افول الماركسية - كلسن و نقد الماركسية (1/تمهيد)

موسى راكان موسى
communist-x@hotmail.com

2017 / 7 / 8



تمهيد (157-159) :


لا تتخذ الشيوعية في كتابات ماركس و إنجلز ، إن في مرحلة الشباب أم في مرحلة النضج ، كهدف مثالي أو كمشروع ذاتي إنساني ، بل إنها تصور كهدف تتجه نحوه السيرورة التاريخية ، أي مجرى الأشياء الواقعي و الموضوعي . يؤكد ماركس و إنجلز في سياق جدلهما ضد (( الإشتراكيين الطوباويين )) و كلما سنحت لهما الفرصة (( أن الطبقة العاملة لا تسعى إلى تحقيق أهداف مثالية )) . إنها تتابع ما يجعله التطور التاريخي راهنا .


و هنا أساس الإختلاف بين الماركسية (( و الإشتراكية الطوباوية )) . تضع الإشتراكية الطوباوية المثال في مقابل الواقع (( ما يجب أن يكون )) في مواجهة (( ما هو كائن )) في حين أن الماركسية التي تدعي إنها البحث في سنن الحركة التاريخية و إكتشافها تقدم نفسها كإشتراكية علمية .


و هي لا تطلب من الحركة العمالية أن تتقيّد بمبادئ العدل المجردة بل إنها تعيّن لها الأهداف التي تتحقق بالجهد و العمل . و كأثر (لهذا الجهد) السنن التي تحكم مستقبل المجتمع .


(( يضع برودون هدفا للمجتمع الحالي و هو أن يتحول ليس وفقا للسنن التي تحكم تطوره المخصوص بل وفق تعيّنات العدالة . و حيث ننتج براهين يقدم برودون مواعظ و ينتحب )) . أما سبيل (( الإشتراكية العلمية )) فمختلف تماما . ذلك أن التطور الذي تقترحه لا يلحظ سوى الوضعية التي تميل إليها السنن التي تحكم السبيل التاريخي الفعلي . فها هنا إذن ضرورة علمية و ليس واجب أخلاقي .


إن الخطاب الأنموذجي/الأخلاقي يُستوعب هنا و يُلغى كما نرى ، في إطار (( الوصف )) و (( التفسير )) العلمي . فليست في نية ماركس إتهام الرأسمال من الزاوية الأخلاقية . إنه يجهد ، على العكس من ذلك ، في سبيل تحليله و إختراق الأواليات الموضوعية . (( إني لا أعطي أبدا صورة زاهية عن الرأسمالي و المالك العقاري )) يقول ماركس في تصديره للطبعة الأولى لكتاب رأس المال .


(( و الأشخاص المقصودون هنا لا يردون إلا بوصفهم مقولات إقتصادية أو يجسدون علاقات محددة أو مصالح طبقية محددة أيضا . و وجهة نظري التي تعتبر تطور الشكلية الإقتصادية للمجتمع بمثابة سيرورة تاريخ طبيعي ، بعيدة عن تحميل الفرد مسؤولية العلاقات التي يظل اجتماعيا مخلوقا لها )) .


لا تبقي هذه العبارات _و العبارات الأخرى من النوع نفسه التي نصادفها في مقدمتي الطبعة الأولى و الثانية من رأس المال_ أي شك فيما يختص بطريقة تقييم ماركس لأعماله . إنه يعتبرها مجرد إستقصاء علمي . إنها تهدف إلى رفع الحجاب عما يسميه (( السنن الطبيعية )) . إن (( رأس المال )) هو في نظر مؤلفه عمل علمي لا يختلف عن علوم الطبيعة .


(( مثلما يُعاين الفيزيائي السيرورات الطبيعية في المكان التي يظهرها بصورتها الأكثر تحديدا و الأقل إضطرابا و تأثرا بالطوارئ الخارجية المخلة )) . فقد جمع ماركس مشاهدات حول الرأسمالية في مهدها الكلاسيكي : إنجلترا . يؤكد فستنيك أفروبي Vestnik Evropy في تعليقته على الطبعة الثانية لرأس المال الطابع العلمي ـ الطبيعي لهذا العمل ، و ينقل ماركس هذا الحكم بإسهاب مدققا بأنه يعتبره صورة (( صادقة )) عن (( منهجه الفعلي )) . و لا نشك هنا بصدد ما يجب أن نستنتجه من ذلك . و هو أن ماركس و إنجلز لم يعتبرا عملهما بمثابة مساهمة علمية فحسب ، بل أيضا كعمل خالٍ من الأحكام الأخلاقية و القيم .


لقد كتب إنجلز إلى (( لافارغ )) Lafargue بعد فترة وجيزة من وفاة ماركس (في 11 آب 1884) : (( لما كان ماركس ليرضى بهذا المثال السياسي الإقتصادي الذي تنسبه له .

ليس لرجل العلم مُثلٌ عليا ، بل إنه يصيغ نتائج علمية ، و عندما يكون الرجل بالإضافة إلى علمه (( رجلٌ حزب )) ، فإنه يناضل من أجل تحقيقها عمليا . و بالمقابل فعندما نتعلق بهدف مثالي علينا أن نكون رجال علم لأننا ننحاز منذ البداية )) .


و إننا نجد هذه النظرة للماركسية كعلم ، و للعلم كمعرفة ، خالية من الأحكام الأخلاقية عند أهم المفكرين الماركسيين ، خاصة في مرحلة الأممية الثانية . فنقرأ عند هيلفردغ في الرأسمال المالي : (( ليست الماركسية سوى نظرية حول سنن تطور المجتمع )) . (( لا ترتبط الماركسية بوصفها مذهبا علميا منطقيا موضوعيا بالأحكام التقييمية )) .


(( إن من واجب الماركسية بوصفها علما أن تصف الروابط الموضوعية بين العلة و المعلول )) ، و إننا نجد خطابا مماثلا عند كاوتسكي . و هو يردد أساسا في (( الأخلاق و النظرة المادية إلى التاريخ )) بأن الماركسية علم لا يستند إلى القيم .


و أخيرا (( المثال الأخلاقي في إطار العلم _و كأننا نسمع إنجلز_ مصدر للأخطاء )) .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن