الحراك الشعبي وأزمة النسق السياسي المغربي

عبد الله الحريف
abdallah.elharif@team-maroc.com

2017 / 7 / 29


مساهمتي في ندوة “الحراك الشعبي وأزمة النسق السياسي المغربي”

مقدمة:
أريد، أولا، إعادة صياغة عنوان الندوة للاعتبار التالي:
-الأزمة تحيل إلى وضعية محجوزة ومأزق، بينما، في الواقع، هناك وضع يتميز بالدينامية النضالية وتسارع وتيرة الأحداث ووعي متنامي للشعب بأعدائه ومناوراتهم وبفقدان الثقة في أجهزة الدولة ومؤسساتها المختلفة. يمكن أن نقول أن النسق الرسمي بكل أبعاده السياسية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية( وليس النسق السياسي وحده) يتآكل شيئا فشيئا والنسق الشعبي المضاد والبديل لهذا النسق الرسمي يتشكل شيئا فشيئا. صحيح أن القديم يصارع من أجل البقاء وقد يصيبه السعار وأن الجديد يعرف ولادة عسيرة نعيش، الآن، إحدى مخاضاتها. لكن الجديد سيشق طريقه الذي لن يكون طريقا سيارا بل سيعرف منعرجات ومفاجآت وتقدم وتراجع.
1.حراك الريف:
أكد حراك الريف، بما لا يدع مجالا للشك، أن الحقل الرسمي أصبح في واد والشعب في واد. هكذا باءت محاولات الالتفاف على الحراك التي نفذتها أجهزة ومؤسسات النظام( البرلمان والحكومة والجهة والأحزاب المدجنة أو الممخزنة والمجالس المخزنية المختلفة) و”شخصيات” مرتبطة به بالفشل.
كما تأكد السقوط المدوي للكلام المتهافت عن الاستقرار والاستثناء المغربي. وظهر واضحا سدادة ما طرحه النهج الديمقراطي من أن المنطقة، ومن ضمنها المغرب، تعيش سيرورات ثورية تعرف لحظات من المد وأخرى من الجزر، لحظات من الغليان وأخرى من الهدوء. هكذا اعتبرنا، منذ أن تم “طحن” محسن فكري، أننا أمام الموجة الثانية من السيرورة الثورية التي أطلقتها حركة 20 فبراير والتي يجب احتضانها والانخراط فيها بكل قوة وحماس. وما صمود حراك الريف وتمدده ليشمل العديد من مناطق البلاد إلا برهان على ذلك.
إن صمود حراك الريف وقدرته على تعبئة الريفيين والريفيات في المغرب والمهجر يؤكد ما طرحته منظمة “إلى الأمام” في أواسط ثمانينات القرن الماضي حول خصوصيات بعض المناطق( الريف، سوس، الأطلس المتوسط) حيث لم تكن البنيات القبلية قد تعرضت، قبل مرحلة الحماية، لنفس مستوى التفكيك بفضل استقلالها النسبي عن سلطة المخزن مما مكنها من الحفاظ على وحدتها ومن خوض صراع مسلح وقوي ضد الاستعمار( ملحمة الريف، حركة الهيبة في الجنوب، كفاح موحا وحمو الزياني في الأطلس المتوسط). هذه المناطق عانت، خلال مرحلة الاستعمار، من التهميش لكونها حاربته بقوة وكذلك خلال مرحلة الاستقلال الشكلي لكونها تناهض المخزن( انتفاضة الريف في 1958-59 التي قمعها النظام بوحشية لا مثيل لها في ظل صمت و تواطؤ أحزاب الحركة الوطنية التي كانت في الحكومة التي يرأسها عبد الله إبراهيم، انتفاضة يناير 1984، حركة 20 فبراير). إن حراك الريف هو استمرار للنضال التاريخي لقبائل الريف ضد الاستعمار والمخزن المفترس وضد محاولاته طمس الهوية الخاصة للريف. ورفض قيادة حراك الريف التعامل مع الأجهزة والمؤسسات و”الشخصيات” المخزنية تعبير عن استبطان دروس الصراع التاريخي لهذه المنطقة ضد المخزن.
ومن الملفت للانتباه، الدور الأساسي الذي يلعبه الشباب، وخاصة المعطلين أو في وضع الهشاشة. وهؤلاء هم قادة الحراك والمثقفين العضويين للريف.
وإذا كانت الحراكات المختلفة الجارية الآن في العديد من مناطق البلاد تطرح، بالأساس، المطالب الاجتماعية كتعبير عن التردي المهول للأوضاع الاجتماعية للأغلبية الساحقة من الشعب المغربي، فإنها، ستصطدم، بالضرورة، بعجز النظام على تلبية هذه المطالب، خاصة وأنها لم تعد مقتصرة على منطقة الريف بل أصبحت تطرح المطالب الاجتماعية للشعب المغربي قاطبة. لماذا؟
°لأن أزمة الاقتصاد المغربي الهيكلية ( اقتصاد هش يرتكز إلى تصدير الخامات وأنشطة صناعية وخدماتية هشة وذات قيمة مضافة ضعيفة) تتعمق، خاصة مع انعكاس أزمة النظام الرأسمالي العالمي على الاقتصاد المغربي التبعي وتراجع مدا خيل المهاجرين والاستثمارات الأجنبية ونضوب مساعدات الخليج الذي دخل اقتصاده في أزمة بسبب انخفاض سعر النفط والنفقات الهائلة على الحروب والجزية المقدمة للإمبريالية الأمريكية. مما أدى إلى غرق البلاد في المديونية.
°وأيضا بسبب الافتراس والنهب الذي يتعرض له من طرف الإمبريالية، وخاصة الفرنسية، والكتلة الطبقية السائدة والمافيا المخزنية التي تستفيد من كل أشكال الفساد( الريع، تهريب الأموال إلى الخارج، الرشوة، الصناديق السوداء…). ومما يجعل النظام، إضافة لما سبق، عاجزا على تلبية المطالب الاجتماعية ضرورة أداء مستحقات الديون مما يفرض عليه خفض النفقات العمومية الموجهة لمعالجة القضايا ا لاجتماعية وبالتالي تصعيد سياسة التقشف( التحضير لتعويم الدرهم الذي سيؤدي إلى انخفاض قيمته وبالتالي الغلاء بسبب اعتماد البلاد على الواردات، المزيد من تصفية الخدمات الاجتماعية، الزيادة في الضرائب…) والزيادة في نفقات الأمن بذريعة محاربة الإرهاب وفي الحقيقة من أجل كسر شوكة النضال الشعبي المتنامي. ويضل الخيار الوحيد للنظام هو الاستمرار في المناورات وإعطاء الوعود الكاذبة التي سيتنكر لها ما أن تخفت جذوة النضال الشعبي وتصعيد القمع ضد الحركات الاحتجاجية في محاولة لاستنزافها.
وكما طرح ذلك مؤتمرينا الوطنيين الثالث والرابع يشكل المخزن، وخاصة نواته الصلبة المافيا المخزنية، العقبة الكأداء أمام أي تقدم اقتصادي واجتماعي وسياسي وثقافي وديمقراطي.
فالمافيا المخزنية- والتي تتشكل من كبار المسئولين الأمنيين والعسكريين والقضائيين والإداريين والسياسيين والدينيين والعديد من رجال الأعمال وكبار مقاولي “المجتمع المدني” الرسمي ورؤساء المجالس الرسمية المتعددة وبعض كبار المسئولين النقابيين وغيرهم…- ممن لهم نفوذ وسلطة أو قرب منها، فتتحكم في جزء هام من الاقتصاد الوطني بواسطة مختلف أنواع الرشوة والريع والاحتكار والممارسات ذات الطابع المافيوي.
ومن الواضح أن استمرار ونمو المصالح الاقتصادية للمافيا المخزنية يتم على حساب الأغلبية الساحقة للشعب المغربي، بما في ذلك البرجوازية الكبيرة الغير مندمجة في هذه المافيا. ومن البديهي أيضا أن الكلام عن التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمجالية مجرد كلام فارغ في ظل هيمنتها. وبسبب مراكمة هذه المافيا للثروة بفضل مواقعها في السلطة وبشكل لا شرعي ولا مشروع، فإنها ستدافع حتى آخر رمق على نفوذها وامتيازاتها الضخمة وستحارب بكل ما أوتيت من قوة وجبروت أي انتقال ديمقراطي حقيقي لأنه سيؤدي إلى محاسبتها على جرائمها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. إنها تشكل الحلقة الأضعف في الثالوث الملعون( الامبريالية، الكتلة الطبقية السائدة، المخزن) وألد وأشرس عدو لشعبنا يجب أن توجه كل الطاقات للشعب المغربي وقواه الحية من أجل عزلها وإسقاطها.
لقد أصبح شعار التخلص من المخزن وبناء نظام ديمقراطي شعارا تلتف حوله أغلبية الشعب المغربي وهو الشعار الذي يوحد النسق البديل والمضاد للنسق الرسمي.
النسق الرسمي يتآكل:
لقد بدأ النظام يقطف الثمار المرة لسياساته المبنية على الاستفراد بالسلطة والهيمنة المطلقة على النسق الرسمي بكل أبعاده السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ومحاربته الشرسة لأية معارضة حقيقية. هكذا جعل من مختلف الوسائط( الأحزاب الممخزنة، النقابات المدجنة، الجمعيات المدللة، البرلمان، الحكومة، المجالس البلدية والاقليمية والجهوية، المجالس المتخصصة…) مجرد أدوات تأتمر بإمرته مما أفقدها أية مصداقية وحولها إلى كراكيز لا تأثير لها على الشعب وجعل النظام يواجه النضال الشعبي عاريا.
إن المسئولية الأساسية على هذا الوضع الفاسد تقع على النظام. فهذا الوضع نتيجة منطقية للسياسات التي انتهجها النظام لعقود ولا زال ممعنا في تطبيقها. أما الحركة الوطنية، فتتحمل جزءا من المسئولية لأنها قبلت، خلال مرحلة الحماية وبعدها، بتوافقات غير واضحة وفوقية مع المخزن جعلتها تصبح ذيلية له( الموقف من مفاوضات إيكس لي بان، الإجماع حول الصحراء، التناوب “التوافقي”).
إن هذا الوضع حصيلة سياسة ممنهجة طبقها المخزن بقيادة الملكية من أجل الاستفراد المطلق بالسلطة.
هكذا فمنذ حصول المغرب على الاستقلال الشكلي، والنظام يركز على تقوية ذاته مستفيدا، إلى أقصى الحدود، من الشرعية التي اكتسبها من خلال رفضه، في نهاية مرحلة الحماية، الامتثال لأوامر الآمبريالية الفرنسية( رفض توقيع الظهائر) ونفي العائلة الملكية، وذلك من خلال:
°بناء أجهزته الأمنية والعسكرية التي شكلها من بعض خدام الاستعمار( اوفقير، الجنرال الكتاني والمارشال أمزيان وغيرهم) ومن أعضاء من المقاومة وجيش التحرير الذين لم تكن الحركة الوطنية كقيادتهم السياسية قادرة على طرح بديل لنظام الاستعمار الجديد أو الذين تم إغراؤهم من خلال الحصول على امتيازات و/أو تبوء مراكز مهمة في هذه الأجهزة.
°تحييد أو تصفية، بمساعدة القوى الاستعمارية ( دور الاستخبارات الفرنسية والأمريكية، عملية إيكوفيون في الجنوب والصحراء) وصمت، إن لم يكن تواطؤ الحركة الوطنية، أواخر خمسينيات القرن الماضي المناضلين داخل المقاومة المسلحة وجيش التحرير الذين ضلوا أوفياء للنضال من أجل تحرر البلاد من الإمبريالية وإسناد الكفاح المسلح للشعب الجزائري، مستفيدا من التناقضات بينهم وبين الحركة الوطنية ومسعرا لها. ولا بد هنا من الإشارة إلى مكيافيلية النظام حيث في ظل حكومات “الوحدة الوطنية” تم منع الحزب الشيوعي المغربي وقمع انتفاضة الريف سنتي 1958-59 بوحشية لا تتصور في ظل حكومة عبد الله ابراهيم.
-تحييد الطبقة العاملة من خلال ترويض الاتحاد المغربي للشغل وتقديم تنازلات( الإتفاقيات الجماعية، قانون المنجمي،،،).
°توطيد علاقة التبعية للامبريالية، وخاصة الفرنسية.
°السعي المستمر إلى تفتيت المشهد السياسي من خلال تفريخ الأحزاب وتلغيمها واللعب على التناقضات داخلها و تخريب أدوات النضال الشعبي من خلال تقسيم النقابات المناضلة وإغراء قياداتها وتشجيع خلق نقابات جديدة و تمييع العمل الجمعوي وإغراقه بجمعيات تابعة له.
°تطبيق سياسة ذكية إزاء الحركة الوطنية تمثلت في:
على المستوى الاقتصادي:تنازل شكلي ومؤقت للبرجوازية الوطنية التي يمثل مصالحها حزب الاستقلال والبرجوازية الصغرى التي يمثل مصالحها الاتحاد الوطني للقوات الشعبية حيث سمح النظام بتطوير بعض القطاعات الصناعية التي لا تمس جوهر التبعية للامبريالية مستفيدا من أوهام البرجوازية الوطنية بإمكانية تطور رأسمالي مستقل ومن أوهام البرجوازية الصغرى التي لم تكن ترى التنمية إلا بطرق تقنوقراطية. وخلق آليات لمواكبة هذا التوجه( البنك الوطني للتنمية الاقتصادية، مكتب الدراسات و المساهمات الصناعية، الشركة الوطنية للاستثمار).
وعلى المستوى السياسي، تسعير التناقضات وسط حزب الاستقلال ثم بين حزب الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية وإضعاف الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بواسطة ضرب التوجهات الجذرية داخله( المقاومة المسلحة وجيش التحرير) وترويض الجناح النقابي( الاتحاد المغربي للشغل) وتقوية التوجه الإصلاحي والتقنوقراطي داخله. وقد ظهر ذلك جليا أواسط ستينيات القرن الماضي حيث عجز الاتحاد الوطني للقوات الشعبية عن الرد على القمع الدموي لانتفاضة الدار البيضاء في 23 مارس 1965 وإعلان حالة الاستثناء واغتيال المهدي بن بركة في 29 أكتوبر 1965 .
وقد غطى النظام على هذه السياسات بشعار ضرورة الوحدة الوطنية للتصدي لما كان يسميه “الجهاد الأكبر” (أي التنمية الاقتصادية والاجتماعية) بعد “الجهاد الأصغر” ( أي النضال من أجل الاستقلال).
وللتدليل على المستوى المتقدم الذي وصله تعفن النسق الرسمي وليست أزمته، ومسئولية النظام، نسوق بعض المعطيات:
لقد أظهرت انتخابات 7 أكتوبر 2016 هشاشة الحقل الرسمي وعدم قدرته على التأطير، فرغم توفر البلاد على أكثر من ثلاثين حزبا ورغم الحملات الرسمية والحزبية القوية لحث المواطنين( ات) على التصويت والدعم الذي قدمه الشيوخ والمقدمين ورغم توفر لنظام على العديد من الوسائط( جمعيات، زوايا، قيادات نقابية، خطباء المساجد، المستفيدون من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية…)، لم يشارك في الانتخابات بأصوات صحيحة إلا 20 في المائة من الكتلة الناخبة ولم يستطع النظام التحكم في الانتخابات رغم تحكمه في قوانينها وفي التقطيع الانتخابي ، مما جعله يلجأ إلى الخطة البديلة رغم كلفتها السياسية بإزاحة بن كيران وتعيين أحد المقربين منه مخاطبا له في حكومة لا يتحكم فيها رئيسها و لا تحكم وإنما فقط تدبر قرارات المخزن وتحرص على حسن تنفيذها.
-النسق الشعبي المضاد يتشكل:
بموازاة مع تآكل النسق الرسمي في جميع المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية بدا النسق المضاد يتشكل، خصوصا منذ انطلاق حركة 20 فبراير التي كسرت جدار الصمت والخوف وجعلت الجماهير الشعبية تدرك قوتها الهائلة.
غير أن تهيكل النسق البديل ليس عملية تلقائية، بل يتطلب عملا مكثفا ومثابرا لكل القوى الديمقراطية والحية. ويعمل النهج الديمقراطي بصبر وإصرار من أجل المساهمة في تشكل النسق الشعبي المضاد للمخزن. لذلك لن يدخر جهدا، رغم اشتراطات القيادة المتنفذة في فيدرالية اليسار الديمقراطي، للمساهمة في بناء جبهة ديمقراطية يشكل اليسار عمودها الفقري ويتمثل هدفها في تأمين المسار للبناء الديمقراطي بعد التخلص من المخزن، ويعتبر أن فيدرالية اليسار الديمقراطي والنهج الديمقراطي والتيارات الماركسية وحزب الأمة من القوى المرشحة لهذه المهمة بالإضافة ربما إلى التيارات اليسارية داخل الاتحاد الاشتراكي وداخل حزب التقدم والاشتراكية. ويسعى، في نفس الآن، إلى بناء حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين والعمل على توحيد القوى والتنظيمات الماركسية بمختلف مشاربها الإيديولوجية التروتسكية والماوية واللينينية في افق بنائه وحدد المؤتمر الخامس كموعد للإعلان عنه. ومن المهام الأساسية المطروحة بناء جبهة ميدانية للنضال من أجل التخلص من المخزن تتشكل من القوى الديمقراطية السالفة الذكر بالإضافة إلى جماعة العدل والإحسان التي نشأت كحركة إسلامية بنفس صوفي معارضة للنظام أصبحت تتبنى مواقف سياسية واضحة وتناضل إلى جانب الحركات السياسية العلمانية من أجل المطالب الشعبية المشروعة وللتخلص من المخزن.
ويمكن للجبهتين بالإضافة إلى المكونات السياسية أن تضم الحركة النقابية المناضلة والحركة الأمازيغية الديمقراطية والحركة النسائية الديمقراطية والحركة الثقافية الديمقراطية والمجتمع المدني الديمقراطي المستقل على المخزن. وتمثل الحراكات الجارية حاليا روافد مهمة لهاتين الجبهتين.
وفي هذا السياق، يساهم النهج الديمقراطي بقوة في الصراع الدائر من أجل دمقرطة النقابات وخدمتها لمصالح الطبقة العاملة والشغيلة( هذا الصراع واضح في إمش وكامن في كدش). ونعتقد أن نضال المناضلين(ات) الديمقراطيين(ات) قادر على إعادة هيكلة الحركة النقابية في إطار النسق المضاد للعب دورها الطبيعي في النضال من أجل مطالب الشغيلة المادية والمعنوية وضد المخزن ومن أجل الديمقراطية.
ويعتبر النهج الديمقراطي أن التنسيقيات سواء الفئوية أو الموضوعاتية أو حول مشكل محدد( الحركة ضد غلاء فواتير الماء والكهرباء وندرة مياه الشرب وضد الاستيلاء على الأراضي الجماعية…) وكذا تنسيقيات الدفاع عن الشأن المحلي وغيرها من الحركات الشعبية ، روافد مهمة للجبهتين الديمقراطية والميدانية يجب على القوى الحية أن تنخرط بقوة في نضالها وأن تسعى إلى إنجاح معاركها وأن تحتل موقعها في النضال العام ضد المخزن ومن أجل الديمقراطية.
خلاصة:
إن التقدم في تشكل النسق الشعبي البديل يتطلب ما يلي:
-تجاوز الخلافات والصراعات الثانوية والتركيز، الآن وهنا، على العدو الأشرس وهو المخزن، وخاصة المافيا المخزنية. وهو ما يعني تسييد الثقافة الوحدوية في مواجهة سياسات “فرق تسد” التي يتفنن فيها المخزن. ولإضعاف المافيا المخزنية، يجب النضال من أجل عدم الإفلات من العقاب في الجرائم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ومن أجل دستور ديمقراطي يقطع مع الدساتير الممنوحة ويعبر عن الإرادة الشعبية ويبلوره مجلس تأسيسي يمثل القوى الحية.
-تجنب السقوط في الأخطاء السياسية الأساسية التالية:
°عزل حراك الريف عن نضال الشعب المغربي ضد المخزن ومن أجل الديمقراطية والعيش الكريم والحرية. فالانتصار على المخزن يتطلب وحدة نضال الريف وباقي المناطق المهمشة من أجل رفع التهميش عنها مع نضال الطبقة العاملة وعموم الكادحين من أجل القضاء على الاستبداد والاستغلال في بلادنا. وذلك مع الاعتراف بخصوصية هذه المناطق وهويتها التي لا تقتصر على الاعتراف بلغات وثقافات هذه المناطق، بل تتعداه للنضال من أجل أن تتوفر هذه المناطق على أقصى قدر من التسيير الذاتي يسمح بازدهارها على كافة المستويات في إطار مغرب فيدرالي ديمقراطي.
°عدم التمييز بين القوى التي تساند حراك الريف، ليس فقط بالتضامن معه، بل أيضا بالعمل على توسيعه لمناطق أخرى، وبين القوى التي تحاربه أو تحاول كبحه مع التظاهر بالتعاطف معه. إن وضع كل القوى السياسية والاجتماعية والجمعوية في سلة واحدة يساهم في تقسيم قوى الشعب المغربي ويضر بالتالي بنضاله من أجل الديمقراطية والتحرر الوطني.
°القبول بأنصاف الحلول: لقد أكدنا على أن بلادنا تعيش الموجة الثانية من السيرورة الثورية. والاستعدادات النضالية المهمة للشعب المغربي ووعيه أن المخزن هو عدوه المباشر الآن واقتناعه المتزايد بضرورة تنظيم صفوفه باستقلال عن المخزن وعن القوى التي تسعى للركوب على نضاله لتحقيق أهدافها الخاصة، كلها عوامل تبين أن هذه الموجة أكثر نضجا والتصاقا بواقع الشعب ومطالبه الملحة من الموجة الأولى وقد تؤدي إلى بداية تفكك المخزن شريطة عدم القبول بأنصاف الحلول.
لكن هناك من لا يزال يتوهم أو يريد إقناع الشعب، خدمة لمصالحه أوتماشيا مع أوهامه، بإمكانية التوافق مع المخزن. وهؤلاء بذلك، عن وعي أو بدونه، يعملون على إدامة سيطرته من خلال دفعه إلى تقديم تنازلات لن تكون سوى جزئية وترقيعية وشكلية. وتاريخ المغرب حافل بالمحطات التي تم فيها إجهاض نضال الشعب بسبب القبول ب”التوافقات” المزعومة والتي أدت كلها إلى تقوية وتوغل المافيا المخزنية. إنهم بالتالي يتحملون مسئولية إجهاض السيرورة الثورية في بلادنا، مؤقتا، أو، على الأٌقل، التشويش عليها وإضعافها بواسطة السعي إلى تقسيم صفوف الشعب بين “معتدلين” و”متطرفين” أو “رادكاليين” ومحاولة تسعير الخلافات بينهما.
فهل بعد كل ما راكمته القوى الديمقراطية والحية من تجارب وفشالات ونكسات، أساسا، بسبب جري البعض وراء توافقات وهمية مع المخزن نيابة عن الجماهير الكادحة التي في مصلحتها التغيير الحقيقي، ستكرر نفس الأخطاء وستترك هذه الموجة الجديدة من السيرورة الثورية تمر دون شق الطريق نحو تحرر شعبنا من المافيا المخزنية كمحطة نحو تحقيق التحرر الوطني والديمقراطية والعدالة الاجتماعية؟
الندوة من تنظيم “مركز الدراسات والأبحاث الإستراتيجية حول الديمقراطية والتنمية المندمجة” و”جمعية تافسيوت للتنمية”.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن