دراسةأدبية / دالة الاغتراب في بنية النص عند الشاعر صلاح حمه أمين

هشام القيسي
Hquisy54@yahoo.com

2017 / 8 / 7

هشام القيسي


دالة الاغتراب في بنية النص عند الشاعر صلاح حمه أمين


كرؤية يأخذ النظام الاجتماعي مداه ورصانته من قوة الأواصر الرابطة وأي متغير يمس العلاقة الطردية كمدخل ينعكس كمخرج يساهم في عملية اضطراب المنظومة الاجتماعية بين الأفراد وما يترشح عنها من مؤشرات سلبية تتأشر وفق مفاهيم عديدة كالانعزال والاغتراب ، من هنا ندرك آثارها وانعكاساتها وتأسيسا على هذا فالشاعر هنا يواجه شرخا يجرفه صوب جوفه :
( يقذفني
شظية تنشطر
شظيتان .. شظايا
على بقاع
خارطة المجهول
أتوزع ... ) قصيدة موطئ حلم
والغربة عن المحيط تمثل الإحساس المقيت الدافع بإتجاه الهوة التي تظهر دلالاتها ومعانيها ، وهذا اليقين الحزين يترك ترسباته ومشاعر الاغتراب المانعة للتفاعل :

( أبي في المرة القادمة
هل ستكون معنا ؟
لهنيهة ..يسحقني سؤالها
أتردد
وأقول :
إذا كان لي موطئ
سأكون ) .كـــــــــــذا .

ففي هذا النص والذي سبقه تتوافق دالات التردد ، التشظي ، المجهول .... لتندرج تحت مفاهيم اجتماعية وفلسفية يمكن تأطيرها باللامعيارية والتشيؤ . وهنا يمكننا أن نستنتج طبيعة فهم الشاعر للعلاقة بين الحرية والضرورة إضافة إلى سياقات العلاقة بين الذات والموضوع وكأني به يدين المجتمع الذي يمارس قهرا عليه ، وهذا ما ذهب إليه دوركهايم في تناوله لظاهرة الاغتراب .
ووفق ذلك فان شعور الشاعر بالمخرجات السلبية تجعله يفقد مشاعر الانتماء بإتجاه التمرد عليه ودالات الأمر تنطوي عليه مفردات ( متاهة المخاض – الحلم – منافذ متسخة بالسراب – الهروب – الأحلام – الارتعاش – الغربة ) مايجعل تشكيله الشعري حادا :

( في متاهة المخاض
أمتطي صهوة الحلم
ومن منافذها المتسخة بالسراب
أرحل
هاربا من أجنات أحلامي
ومن دروب الارتعاش
في كفي
للغربة أفتح
جسورا وممرات ... ) قصيدة متاهة
وهكذا يتقطر نزفه عبر بؤس يقوده لمتاهات :
( إنها متاهة أخرى
تحمل غربتي للمتاهات
وترحل ... ) كـــــــــــــذا .

وبين الأنا وتشتتها نحس أزمة الشاعر ورؤية هويته في البحث عن ذاتية يتطلع إليها وفق ما يصبو إليه ، ففي تعاطيه مع مثيرات واقعه وبالتالي استقبالاته يكاد المدلول من تدفقاته الشعرية وصداها هو المآل الذي يبتغيه تعبيرا عن المكنونات الذاتية المتقدة بمخرجات بنية الواقع المادي :

( .. أمتطي صهوة الجياد
لأدنو من كوة لا تنمو الأحلام فيها
وأعبر تاريخا على رفوفه
نضدت أحلامي جسورا يمتطيها العميان
علهم يعبروا لبحيرات تصلبت شرايينها
ويدوروا في فلك سراديب عفنة
شوهتها الفئران
في عفونتها اكتشفت عبث الأشياء
وعبث البحث عن الرموز . ) قصيدة عبث

ولعل قصيدة ( طنين وطن ) تقارب ذاتية الشاعر بحرائقها ورؤياها ونسقها الفكري عبر تشكيل نصي مثير بعناصره ومدلولاته :

( وطن ...
من إعصار وطوفان
تنام في ثنايا جلده حروب مغلفة
ببيادق جند وبيادق سلام ،
قبته هامة للموت
من بين شعابه ينزلق ملاك أعمى
مكدسا وقته للهلاك
حوله جنرالات ونياشين
يمشطون بالنار أتربة الروح ... )

لذلك أضحت مرارة الاغتراب والمعاناة مدعاة للنفور ومشهدية للألم المفتوح عبر نفس سردي ودرامي . تتكون القصيدة من ( 22 ) مقطعا يمكننا استكناه الدالات عبر مفردات مثيرة وملفتة للنظر :

صخب – انهماك – عسكرة – أشلاء – طرد – ازمة –استغلال – مآسي - قتل – استباحة – قرف – هزيمة – استغلال – تصدع – موت – استلاب – ضياع –اغتصاب – دمار - طيش - استغلال –– عدم . وعبر تدفقات شعورية وشعرية لا تقتصر على الإيحائية فحسب بل على الإدانة والاستنكار وفق مسار يشهر وجعه ونبضه العميق :

( وطن
منذ عقود
يزرعون في أحشائه
ألغاما
وقنابل موقوتة
لا تنفجر
إلا
به ... )


و


( وطن
ينفي كل يوم
أقماره )

و

( وطن
يفتش كل يوم
عن حلم يأويه
ويسجل أحلاما في سجل الوفيات )

فتكرارية المفردات ، الوطن مثلا – 23 تكرارا – هي إشهار لإحصائية نازفة عبر صورية شعرية تجسد تشظيه مما يلزمنا القول إنها عنقودية التشظي أيضا في مقاربات أحاسيس الشاعر إمتداداوإتساعا .
ان سياط الواقع بإيقاعه الصارخ والأحاسيس المأزومة والتأملات السالبة التي يئن في ضلها الشاعر تكاد تتبلور وإلى حدود في إتجاه تأنيب المكان كحيز مأهول بالظلم لم يعد جديرا بالتوافق :

( وطن
يستلم الهول والموت
حصصا عبر بطاقات التموين
- يصرف الموت بأسعار البارحة –
وحل
ينبت أشباه رجال
وصعاليك
وحول آسنة
تتجمع فوق الأرصفة
وفي الشوارع
والأزقة
وطن للبعوض
والخبل ) .

فالشاعر في هذه القصيدة يفعل شعريته عبر لغة يكون الضمير الغائب والضمير المخاطب مسارا لنمطية العلاقة وفق سياق ومشهد وصيرورة مشحونة تشرعن دالات التقابل . إن اغتراب الهو يتجسد في حالة الاستلاب ، سلب الحرية ، ووقوع الأنا تحت قهر الواقع الاجتماعي وسوط الأنا الأعلى والحالة هذه مدعاة للشاعر للبوح بفقدان حريته ووقوعه تحت طائلة الهدر والقهر . وبهذا فمحمولات الشاعر وطروحاته تأخذ مدياتها من إثاراتها الشعرية وعليه فإن اكتشاف ذاته الناقدة في نفس سردي كما في هذه القصيدة وقصائد أخرى هي من مؤشرات نزعته الشعرية البارقة .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن