جدل السيادة وتنازع المصالح : صنافير وتيران .. وتظل إيلات مصرية .. دراسة ملف - 5 /5

محمود الزهيري

2017 / 6 / 26

لن أقول كما يقول البعض مبتدءاً كلامه بلعل وعسي , فالسياسة كافرة بمفردة لـعل , ومفردة عسي , حتي في معظم أو قل إن شئت غالبية الإحتمالات , لأنها تبني علي بدائل يتم النظر في أيها ينتج أكبر قدر من المصلحة يعود بالنفع الآني أو المستقبلي علي وطن من الأوطان , والسيادة وأعمال السيادة تخرج علي المطلق من نطاق أو دوائر المصالح الأنية أو المستقبلة , والجغرافيا والتاريخ في السيادة ملتصقان لايمكن الفصل بينهما علي المطلق في الحقائق الوطنية ولايمكن المساومة أو المراهنة علي ذرة تراب من الوطن , لأنه لايوجد من هو بصاحب سلطة أرضية أو دينية سماوية أو وثنية أرضية, أن يستطيع أو يكون بمقدروه ومكنته أن يفرط أو يتنازل أو يهب أو يمنح شبر من تراب الوطن , وإلا كانت جريمة الخيانة العظمي والإتهام بالعمالة والجاسوسية بمثابة تهم يتوجب معاقبته عليها بأغلظ وأشد العقوبات التي تنص عليها مسطرة قانون العقوبات .
كما قال بعض العظماء أنه :" ليس من السيادة التنازل عن السيادة " . أو التنازل عن أعمال السيادة وممارستها كاملة علي كل شبر من أرض الوطن .
وماحدث من أمور ترتقي لدرجة الجرائم بشأن إتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مملكة آل سعود وبين الدولة المصرية , ينتهي إلي ذلك , لأن الرئيس المصري , حينما ناقش هذه القضية وعقها وأبرم شروطها مع الملك السعودي منفرداً وفي غيبة من كافة أجهزة الدولة التي صارت مختزلة في شخصه وفي عقله من غير ثمة مرجعية دستورية أو قانونية وخارجة عن كافة الأطر المؤسسية ممثلة في سلطات الدولة المصرية المختزلة كذلك في شخص وعقل الرئيس المصري فقط , فبعد إبرام الإتفاقية تم الطعن عليها أمام القضاء الإداري بدرجتيه , وقضت المحكمة بحكم تاريخي بشأن تلك الجزيرتين , وهذا الحكم صادر من السلطة القضائية , بصفتها إحدي سلطات دولة القانون ومرتكازتها ودعائمها القوية شأنها أن السلطة التنفيذية التي يترأسها الرئيس المصري إدارياً وبصفة مباشرة , والتي علي أساسها إبرم بنود وشروط تلك إلإتفاقية بين الدولة المصرية ومملكة آل سعود , وهذا الحكم القضائي التاريخي النهائي الحائز لقوة الأمر المقضي , والواجب النفاذ , ومن يمتنع عن تنفيذه يتعرض للمسائلة الجنائية , وصاحب الإستحقاق الجنائي الأول , الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي , ومن بعده , رئيس وزراؤه شريف إسماعيل , ثم تتوالي لائحة اسماء تتضمنها لائحة الإتهامات , لتتضمن كل من أيد ووافق علي هذه الإتفاقية المدمرة والخطيرة لمستقبل الدولة المصرية والمواطنين المصريين , والكثير من دول المنطقة .
والمؤسف في الأمر أن كافة المشاهدات بدت وكأنها تنفيذ لمخطط إستعماري إجرامي يؤدي بمصر ودول المنطقة إلي الحضيض الإنساني والحضاري في كافة المجالات ومناحي الحياة , لأن الأمر لم يعد يتوجب الصمت عنه أو عليه , فمجرد إتمام هذه الإتفاقية وتسليم الجزيتين إلي مملكة آل سعود , فإن خطورة الوضع ستزداد مأساوية , وهذا مرده ومرجعيته إلي عدة أمور تتجلي في فحشها وفجاجتها في إنتهاء السيادة علي ملكية الجزيرتين , وإنعدام السيطرة الكاملة علي مضيق تيران وخليج العقبة الذي يبتعد مسافة 6 كيلومترات عنه , لتكون السيادة الكاملة علي مضيق تيران وخليج العقبة , سيادة إسرائيلية كاملة لتفوق الجانب الإسرائيلي في كافة الأمور العسكرية تفوق نوعي ملتئم مع العولمة العسكرية وأساليب إدارة الحروب الحديثة سواء في البحر أو الجو او الأرض , أو حتي في مسائل علوم الفضاء وتنكلوجيا الفضاء والهاي تكنولوجي , لأن مضيق تيران سيتحول فعلياً إلي مضيق دولي بعد أن كان مضيق إقليمي للدولة المصرية كامل السيادة والسيطرة الفعلية عليه , وبعد إنتقال السيادة وانتقال الملكية لآلسعود سيكون الأمر مختلف تماماً , وستحل مملكة آل سعود ضيفاً مرغوباُ ومرحب به علي إتفاقيات السلام الموقعة بين الدولة المصرية والدولة العبرية , وسيمتاز هذا الضيف السعودي بالعناية والرعاية من جانب الدولة العبرية خاصة , وواشنطن بصفة عامة , لما يكون لمملكة آل سعود دور فاعل في تفعيل التحول للمنطقة من المنطقة العربية بتخومها الإسلامية , إلي المنطقة الشرق أوسطية , لتحل فيها تل أبيب وطهران وأنقرة , ليتم إعادة ترسيم الجغرافيا وتغيير بنود وشروط التاريخ , حتي تتمكن القوي العظمي من إدارة تلك المنطقة بكامل الحرية والإرادة علي كافة الأصعدة وأهمها الصعيد العسكري والأمني , وللسيطرة علي غالبية الكيانات الدينية سواء الدعوية منها أو الجهادية , أو الإرهابية حسب مسمات وتوصيفات الوضع العالمي الجديد وحسب مسطرة المسميات والمصطلحات التي ستنتجها الظروف الجديدة .
ومن المشاهد أن الحرب الدائرة رحاها بين مملكة آل سعود والدولة اليمنية , كأنها بمثابة تمهيد شنيع تلاها توطئة فظيعة لإتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية , ثم بدأ الخطر يتجلي ببشاعة في حصار قطر , ويري بعض المشاهدين للخريطة العربية والتغيرات السياسية بتراكماتها الإجتماعية المتطلعة للحريات الزائفة وليست الحقيقية في مؤداها أن هذه المسائل غدت بدايات سريعة تكتمل حلقاتها بإتجاه تنفيذ ماارتآه برنارد لويس صاحب العقل الأخطر في العالم وصاحب النبوءات التي تنفذها أجهزة الإستخبارات العظمي علي أرض الواقع العربي الذي سيصير شرق أوسطي قريباً بفعل سياسات الدول الناطقة باللغة العربية في مواجهة الغير نطاقين بلغة الضاد , فذلك مارددته بعض الصحف المصرية عن برنارد لويس ومشاريع نبوءاته الخطيرة , ونقلت عنه جزء من كلماته التي يصف فيها العرب والمسلمين بصفات عنصرية حقيرة , وكأن هذه الصفات منحصرة علي العرب والمسلمين وحدهم , وهذا الوصف العنصري وكأنه يبرر به نبوءاته لتفكيك الدول العربية والتي تدين بالإسلام , ليعلن بأن :" إن العرب والمسلمين قوم فاسدون مفسدون فوضويون، لا يمكن تحضرهم، وإذا تُرِكوا لأنفسهم فسوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية تدمِّر الحضارات، وتقوِّض المجتمعات، ولذلك فإن الحلَّ السليم للتعامل معهم هو إعادة احتلالهم واستعمارهم، وتدمير ثقافتهم الدينية وتطبيقاتها الاجتماعية، وفي حال قيام أمريكا بهذا الدور فإن عليها أن تستفيد من التجربة البريطانية والفرنسية في استعمار المنطقة؛ لتجنُّب الأخطاء والمواقف السلبية التي اقترفتها الدولتان، إنه من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلي وحدات عشائرية وطائفية، ولا داعي لمراعاة خواطرهم أو التأثر بانفعالاتهم وردود الأفعال عندهم، ويجب أن يكون شعار أمريكا في ذلك، إما أن نضعهم تحت سيادتنا، أو ندعهم ليدمروا حضارتنا، ولا مانع عند إعادة احتلالهم أن تكون مهمتنا المعلنة هي تدريب شعوب المنطقة علي الحياة الديمقراطية، وخلال هذا الاستعمار الجديد لا مانع أن تقدم أمريكا بالضغط علي قيادتهم الإسلامية- دون مجاملة ولا لين ولا هوادة- ليخلصوا شعوبهم من المعتقدات الإسلامية الفاسدة، ولذلك يجب تضييق الخناق علي هذه الشعوب ومحاصرتها، واستثمار التناقضات العرقية، والعصبيات القبلية والطائفية فيها، قبل أن تغزو أمريكا وأوروبا لتدمر الحضارة فيها.(1)
إلا أن وصف برنارد لويس للعرب والمسلمين بهذه الصفات العنصرية , والتي بدا أنه يعاني من أسباب ونتائج الإرهاب العربي / الإسلامي , حسب وصفه , لايمكن أن يتناسي البعض أن هذا الإرهاب كان صنيعة الولايات المتحدة الأمريكية, وبمساندة بعض الدول العربية والإسلامية , في الأس والأساس وفي الشكل والجوهر والمعني والمغزي , فإذا كانت تنبهت صحيفة الأهرام الشبه قومية إلي نبؤات برنارد لويس , وهي صاحبة مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية , والمتوجب عليه إعداد دراساتها لإخطار وإبلاغ المؤسسات السياسية والجهات السيادية بهذه النبؤات التي دائماً تتحقق , حتي لايقف الأمر عند حدود النشر وفقط , فبالرغم من تنامي العلم بأن :" منطقة الشرق الأوسط عندما تتردد من حين لآخر تسريبات حول المساعي الغربية بقيادة الولايات الأمريكية المتحدة واسرائيل لتنفيذ مخطط لتقسيم المنطقة إلي عدة دويلات صغيرة وضعيفة علي أساس عرقي وطائفي ومذهبي في سبيل تحقيق حلم دولة اسرائيل الكبري والسيطرة علي الأماكن الغنية بالنفط والثروات الطبيعية.وقد تجددت شجون هذا الحديث مؤخرا عندما نشرت صحيفة نيويورك تايمز خريطة تظهر فيها خمس دول بالشرق الأوسط وقد قسمت إلي14 دولة وفقا لاعتبارات قبلية وطائفية.. ولكي لا تمر الواقعة هذه المرة دون أن نعرف من أين أتت كل هذه السموم الفتاكة, تحاول السطور التالية كشف النقاب عن رأس الأفعي الذي بفضل مجهوداته الدءوبة كتبت كل مخططات تقسيم المنطقة الحالية. إنه المستشرق و المؤرخ برنارد لويس صاحب أول مخطط مكتوب لتقسيم المنطقة وصاحب نظرية أن الاستعمار للشعوب العربية نعمة تخلصهم من آفة الجهل والتخلف التي أرستها فيهم الأديان السماوية ولاسيما الاسلام.(2)
وتنشر صحيفة اليوم السابع المصرية تحت عنوان :"
خرائط تقسيم الشرق الأوسط من "سايكس بيكو" إلى "برنارد لويس"..فرنسا وبريطانيا تقاسمتا إرث الدولة العثمانية عقب الحرب العالمية الأولى..رون جاكوب:إيران ستشعل حربا مع دول الخليج وإسرائيل قد تمحى من الخريطة , ويأتي بها حديثاً عن التقسيم والتفكيك لدول المنطقة العربية متضمناً العديد من الآراء المتوجب الإعتناء بها عقلياً ودراستها سياسياً , حيث ورد بها أن :" مخططات التقسيم تعود بداية إلى مئة عام مضت، وتحديدًا عام 1916، حين قررت كل من بريطانيا وفرنسا تقسيم إرث الدولة العثمانية «الرجل المريض»، عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى، لتظهر مؤامرة «سايكس بيكو» التى أدت إلى تغيير معالم دول الهلال الخصيب، وظهور دولة الكيان الصهيونى على حساب احتلال الأراضى الفلسطينية.
ثانى محاولات التقسيم والتدخل جاءت عام 1957، حين أعلن الرئيس دوايت أيزنهاور ما عرف بـ«مبدأ أيزنهاور»، والذى كان يقضى بأحقية الولايات المتحدة فى التدخل لصالح أى دولة فى الشرق الأوسط تعانى من تهديدات المعسكر الشيوعى، ليأتى بعد ذلك الحديث عن مخطط الشرق الأوسط الكبير، بداية الثمانينيات من القرن الماضى، وعقب تفتت الاتحاد السوفيتى، حيث دعمت الإدارة الأمريكية وقتها برنارد لويس لوضع مخطط يهدف إلى تقسيم الدول العربية إلى دويلات وأقاليم على خلفيات دينية وعرقية.(3)
وقد تمثلت مخططات التفكيك والتقسيم :" التى وضعت لتغيير خريطة مصر فى ثلاث استراتيجيات أساسية، أولاها شد الأطراف، عن طريق فصل المناطق الحدودية، وثانيها توسيع دولة إسرائيل على حساب الحدود المصرية، وثالثها استبدال قيادة أخرى موالية بالقيادة الوطنية، تسمح بتدخلات غربية واسعة.(4)
وحسبما يري رمزى بارود:" إن الشرق الأوسط من أكثر المناطق التى واجهت أطماعًا على مر التاريخ، مشيرًا إلى أن الصراع القادم سيتخذ شكل صراع سنى شيعى، وإن إيران ستقوم بدور كبير خلال الفترة المقبلة فى تشكيل الواقع العربى على الأرض".
ويضيف: "أما جماعة الإخوان المسلمين، فستسعى أيضًا إلى إعادة صفوفها، وهنا ينبغى على الدول السنية أن تتعامل مع شعوبها بشفافية، حتى لا ينجح الإسلام السياسى فى الصعود إلى الحكم مرة أخرى".
ويعتقد «رمزى» أن أسوأ السيناريوهات التى من الممكن أن تحدث فى الشرق الأوسط، هو أن تنشأ دويلات على أساس دينى، الأمر الذى سيؤدى إلى إشعال صراع لا ينتهى فى الشرق الأوسط، كما هو حال إسرائيل. ويمكن القول إن سوريا والعراق وليبيا واليمن من أكثر الدول القريبة من سيناريوهات التقسيم، بينما ستشتعل المعارك بين دولتى شمال وجنوب السودان، لأسباب سياسية واقتصادية، وتبقى مصر بعيدة عن الصراعات الداخلية، لكنها تحتاج إلى اعتماد برنامج تنمية شامل، وتحول ديمقراطى، لأنه أمر حيوى ومهم، رغم كونه طويلًا ومؤلمًا.(5)
والتناسي أو عدم الأخذ في الحسبان عند تحليل المشهد العربي الإسلامي بجغرافيته المترامية الأطراف وبثرواته الهائلة , أن الدين يشكل أداة سياسية جبارة في ترسيم السياسات والمراكز السياسية والإجتماعية لهيكلة الدولة والمجتمع لإٌستمرار نفوذ الإستبداد السياسي والديني , وخلق حالات عدائية مصطنعة بين الأديان والمذاهب والفرق بل والجماعات الدينية المنضوية تحت لواء راية دينية ومذهب ديني واحد , حتي يتم الإلتفات عن كافة الجرائم السياسية التي ترتكبها أنظمة الإستبداد العربي مجتمعة ضد المواطنين وثروات الأوطان المتوجب ملكيتها للمواطنين وليس للأنظمة الحاكمة بالإستبداد , فعلي سبيل المثال تعتاش مملكة آل سعود في بقائها علي سدة الحكم بمفاهيم دينية جبارة صارت تتآكل بقوة الأمر الواقع علي المستوي الدولي المعلوماتي , وكذا الدولة الإيرانية , بجانب الدولة العبرية , فهذه الدول الثلاث تعتاش في تواجدها علي أفكار دينية فإذا كانت الدولة العبرية يتم إتهامها بالصهيونية اليهودية , فهناك دول عربية يسهل إتهامها بالصهيونية العربية والصهيونية الإسلامية , نسبة إلي المباديء والمفاهيم والأفكار والتصورات المنسوخة من النصوص الدينية والتي تحرض علي العنصرية والتمييز الديني وكراهية الآخر والعمل دائماً علي حربه وقتاله وقتله , والإجهاز علي كافة مقدراته , وهذا شأن كافة الدول التي تتبني مفاهيم دينية بلا إستثناء , ليتم إستخدام الأديان كأدوات جبارة تخدم علي العنصرية والتمييز والكراهية والقتل لأي آخر .
وليس غريباً أن يكون شأن الدول الدينية من أسوأ الشئون الإنسانية علي الإطلاق لتأميم الحريات والديمقراطية وجعل إرادة المواطنين علي مسطرة إعتقادية / إيمانية واحدة , ونفي كافة الأديان والمذاهب الدينية التي تدين بها الدولة والمجتمع ليظل الآخر الديني متوجباً قتله وقتاله بإستمرار , وكلنت هذه الدول بمثابة زرائع خطيرة لنقل المعارك من علي مسارح الدول الكبري المدعية لتبني وحمل لواء الحريات الفردية والإجتماعية والتي تسعي لتطبيق الديمقراطيات الغربية كبديل حضاري وإنساني لأنظمة تلك الدول الدينية , وكانت الحرية والديمقراطية بمثابة أدوات هي الأخري للولوج إلي مصارع تلك الدول وتفكيكها وتقسيمها وإدارة النزاعات الدينية والنزعات المذهبية والطائفية بين مواطنيها , ولايمكن أن ننسي الدور البريطاني في مساندة ونشأة مملكة آل سعود وتعظيم الدور الديني للحركة الوهابية في أرض الحجاز سابقاً مملكة آل سعود حالياً , وكذا الدور المساند ضد شاه إيران ومساندة الإمام الخميني في تنحية شاه إيران , وكذا دور شركة قناة السويس في دعم حسن البنا وإنشاء جماعته الإخوان المسلمين .
ومما يجدر القول به أن الدول الدينية التي تخلط علي الدوام بين ماهو ديني وماهو سياسي , كان بمثابة جرائم ضد الدين وضد الأوطان , فلا الأوطان ارتقت وتحررت , ولا الأديان سادت وطبقت نصوصها الدينية , وإنما حالات متكررة منسوخة من تلال من المفاهيم المغلوطة والتصورات المريضة عن الدين وعن النصوص الدينية , تزداد معه أعداد المنظمات الدينية بحسب زيادة حاملي المفاهيم ومروجي التصورات , ولذلك كانت الأقليات الدينية بمثابة مثار لنزعات أجهزة الإستخبارات في التأصيل لتحقيق نبؤات المستشرقين والمثقفين والأكاديميين العاملين تحت مخططاتها ضد العرب والمسلمين علي الدوام .
ومن هنا كانت النزاعات الدينية هي الأساس للتدخلات العسكرية كما حدث في البوسنة والهرسك , وكما حدث في سوريا الأن , وكما هو الحادث في العراق وغيره من الدول التي تتأسس علي القومية أو الدين أو هما معاً .
ولذلك كانت الجرائم تنتج ضد الآخر القومي اللغوي والآخر الديني ممن يمثلون أقليات دينية أو قومية , وقد عقدت العديد من المؤتمرات بشأن هذا الأمر "ففي السنوات الأخيرة وعلى امتداد الساحة السياسية والثقافية العالمية تصاعد الاهتمام بمسألة حقوق الإنسان والديمقراطية ومع تفاقم مشكلة الأقليات وتصاعد حدة التوتر جراء الصراعات والتصادمات بين أقليات وأغلبيات ، وانعكاساتها الدولية أدركت الأمم المتحدة مخاطر مشكلة الأقليات في العالم وتداعياتها ، فكان الإعلان العالمي الخاص بحقوق الأفراد المنتمين لأقليات قومية أو اثنية أو لغوية أو دينية ، والصادر عن لجنة حقوق الإنسان واللجنة الفرعية لمنع التمييز وحماية الأقليات ، والمصدق عليه من الجمعية العامة للأمم المتحدة في 18/12/1992 ، هو ذروة العطاء القانوني الدولي لمسألة الأقليات، فهو الأكثر وضوحا ويعتبر ثورة حقيقية في القانون الدولي، حيث ينص في أحكامه علي حقوق الأقليات في المشاركة السياسية وصنع القرار السياسي ، واحترام مبدأ المواطنة المتساوية لكل أعضاء المجتمع بغض النظر عن اختلاف الدين . (6)
ومن هنا فقد:" تأكد ذلك في المؤتمر العالمي الثاني لحقوق الإنسان الذي انعقد في فيينا فيما بين 14 - 26 يونيو عام 1993 والذي حضرته 171 دولة ، حيث نص هذا البيان على ضرورة التزام الدول الكامل والفعال بحقوق الإنسان والحريات السياسية .
ويري الأستاذ الدكتور عصام عبدالله أن :" بيان فيينا مع بقية الإعلانات العالمية الخاصة بقضية حقوق الإنسان ، هو خطوة متقدمة على طريق حل مشكلة الأقليات، هذه المشكلة التي باتت تهدد الأمن والسلام في أكثر من منطقة منها على الأخص منطقة الشرق الأوسط التي باتت مهددة بالتقسيم ، حيث تتواجد جميع أنواع الأقليات كالأقباط في مصر والجنوبيون في السودان والأشوريين والأرمن والأكراد والبربر وغيرهم في كل من العراق وتركيا وإيران وسوريا ولبنان والمغرب الكبير .(7)
ويستكمل الدكتور عصام عبدالله , حال رؤيته بعض من :" المصادفات العجيبة ، رغم ان تفسيرها ليس متعذرا ، تزامن صدور هذا البيان مع ظهور العولمة وانتعاش الاصوليات في العقد الأخير من القرن الماضي، ومن ثم تصدرت مسألة الأقليات بقوة واجهة المشهد ، وحسب "ديفارج" فى كتابه "العولمة" : " فإن العولمة إذ تنشر فى كل أرجاء الأرض مرجعيات وقيماً غربية ، تستثير ردود أفعال الثقافات الأخرى التى تشعر أنها مهددة بالزوال بسبب العقلانية والعلمنة . ومن هنا يأتى تفجر الحركات الأصولية باعتبارها سعياً للنقاء المفقود ، ولعصر ذهبى ترغب فى استعادته لحظة البداية حيث لم يفسد الإيمان بعد ، أكثر منها محاولات لا شعورية لتحديث العقيدة ، وهوما يؤدي إلي تفكيك الدولة القومية التي ظهرت بموجب معاهدة " ويست فاليا " عام 1648 ، وينهي بالتالي فكرة الوطن والمواطنة ."(8)
وعلي ذات وتيرة التناقض بين ماهو ديني وماهو وطني أو إقليمي , فإن فكرة الأممية الدينية التي هي بمثابة عقيدة راسخة لدي الدولة الدينية أو الساعين لتحقيقها وتشييد صروحها المتصورة في عقول ومفاهيم المؤمنين بها , صارت وكأنها بمثابة فتائل لقنابل شديدة الإنفجار تقترب من الإنفجار كلما زادت معدلات ونسب نفي الدولة الوطنية والإقتراب المتوهم من دولة الإيمان , ليتحول المواطنون جميعهم إلي مؤمنون , ويحل الإيمان كبديل مقدس عن المواطنة التي هي مدنسة لديهم , وبالتالي يستحيل تصور تواجد غير المؤمنين بدولتهم المتصورة في المخيال الديني الواسع المستمد تصوراته من عل سماوي , ولذلك فإنه :"وعلي سبيل المثال فإن نظرة الأصوليين ، لأنفسهم دوما كإمتدد للخارج ، للعالم الذي ينتمون إليه باللسان والوجدان ، يولد عند أكثرهم إحساس غريب بأنهم إلي ذلك الخارج أقرب منهم إلي أهليهم الذين يشاركونهم الأرض ، أي يشاركونهم الوطن . وهو ما ينتج الكارثة في بلد بوتقة ، كالعراق والشام ومصر والسودان والمغرب ، لأنها تدفع الطرف الآخر إلي اللواذ بمن يحسبونهم أكثر قربي لهم من خارج حدود هذا الوطن .(9)
وللأسف الشديد مازالت معظم دول منطقة الشرق الأوسط تقلل من شأن التطورات العالمية المتسارعة ، وتتجاهل عن عمد القضايا الإنسانية الناجمة عن عدم حل مشكلة الأقليات بل وتنكر وجود هذه الأقليات أصلا بزعم أن هذه الأقليات من نسيج واحد ولحمة واحدة مع الأغلبية في الوطن ، مؤكدة علي أن الدستور ينص ويقرر مساواة جميع المواطنين أمام القانون ، بصرف النظر عن اللون أو الدين أو الجنس .(10)
وعلي المنوال الديني الذي تتبناه كافة الدول الدينية تنسج الدول العظمي كافة مخططاتها لتفكيك هذه الدول وإعادة ترسيم حدودها من جديد بما يتلائم ويتوائم مع مصالح هذه الدول وأخصها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل , وهكذا يتواكب السعي من جانب هاتان الدولتان تحديداً إلي تحقيق كافة نبؤات برنارد لويس حال كونه :" صاحب أول مخطط مكتوب ومدعم بالخرائط لتقسيم المنطقة, حيث وضعه في عام1980 في أعقاب تصريحات أدلي بها مستشار الأمن القومي الأمريكي بريجيسينكي قال فيها إن المعضلة التي ستعاني منها الولايات المتحدة الأمريكية من الآن فصاعدا هي كيف ستسعر نيران حرب خليجية ثانية تستطيع من خلالها تصحيح حدود سايكس بيكو في المنطقة. في هذه اللحظة كلفت وزارة الدفاع الأمريكية لويس شخصيا لوضع مخطط التقسيم ومنذ هذا الحين وهو مدرج علي رأس السياسات المستقبلية للولايات الأمريكية المتحدة. وجاء في هذا المخطط تقسيم18 دولة عربية إلي مجموعة دويلات صغيرة تعيش إلي جانب دولة اسرائيل الكبري.(11)
وتأكيداً لنبؤات برنارد لويس التي تتحقق بما يصل من تسريبات عن تلك المخططات أو السعي لتسريبها حسب دراسات نفسية معدة من جانب علماء علم النفس السياسي والإجتماعي لنفسيات والميول النفسية والدينية لهذه الشعوب , سعياً لما يتم في المستقبل القريب أو البعيد من اتخاذ إجراءات عسكرية أو إقتصادية ضد هذه الأنظمة حتي تتلقاها الشعوب بلون من ألوان اليأس , والإحباط , والعودة إلي المسارات العقلية الحتمية والنفسية في قبول كافة تلك الإجراءات إنتظاراً للقصاص الإلهي كبديل عن قصاص القائمين علي منظومات الحكم والسلطة ممثلة في المهدي المنتظر أو الإمام الغائب !
ولكن فإن :" منطقة الشرق الأوسط عندما تتردد من حين لآخر تسريبات حول المساعي الغربية بقيادة الولايات الأمريكية المتحدة واسرائيل لتنفيذ مخطط لتقسيم المنطقة إلي عدة دويلات صغيرة وضعيفة علي أساس عرقي وطائفي ومذهبي في سبيل تحقيق حلم دولة اسرائيل الكبري والسيطرة علي الأماكن الغنية بالنفط والثروات الطبيعية. وقد تجددت شجون هذا الحديث مؤخرا عندما نشرت صحيفة نيويورك تايمز خريطة تظهر فيها خمس دول بالشرق الأوسط وقد قسمت إلي14 دولة وفقا لاعتبارات قبلية وطائفية.(12)

مملكة آل سعود داخل إطار التفكيك والتقسيم

لم تكن عاصفة الحزم السعودية ضد اليمن إلا بداية من ضمن بدايات تنفيذ مشروع برنارد لويس لتقسيم السعودية ذاتها , وكذا تقسيم دول أخري , حال كونه قد رسم وخطط بعقليته الجبارة الدارسة لعقول ونفسيات الشعوب العربية والإسلامية , دراسة فوق ممتازة , وهو :" صاحب أخطر مشروع في القرن العشرين لتفتيت العالم العربي والإسلامي من باكستان إلى المغرب، من 56 دولة إلى 88 دويلة صغيرة على أساس عرقي وديني وطائفى، ونشرته مجلة وزارة الدفاع الأمريكية، في 20 مايو 2005. وعندما دعت أمريكا عام 2007، إلى مؤتمر “أنابوليس” للسلام، كتب برنارد لويس في صحيفة “وول ستريت” قائلًا: يجب ألَّا ننظر إلى هذا المؤتمر ونتائجه إلَّا باعتباره مجرد تكتيك موقوت، غايته تعزيز التحالف ضد الخطر الإيراني، وتسهيل تفكيك الدول العربية والإسلامية، ودفع الأتراك والأكراد والعرب والفلسطينيين والإيرانيين ليقاتل بعضهم بعضًا كما فعلت أمريكا مع الهنود الحمر من قبل .
وفي عام 1980 والحرب العراقية الإيرانية مستعرة، صرح مستشار الأمن القومي الأمريكي “بريجنسكي” قائلًا: المعضلة التي ستعاني من الولايات المتحدة من الآن (1980)، هي كيف يمكن تنشيط حرب خليجية ثانية تقوم على هامش الخليجية الأولى التي حدثت بين العراق وإيران، تستطيع أمريكا من خلالها تصحيح حدود “سايكس بيكو”.(13)
وحسبما يري المحلل السياسي رون جاكوب :"أن الشرق الأوسط سيكون مشهدًا للحرب والصراعات خلال السنوات القليلة المقبلة، وذلك بسبب أطماع الدول الكبرى فى موارد وأسواق الشرق الأوسط، كما يعتقد «جاكوب» أن إيران ستدخل فى حرب مع دول الخليج على خلفية الصراع السنى الشيعى بالمنطقة
وأشار إلى أن إسرائيل بدورها ستستغل الوضع المشتعل بالمنطقة، لتزيد من توسعاتها الاستيطانية، فى محاولة لتهجير الفلسطينيين، ومحو هويتهم، وحل تلك الصراعات يتمثل فى اتحاد الشعوب العربية، وتفعيل دور المجتمع المدنى حتى يكون التعاون على مستوى القيادات والقواعد الشعبية أيضًا.(14)
وعن مستقبل جغرافية شبه الجزيرة العربية , فإنه وحسب مشروع برنارد لويس , سيتم إلغاء الكويت وقطر والبحرين وسلطنة عمان واليمن والإمارات العربية من الخارطة ومحو وجودها الدستوري بحيث تتضمن شبه الجزيرة والخليج ثلاث دول فقط هي دولة الإحساء الشيعية وتضم الكويت والإمارات وقطر وعمان والبحرين , ودولة نجد السنية , ودولة الحجاز السنية .
ولعل السعودية تدرك ذلك , ولن تدرك , وبالتالي معها الدولة المصرية التي تعتاش شأنها شأن مملكة آل سعود التي تحكم بالجينات الوراثية , والدولة المصرية تحكم عبر جينات عبيد الدولة المركزية بجناحيها العسكري الأمني والديني , فمازالت المخططات ضد مصر تعمل بقوة وشدة وفاعلية , لأنها دولة جوار مباشر مع الدولة العبرية وخاضت معها عدة حروب كما هو معلوم , وهذا بالرغم من أن الدولة المصرية ليست قادرة علي إدارة سلام مع الدولة العبرية , وليست قادرة علي إدارة معركة حربية تحسم الصراع من أجل المصالح والتوسع الإسرائيلي , فهي مازالت خاضعة للشروط الأمريكية شأنها كشأن الغالبية من الدول العربية والإسلامية , فمازالت إسرائيل لاتجهل قدرها وقدر غيرها من العرب والمسلمين , ورعب الدولة العبرية من ثمة تقنيات عسكرية يمتلكها العرب أو المسلمين وخاصة الدولة المصرية بغالبيتها الدينية السنية , ومدي الإنتشار لمفاهيم جماعات التطرف والعنف والإرهاب , ومدي خطورة المقررات الدراسية الدينية الرسمية , وخطب الجمع والأعياد والمناسبات , وبالطبع الدراسات والأبحاث التي تصطنع مقارنات ومفارقات بين الإسلام وكافة أجوه الحياة والوجود والكون والطبيعة , والمنصبة جميعها علي حياة الإنسان ودنياه وآخرته حيث العقاب والثواب , وهذا بالرغم من ان هذه الدرسات تجري المقارنة بين الإسلام كدين ومعتقد وشرعة وسلوك وأخلاق , إلا أنها لم تجروء علي إجراء المقارنة بين المسلمين بإعتبارهم حملة للإسلام الدين والمعتقد والمتوجب أن يصطبغوا بصبغته في مجالات المقارنة , ولكن هذا مستبعد علي المجمل العام , وإلا تجد هذه الدرسات فشل منقطع النظير بين المسلمين وبين مقارنة أحوالهم العلمية والإنسانية والتكنولوجية , وبين غيرهم , إلا أنهم وحال حديثهم عن هذا الفشل الإنساني الزريع يرجعوا أسبابه حصرياً إلي الإبتعاد عن الإسلام الدين والمعتقد والشريعة , متناسين عن عمد وسوء قصد أن غيرهم من الديانات والمعتقدات السماوية أو الأرضية قد حققوا إنجازات إنسانية فائقة في غضون عقود من الزمن , وليس قرون مقارنة بالعودة الدائمة إلي مايزيد عن 1400 سنة منذ نشأة ووجود الدين الإسلامي .
كل هذه الأمور تدركها الدول الغربية بدرساتها العلمية والأكاديمية المعمقة والمؤيدة بالأدلة والبراهين التي تؤكد صدق الإستدلال ورجاحة البرهان العلمي , فهم يدركون جيداً أن المسلمين بما لديهم من تراث هائل إمتاز بالشفاهية المتداولة والمنقولة والتي دونت فيما بعد في تراث مكتوب تتناقله الأجيال عبر المدارس والمعاهد والجامعات الدينية التي تري مقرراتها كأن المسلمين وحدهم هم الأجدر بالحياة الدنيا والملاك وحدهم للآخرة والجنة , وأنهم حال حياتهم يتوجب عليهم أن يكونوا سادة علي الأكوان , وأعزاء , وان غيرهم الأذلاء المهانين , وسيلقون مصيرهم الأخروي في أشد العذاب بالنار , ولذلك وجب عليهم تعبيدهم لله , وإلا الجزية , وإلا القتال , وصار مفهوم الآخر الديني بمثابة جريمة دائمة مستمرة في أرض الله , يجب تطهير الأرض منها وإلا توجب الخلاص من هذا الآخر !
ولذلك حرصت الدول الغربية في مجملها والدولة العبرية خاصة علي إضعاف العرب والمسلمين بإعتبارهم عصاة علي التغيير والتبديل والقبول بشروط الواقع العالمي الجديد بما له وما عليه من تداعيات وآثار خطيرة كانت أهمها وأسواها علي الإطلاق حالة الوهن والضياع العربي الإسلامي الناشيء عن صراعات دينية هي للحقارة العقلية أقرب , وللدناءة الأخلاقية اشد وأسوأ !




خطورة تيران
بين الأمن القومي المصري والعربي .. والأمن القومي للدولة العبرية والغرب
يرتبط الحديث بتيران علي الدوام , بالحديث عن سيناء , ومادام اتصل الحديث بسيناء بحضور الدكتور جمال حمدان يكون متوجباً علي الدوام , ففي العام 2016 يوم 25 مارس , أنعقدت ندوة بالقاهرة عن عبقرية جمال حمدان في صالون الإدريسي بالمجلس الأعلى للثقافة , وكان الحديث عن سيناء محورها , ومما جاء أثناء الندوة وتم توثيقه أن الدكتور جمال حمدان له نبوءات تتحقق , وأنه :" كان يمتلك قدرة ثاقبة على استشراف المستقبل متسلحا في ذلك بفهم عميق لحقائق التاريخ ووعي متميز بوقائع الحاضر ففي فترة الستينات وبينما كان الاتحاد السوفيتي في أوج مجده والزحف الشيوعي الأحمر يثبت أقدامه شمالا وجنوبا أدرك الدكتور جمال حمدان ببصيرته الثاقبة أن تفكك الكتلة الشرقية واقع لا محالة وكان ذلك في 1968م فإذا الذي تنبأ به يتحقق بعد 21 سنة وبالتحديد في عام 1989 حيث وقع الزلزال الذي هز أركان أوروبا الشرقية وانتهى الأمر بانهيار أحجار الكتلة الشرقية وتباعد دولها الأوروبية عن الاتحاد السوفيتي ثم تفكك وانهيار الاتحاد السوفيتي نفسه عام 1991م." (15) وهذا الحديث لإنتباه السياسين والمفكرين بصفة عامة إلي خطورة الوضع بالنسبة لشبه جزيرة سيناء وما يحاك لها من مخططات يتم السعي لإنتاجها علي أرض الواقع عبر السلطة السياسية الحاكمة في مصر , والضغط عليها بأساليب عديدة تخضع لرؤي وتصورات وأهداف تتغاياها الدول العظمي والدولة العبرية التي تعمل بجد وإخلاص عبر قادتها السياسيين والعسكريين , وعبر الشعب الذي يراه جمال حمدان ذاته بأن شعب إسرائيل هو جيشها وجيشها هو شعبها ولذلك فإنه :" ومن خلال تحليل متعمق قال الدكتور جمال حمدان أن وجود إسرائيل رهن بالقوة العسكرية وبكونها ترسانة وقاعدة وثكنة مسلحة وأشار إلى أنها قامت ولن تبقى وهذا تدركه جيداً إلا بالدم والحديد والنار ولذا فهي دولة عسكرية في صميم تنظيمها وحياتها ولذا أصبح جيشها هو سكانها وسكانها هم جيشها. و قال عن سيناء : سيناء ليست مجرد صندوق من الرمال كما قد يتوهم البعض إنما هى صندوق من الذهب ووصف الدكتور جمال حمدان شخصية سيناء من الزاوية الجغرافيا والتاريخية وكتب في سنوات عمره الأخيرة عن بوابة مصر الشرقية في محاولة منه للحث على تعمير سيناء كحل وحيد لحمايتها من الأطماع الاستعمارية على مر التاريخ فبلغة أقرب إلى الشعرية وصف الدكتور جمال حمدان كيف كانت سيناء على مر التاريخ موقعا للمعارك الضارية مع الغزاة، فقد قال : حيث كان ماء النيل هو الذي يروى الوادي كان الدم المصري الذي يروى رمال سيناء ولن تجد ذلك أمرا غريبا إذا أدركت أهمية الموقع الإستراتيجي لسيناء بالنسبة لباقي مصر بل وللقارة الأفريقية فالمستطيل الشمالي منها بتضاريسه المعتدلة وبموارده المائية كان طريقا للحرب وللتجارة على مر التاريخ أو مركز الثقل الإستراتيجي لسيناء ومع تطور تقنيات الحروب الحديثة أصبح المثلث الجنوبي لسيناء نقطة ارتكاز للوثوب على ساحل البحر الأحمر بالسلاح البحري أو الطيران وكذلك لتهديد عمق الصعيد المصري بالطيران وتعد شرم الشيخ بمثابة المفتاح لهذا المثلث الجنوبي فهى وحدها التي تتحكم تماما في كل خليج العقبة دخولا وخروجا عن طريق مضيق تيران .(16)
"وساهم تطور الحروب على مدار التاريخ في تحويل سيناء إلى أرض معركة بعد أن كانت طريق معركة ومن جسر حربي إلى ميدان حربي وبالتالي من عازل استراتيجي إلى موصل جيد للخطر .. أيضا لخص الدكتور جمال حمدان دور سيناء في نظرية الأمن القومي المصرية حيث قال من يسيطر على فلسطين يهدد خط دفاع سيناء الأول ومن يسيطر على خط دفاع سيناء الأوسط يتحكم في سيناء من يسيطر على سيناء يتحكم في خط دفاع مصر الأخير ."(17)
ومن هنا كانت خطورة سيناء علي أي مخططات قديمة للإستيلاء علي سيناء , وتحقيق الحلم التوراتي للدولة العبرية , وحسب رؤية الدكتور جمال شقرا أستاذ التاريخ المعاصر ومدير مركز البحوث بجامعة عين شمس والتي تؤكد علي "أن مصر تمثل موقعا استراتيجيا مهما فى مخططات الصهيونية العالمية حيث تعتبر مصر من ضمن إسرائيل التوراتية وسيناء تدخل فى إطار الوطن التوراتى، ومن هذه الزاوية تعتبر مصر البوابة الجنوبية لدخول فلسطين، وتعد سيناء الحد الاستراتيجى فهى شبه جزيرة على شكل مثلث قاعدته فى الشمال على ساحل البحر المتوسط ويعد خليج العقبة والسويس ضلعيه الآخرين، ولعل الأهمية الإستراتيجية لشبه جزيرة سيناء البوابة الشرقية لمصر وحلقة الوصل بين مصر والمشرق العربى من ناحية وبين قارتى اسيا وإفريقيا من ناحية أخرى احد العوامل المهمة، أيضا لفتت أنظار اليهود فضلا عن أنها الأرض التى نادى فيها سيدنا موسى ربه فلقد دفعت هذه العوامل هرتزل إلى التفكير فى اختيار سيناء لتكون وطنا لليهود ولقد زاد الاهتمام بشبه جزيرة سيناء بعد انشاء خط سكك حديد السويس ومد خط التليغراف إليها ويؤكد كثير من الدراسات التاريخية أن (بالمر) سافر إلى سيناء قبيل الاحتلال البريطانى لمصر عام 1882 قاصدا بلده نخل ومصطحبا معه مترجما سوريا وشخصية يهودية، وكان الهدف الحقيقى من وراء هذه الرحلة دراسة الأوضاع فى سيناء، ولقد فشل اليهود فى إقناع الدولة العثمانية بالتفريط فى سيناء ولذلك لجأوا إلى الإمبراطورية البريطانية لكى تساعدهم فى ذلك، وحسب ما أورده (جوليان أمري) الوزير البريطانى ومؤلف كتاب حياة (تشمبر يلين) فانه كان متحمسا لتوطين اليهود فى سيناء والعريش وفلسطين حيث كان يرى أن هذا التوطين يخدم المصالح البريطانية فيخلص بريطانيا من تدفق اليهود ومن ناحية أخرى يمد نفوذ الإمبراطورية البريطانية نحو فلسطين التى تمتلك موقعا استراتيجيا مهما للمصالح البريطانية خاصة بعد الانهيار المتوقع للإمبراطورية العثمانية.(18)
وعن خطورة الأوضاع التي تعيشها سيناء علي كافة المستويات الحياتية والإنسانية ومدي الخطورة الأمنية والعسكرية التي تواجه مواطني سيناء , والأجهزة الأمنية وقوات الجيش , مما يعد من جملة أمور تساعد علي التفريط في سيناء في المستقبل , جعلها ساحة حرب ونزاعات مسلحة , وهذا أحد الأهداف التي تجعل سيناء مفرغة من مواطنيها المصريين , ولذلك كان التنبيه علي خطورة الأمر وضرورة تفهم القادة السياسيين والعسكريين وعلماء النفس والإجتماع وعلماء اللهجات والأنثروبولوجيا إلي ذلك , وإبتعاث روح الإنتماء للوطن المصري, وعن كيفية المحافظة على انتماء أهالى سيناء لمصر, وهذه الرؤية تلخصها رؤية د. سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع السياسى بالجامعة الأمريكية , حال كونه يذهب إلي :" أن المناطق الحدودية فى أغلب دول العالم تكون السيطرة فيها ضعيفة مثل منطقة الحدود مع ليبيا والحدود مع السودان والمناطق الحدودية مع إسرائيل يوجد فيها مشاكل باستمرار نفس الحكاية فى أمريكا وكندا أو المكسيك يوجد بها هروب بطريقة غير شرعية وعندما نرجع إلى الموضوع فى سيناء فسيناء تمثل ثلاثة أضعاف مساحة إسرائيل وثلث مساحة مصر ومنطقة شمال سيناء يسكنها (300الف ) مواطن وجنوب سيناء 60 ألفا ومحافظة شمال سيناء تعتبر من أفقر المحافظات اقتصاديا واجتماعيا والتعامل مع هذه المنطقة تتطلب دراسات علمية غير موجودة حاليا ولابد من الجيش المصرى والشرطة الاستعانة بعلماء علم اجتماع وانثوبولوجية يفهمون ثقافة ولغة القبائل وبسبب هذا تواجه الأجهزة الأمنية بعض المشاكل لكى يفهموا اللهجة السيناويه، فأنت تحتاج إلى تعامل علمى فى هذا الموضوع وهذا يتطلب منك ان تبتعد عن الطرق التقليدية لأنك تتعامل مع إرهاب متقدم أسلحته أحدث وتدريبه افصل من أن ترسل قوات أو مجندين غير مدربين وتوجد بينهم نسب أمية عالية فلابد من وجود قوات مكافحة إرهاب وأمنى أكثر من جيش فأنت تحتاج إلى إستراتيجية كاملة واستخدام مكثف لعلماء اجتماع متخصصين فى الدراسات البدوية والإرهاب ، وبالنسبة لتملك الأرض والجنسية والتنمية فكيف نتعامل مع هذه المطالب سياسيا هذه المطالب شرعية ولابد من أن أشرك مواطن شمال سيناء فى مؤسسات الدولة لان عدم اندماجه وتهميشه يؤدى إلى اغترابه ويكون ضد الدولة ويتم تحويله إلى ضدك ، ومن هنا يفقد الانتماء ويفقد كل شيء ويكون لديه استعداد لعمل أى شيء ، فنحن نحتاج إلى تحديث قوى للاجهزة الأمنية فلا يمكن أن يكون سلاح الارهاب أطول من سلاح الشرطة فأين تدريب مكافحة الإرهاب، فالتهديدات التى تواجه مصر حاليا تهديدات عصابات وليست حروبا نظامية فلابد من تغيير الإستراتيجية، أيضا هناك بعض الدول من مصلحتها أن تكون مصر غير مستقرة وفاشلة فى المنطقة وحتى لا تشترك فى أى محفل دولى ولذلك يقومون بمساعدة الجماعات الإرهابية ماديا ومعنويا، ويجب على الدولة أن تقوم بضخ استثمارات كبيرة فى المنطقة حتى يستفيد منها أهالى محافظة شمال سيناء وحتى لا يقعوا فريسة مرة أخرى للإرهاب، أيضا لابد من وجود أى نوع من الترفيه لمواطنى شمال سيناء سواء سينما أو مسرحا فلماذا لا يتم انشاء دار أوبرا هناك ويتم معها الاستفادة من الثقافة البدوية وتقوم بتحويل المنطقة إلى منطقة جذب سياحى أخر مثل محافظة جنوب سيناء مما يعود فى نهاية الأمر إلى انتعاش الفرد السيناوى وأيضا زيادة عملة صعبة تستفيد بها الدولة فى التزاماتها الأخري، أيضا هناك تقصير واضح من الدولة فلا توجد أى قناة محلية تبرز مشاكل محافظتى شمال وجنوب سيناء فأين سيناء من التوجه الاعلامى وأين الاعلام السيناوى فى كل هذا فلابد من ابراز الجانب الجميل والمشرق لسيناء وليس مشاهد القتل التى يتم بثها بين الحين والآخر، أيضا أين الصحافة المصرية لكى تبرز موقعها الاستراتيجى وجمالها فالاعلام المصرى مقصر بشكل كبير فى حق سيناء فلابد من تغيير الإستراتيجية الإعلامية تجاه سيناء. (19)
وبذلك يكون المتحكم في جزيرة تيران تحديداً هو المسيطر الفاعل علي المضيق الكائن بين الجزيرة في الناحية الشرقية وبين سيناء في الناحية الغربية , ومن ثم التحكم في خليج العقبة وبالتوالي أم الرشراش " إيلات " , ولذلك كان علي أسوء التقديرات وحسبما تم سرده سابقاً , تظل إتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مملكة آل سعود والدولة المصرية , بشأن نقل الملكية والتبعية من الدولة المصرية إلي مملكة آل سعود , بمثابة تحويل المضيق إلي مضيق دولي يسمح لكافة السفن الدولية بالتحرك من مضيق باب المندب إلي مضيق تيران وصولاً إلي خليج العقبة ثم إلي أم الرشراش " إيلات " , وحسب كافة الدراسات العسكرية المتخصصة بالشئون العسكرية فإن تفوق الجيش الإسرائيلي نوعياً , علي كافة الجيوش العربية التي كان ومازال ولاؤها للغرب في غالب الأحيان , فإن مملكة آل سعود والتي صار الأمر علي يقين من وجود علاقات سرية باتت واضحة الأن في العلن , بينها وبين تل أبيب , صار أمر مرعب خاصة في حالة نقل الملكية والتبعية والسيادة إلي مملكة آل سعود , مما يهدد الأمن القومي المصري ويجعله في حالة وهن وتردي قابلاً لأي متغيرات جغرافية بشأن تعديل وتحريك خطوط الجغرافية الطبيعية أو السياسية علي حد سواء , لدرجة أن هناك بعض التكهنات التي قد ترتقي إلي حد الحقائق بشأن المتغيرات الدولية والإستراتيجية الفاعلة في الجغرافيا وموازين القوي , إلي أن قناة السويس الموازية كانت بمثابة تمهيد أو توطئة لما سيحدث في المستقبل من تهجير قسري للفلسطيني في غزة إلي شبه جزيرة سيناء , ومن ثم تكون قناة السويس الموازية بمثابة حاجز مائي فاصل بين الغزاويين وبين الدولة المصرية في حالة حدوث أي قلاقل أو أزمات تحدث في المستقبل حسب التصور الذي يراه بعض المحللين والقارئين للمنطقة بكافة تداعياتها وآثار نتائجها الحاصلة علي أرض الواقع المتخيل أو الذي صار مقروء بوضوح .
وعلي هذا النحو والتصور فإن البداية ستكون في تيران وصنافير , ثم تتوالي الأزمات والتنكبات التي تجعل من الدولة المصرية قابلة لأي قرارات صادرة مما يسمي بالمجتمع الدولي أو الشرعية الدولية أو الوسطاء الدوليون أو حتي مايصدر من الدولة العبرية منفردة , والتي دائماً لاتحتاج إلي غطاء دولي لأنها تضمنه ضمانة أكيدة حتي في اسوأ جرائمها !
وهذا التحول والتغيير في جغرافية الدول بمثابة التمهيد لتحريك جغرافية دول الخليج ودمجها في ثلاث دول إحداهما شيعية في الشمال والأخريين سنيتان , لتتم إدارة الصراع فيما بينهم , وفيما بينهم والغير , والتي ستنتصر حتماً من ستكون علي نفس النمط من الولاء والتبعية للدولة العبرية , وللولايات المتحدة الأمريكية .
وأخطر الأمور وأسوأها حينما تتجلي إبداعات الدولة السنية الجديدة الناتجة من رحم التفكيك والتجزئة للخليج العربي , وتكون تبعية تيران وصنافير تحت سيادتها والتي من الممكن والمتاح أن يتم التصرف فيهما بالبيع أو التأجير أو أي مسمي سياسي إقتصادي خاضع لشروط العولمة الإقتصادية وإدارة الشركات العابرة للجنسية والقارات والعابرة للقومية , ومن ثم يتم إستثمار المنطقة بكاملها لحساب غير حساب الدولة المصرية والدولة السعودية الحالية أو الدول الوليدة المتشظية من رحم دول الخليج العربي المفككة !
وفي النهاية : مازالت أم الرشراش أرض مصرية , عجزت الدولة المصرية وحكوماتها المتعاقبة عن مجرد الحديث عن مصريتها , فكيف بالحديث عن إستردادها , ومن هنا يهون شأن تيران وصنافير , وسيهون شأن سيناء في المستقبل القريب العاجل , بعد اقتطاع جزء كبير من سيناء كوطن بديل للفلسطينين في غزة , بعد توجيه ضربات قاسية للغزاويين أسوأ من الرصاص المصبوب , وحينها لن يجدوا مفراً ولامهرباً سوي الهروب لسيناء التي ستكون وطن بديل لغزة , وسيتم تقديم غزة هدية لتل أبيب , ويستمر مسلسل خيانة أنظمة الحكم المستمرة , ولن تكون تيران وصنافير سوي البداية في سلسلة التفريط والتنازلات من أجل الإستمرار في الحكم والسلطة لدولة مركزية محكومة بجناحيها الديني الرسمي والغير رسمي , وجناحها العسكري الأمني !

(1) صحيفة الأهرام المصرية الصادرة يوم الأربعاء 4 من ذو الحجة 1434 هــ 9 أكتوبر 2013 السنة 138 العدد 46328
(2) المرجع السابق
(3) صحيفة اليوم السابع المصرية عدد الأحد، 28 فبراير 2016
(4) المرجع السابق
(5) المرجع السابق
(6) الدكتور /عصام عبدالله ,مستقبل الأقليات في الشرق الأوسط , الحوار المتمدن-العدد: 2140 - 2007 / 12 / 25
(7) المرجع السابق
(8) المرجع السابق
(9) المرجع السابق
(10) المرجع السابق
(11) صحيفة الأهرام المرجع السابق
(12) المرجع السابق
(13) علي المنزلاوي. «عاصفة الحزم» مخطط «برنارد لويس» لتفتيت العالم الإسلامي . صحيفة البديل الإليكترونية عدد الأربعاء 8 أبريل, 2015
(14) صحيفة اليوم السابع المصرية عدد الأحد، 28 فبراير 2016
(15)
http://www.misralbalad.com/page.php?id=56723#.WUekWu0rJkg
وجب التنويه علي أن صالون الإدريسى أستضاف في الساعة الخامسة مساء يوم الأحد 27 مارس 2016 بقاعة المجلس الأعلى للثقافة د.السيد الحسينى أستاذ الجغرافيا المتفرغ بكلية الآداب جامعة القاهرة وعميد كلية الآداب جامعة القاهرة الأسبق ,للحديث عن المدرسة الجغرافية وأهميتها وعبقري الجغرافيا الدكتور جمال حمدان , وأدار الصالون الدكتور أحمد حسن إبراهيم .
(16) المرجع السابق
(17) المرجع السابق
(18) الهدف نيوز الإليكترونية
http://hadfnews.ps/index.php?ajax=preview&id=2205

(19) المرجع السابق



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن