دعارة مشروعة!

محمد مسافير
moussafir.med@gmail.com

2017 / 6 / 23

تتحلى كعادتها بما تيسر من الزينة، تضع الأحمر القاتم على شفتيها، والأبيض الناصع على وجنتيها، ثم تكسر نصاعته ببعض المسحوق المائل إلى الحمرة، تنثره على جبينها وأسفل عينيها الزرقاوتين، ثم تضع الكثير من الكحل على عينيها، تسرح شعرها وتجعله يتدفق على كتفيها كنهر عذب، ترتدي حذاءها ذو الكعب العالي، أسفل تنورة قصيرة جدا تكاد تظهر مؤخرتها بالكامل لحظة الانحناء، ثم قميصا أبيضا يكشف عن سرتها الموشومة برسم تنين ذو جناحين...
تتجه صوب الملهى، ترقص وتغني وتحرك نهديها، علها تغوي مترفا بين الساهرين، تسكر كثيرا ثم تنزوي بركن آخر القاعة...
كان حظها فيما يبدو عقيما تلك الليلة، ربما كان الحضور مأخوذا بالمستجدات السياسية المتسارعة ، ربما أثر الركود الاقتصادي في مزاجهم، أو أنهم بدأوا يقرفون من منظر جسدها الذي ما غاب يوما عن الملهى...
جلست وحيدة والدمع ينفلت من مقلتيها، تذكرت أخاها، وتذكرت التحدي الذي أخذت فيه، أخوها في حاجة إلى ستين ألف درهم كي يضمن الوظيفة، كان شرطا جزافيا، استطاعت توفير أربعين ألفا، ولم تستطع كسب الرهان بعد، كان أخوها هو أمل إنقاذها من شبح الدعارة، فبمدخوله المرتقب، تقول، يمكن أن يغطي مصاريف الأسرة المعدومة، فقد كانت هي من يتكلف بمصاريف الأب المصاب بالسكري وأمها العاجز عن العمل، وأخيها الذي سيتقدم أخيرا إلى الوظيفة بعد طول إنفاق دراسي...
كانت ترسل إليهم آخر كل شهر مبلغا مهما من المال، دون أن يسألوها: من أين لكِ هذا؟ كانت قد أخبرتهم أول الأمر أنها تشتغل نادلة بمقهى أجنبي، وهم يعرفون جيدا متوسط دخل النادل، لكنهم لم يجرؤا يوما على اتهامها أو سؤالها، فقد كانوا يخشون على مورد رزقهم الوحيد...
قاومت المسكينة جميع التحديات، رقصت وبقلبها غصة خانقة، ابتسمت وقلبها يكاد ينفطر، وارت حقيقتها وأظهرت ما يرتضيه الزبائن...
بعد شهرين من الاحتراق والذبول، استطاعت أن تكسب التحدي، سلمت أخاها المبلغ، واستطاع بفضلها ضمان الوظيفة...
عادت إلى قريتها الصغيرة، أملا في الكرامة والبساطة، بعيدا عن نفاق المدينة ولوثها...
توالت الأيام، ثم بدأ يتلى التقرير، مرة على لسان أمها، ومرة على لسان أبيها، ومرة تنطلق شتيمة طائشة من فاه أخيها... بدأت تعير بماضيها:
- لقد وصلتنا أخبارك، أم حسبتها لن تصل؟
- يا قحبة، عيشتينا فالحرام...
رغم ذلك، كانت حريصة على التعقل، لم تكن تبدي أي امتعاض في حضرتهم، ولا أية مقاومة، قالت في نفسها، هي لحظات ثم تنسى، ثم تنتهي وتنطوي إلى الأبد، لكن الأمر ساء كثيرا بعد ذلك...
دخل أخوها إلى البيت متأخرا ومترنحا بفعل الإفراط من السكر، بعد قضاء سمر ليلي مع بعض أصدقاءه، كانت هي موضوعه، استطاعوا إقناعه بأنها عار على العائلة، أيقضها من النوم، ثم بدأ يرسل إليها اللكمات مدرارا، يخنقها، قاومت، استسلمت أخيرا بعد أن تسلمت ضربة قوية على رأسها، كان لا يزال ممسكا بالمزهرية، حين لفظت أنفاسها الأخيرة !



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن