لا تلعب دور الضّحيّة!

نادية خلوف
nadia_khaloof@yahoo.com

2017 / 7 / 29

لا شكّ أنّ الكثير منّا يقعون ضحيّة للعنف الأسري، أو الاعتداء الجنسي، أو الإيذاء المقصود، وإذا اعتبرنا أنّ سوريا هي المثال الأوضح، وأن السّوريين جميعهم ضحايا الاعتداء على حياتهم. فلا بد لنا من أن ننظر إلى الموضوع من خلفيته الاجتماعيّة .
بغضّ النّظر عن الموضوع السّياسي، ومن هو على صواب، أو على خطأ ، فإنّه يمكننا القول أن بيئة المتنمّرين أو ما يدعى بالتعبير السّوري" الشّبيحة" هي بيئة تربت على العدوانية، وهؤلاء لا يخصون طائفة أو منطقة معيّنة، ولكن يمكن القول أن الأكثرية منهم هم من الذين اعتدوا على غيرهم، وأخذوا مكانه في الدراسة، أو أخذوا ملكه، أو ماله بطريقة ما. هم معتدون على الحقوق أوّلاً ، ولديهم مركب نقص من التّفوق، وتربوا ضمن الأسر التي تؤمن بالرّبح من جيب الآخر بأيّة طريقة كانت، وقد كانوا يقتصرون على طائفة رئيس النّظام حيث يتعالون على غيرهم، ويفخرون كيف أرسلوا شخصاً إلى التحقيق ووقف قرب التواليت طوال اليوم مع أنّه بريء، ولم يكن يظهر وجودهم في البيئات الأخرى كثيراً.
روى لي أحد ضحايا السجون السّورية، والذي سجن ثلاثة عشر عاماً بأنّ التّشبيح قيمة في تلك الأماكن، وتحدّث لي كيف كان أبناء حرّاس السّجن يأتون في يوم الجمعة كونه عطلتهم ، ويتسلون بضرب السّجناء، وتحدّث عن شابين تناوبا في الاعتداء على سجين مسنّ إلى أن وقع مشلولاً ، وعندما تكوّم دون حراك أصبحا يضربان كفاً بكف، ويسخران منه. إنّ التشبيح قيمة في بيئة ما، لكنّ القيمة تزداد لتعمّ جميع الأرض السّورية ففي كل الأمكنة التي يملك فيها فريق ما النّفوذ . يتباهى بطريقة القتل والتعذيب، وهذا المثال عن الحياة الاستثنائيّة. نعم نحن ضحايا، لكن علينا أن نكف عن النظر أننا ضحايا، ولا نخاف غضبنا بل نظهره ونستوعبه.
الكثير منّا يخاف غضبه، ويرى أنّه من الأسهل أن يظهر ضعفه ويعتمد دور الضحية، وأحياناً باللاشعور ينكر وجوده ، ويتوقع العدوان أو الأذى من الآخرين، وبدلاً من التعبير عن غضبه في مواجهة الإحباط، وبدلاً من الغضب. يتحوّل الأمر إلى الخوف وانعدام الثقّة بالآخر، والجرح من الآخر، والاحتجاج على عدم عدالة العالم ، وبعضهم قد يعزي الأمور إلى طفولته المعذبة، ولا يعترف بأنه راشد ويسيطر على حياته.
الأصوات الدّاخلية التي نتحدّث بها لأنفسنا باللاوعي، والتي تخبرنا دائماً أن الآخرين لا يأخذون مشاعرنا بعين الاعتبار، وأنّنا نتعرض للاستغلال، وأنّنا في نهاية المطاف ضحايا لا حول لنا ولا قوّة ، ونستمر في صفع أنفسنا ، ونصل إلى مرحلة يسوء داخلنا إلى درجة الرّغبة في الانتقام، ويصل الغضب إلى درجة لا تحتمل، وإن لم يستطع الإنسان الانتقام من الآخر ينتقم من نفسه.
لو عرفنا أن أصواتنا الداخليّة نحن من يستطيع توجيهها سوف نصل إلى المرحلة التي نتحمّل فيها المسؤولية عن مشاعرنا، وعن أفعالنا .
عندما يشعر الإنسان أنّه ضحيّة يصبح كالنمر المجروح، لذا عليه أن يغيّر الأصوات الدّاخلية التي تأمره ، فالأصوات الإيجابيّة ضروريّة للبحث عن مخرج إضافي، وقد يكون الحديث اإضافي بإيجاد طريقة للانتصار ضد الظّلم.
في تفاعلات المرء في الحياة العاديّة ، علينا أن لا نكون متطلّبين للتعاطف، لأنّ محاولة جلب أصوات متعاطفة يضر بنا وبتلك الأصوات حيث تنتقل لها طاقتنا السلبيّة.
أتيت بالحالة السّورية كمثل على التّنمّر، والاستمتاع بجعل الإنسان ضحيّة ، وهي ليست حالة تسود المواقف العادية في واقع ليس فيه حرب، وفي الحالة العادية علينا أن نعترف بالغضب كجزء من طبيعتنا ، وأنّنا قادرون عن التعبير عن مشاعرنا الغاضبة بطريقة بنّاءة.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن