استمرار القمع والاعتقال بمدينة الحسيمة المغربية الوجه الاخر للدولة البوليسية

الحسان عشاق
hadamakan2013@gmail.com

2017 / 6 / 27

لابد من الاعتراف ان الدولة البوليسية،دولة قمعية وتسلطية وقهرية بالاساس لا تؤمن الا بالموقف والتوجه والفكر والراي الواحد،وكل دولة قمعية هي بالمطلق والضرورة دولة بوليسية رغم البهرجة وهامش الحرية.فالقمع اصبح طريقة لتدبير الحكم والادارة وتبرير التفوق والتغول لتطويع الشعب والسماح بالدوس على القانون ومنح الصلاحيات الواسعة للاجهزة الامنية والسلطوية بالتعليمات الفوقية لتكميم الافواه ومصادرة الحق في التعبير وفرض الطاعة والولاء والاذعان بالقوة فاننا امام دولة بوليسية لا ترى ابعد من تطبيق توجهات تخدم مصالحها ومصالح الطغمة الفاسدة.
الدولة المغربية بجميع مكوناتها الادارية لم تستفد من المتغيرات الاقليمية والعالمية ومن زلزال الربيع العربي ولم تتخلص من الطابع البوليسي الصرف فبدل مواجهة الفساد والمفدسين والاستبداد والتحكم باعتبارها اليات التربة الخصبة المنتجة للاضرار والهوامش المحفزة للانتفاضة يتم قمع اصحاب الحق .
لقد فشل المخزن في اطفاء حذوة حراك الريف وفشلت السياسة القمعية التي تعد الخيار غير الديمقراطي لمصادرة الحق في الاحتجاج السملي على الاوضاع الاجتماعية يطرح من جديد مسألة ممارسة حق دستوري في التعبير وسلطة الدولة فى ضرب هذه الحرية وحجبها بالاضطهاد والتهديد والاختطاف والاعتقال وتشريد عائلات وفرض حظر التجوال الذي يعد عنوان مرحلة جديدة من تاريخ المغرب الحديث يفضح بالادلة الشعارات الاستهلاكية وازدواحية الخطاب التغليطي والترويجي والتضليلي للنظام في الادعاء بطي صفحة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان سنوات الرصاص .

محاولات الاخضاع وتفتيت الاحتجاج بهضم الحقوق ممارسات تدخل في باب ارهاب الدولة للشعب باللجوء الى القمع الممنهج والمحمي والاعتقالات العشوائية لمصادرة مكتسبات حقوقية كونية تعتبر غصبا للحريات الجماعية والفردية تحت مبررات واهية تؤكد بالجزم ان النظام السياسي المغربي لا يزال يتعامل مع الجماهير الشعبية بنوع من الوصاية وفي اعتقاده ان الشعب ما يزال قاصرا وغير مؤهل لاتخاد قرارات لبناء مستقبله.
عسكرة منطقة الريف المغربية مند 8 اشهر ردا على المطالبة بالحق في الصحة والتعليم والشغل والعيش الكريم والصمود المثالي أحرج أجهزة القمع التي استهلكت جميع الخطط لامتصاص غضب الشارع وضرب ومحاولة اختراق التلاحم والتماسك الشعبي الذي ابان عن مستوى راقي في التظاهر الذي تناقلته جميع قنوات العالم وتحولت مدن عالمية الى مسيرات تضامنية للضغط على النظام لاعادة النظر في طريقة تدبير ازمة الريف الاخدة في التوسع والاكتساح وكسب التعاطف الشعبي والدولي.
الواقع والمعطيات الميدانية كشفت صمود الجماهير في وجه الالة القمعية والهمجية التي بدل فتح الحوار اعتقلت منطقة بكاملها..فهل يمكن للعسكرة والبولسة والتخويف والترهيب والتخوين تذويب التحدي والالتحام الجماعي على شرعية المطالب الاجتماعية التي خبرت الحوارات المغشوشة والمبطنة..؟ وشاهدة على الاختلالات في تفعيل برامج تنموية في المنطقة ابتلعت الملايير امام غياب مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، لقد استشعر الشعب التهميش والاقصاء وسرقة المال العام فانتفض يواجه الظلم والهشاشة والارتهان واعدام أبسط الحقوق العالمية.قواسم مشتركة مع مناطق مغربية كبيرة ترزح تحت وطأة الفقر وتوسع الفوارق الاجتماعية، وطبيعي ان تنتفل الشراراة والعدوى وتظهر قلاقل تطالب بالاصلاح والتغيير وحماية المستقبل والمصير المشترك بالاحتكام الى الاحتجاج الشعبي ما دامت القنوات السياسية ومؤسسات الشعب غير قادرة.فهل ستعمل الدولة على استنفار الجيش الاحتياطي وافراغ التكنات العسكرية والمخافر الامنية واخراج الدبابات وتحويل المدن والقرى الى سجون مفتوحة لانهاء القلاقل.
استعمال القوة المفرطة في شمال المغرب اصبح احد الادوات المعتمدة والمستباحة في السيطرة على الاحتجاج بدل ترجيح لغة الحوار والتعامل السلمي مع الازمات مما يعتبر عنوانا على فشل الدولة البوليسية التي تسمح وتحمي انتشار الفساد السياسي والمالي والاداري والاقتصادي لانه مصدر قوتها واستمراها وحريصة على قمع اي حراك احتجاجي ومطلبي بدل البحث عن اسباب القلاقل ومعالجتها بالمرة.
والانكى انه في حراك الريف لم يقتصر الامر على استعمال القمع والاعتقال التعسفي بل امتد الى اسباغ التصنيفات على المحتجين بين الانصار والاعداء لخلق التفرقة بين الشعب الواحد وتوجيه الصراع المطلبي الى نوع المواجهة المباشرة بين المواطنين كشكل من اشكال المقاربة الامنية وتعويم النقاش وتحريفه خصوصا ان الاحزاب السياسية والقوى الوطنية والتقدمية فشلت في فتح الحوار وتهدئة الاوضاع لان الاغلبية تعد جزءا من الاشكال وهناك مؤسسات سياسية تعد راعيا ومتعايشة مع مظاهر الفساد الاقتصادي والاداري مستفيدة منه ولا تتوفر على اية استقلالية في القرار السياسي الأمر الذي فضح وعزل كلية مكونات المجتمع المدني وعمق الشرخ ووسع الهوة بينها وبين المواطن الذي فقد ثقته في اجهزة فارغة وبدون قيمة باستثناء الاطارات السياسية اليسارية والحركات الاسلامية المحضورة التي ما تزال تمتلك رصيدا من المصداقية ولها قوتها وحضورها الوازن في المجتمع وقادرة على المواجهة واجهاض وفضح مشروع الدولة البوليسية المعارضة للحرية والكرامة والمساواة وهذا طبعا يهدد مستقبل الدولة البوليسية.
مع استمرار التسلط والهمينة والعسف واسترخاص واستباحة الكرامة الانسانية،وتوسع الفكر الاستبدادي البوليسي بضرب وسحق القيم الانسانية وارسال اشارات تحذيرية في وجه الفعل السياسي والديمقراطي المستقل..فالنظام يضع امام المواطن خيار الاندماج في السلطة او التصنيف خارج النظام و القانون واي تحرك سلمي لمقاومة الاستبداد والتسلط والفساد يدخل في خانة تهديد امن الدولة وخروج عن الطاعة يسلتزم المعالجة الامنية.
المجتمعات المتحررة والواعية من تصنع التغيير، والاحتجاجات في الريف المغربي ابان عن عجز الاحزاب السياسية التقليدية والادارية صنيعة المخزن على حد سواء في ايجاد ارضية مشتركة لتصريف المطالب لانها لم تستطع تطوير اليات الاشتغال السياسي والتنظيمي واغلبها منخورة من الداخل تتنفس الفساد وشكلت عائقا للسلطة بعد رفض الجماهير التعاطي معها ومنحها صفة الوسيط في الحلول وانهاء الحراك.. وهذا بطبيعة الحال سيدفع الدولة الى اعادة النظر في الاحزاب السياسية المقربة.

اجمالا الاحتجاج السلمي تعبير ديمقراطي عن وعي والنضج الجماهيري في لفت الانتباه ومحاكمة تجربة سياسية بعد استنفاد جميع الوسائل المتاحة في توفير العيش الكريم ..لكن يبدو ان الدولة العميقة في المغرب تظل ماسكة وشاهرة بعنف وقسوة سيف القهر والتحكم في الشعب وتطويعه بالاعتقال لاخضاعه بالمرة لارادة الحاكم لسد جميع منافذ التغيير الافقي والعمودي الذي يهدد قطعا مصالح المقربين من دائرة القرار السلطوي والسياسي والجهات المستفيدة.
ومصير الحراك بالريف ومصير الديمقراطية وحق الشعب في التعبير السلمي عن مطالبه المشروعة رهين بالعقلاء لطرح البدائل والخيارات لوقف سفك الدماء وصون الحريات وصور الوطن في المحافل الدولية على اعتبار ان السطوة المطلقة لا يمكن ان تقهر صوت الشعب لانه صاحب حق ومصلحة الوطن تقتضي ترجيح كفة المصالح العامة.
الشعب الريفي بهذه العسكرة المستمرة سجين الوطن و المواطن مجرد قربان بشري ملاحق في حدوده من قبل سلطة تقتص من الحقوق للهيمنة وبسط السيطرة المطلقة لتعزيز وجودها وفرض ثقافتها بالاكراه والغصب،وطمس خصوصية الشعب وحضوره. لكنه عبر التاريخ ابدا لم تنجح الانظمة الاستبدادية في وقف الارادة المتقدمة و الزحف الشعبي.


الحسان عشاق- الخميسات




https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن