افول الماركسية - كلسن و نقد الماركسية (6/وهم الإجتماع المتجانس)

موسى راكان موسى
communist-x@hotmail.com

2017 / 7 / 19



وهم الإجتماع المتجانس (167ـ168) :


تبدأ الدولة بالإضمحلال متى توفرت القاعدة الإقتصادية الضرورية ، ذلك أنه متى يتم القضاء على الملكية الخاصة و معها على الطبقات في المجتمع يسقط أي مبرر للإنقسام بين البشر . فلقد قرر ماركس إذن أن القضاء على الملكية الخاصة و تأميم وسائل الإنتاج ، لا بد أن يشكلا قاعدة إجتماع مطلق التجانس متعاضد ، لا يعرف التنافر أو تعارض المصالح ، معتقدا بذلك أن نظام الملكية الخاصة هو وحده ، الذي يُشكل مرتكزا لمثل هذا التمايز أو التقابل بين المصالح (الغايات) . و اعتقد ماركس أن المجتمع الجديد سينتظم دون شك بعد القضاء على هذه الملكية على أساس مصلحة واحدة _وحيدة_ مشتركة . من هنا تزول السياسة ذلك أن المصلحة الإجتماعية كونها واحدة لا تستلزم توسطات بين المصالح أو توزين الغايات المختلفة : ما يعتبر في الأساس وظيفة السياسة و مهمتها الأولى . و لا يبقى في إطار الشروط الجديدة سوى مشاكل تقنية ، أي بدائل مختلفة فيما يختص بـ(( الوسائل )) لتحقيق (( الغاية الوحيدة )) عمليا ، و ليس غايات بديلة محتملة . أما هذه البدائل فتحل تقنيا و علميا إنطلاقا من قدرات المختصين . (يُراجع في هذا الموضوع مؤلف ماكس آدلر ، Max Adler Die Staatsauffassung des Marxismus ، الذي كتبه المؤلف كرد على الطبعة الأولى لكتاب كلسن الإشتراكية و الدولة) .


إن النقد الذي يوجهه كلسن لهذه الرؤية التجانسية ـ التعاضدية لـ(( إجتماع الشيوعية )) في غاية السهولة . فهو يعتقد أن المادية التاريخية تبالغ عندما تدعي أنه بإمكانها تفسير كل شيء إنطلاقا من علاقات الإنتاج . إذ هناك مسائل تستطيع و إن لم يكن لها علاقة في المدار الإقتصادي أن تقسم الناس و تفتعل الصراعات فيما بينهم و حتى إذا قبلنا بأن المصالح المتضاربة في مدار الإنتاج تزول بزوال الملكية الخاصة ، يبقى أن هناك صراع حول الأفكار ، و الأديان ، و التصورات المختلفة للعالم (دون أن نتكلم عن العلاقات الجنسية و الحب ، و الحسد ، و كل ما تبقى ...) و هي أسباب كافية تماما لإفتعال الإنقسامات و الصراعات . (( إن الإيمان بحلول جماعة متعاضدة ، حيث لجميع الأفراد إرادة حسنة واحدة ، يتأسس )) كما يقول كلسن (( إما على جهل في الطبيعة البشرية و إما على إيمان بحدوث تغيّر جذري ... )) و في الحالتين هناك مخاطرة بالإنزلاق (( دون عودة إلى ديار الطوباوية السديمية )) .


يقدم فرويد في (( قلق الحضارة )) بضع سنين بعد كلسن حكما نقديا مماثلا يطال التفاؤل الأنثروبولوجي الساذج الذي تأسست عليه المادية التاريخية . (( يعتقد الشيوعيون أنهم إكتشفوا الوسيلة التي تحررنا من الشر . إن الإنسان خيرٌ دون شك منفتح على أخيه الإنسان ، إلا أن مؤسسة الملكية الخاصة أفسدت طبيعته [...] فإذا ما قضينا على الملكية الخاصة ، إذا ما أصبحت الخيرات ملك الجماعة ، و أستطاع الناس جميعهم أن ينعموا بها لزال التخاصم و العداء فيما بينهم )) .


(( و عندما تتحقق حاجات الجميع لا يعود لأحد أن يعتبر الآخر عدوا له . و كلٌ يقوم مُختارا بالعمل اللازم . إن النقد الإقتصادي للمشروع الشيوعي )) يتابع فرويد (( ليس من إختصاصي [...] غير أني قادر على الحكم بأن منطلقه السيكولوجي وهم لا أساس له ذلك أن القضاء على الملكية الخاصة يحرم الرغبة العدوانية عند الإنسان من أداة مهمة ، غير إنها ليست الأداة الأهم . إذ يبقى التمايز في مقامات السلطة و الجاه الذي تستخدمه العدوانية و توظفه لمصلحتها ، و هكذا يستمر جوهر العدوان على حاله . فالعدوانية لم تقم بالملكية و قد سادت و إلى حد ما دون قيود ، في أزمان غابرة حيث كانت الملكية هامشية إلى حد بعيد )) .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن