حتى لايعود الدواعش لمدن العراق المحررة بوجه آخر.

جعفر المهاجر
jaafar_almuhajer1944@yahoo.com

2017 / 7 / 21

حتى لايعود الدواعش لمدن العراق المحررة بوجه آخر.
جعفر المهاجر.
الإنتصار العظيم الذي حققه أبناء العراق النجباء الأشاوس في مدينة الموصل الحبيبة ضد أعتى وأشرس تنظيم إرهابي عالمي أثلج قلوب كل العراقيين المتطلعين لخلاص وطنهم من الإرهاب والفساد والطائفية والعنصرية، والصراعات الحزبية على المكاسب الضيقة التي تميزت بها الأعوام الماضية التي تراكمت الثقيلة وطاتها عليهم دون أن يلوح في الأفق أي بصيص من الأمل للخلاص منها وما زال الأمل يحدوهم عسى أن تفرز صناديق الإنتخابات القادمة عن طبقة جديدة من السياسيين الصادقين مع شعبهم، وتكون لكلمة المواطنة اليد العليا التي تقف بالضد من كل ماعلق بهذا الوطن من أمراض إجتماعية أدت إلى تدهوره وضعفه وتمكن الإرهابيين والمفسدين من نهشه دون رحمة .
ولم تكن تلك النكسة التي تعرض لها العراق في العاشر من حزيران عام 2014،والتي أدت إلى إزهاق الأرواح ، والخراب والتهجير القسري ، والآثار النفسية المروعة على الكبار والصغار إلا نتيجة لتنامي تلك الظواهر التي تبناها دواعش السياسة من أصحاب الخطاب الطائفي المدمر ، واللاهثين خلف المال الحرام على حساب الوطن والشعب مستغلين ضعف الحكومة ، وتنافر أعضائها وشركائها على طريقة كل حزب بما لديهم فرحون. وتفشى طاعون الفساد في جسد الدولة، وكان فرسانه وما زالوا يصولون ويجولون ، ويضعون العراقيل تلو العراقيل أمام أي إصلاح حقيقي. ولم يكن يوم الغزو الداعشي على العراق في العاشر من حزيران عام 2014 أقل هولا من الغزو المغولي بقيادة هولاكو خان في العاشر من شباط عام 1258م.
فالمغول دمروا مكتبة بيت الحكمة التي كانت تحتوي على الآلاف من أنفس الكتب التأريخية والعلمية وفي جميع مجالات الحياة، والدواعش فعلوا الشيء ذاته في الموصل حين دمروا مكتبتها المركزية التي تأسست قبل 67عاما، وأحرقوا كتبها ومخطوطاتها النفيسة التي يقدر عددها بـ 80 ألف . وكذلك دمروا متحفها التأريخي وما يحتويه من لقى وآثار تؤرخ بالصورة المجسمة حضارة العراق التي تعتبر أقدم وأعرق حضارة في التأريخ . وأحرقوا عشرات المساجد والكنائس والأوابد التأريخية وبلغ عددها 360 مسجدا ومقاما وأثرا حسب الإحصاءات الدولية إضافة إلى البنى التحتية للمدينة بضمنها آلاف المنازل. ونهبوا البنوك والممتلكات العامة والخاصة، وفرضوا الأتاوات الباهضة على السكان ، وسبوا النساء،وهتكوا الأعراض، ولوثوا عقول آلاف الفتية بعد أن لقنوهم الأفكارالظلامية،وجعلوا منهم ذباحين وقتلة،وهو أمر يتناقض مع كل الشرائع السماوية والأرضية. وكان المنظر الذي ظهروا فيه وهم يدمرون متحف الموصل وكأنهم أشباح خرجت من كهوف العصور المظلمة. وشر البلية إنهم ينسبون كل جرائمهم الفظيعة إلى الإسلام الذي هو رسالة للسلم والمحبة والكرامة الإنسانية التي أنتهكها هؤلاء الأوغاد شر انتهاك.
ومرت الأعوام الثلاثة وكأنها ثلاثة قرون على سكان نينوى لهول الجرائم التي أرتكبها الغزاة. وخلال تلك الأيام الرهيبة كان أهل الموصل ينتظرون من يقف معهم في شدتهم والدواعش يحصون أنفاسهم، ويقتلون أي شخص يتململ من بطشهم.لكن من كان يدعي الدفاع عنهم في الفضائيات غدر بهم ، وتركهم يعانون الويلات الكبرى على أيدي الدواعش. وهربوا إلى فنادق عمان وقطر وإستانبول وأربيل ومن هناك أخذوا يطلقون الخطابات النارية الطائفية، ويذرفون دموع التماسيح على الوطن وأهله.ولكن هل ستنطلي أكاذيبهم مرة أخرى على أهل المناطق المحررة الأذكياء الشرفاء الذين كشفوا زيف إدعاآتهم، وخبروا كذبهم ونفاقهم وخيانتهم. وهل يلدغ المؤمن من جحر مرتين ؟
إن الإنتصار على هذا التنظيم المتوحش في الموصل هو انتصار لكل قوى التحرر والحرية والسلام في العالم. وستكون له أبعاده العظيمة على المنطقة والعالم كما عبر سماحة السيد حسن نصر الله. وقد تناوله عدد من كبار الخبراء العسكريين ، وآعتبروه نقطة مضيئة في تأريخ حروب المدن التي تعتبر من أصعب الحروب. خاصة وإن الدواعش تفننوا في الإختباء بين الأزقة الضيقة، وعبر شبكة من الأنفاق التي حفروها ، ووضعوا المتاريس المكونة من السيارات والشاحنات المحطمة في مداخل الشوارع، وهيأوا المئات من الإنتحاريين والقناصين والعبوات الناسفة، والعجلات المفخخة في كل مكان من المدينة بجانبيها الأيمن والأيسر، ومن أحط الوسائل التي لجأوا إليها جعل المدنيين الأبرياء دروعا بشرية لهم ، والتغلغل بين صفوفهم حتى وصل بهم الإنحطاط الأخلاقي إلى تفخيخ أجساد نساء يحملن أطفالا ليفجرن أنفسهن في القوات الأمنية حين تقترب منهن لغرض تقديم المساعدة لهن.لكن ليوث العراق كشفوا كل ألاعيبهم، ووضعوا الخطط اللازمة لإفشالها ،وحققوا النصر المؤزر من خلال وحدتهم وحميتهم واندفاعهم وحبهم لتراب الوطن ، وإخلاصهم لشعبهم الذي عاهدوه بإذاقة هؤلاء الأوباش الموت الزؤام. وأوفوا بعهدهم. وبتحقيقهم العهد ردوا كيد أعداء العراق إلى نحورهم ، وفضحوا أكاذيب وتخرصات إعلامهم الذي سعى بكل مايملك من أساليب ماكرة لتشويه سمعة الجيش العراقي البطل،وطعنه في عزيمته وقدرته على دحر هذه العصابات الدموية، وإلصاق التهم الباطلة بسلوك منتسبيه، وضخ الأكاذيب تلو الأكاذيب عن قوة داعش الخيالية،وإستحالة هزيمتها.وما من شك في أن تحرير الموصل العزيزة هو هزيمة لقوى الشر الظلامية الغريبة عن قيم أهلها وحضارتهم التي تغنت بها الشعوب مدى التأريخ، وأدرك هؤلاء الغرباء أن لامكان لهم بهذه الأرض الطيبة. وفضح من مول هذه القطعان بالمال والسلاح ودافع عنها بإعلامه الذي كان يشن أشرس وأحط الحملات الطائفية، ويصفها بـ (الثوار). وكلما كانت جرائمهم تشتد كان هذا الإعلام يردد كذبته المعروفة بأنه رد فعل طبيعي على (إقصاء وتهميش أهل السنة ) والتي صارت كميص عثمان يرفعه بين آونة وأخرى . ويدعي بأن نينوى خرجت من سيطرة الحكومة إلى الأبد وإن سكانها يقولون إن وضعهم قد تحسن تحت حكم دولة الخرافة. حتى إن أحد العاملين في محطة الجزيرة القطرية سافر إلى ألمانيا لكي يلتقي بصحفي ألماني يبحث عن الشهرة من أجل أن ينقل كلامه الذي وصف الدواعش الأشرار بـ ( أنهم أناس طيبون جاءوا لإنقاذ أهل السنة من ظلم الشيعة.!!!) و(إن كل شيئ في الموصل طبيعي ويؤكد قوة التنظيم، وقدرته الإدارية، وإن دولة الخلافة وجدت لتبقى بعد أن تأصلت جذورها في كل شبر من المدينة ،وارتبطت مع سكانها إرتباطا وثيقا .)
بهذا الأفق الطائفي المقيت وبهذه الأضاليل تحدثوا دون خجل ، وطعنوا في وطنية سكان مدينة الموصل الشرفاء. ولا غرابة في موقف أخوة يوسف الجدد الذين أكل الحقد الطائفي قلوبهم وأرواحهم ، وقد وصلوا إلى أدنى درجات السقوط بتسترهم على جرائم هذه القطعان المتوحشة، وسرد الأكاذيب عن فرب سقوط بغداد ،وتناغمت مع دعايتهم بعض الأصوات الطائفية المعروفة في الداخل.وأخذت تطالب بتقسيم العراق قبل تحرير أراضيه. لكن فتوى المرجعية الرشيدة في النجف الأشرف حولت أحلامهم السوداء إلى رماد فراحوا يصبون جام غضبهم وحقدهم على الحشد الشعبي، ولجأوا إلى فبركة الصور للإساءة إلى فتية العراق الصناديد الأحرار وأوسمته رغم أنوفهم وأنوف أسيادهم الصهاينة والأمريكان.
وقد شاهد العالم كيف ينقض الجندي العراقي كالأسد الهصورعلى مواقع الدواعش الجبناء ويبيد تجمعاتهم في الوقت الذي يتعامل مع المدنيين الأبرياء تعاملا إنسانيا راقيا معرضا حياته لأفدح الأخطار وهو في أوج المعركة وهناك من كان يحمل إمرأة كبيرة على ظهره، وآخر يسرع إلى مساعدة طفل أو شيخ طاعن في السن أو مريض. وإبعادهم عن خطر الرصاص الطائش الذي كان يطلقه الدواعش. وقد أغاض هذا السلوك النبيل حفيظة هؤلاء الأعداء فصعدوا حربهم النفسية وأخذوا يتحدثون عن وهم التغيير الديمغراقي في المناطق المحررة.
ومن حقنا كعراقيين نحب وطننا وجيشنا أن ننحني إجلالا وتعظيما لدماء الشهداء الأبرار ولبطولات القادة والجنود الذين رفعوا رأس العراق عاليا بعد تلك النكسة الوطنية التي حيكت خيوطها التآمرية في الخارج ومهد لها حفنة من خونة الوطن لم تترك طائفيتهم في نفوسهم ذرة من الغيرة والشهامة على أهلهم وترابهم . وصورت لهم نفوسهم المريضة بالطائفية إنهم سيعيشون في ربيع دائم تحت نير دولة الخرافه.
وفي الوقت الذي يحتفل فيه العراقيون بالنصر، لابد أن تكون الإحتفالات منطلقا للحفاظ على روح النصر الذي صنعته دماء العراقيين الطاهرة وتضحياتهم الجسيمة للوصول إلى النصر النهائي بعد القضاء على آخر داعشي يدنس تراب العراق الطاهر. والإنتصار في الموصل ليس خاتمة المطاف مع هذا التنظيم الإرهابي الذي لايعترف بالهزيمة. لأن الأخطار الخارجية مازالت محدقة بالعراق. والمؤامرات تحاك قي الغرف المظلمة، ودواعش السياسة المرفهين المتنقلين في سيارتهم المصفحة وبين حماياتهم، والباحثين دوما عن المكاسب المادية عادوا إلى نغمة التقسيم من أول يوم تحررت فيه الموصل.وهذا أحدهم ممن عرف بخطاباته الطائفية المقيتة ينتحل صفات (المقنع الكندي)ويتحدث عن (مجده )الذي بناه ، وعن لحمه (المأكول) ولا يدري المواطن العراقي عن أي مجد يتحدث هذا وأمثاله بعد أن أتخموا الساحة العراقية بالخطابات الطائفية طيلة الأعوام الماضية؟ وهناك العشرات من أمثاله السياسيين الذين لايروق لهم إنتصار الجيش العراقي لكنهم لايصرحون بذلك علنا. وهاهو صوت مسعود البارزاني الذي يملك ثلث الحكومة العراقية ويلقبونه بـ( الشريك ) يرتفع في البرلمان الأوربي ويتصرف كرئيس دولة وهو رئيس غير شرعي يهدد العراقيين ببحور من الدم . وقبل ذلك صرح إن العراق لن يعود كما كان بعد رسم حدود كردستان بالدم. ولم يمض أسبوع إلا ويطلق إبنه وآبن أخيه من العائلة البارزانية الحاكمة تصريحاتهم المتشنجة ضد شركائهم. ويبدو أن تحرير نينوى وقع على رؤوسهم كوقوع الصاعقة. لأنهم لايريدون عراقا قويا سالما من الأمراض حتى يستمروا في نهش لحمه وشحمه حتى الثمالة.
واليوم يقف العراق على مفترق طرق،وتنتظره أيام صعبة مادامت المؤامرات والمؤتمرات الخارجية مستمرة ولا أستبعد أن يأمر الرئيس الأمريكي ترامب بإحداث انقلاب عسكري تحت واجهة ( حكومة إنقاذ) بالتعاون مع البارزاني وبعض الهاربين المطلوبين للعدالة وحكام آل سعود العدوانيين بحجة (تخليص العراق من النفوذ الإيراني) وحينذاك ستكون الأغلبية في العراق أضيع من الأيتام في مأدبة اللئام، ولم تسعفهم تنظيرات عمار الحكيم، ولا تحذيرات نوري المالكي ، ولا هرطقات مقتدى الصدر، ولا خطابات العبادي الباهتة ، ولا دعوات الإئتلاف الوطني الذي تشرذم ولم يعد له وجود. وأملنا الوحيد كعراقيين في قواتنا العراقية البطلة المخلصة لتراب الوطن والبعيدة عن الصراعات السياسية الضرب بيد من حديد على رؤوس هذه الضباع الجائعة التي مازالت تحتل أراض عراقية، ولن تسمح لهم بالتقاط أنفاسهم بعد هذه الهزيمة المرة التي ذاقتها. ولابد لأية حكومة ترغب باستقرار العراق ، وإبعاد الفكر الداعشي عن أرضه أن تبذل جهودا متواصلة لبناء الإنسان العراقي ، ولأم جراحه، والحفاظ على كرامته، ووضع الهوية الوطنية فوق الحزبية والطائفية والقومية وشن معركة فكرية وسياسية وثقافية مضادة للفكر الداعشي الظلامي تشمل المدرسة والجامعة والمسجد بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني. وأن تعيد النازحين من ديارهم بكرامة بعد إعمار المدن المدمرة. وعلى مجلس النواب واجب التحرك السريع لتشريع قانون تحريم الخطاب الطائفي، وتجريم كل مروج له من أي مذهب كان. ومن واجب الحكومات المحلية محاربة الفساد،والتقيد بالدستور،ونبذ الطائفية ومقاضاة من يروج لها ، والإبتعاد عن الصراعات على المناصب التي تركت آثارها السيئة على سكان المناطق المحررة. ولا بد أن تتظافر جهود المنظمات الدولية لتقديم يد المساعدة للعراقيين حتى لايعود الدواعش بوجه آخر إلى هذه المدن وتبدأ كارثة جديدة يدفع ثمنها السكان الأبرياء. وعلى الذين يدعمون هذه الوحوش البشرية بالمال والسلاح أن يفهموا قبل فوات الأوان إنهم لن يأمنوا شر هذا السرطان الداعشي الذي بات يهدد الإنسان وحضارته في الصميم .
جعفر المهاجر.
20/7/2017



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن