افول الماركسية - كلسن و نقد الماركسية (3/الإرث الهيجلي)

موسى راكان موسى
communist-x@hotmail.com

2017 / 7 / 14



الإرث الهيجلي (161ـ163) :


كيف أمكن لهذا الخطأ أن يطرأ ليس فقط عند ماركس بل أيضا عند الماركسيين بعده ؟ كيف أوحى المسار الوضعي للتاريخ ، المحكوم بالعلية و الخالي بالتالي من أية غائية بأنه يشير إلى إنتقال نحو إجتماع ليس أشد تعقيدا من المجتمعات السابقة فحسب بل (( أرفع منها )) أي أعلى مرتبة في سلم القيم ؟ .


إن تاريخا يكون نتاجه مثل هذا المجتمع ، لا بد أن يحمل غاية في رحمه . فكيف يمكن لهذا السياق التاريخي الموضوعي أن يكون محكوما من ناحية أخرى بمبدأ العلية ـ و هو الشرط الضروري ليصبح هذا السياق موضوعا للمعرفة العلمية ؟ .


ليس من الصعب واقعا أن نجيب عن هذه التساؤلات . فنحن أمام خطئين وقعت بهما الماركسية . الأول و كان من الممكن أن يظل خفيا و هو إستخفاف ماركس و إنجلز _و خاصة ماركسية الأممية الثانية_ بنظرية داروين Darwin التطورية . و الثاني و هو القصور السائد في الحقبة السابقة و في ماركسية الأممية الثالثة لاحقا (و هي الماركسية التاريخانية الراهنة) حول مفهوم التاريخ الذي استعارته _الماركسية هذه_ من هيجل .


و لنبدأ بالنقطة الثانية . و كوني قد تناولت مرارا هذا الموضوع في الآونة الأخيرة ، فليسمح لي بالإختصار في التحليل . تؤدي النظرة الماركسية الهيجلية إلى إعتبار التاريخ بمثابة سيرورة جدلية (و ذلك للتضائف و التكامل بين الجدل و اللاهوت) و هي تتحول بذلك إلى فلسفة تاريخ حيث يبدو التاريخ حمالا لغاية تقوم بتفسيرها تدريجا . كما أن التطابق الجوهري الذي يقيمه هيجل بين الواقعي و العقلاني ، بين مسار المنطق و مسار (( التاريخ ـ الواقع )) المتقضّي في الزمان ، يسمح للماركسية التي تعتمده بأن تخلط بين مرتبتين : الأولى و هي مرتبة الغائية الجدلية ـ العقلانية و الثانية و هي مرتبة العلية الوضعية ـ المادية ، و ذلك عندما تتبنى الإتحاد الذي يقيمه هيجل بين الوجود و الفكر ، الذات و الموضوع .


و إننا هنا نتبنى مرة أخرى رأي كلسن في هذا المجال : (( ينكر هيجل التضاد [...] بين ما هو موجود و ما يجب أن يوجد و ذلك عندما يقول بأن تحقق القيمة لا ينفك عن التطور الحدثي )) (قيمة و غاية هما هنا عبارتان متطابقتان) .


إن (( إستعارة ماركس لهذا النفي الهيجلي الذي يلغي الثنائية بين الواقع و القيمة )) هي التي تفسر لماذا (( يقدم مسلماته الأخلاقية ـ السياسة الثورية بوصفها سننا للتطور الذي يتحقق بفعل الضرورة الطبيعية )) .


(( إلى أي مدى ، من ناحية أخرى ، يتبيّن إرتهان تحليل ماركس بالمنطلقات الفلسفية التي يأخذها عن هيجل )) يتساءل كلسن ، من خلال (( المفهوم العبثي )) الذي يقول (( بواقع متناقض ذاتيا )) ، الذي يجعله ماركس محورا لأبحاثه حول الرأسمالية : (( ينقل ماركس ، متبعا منطق هيجل الجدلي )) كما يشير كلسن (( التناقضات المنطقية من الذهن إلى الوجود )) و ينتج عن ذلك لُبس شنيع علميا ، بين (( المتضادات في الخارج )) (و هي الوحيدة التي يتعرض العلم لها بوصفها دون تناقض و بالتالي غير منافية لمبدأ عدم إجتماع النقيضين) و (( التناقضات الجدلية )) و هي مستبعدة علميا و غير مقبولة كونها تتنافى مع هذا المبدأ . (( إن قوى متضادة في الطبيعة أو المجتمع )) يقول أيضا كلسن (( تأوّل (من قِبل ماركس) كتناقضات منطقية )) .


هذا الإعتبار الذي يجعل التناقضات المنطقية في متن الواقع ، له معناه أيضا في سياق فلسفة هيجل . (( ذلك أن الفكر و الوجود في هذه الفلسفة متحدان ، أما كون التناقض من سنخ الواقع ففكرة تُفهم إلى حد ما كنتاج لهذا الإتحاد )) .


(( أما في إطار الفلسفة المادية أي فلسفة ماركس و إنجلز فمن العبث أن تُفسّر القوى المتصارعة أو المصالح المتضاربة في المجتمع كتناقضات منطقية )) .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن