أحدث جرائم الإعلام المصرى العلاج بالأمراض النفسية

سعيد علام
saeid.allam@yahoo.com

2017 / 7 / 29






أحدث جرائم الإعلام المصرى
العلاج بالأمراض النفسية


سعيد علام
القاهرة، الجمعة 28/7/2017


الشعب المُحبَط لا ينتصر ..
ظهرت فى العالم مدارس حديثة فى اساليب علاج الامراض، مثل العلاج الجماعى او العلاج بالموسيقى او بالرسم او بالتشخيص "التمثيل" .. الخ، إلا اننا فى مصر قد اكتشف اعلامنا المبجل اسلوب علاج جديد، العلاج بالامراض!، مثل العلاج بالشعور بالذنب او بالخوف المرضى الـ"فوبيا" .. الخ، انه اكتشاف علمى مصرى محض!.

كما تنتشر النار فى الهشيم، انتشرت يوم الاربعاء الماضى، فى الاعلام المصرى، الخاص والعام، المقروء والمرئى، "صرعة" الدعوة لنشر الخوف المرضى الـ"فوبيا" بين المواطنين المصريين!

وكعادة الإعلام الجاهل الفاسد، بمجرد ان طالب الرئيس السيسى من الإعلام ان يقوم بشرح وتوضيح المخاطر التى تهدد الدولة المصرية بالإفشال، من اجل إسقاطها، انطلق فيلق من الصحفيون والاعلاميون كالببغاوات يرددون، بدون ادنى قدر من الفهم او المسئولية، يرددون التعبير "الغير موفق" الذى ورد فى سياق كلام الرئيس، والذى كان مفهوماً من سياق الكلام انه تعبير مجازى، كما الكاريكاتير -، الهدف منه ابراز مدى الاهمية القصوى للموضوع، وهو تعبير "فوبيا الخوف من اسقاط الدولة"، - ونكرر هو تعبير غير موفق على الاطلاق -، وهو ما استشعره الرئيس عندما وصف هذا التعبير قبل ان ينطق به بانه "تعبير صعب اوى".

الا ان الصحفيين والاعلاميين الذين ينطبق عليهم "كمثل الحمار يحمل اسفاراً" رددوا بسبب جهلهم وفسادهم، فسادهم الذى يدفعهم للتسابق من اجل ارضاء السلطة - اى سلطة – رددوا فى الصحف والفضائيات بشكل هستيرى، انهم سيبذلون الغالى والنفيس من اجل ان ينشروا "فوبيا اسقاط الدولة" بين المواطنين المصريين!، حتى انهم لم يضبطوا الجملة كما جاءت على لسان الرئيس "فوبيا الخوف من اسقاط الدولة"، وانما استخدموا، - بلا استثناء -، الجملة كما امليت عليهم "فوبيا اسقاط الدولة"!، وهى جملة تؤدى الى معنى عكس المعنى الذى اراده الرئيس!، انها تعنى: ان القول بان هناك محاولات لاسقاط الدولة هو مجرد فوبيا، اى خوف مرضى، لا يمثل الحقيقة!، فالـ"فوبيا" هى مرض نفسى، هو الخوف المرضى المتواصل، اى الخوف المتواصل من اشياء لا تمثل خطراً حقيقياً، ولا تستدعى الخوف! .. انها خلطة الجهل والفساد معاً.

ليست المرة الاولى، ليست الجريمة الاولى .. قبلها وعلى مدى سنوات طويلة كان نشر "الشعور الجمعى بالذنب" لدى الشعب المصرى، كان ومازال، احد ابرز اساليب "العلاج بالامراض النفسية"، فعندما تفشل السلطة على مدى العقود السابقة فى تحقيق التنمية والعدالة، مبرر وجودها فى السلطة، تلقى بالمسئولية على الشعب الكسول كثير الانجاب!.
وعلى الرغم من ان مسئولية معدلات الانتاج وايضاً معدلات المواليد هى مسئولية الدولة، عبر خطط وبرامج علمية وآليات تنفيذ تتسم بالعدالة والشفافية، تلك التى بغيابها تصبح الامور كما نرى على مدى العقود الماضية، هذا الغياب الذى يتحمل مسئوليته بالكامل السلطة الحاكمة، وليس معدل المواليد، وليس ادل على ذلك من التقدم الذى حققته دول عديدة، بالرغم من ان تعداد سكانها اضعاف اضعاف تعداد سكان مصر!. الا انه رغم ذلك، يتم تحميل الشعب المصرى "ذنب" انخفاض معدلات الانتاج وزيادة معدلات المواليد!. لتولد لدى الشعب شعور جمعى عميق بالذنب، لان الشعور بالذنب قد يكون نتيجة ادراك خاص، قد لا يكون واقعيا او فكرة مكتسبة غير واقعية.

فمثلاً .. بخلاف الزيادة السكانية التى هى وفق علوم الاقتصاد السياسى ثروة بشرية، اغلى ثروات الوطن، اذا ما احسن اعدادها والاستفادة منها، وايضاً، بخلاف انخفاض معدلات الانتاج "البطالة المقنعة" والتى هى مسئولية ادارة علمية، وسياسات رشيدة، وتخطيط سليم،وتنفيذ ومتابعة نزيهة، بخلاف كل ذلك، نجد امثلة عديدة لتحميل الدولة مسئولية فشل السلطة للشعب او قطاعات منه ..
مثلاً، اكتساح ظاهرة الدروس الخصوصية التى تستنزف حوالى ثلث ميزانية الاسرة المصرية المتوسطة، والتى هى باختصار ناجمة عن تكدس الفصول الدراسية مما يستحيل معه التحصيل الدراسى، هذه المشكلة التى يمكن مواجهتها بحلول مبتكرة، وباهتمام حقيقى من الادارة السياسية بقضية التعليم، باعتباره قاطرة التنمية لأى مجتمع، الا ان هذا التكدس يتزايد سنوياً ولا يتناقص!. لكن بالرغم من ذلك، يجب تحميل الذنب للشعب او على الاقل لقطاع منه، فيصبح الذنب ذنب المدرسين الجشعين!.

مثل آخر .. خسائر تلفزيون الدولة التى تقدر بالمليارات والمستمرة منذ عشرات السنين، لا يتم تناولها الا من زاوية العمالة الزائدة فى ماسبيرو، متجاهلين الحقيقة الساطعة المتمثلة فى ان تلفزيون الدولة مصممة استراتجيته على اساس الدعاية المستمرة والمنتظمة للنظام وليست مصممة وفق اسس تجارية تعنى بالربح والخسارة، اضف إلى ذلك الفساد الادارى المستشرى فى ماسبيرو، كما فى معظم اجهزة الدولة. لكن بالرغم من ذلك، يجب تحميل الذنب للشعب او على الاقل لقطاع منه، فيصبح الذنب ذنب موظفى ماسبيرو الزائدين عن حاجة العمل!.

مثل اخر، وليس اخير .. يضحى عدد من الشباب المصرى بحياتهم فى رحلة الموت، المسماه ظلماً بالهجرة الغير شرعية، لا يمكن لمن يركب المركب وهو يعلم ان احتمال موته غرقاً، احتمال واقعى تماماً، مثل شباب قريته الذين سبق وان لاقوا نفس المصير، هؤلاء الشباب لابد انهم يهربون مما هو اقسى عليهم من الموت .. انه انعدام الامل .. الا انه بدلاً من انشاء مصانع والاهتمام الحقيقى بالزراعة، القطاعين الرئيسيين اللذان، هما فقط، من يمكنهما استيعاب ملايين العاطلين، بدلاً من ذلك يتم ادانة هؤلاء الشباب، فدائماً يجب تحميل الذنب للشعب او على الاقل لقطاع منه، فيصبح الذنب ذنب هؤلاء الشباب!.

لا تتقدم الامم بإفشاء الامراض النفسية بين مواطنيها ..
لن تتقدم الامة المصرية بالشعور الجمعى بالذنب، انه شعور مدمر يخلق حالة من عدم الرضى عن الذات، واول ما يدمر، يدمر الطاقة الروحية للامم التى بدونها لا يمكن لها ان تتقدم، وبخلاف تدميره لحياة الانسان الصحية والنفسية والاجتماعية والانتاجية، فانه يجعل الانسان نفسه، يتآكل من الداخل.
الشعور بالذنب شعور سلبى يترافق مع المشاعر السلبية الاخرى مثل الحزن والغضب والخوف انها مشاعر مترابطة، انه احد العلامات التى تكون حالة الاكتئاب. الشعور بالذنب والشعور المصاحب له بالندم يعيق التقدم للمستقبل.

كذلك، لن تتقدم الامة المصرية بإفشاء الشعور بالخوف المرضى الـ"فوبيا" بين مواطنيها، هذا الخوف المرضى المتواصل يجعل المواطن يشعر بالضيق والقلق لمعرفته بهذا النقص، ويمكن ان يؤدى الى الاكتئاب، ويكون المواطن غالباً مدركاً تماماً ان الخوف الذى يصيبه غير منطقى!.

تتقدم الامة المصرية عندما، يتسامح مواطنوها مع انفسهم، ويتملكهم شعور قوى بعزة النفس، عكس الشعور المتدنى بالذات الذى يخلقه الشعور بالذنب.
تتقدم الامة المصرية عندما، يزيح شعبها عن صدره الشعور بالذنب، وان يرفع رأسه لانه مصرى.
تتقدم الامة المصرية عندما، تستنهض السلطة السياسية انبل ما فى الشعب المصرى، وتركز على نقاط قوته.
تتقدم الامة المصرية عندما، تعمل السلطة السياسية على إضعاف عامل الخوف لدى المواطن، وبان تجعل المواطن يواجه العامل الذى يسبب مخاوف له، بالمواجهة المباشرة والمتكررة حتى يشعر المواطن انه لا يوجد خطر حقيقى من مخاوفه، وليس العكس.

انها مسئولية الاعلام الوطنى، وقبله، القيادة السياسية.


سعيد علام
إعلامى وكاتب مستقل
saeid.allam@yahoo.com
http://www.facebook.com/saeid.allam
http://twitter.com/saeidallam



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن