فارغا هو عباره عن شقة في بيته في الطابق الثاني يؤجرها وكانت فارغة في تلك الفتره فقال لي تعال اسكن فيها وانا وانت نعمل سويا في متجري الخاص فوافقت على الفور لاني ليس لدي خيار اخر فذهبت الى جارنا وطلبت منه ان يحافظ على بيتنا ويحميه حتى اجد حلا لانني مضطر للهرب للنجاة بحياتي وحياة عائلتي.
ومر الليل بطيئا ولم اصدق ان نورالفجر قد بدأ حتى حملنا حقائبنا وقصدنا موقف السيارات المسافرة الى بغداد وانطلقنا خائفين من ماينتظرنا من مفاجآت وبعد 5 ساعات تقريبا وصلنا الى هناك واستقبلنا صديقي وبعد وصولنا بيومين اتصلت بجارنا لاسأل عن مستجدات الامور وعن بيتنا ومحلنا ففاجئني ان المحل قد تعرض للنهب وتمت سرقة كل محتوياته ومن ثم حرقه فارتعبت كثيرا لانني نسيت انني كنت احتفظ بنسخ من المقالات التي اكتبها على مواقع الانترنت والقصائد التي اسجلها بصوتي وانشرها على قناتي على اليوتيوب وهنا انقلبت موازين تفكيري وصرت انتظر ان تقع الكارثة في اي لحظه وسوف تقع خاصة ان الجار اكد لي ان من استولى على المحل واجهزته هم نفس المليشيات التي هاجمتنا قبل هروبنا بليله وبعد يومين حدث ماكنت اتوقعه وانتظره فقد اتصل بي شخص غريب وبدأ بالشتم وبالتهديد والوعيد وقال لي سوف نصل اليك اينمع تكون لو.كنا نعلم انك ملحد كافر زنديق لاتحترم معتقداتنا كنا انهينا حياتك فورا ولكن اين تذهب منا فكل العراق لنا وايدينا سوف تطالك في اي مكان ثم اغلق الخط وتركني في رعب شديد فلجأت الى صديقي لابحث عن مخرج من هذا المأزق فارتعب هو ايضا وقال لي لابد من مغادرة البلاد فورا باي شكل من الاشكال فأنهم اي المليشيات ان قالوا فسوف يفعلوا وانت بالنسبة لهم دمك حلال وانا انصحك بالهروب فورا واعتذر منك لا استطيع ان استضيفك عندي بعد هذه المستجدات الخطيرة ولامني على انني تركت جهاز الكمبيوتر هناك ولم اقم بجلبه معي او مسح المعلومات فقلت له انه جهاز ثابت وليس لابتوب حتى احمله معي ثم انني لم يكن لدي الوقت الكافي حتى للتفكير .
بعد هذا الحوار وفي اليوم التالي خرجت في الصباح حتى اكمل اوراق السفر بمساعدة احد الاشخاص الذي يعرفه صديقي ولديه اصدقاء في مكتب الجوازات حتى يسهل انهاء المعامله بسرعه قبل ان يفوت الاوان وخلال يومان وبمبلغ 400دولار لكل شخص استلمنا الجوازات وخلال يوم اخر كنا ننتظر ركوب الطائرة للخروج من جمهورية العمائم المليشاوية باتجاه تركيا .
وصلنا الى تركيا في شهر اغسطس 2015 وذهلنا من صعوبة الحياة واللعة وعدم وجود العمل من خلال تجارب بعض الاشخاص العرب الذين شرحوا لي الوضع هناك واقنعوني بالهجرة مثل الكثير من العرب السوريين والعراقيين وغيرهم الذين فروا من الحروب والعصابات الطائفية فأقتعنت بالامر خاصة انني قد فقدت الامل في العودة الى العراق لان المشكله كبيرة ولن تحل على المدى القريب .
وبعد البحث عن طريق الهروب تعرفت على الطريق وعلى من سوف ينقلنا عبر البحر الى اليونان ومن هناك نكمل السير الى دول اوروبا سيرا على الاقدام وفي يوم 16 من اغسطس اذا لم تخونني الذاكرة وصلنا الى نقطة الانطلاق وكان منطقة على ساحل بحر ايجة في محافظة ازمير وكانت تديرها عصابات مسلحة لا تفهم ولا تتفاهم وكم من مشهد محزن رأيته امامي جعلني اكره الحياة ومن فيها ومن اتى بنا اليها فقد اعتدى المهربون على الكثير من الاجئين بوحشية لانهم لم يسمعوا اوامرهم بسبب اختلاف اللغة وكم من شخص تعرض للاهانه والضرب حتى سالت الدماء من انفه هناك حيث لا احترام لانسانية او لانسان هناك حيث يكون الانسان لاشئ هناك تقتل وترمى في البحر بلا اي مشكلة جلسنا هناك منذ طلوع الفجر الى الساعة العاشرة ليلا حتى تم تجهيز القارب المطاطي الذي سوف يقلنا الى شواطئ جزيرة متليني في اليونان واذا بالقارب الصغير يزدحم بالناس حتى وصل تعدادهم الى 65 شخصا تقريبا تحت تهديد السلاح والصراخ وانطلق القارب وهو يئن من حمولته وبعد ساعتين ونصف في البحر قبضت علينا دوريات خفر السواحل التركية وارادت ان تعيدنا الى تركيا وبعد التوسل والبكاء قرروا ان يتركونا لانهم ببساطة لايريدون ان يعيدونا لانهم ينفذون اوامر حكومتهم التي اعطت الضوء الاخضر للمهربين للعمل لاسباب سياسية يعرفها الجميع واستمرينا بالابحار حتى وصلنا الى شواطئ متليني بعد رحلة استمرت اربع ساعات ونصف على الرغم من انها بالاحوال العادية لا تستغرق اكثر من 40 دقيقة حسب تجارب بعض الاشخاص الذين سبقونا ولكن بسبب ثقل القارب الذي كاد ان يغرق بوسط البحر والظلمة.
في الساعة الثانية والنصف صباحا وصلنا الى الشواطئ بعد رحلة متعبة ومرعبة لا نعرف الى اين نذهب فسالنا الناس هناك واخبرونا ان نكمل المسير الى وسط الجزيرة ففوجئنا بالقذارة في تلك الجزيرة واعداد الاجئين الهائمين والنائمين بالطرقات فأخذنا نحن ايضا زاوية في احد الشوارع ونمنا الى ان ظهر نور الفجر فاستيقظنا لنبدأ مشوار رحلة جديدة لا نعرف من اين تبدا ولا الى اين تصل .
مشينا كثيرا بعد ان ارشدنا بعض الناس الى مقر مخيم الاجئين وكانت المسافة تقريبا 50 كيلوا ولكن لحسن حظنا اوصلنا شخص الماني مع زوجته الى المخيم وبعد الوصول جلسنا هناك الى اليوم التالي حيث من المفترض ان نذهب للتسجيل في مركز البوليس حتى نأخذ وثيقة المغادرة لاجتياز الحدود وبالفعل بعد 3 ايام اخذنا تلك الورقة وانطلقنا بعد جهد جهيد في العبارة التي سوف تنقلنا الى العاصمة اثينا واستمرت الرحلة اربعة عشر ساعه وبعد وصولنا في اليوم التالي الى اثينا وبعد الاستفسار من العرب هناك والاجئين ذهبنا الى مكاتب حجز الباصات للحجز الى الحدود المقدونية وفي الساعه الثالثة فجرا او الثانية وصلنا الى النقطة الاخيرة الفاصلة بين مقدونيا واليونان ونزلنا من الباصات وكان تعدادنا تقريبا 80 شخصا غير الذين كانوا موجودين قبلنا فكانت الباصات تنقل المزيد والمزيد من الهاربين من الموت بحثا عن الحياة .
عبرنا الحدود فجرا دون اي مشكله الا من بعض العصابات التي كانت تتربص بنا ولكن لكثرة عددنا هربوا منا واكملنا الطريق حتى وصلنا الى محطن القطار في مقدونيا ومنها تم نقلنا الى صربيا وفي صربيا كان لابد من ورقة جديدة تسمى ورقة الطرد او الخارطية حسب التعبير الشائع للاجئين وبعد عناء وجهد اخذنا تلك الورقة وحجزنا الى العاصمة بلغراد في الساعه العاشرة ليلا و استمرت الرحلة الى الفجر حيث امضينا الليل كله نياما في الحافله من التعب والعناء وعند وصولنا في صباح اليوم التالي وحسب تجارب الاجئين ومعلوماتهم كان هناك حلين اثنين اما ان نجتاز هنغاريا مع مهرب او مشيا على الاقدام وبما اننا لانملك المال الكافي اضطررنا للعبور مشيا على الاقدام على الرغم من الخطر المستمر على الحياة وخطورة البصمة الهنغارية اللعينة التي ان اخذوها منك فسوف يضيع كل شئ .
وانطلقنا بعد ان حجزنا في احد الباصات الى مدينة كنجازي الصربية الحدودية مع هنغاريا وهناك لحسن الحظ وجدنا احد الصحافيين الغربيين ينظم رحلات مساعده وتوعية للاجئين الى الحدود الهنغارية فركبنا في الباصات التي كان قد استأجرها واوصلتنا الى اخر نقطة من الحدود الصربيه لنكمل بعدها سيرا على الاقدام حيث المصير المجهول وبعد ان وصلنا اجتزنا الحدود الصربيه الهنغارية وقبل الوصول الى موقف التكسي في الجانب الهنغاري دوت صافرات الشرطه وهرب الناس باتجاه السيارات التي تنتظر الركاب وكان الابتزاز يتجلى بأحقر صوره حيث ان لم تدفع مايطلبه السائق سوف يسلمك للشرطه وان انتظرت اكثر فسيقبضون عليك فلا حل الا بالركوب بسرعه والموافقه على مايطلبه السائق فركبنا في السيارة من الحدود الى العاصمة بودابست وطوال الطريق والسائق وزوجتة يهددوننا ان لم ندفع فيستجهون بنا الى الشرطه ولكننا كنا.نعلم اننا متى مادفعنا الاجرنا فسوف يرموننا في الشارع فتمسكنا برأينا ان لا ندفع الا عند الوصول وعن تجربه لم ارى مثل جشع الشعب الهنغاري ووصلنا الى بودابست بعد ساعتين تقريبا وانطلقنا بسرعه الى ان قادنا سائق تكسي اخر الى فندق للاجئين يديره اشخاص من جنسيات متعددة سوريون عراقيون وهناك تجد السيارات التي سوف تخرجك من الكابوس الهنغاري الى النمسا وباقي دول الاتحاد الاوروبي لتطلب اللجوء بعد ان غدر بك الوطن فانطلقنا وقلوبنا تخفق بشدة خوفا من نهايتين نهاية المعاناة او نهاية الحلم بالوصول الى الامان ومن النمسا وفيها تنفسنا الصعداء ومنها بدأت رحلة اللجوء المضنية والمتعبة لشعوب تائهه تبحث عن وطن تنام فيه بهدوء وعملا تقوت به اطفالها فتبا لكم ولدينكم ايها الجبناء وتبا لعمائمكم وذقونكم ومليشياتكم المجرمة تبا لبلاد تحتضن المجرمين وتقتل الشرفاء



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن