نكسة 67 .. كيف تم إصطياد -الديك الرومي -

رضي السماك
Radhi-alsammak@hotmail.com

2017 / 7 / 1

كان المتوقع بأن المثقفين والكتّاب والنُخب السياسية العربية سيستعدون لإقامة أوسع فعاليات وأنشطة من ندوات ومحاضرات وحلقات دراسية ومواد إعلامية وصحفية بمناسبة مرور نصف قرن في هذا العام على هزيمة يونيو / حزيران 1967 ، والتي عُرفت أيضاً ب " بحرب الأيام الستة " بين الجيش الاسرائيلي من جهة - والذي لم يُكمل 20 عاماً على تأسيسه - وبين جيوش ثلاث دول عربية هي كل من مصر سوريا والاردن من جهة اُخرى والتي مضت على تأسيس جيوشها عقود طويلة ، أقدمها الجيش المصري الحديث الذي يعود تأسيسه إلى أوائل القرن ال 19 م خلال عهد محمد علي باشا ، وذلك لإستخلاص الدروس والعِبر من أخطر هزيمة قاصمة مُني بها العرب في تاريخهم الحديث ومازالت آثارها العميقة السياسية والاجتماعية والحضارية تتوالى بما أستنسلته من كوارث وهزائم عديدة متتابعة ، ولتتعلم وتستفيد الأجيال الشابة منها في حاضرها ومستقبلها تساعدهم على مواجهة ما خلّفه لهم الأجداد من تحديات هائلة وشائكة مع أعدائهم التاريخيين ، لكن العرب صحوا في يوم الذكرى على واحد من أكثر أشكال مهازلهم السياسية والمتمثل في انفجار الأزمة السياسية فيما بين دول مجلس التعاون الخليجي التي شغلت الإعلام العربي والعالمي وغيّب الحدث التاريخي الكبير تغييباً شبه تام .
والحال لا يمكن لنا معرفة كيف وقعت الحرب وكيف انهزم فيها العرب بدون معرفة المقدمات السياسية التي سارت أحداثها في خط متصاعد من التوتر السياسي على مدى 11 عاماً ( 1956 - 1967) ، ونقطة البداية هي حرب السويس وما تمخض عنها من نتائج سياسية هامة، فقد خرج الرئيس المصري جمال عبد الناصر منها منتصراً سياسياً - رغم هزيمته العسكرية - بعد ما أجبرت القوتان العظميان الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي دول العدوان الثلاثي ( بريطانيا وفرنسا وإسرائيل ) على الانسحاب من الاراضي المصرية ، وارتفع بذلك نجم زعامة عبد الناصر الوطنية الداخلية والقومية سريعا ، ولم يتوانَ ناصر بعدئذ عن تصديه بقوة للمخططات الغربية والاميركية في الشرق الأوسط ، ومواصلة مناوئته الاحلاف العسكرية الغربية العدوانية في المنطقة ، ودعم حركات التحرر العربية ، وبخاصة ثورة الجزائر وانتفاضات بلدان الخليج العربي وجنوب اليمن ضد المستعمِر البريطانية ، والدخول في وحدة اندماجية مع سورية 1958 ، ودعم ثورة اليمن الشمالي 1962 ، وضرب ركائز وكلاء المصالح الغربية في الداخل من خلال تأميم الشركات الكبرى 1962، ثم ما لعبه من دور بارز كأحد الاقطاب الاساسيين في انشاء "كتلة عدم الانحياز" بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي لكن بتوجه وطني تحرري ، ثم توثيق علاقات بلاده مع الاتحاد السوفييتي ، وتحديه لأميركا لسحبها تمويل مشروع السد العالي وإسناده لغريمتها الاتحاد السوفياتي . وبموازاة كل ذلك كان جُل نبرة خطابات عبد الناصر خلال هذه المرحلة مُفرطة في حماستها الثورية وثقتها الزائدة بالنفس ، وبدت وكأنها تستخف بقوة إسرائيل وتتحدى أميركا ما دفع رئيسها الأسبق ليندون جونسون إلى الاستخفاف بتهديداته وأطلق عليه لقب " الديك الرومي " ، وليخطط بعدئذ مع قادة إسرائيل لنصب فخ مُحكم لإصطياده عسكرياً ، وهذا ما جرى بالضبط عشية حرب 1967 حيث تم استدراج ناصر إلى حافة حرب حقيقية لم يكن مستعداً لها ولا راغباً في خوضها ولم تكن تحدياته اللفظية سوى مظهرية لإرغام اسرائيل على التراجع عن استفزازاتها العسكرية وتهديداتها ليقينه التام المسبق باختلال ميزان القوى العسكري بين بلاده والعرب من جهة وبين إسرائيل وأميركا من جهة اخرى لصالح الاولى، وهكذا تمكنت إسرائيل بفضل دعم أميركا السياسي والعسكري وتواطؤها العسكري والاستخباراتي الكامل من احتلال سيناء المصرية واستكمال احتلال فلسطين كاملةً بقضم الضفة الغربية التي كانت في عهدة الاردن وقطاع غزة الذي كان تحت الادارة المصرية .
وظهر لقب " الديك الرومي " الذي أطلقه جونسون على عبد الناصر لأول مرة كتابياً في وثيقة رسمية وردت في برقية بعثها اليه مستشاره للأمن القومي " والت روسو " في مساء اليوم الأول للحرب 5 يونيو / حزيران مُبشراً إياه بخسائر هذا اليوم الفادحة التي تكبدها الجيش المصري وبخاصة سلاح الجو الذي دُمّر بالكامل تقريباً وهو على الأرض . والحال توافرت جملة من الوقائع السياسية المتلاحقة بدءاً من أواسط مايو/ أيار 1967 لإحكام الفخ من حوله حيث أمكن إستدراجه إليها وخاصة انها اقترنت بحسابات ناصر الخاطئة حتى اكتملت طُعم الفخ بالعدوان الاسرائيلي في 5 يونيو / حزيران . ونكتفي تالياً هنا بسرد ثلاثة من أهم تلك الوقائع والحسابات الخاطئة لعبد الناصر :
الأول : تصديق عبد الناصر بوجود حشود عسكرية اسرائيلية عسكرية على الحدود مع سورية في أواخر أبريل / نيسان 1967 بناء على معلومات استخبارية سوفياتية مغلوطة ، فضلاً عن ادعاءات سورية متذبذبة ، ومن ثم إقدامه على حشد قواته العسكرية في سيناء ، وسحب قوات الطوارئ الدولية وإغلاق خليج العقبة في وجه الملاحة الاسرائيلية ، وكل ذلك وفٌر لاسرائيل الذرائع الكافية لاعتبار اجراءات ناصر بمثابة إعلان الحرب على إسرائيل ومبادرتها هي بالهجوم .
الثاني : تعويل عبد الناصر على تدخل عسكري سوفييتي مباشر إلى جانبه في الحرب إذا بدأت إسرائيل بالضربة الأولى على بلاده ، وقد تضخم ذلك التعويل لديه بشكل خاص إثر عودة وزير الحربية شمس بدران من موسكو قبيل الحرب بإسبوع وإبلاغه الرئيس فور عودته بأن القادة السوفييت تعهدوا له بالتدخل المباشر في الحرب إلى جانب مصر اذا ماشنتها إسرائيل ، ولم يكن ذلك التعهد صحيحاً ، وحيثُ نفى السفير المصري في موسكو مراد غالب صحة ذلك التعهد المزعوم كشاهد عيان على المباحثات ، وأوضح بأن كُل ما في الأمر ان أندريه جريشكو وزير الدفاع السوفييتي قد همس في إذن بدران عند توديعه في المطار عند سلّم الطائرة على سبيل المجاملة بأن بلاده تقف مبدئياً مع الاصدقاء المصريين في الأزمة.
الثالث : تعهد عبد الناصر أمام الامم المتحدة عشية الحرب بان لا تكون مصر البادئة بالضربة الاولى ، وبناء كذلك على تحذيرات أميركية وسوفييتية مُشدّدة عليه مع تأكيدات الولايات المتحدة الكاذبة بأن إسرائيل لن تكون من جانبها البادئة بالضربة الاولى . وكان السفير المصري في واشنطن تم تسليمه في يوم 26 مايو / أيار رسالة بهذا الشأن من الرئيس جونسون إلى الرئيس المصري عبد الناصر ، كما قام السفير السوفييتي في القاهرة بإيقاظ عبد الناصر في الساعة الثالثة والنصف من فجر نفس اليوم لتبليغه رسالة من القيادة السوفييتية أيضاً تطالبه بضبط النفس وتوخي الحذر من أن تكون مصر هي البادئة بإطلاق النار .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن