الشعب يريد إيقاف الحرب .. والتحرير

بدر الدين شنن
abohamid@hetnet.nl

2017 / 8 / 14

لم تعد سوريا كما كانت قبل الحرب عليها .. يكل شيء .. في كل مجالات الحياة السياسية ، بما في ذلك بنية الحكومة ، والاقتصاد ، ونسيج العلاقات الاجتماعية والفكرية والثقافية ، والتعامل مع المستقبل داخلياً وخارجياً ، ولن تكون بعد الحرب ، كما يريد المعارضون ، والمرتزقة ، والذين خططوا ، وسلحوا ، ودعموا هذه الحرب الجريمة ، من الدول الأجنبية والإقليمية ، المتكالبة ، الطامعة ، بسوريا أرضاً وشعباً وثروات . أو كما يريدها الإرهابيون .. حثالة العصر .. المتوحشون بالغزو ، والسلب ، والقتل والذبح ، وابتذال القيم التاريخية والإنسانية .. والعقل .. والفكر .

إن الحرب التي استخدمها هؤلاء ، أداة لتغيير سوريا .. الدولة .. والشعب .. بأحط وأقذر الوسائل ، قد فشلت ، وفقدت صلاحياتها ، وانقلبت عليهم ، من خلال أن سوريا ستتغير ، ولكن ليس كما يريدون . ومسار العمليات السياسية والعسكرية ، وتخبط عقولهم ، ومداركهم ومواقفهم ، تدل على العكس ، على أنهم سيتبلون ، ويتغيرون هم .. وليس سوريا . ومن يستعيد رؤية المشهد الدولي والإقليمي ن قبل ربع قرن ، ويقارنه بمشهد هذه الأيام ، يجد أن أساسيات المشهد المعروفة المساندة ، لم تعد مع ما يريدون . لقد بدأ تغيير سوريا .. الغامض .. منذ أن تسلحت المعارضة ، والتحقت بمشروع تغيير سوريا .. بالسلاح .. والحرب .. والإرهاب .

لقد كان لسوريا بنيتها السياسية الاجتماعية المستقرة نسبياً .. تضم الحزب الحاكم ، وأحزاب أخرى معارضة وغير معارضة ، على مستوى البلاد كلها . والجميع بعد سلسلة من الانقلابات ، ومحاولات الانقلاب ، والصراعات الكيدية ، والقمعية ، استقروا في العقود الأخيرة من القرن الماضي ، على التغيير السياسي السلمي . وعلى أن تجري التجاذبات فيما بينهم .. مهما اشتدت معادلاتها المؤلمة .. تجري ضمن هذا الإطار . بدلالة أن هناك الآن ، مواطنون وعاديون ، وسياسيون كثيرون ، قد كانوا ، وهم الآن ، في حالة صدام سياسي ، أو مسلح مع النظام ، تداعب مخيلتهم ، أفكار العودة إلى زمن ما قبل الحرب .. شرط ضمان أمنهم وحريتهم ، لوقف هذا السيل الجاري بلا توقف من الدم ، والحرص على ما تبقى من العمران .. ومن مؤسسات الدولة .. واستعادة الأمن والأمان .. وتوفير اللقمة الكريمة للجميع .

تدعم هذا التحول في مواقف المتحاربين وغير المتحاربين العقلاء ، بعد أن استقرت الآراء حول فشل الحرب ، وفقدانها لصلاحياته في سوريا والإقليم وعلى المستوى الدولي وبدأ التفكير جدياً ، ومصلحياً ، عند الجميع ، كيف ستون سوريا ما بعد الحرب . .. سوريا أخرى هي ليست على علاقة بشيء مع سوريا ما قبل الحرب . وخاصة ببنيتها السياسية الحاكمة والمعارضة ، المثيرة للتنابذ فيما بينها في الداخل والخارج . وهي ليست سوريا ما بعد الحرب .. جديدة .. " مودرن " . ذلك أن ما في الأمر الواقع ، من مقومات ودلائل ، هو سوريا المثخنة بالجراح الأليمة النازفة ، التي تحتاج إلى إرادات .. وعقول .. وقوى جديدة . وهذا المستوى من الحاجة المعقدة ، يفتح مرحلة جديدة من الصراعات ، حول شكل ومضمون مرحلة سوريا ما الحرب .

لقد عشنا مع سنوات الحرب .. سنوات من المحادثات .. والمفاوضات ، في عواصم عدة ، حول ما سمي " الحل السياسي " لكن هذا الحل لم يأت . وكان كل ما قيل ، وما طرح بأشكال عدة ، بين السوريين في تلك المرحلة .. نريد السلطة .. ولمن ستكون السلطة . وكان الفشل بالمجمل هو النتيجة المتواصلة .. في جنيف وأستانا واستانبول .. وغيرها . ما يتطلب أن توضع تلك الجولات من الجدل ، السوري ـ السوري ، البيزنطي خلف الظهر ، والبدء في البحث عن جواب وطني سياسي عقلاني وأخلاقي عن جواب على سؤال .. لمن سوريا ؟ .. هل هي للأحزاب ، وأصحاب المنصات المعارضة ، والزعامات المتضخمة المتنافخة ، والعملاء للأجنبي ؟ .. أم للشعب كله .. الشعب المتآخي ، الديمقراطي ، الموحد ، الحضاري ؟

اللافت في جدال السنوات السبع " الخلبي " أن الأجنبي .. الصديق .. وغير الصديق .. الدولي ، والإقليمي ، كان الشريك المباشر وغير المباشر في الوصول إلى الفشل . وذلك لعدم توصل أطرافه اللاعبة الأساس ، إلى تفاهمات مشتركة لأمنها ومصالحها ونفوذها في سوريا والشرق الأوسط .ويجري إلقاء اللوم المتبادل في الفشل أيضاً بين الداخل والخارج . فيما رحى الحرب تطحن عظام السوريين البسطاء ، العزل ، وأطفالهم .

بعد مساع ، وأنشطة دبلوماسية واسعة ، يقال أن هناك شبح مشروع " لحلحلة " الأوضاع السورية ، بإقامة مناطق سورية متحاربة ، يطبق فيها " تخفيف التصعيد " بمعنى الهدنة ، بإشراف دولي ، أو سوري دولي ،يتم فيها وقف القتال ، وفتح المجال لإيصال المساعدات . ما قد يؤدي إلى فتح المجال أيضاً ، لمحادثات سلام بين السوريين . ومن المشرفين على تطبيق هذا المشروع هم ، أميركا ، وتركيا ـ وروسيا ، والأردن ، وإيران ، وسوريا .


الملاحظات المطروحة ، بعد قراءة التسريبات حول المشروع . أن هناك مخاوف من أطماع أردوغان ، وترامب ، والقوى الانفصالية . سيما ، وأن لكل هؤلاء المذكورين قوى عسكرية مسلحة ، تملك القدرة على الحركة في الأراضي السورية . وأن هناك معوقات عديدة في عملية تنفيذه . أهمها .. أن المشروع يقر ويتعامل مع المناطق التي تدخل في عملية " تخفيف التصعيد " على أنها كيانات تحت الاشراف قائمة بذاتها . ما يؤسس لفكرة التقسيم ، حين حدوث خلافات وصراعات .. في وقت لم يجر التأكيد على سحب السلاح من المسلحين في المناطق . وما يثير الجدل حول علاقة هذه المناطق المتبادلة مع سلطات الدولة المركزية . وعلاقة المناطق مع مع دول خارج الحدود .. وما يلفت أيضاً إلى مصير علاقات تشكيلات ، ومنصات المعارضة ، ومسمياتها الأخرى ، وإلى خرائطها السياسية والاقتصادية .

ولتجنب كل ذلك ينبغي ، إنهاض دور القوى الوطنية ، وتحديد موقفها من مشروع الهدنة الجديدة . وعدم ترك الأجنبي ، يتصرف بحصر القرارات ، في الشأن السوري بقواه وحده . واتخاذ التدابير ، لتدارك أي انزلاق سيء أو نحو الأسوأ .
ودون أدنى ريب ، أن سوريا القادمة ، تحت مظلة " تخفيف التصعيد " . لن تأتي جاهزة .. وبسرعة .
حتى إذا استمر مسار تخفيف التصعيد كما هو مرجو منه ، سيكون أيضاًمن الصعوبة بمكان ، وضع خريطة سورية جغرافية ، سياسية ، اقتصادية ، سكانية ، واحدة ، إن لم يتحمل كل الوطنيين الشرفاء .. والأصدقاء والحلفاء الأوفياء مسؤوليتهم .. بالحفاظ على وحدة سوريا أرضاً وشعباً .

إن الشعب السوري .. يريد إيقاف الحرب .. والتحرير .. والسلام .. والحرية .. ومستوى معاشي كريم



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن