تأثيل الماركسية اللينينية ضد التعامل العشواء مع ظواهر الإلحاد ومع ظواهر الإيمان

المنصور جعفر
almanssour@hotmail.com

2017 / 7 / 18


بدأ تبلور الماركسية-اللينينية بنقضها جميع التصورات والفلسفات والمعارف والعلوم والنظريات المادية والمثالية التي كانت قد توصلت إليها البشرية، وبذلك النقض بدأت الماركسية اللينينية بلورة سماتها كجدل علمي انتقادي مستدام، مسترشد بالفهم الموضوعي للتاريخ والصراع الطبقي، وبهذا النوع الثوري العلمي من الجدل رفض الرفيقان ماركس وإنجلز فكرة الأطر الذهنية منتقلين إلى فكرة الوسائل الذهنية (الرصد والدراسة والانتقاد والتغيير) أو ما نسميه حاضراً "الدراسة العلمية".


من الخطأ ان تنسب دراسة ما لـ"الماركسية" أو لـ"العلم" إذا كانت منحصرة في تصور مادي ضيق خال من الأبعاد الإجتماعية، أو إذا كانت منحصرة في تصور مثالي أو ديني خال من الأبعاد المادية، أو من الأبعاد الإجتماعية. ففي الحالتين تغيب بعض أهم سمات الفهم العلمي لطبيعة المادة والتاريخ وهي "التنوع" و"التفاعل".


أسلوب التجزئة والانحصار بضيقه في النظر وفي التحليل وفي تحديد التناقضات وفي إهماله التغيير الطبقي الإجتماعي للموضوع لا يمكن نسبته لـ"الماركسية" أو لـ"العلم" بل إن نوع المعرفة غير المرتبطة بالصراع الطبقي، أي التلقائية أو المدرسية الجزئية التي تفصل بين "الماركسية" و"العلم" قد تعبر عن تصور ديني ومثالي لكليهما. لذا رفض ماركس مرة أن يسمى "ماركسياً" وان تسمى أعماله "ماركسية"، فقط أستمر في دراساته ونضاله مؤسساً بدايات معرفة جديدة نسميها (علماً) جديداً وهي ليست سوى بدايات معرفة تتبلور وتتغير بـ"الثورة" في المجتمع وجدل أوضاعه وعلومه.


هل هناك "ثورية" ترتبط بالصراع ضد "الدين" أو بالتطابق مع "الدين"؟ هذه مهمة غير ثورية الان، وقد تولاها منذ الاف السنين شقا الفلسفة القديمة. أما في عصر الاتصالات فلاحاجة معرفية أو سياسية لرفض هذين الشقين أو للرجعية إليهما بوضع "الماركسية" أو "العلم" أو "الثقافة" فوق رماح تنسب إلى "الموضوعية" و"حرية التفكير"!، فبإمكان من يريد أن يهاجم "الإلحاد" أو أن يهاجم "الإيمان" دون ان يحاول وضع مجرة ذهنية كـ"الماركسية اللينينية" في حسابه الخاص، بل بإمكانه الاستعانة ببعض دراساتها عند تعامله مع ظواهر "إلحاد" أو "إيمان"، مع مراعاة النسبية في هذه الأمور فليس كل إلحاد طيب ولا كل إيمان شرير ولا العكس كذلك.


بدلاً للدراسات الضيقة الدقيقة (الفيلولوجية والامبريقية) خارج عوالم الكيمياء والأحياء قد يجد المهتم بأمور المعرفة ومراحلها بما فيها مرحلة البدايات العشواء، ثم مرحلة التصوف بتحديد السمات والأسماء والعلاقات، ومرحلة الدين ومحاولة تحديد سبل السعادة ومرحلة العقلانية ومرحلة العلم الحديث ثم مرحلة الوعي، ان بعض معالم الموضوعية والتفكير الجدلي تحثان على دراسة التنوع والتفاعل في معرفة ظواهر الطبيعة والمجتمع، وعلى بيان التناقضات والأطوار والمسارات التي إتخذتها هذه المعرفة أو تلك، وصور تغيراتها، وان المعرفة المنظومة كدراسة موضوعية وعلمية ليست أكثر من "تاريخ": تاريخ رصد تنوع وتفاعل وتناقض وتغير في الظاهرة، وتاريخ تغير ظروف رصدها. هذا التاريخ غالباً لا يسمى "ماركسية" إلا عند معجب أو كاره، والإعجاب والكره ضد الموضوعية والعلم، كذلك لا يسمى "علماً" إلا كرماً أو جزافاً.


ماذا يعني اصطلاح "دين"؟ أو إصطلاح "علم" وما هي معالم هذا الإصطلاح أو ذاك؟ أين يبدأ هذا الإصطلاح أو ذاك في الذهن أو في الحياة؟ وأين ينتهي؟ ما هي ظروفه وصوره الإجتماعية؟ ما هي طبيعة تواصل بعضه مع الصراع الطبقي والنضال ضد سادة قريش أو ضد التجار في الحرم القدسي أو ضد فرعون وآله السودانيين؟ وما هي معالم طبيعة تكون ثم تناقض بعضه الإمبراطوري أو العنصري مع مصالح الكادحين؟


لعل التأثيل والجدل كأسلوب تفكير ومعرفة أكثر حيوية وفاعلية للذهن والنضال الثوري من ضيق أوهام المعرفة المثالية القائمة على المجادلة "في الدين" ضد تفسيرات أخرى أو المجادلة "ضد الدين" وضد مذاهب فكرية أخرى إلى ما لانهاية أو المجادلة "في الماركسية" وضد تفسيرات أخرى لها أو "ضد الماركسية" ومذاهب أخرى شبه لها وغير ذلك من وجوه المعرفة والفلسفة القديمة التي كانت ولم تزل تهتم بإثبات صحة الأفكار من خلال أجوبة تنتقيها أو بتحديد حوادث توكد بها سراء أو ضراء فترة سياسية معينة، لتوكد بها صلاح فكرة ما فيها بمعزل عن دراسة تغيرات ظروف وعناصر وعلاقات الحياة الاجتماعية حولها.


إذا درسنا ظاهرة ما بشكل موضوعي يشمل عناصرها، وأزماتها، وتحولاتها، مهم أن ندرس تنوع وتغير الظروف المؤسسة للظاهرة وطبيعة تكون مفرادتها وتفاعلاتها وكذا في مجال تغيراتها، كالعلاقة أو التنافر بين الإسلام في واشنطون والإسلام في الرقة أو بين القرن الكذا والقرن الكذا أو أو، أما حكاية المثاني التجزيئية والإجمالية من نوع "الليل و النهار"، و"الظلم و العدل"، و"الإيمان و الإلحاد"، و"الماركسية والدين ، "البروليتاريا والمستغلين"، "المركز والهامش" إلخ فهي مثاني نافعة في الشرح والإيضاح، لكن في أمور المعرفة الموضوعية فيها ضرر الحصر والضيق إذ تعسف تنوع أساليب التفكير وقد تغلق بعض أحوال الخروج من المعاقد الفكرية والمظالم الطبقية والاجتماعية.


ننتبه في بناء وصقل الأعمال الفكرية إلى أهمية العناية بالتفاعل وحيويته ضد يباس الصور المثاني، وأن نهتم بالضبط والتحديد وضد التعميم والجزف.



مع النسبية والتقدير


المنصور جعفر

♦ ♦ ♦ ♦ ♦



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن