وشم الوجدان

هدى يونس
HODAYOUNES0654@GMAIL.COM

2017 / 5 / 30

وشّم الوجدان
هدى يونس

تداعت الأهوال عّلى .. فصمّتُ وقلت إنه الامتحان .. قبيل الأذان الأول .. أثناء الغموض الكامل للكون أصحو .. أتحدث إليه .. أعاتبه .. أبكي .. أتمرد .. حتى ينكشف الكون على مافيه .. أهرب إلى الداخل حرصًا على حمايتي من رؤية مايزيد نفوري.
ماحدث اليوم إندهشت له .. ضاعت أوراقي ومستنداتي التي تؤكد وجودي في العالم .. اين ؟ متى ؟ رتبتها منذ يومين ووضعتها في مكانها ! ..
ظللت أبحث طول اليوم في حجرة ضيقة لاتملك القدرة على الاخفاء .. سُحبٍتُ مّنها على الحاج رنين التليفون يجبرني بالسفر إلى بلدتي.
*******
ركبت عربة تشبه عربة الموتى .. صعدت سلّمها بصعوبة وجلست .. إنكمشت على نفسى .. أسندت رأسى على الكرسى وحاولت الهرب من كل مايدور بداخلي .. صوت الراديو يصرّ على مطاردتي .
سمعت صوت إمراة وموسيقى لا أحب سماعها .. أسئلتها متلاحقة .. و إجابات الأخر هادئة مستقرة ..
قالت : احكى .
قال : كنت أقود عربتى .. أعترضنى سائق دراجة وسبّني ..
ركنتُ العربة وأخرجت زجاجة بنزين وعدت مسرعًا إلى من سبٌنًي وأشعلت فيه النار.
سألته : هل هذا تصرف طبيعي؟!
: عادي جدًا !..
: هل لك أولاد ؟
: طفلان.
: ماشعورهما وأنت سجين ؟
: عادي .. أنا لست سارقًا أو متهمًا في شرفي !!
: بعد أنتهاء الحكم هل ستكرر هذا ؟
: أعتقد .. لن أفعلها ..
*******
علا صوت الراديو .. بموسيقى سمعُت حيرة الملك التائه ووزيرة في الصحراء .. رأيا رجلاً غريبًا أرجله قصيرة جدًا وقدماه كبيرتان .. وزراعاه قصيرتان .. أما يداه فكبيرتان ونصف وجهه مخفي .
تقدم إليهما وطلب منهما الدخول من بوابة السور .. وعند سؤاله أين السور ؟ .. أشار بيده .. هنا! ... إندهش الملك والوزير ولم تطل دهشتهما فقد وُجِدا السور وفتح لهما الرجل القصير البوابة .. فرأيا حديقة واسعة .. تساءلا : كيف يوجد بستان مثل هذا في الصحراء ؟! .. لم يجب ! وانسحب خارجًا وتركهما في البستان .. كانت غزالة تجري هربًا من مطاردة ثعبان وحيُةً .. عندما رأى الملك هذا تقدم وقتل الثعبان وقتل وزيره الحية ..
تحولت الغزالة أمامهما الى فتاة غاية في الحسن .. فاندهشا !! ..
طمأنتهما بأنها أميرة إبنة ملك الجان .. أما الثعبان والحية فمن مملكة الشياطيين اختطافاها من والدها وأرادا إجبارها على الزواج ..
كانت مُصرًةُ على الرفض وبقتلهما انقذت من خطر داهم .. ولهما هدية .. رفض الملك والوزير المقابل .. أصرُتً .. وقدمُت للملك فتاة جميلة وللوزير غلام اسود جميل ..
وتركتهما الأميرة ، ظهر الرجل القصير و سأل الملك: .. هل تريد قائد جيشك ؟ اندهش الملك .. ولم تطل دهشته لإختفاء القصير ورؤية قائد الجيش الذي انقذ الملك من المتاهة .
إبتسمُت بداخلي للإنقاذ غير المحقق في الواقع وتواجده في الأساطير ..

*******
إختفى كل شيء عند سماعي صوت فرملةٍ مفزعةٍ .. صرخ وإستعان كل راكب بالله أن يحميهم من مخاطر الطريق .. ومرت الدقائق .. بعدها سمعت صوتًا متسللاً فتحركت رأسي بمللٍ .. تسلل الصوت أكثر .. نظرت ناحية الصوت .. الظلام لا يظهر الملامح ..
إستمر تسلل الكلام الهامس متدرجًا إلى الإرتفاع قليلاً "أخاف من الطريق وعرباته .. ومن الليل .. لاتندهشي رغم المظهر القوي لجسدي فبداخلي طفل عمره خمس سنوات.."
لم أعلق ..
"أمي وأبي فُقِدا في حادث عربة .. مثل التي مررنا بها الآن .. تركوني بعدها وحيداً ومعذباً .. نهرتني زوجة خالي بصوت مخيف عندما بكيت قائلة : لا أحب وجود طفل يبكي وسط أولادي .. سأضعك في بيت امك وحيداً .. أيقنت أن تهديد زوجة خالي تستطيع تحقيقه ومن لحظتها جمعت صوت بكائي داخل مكان معتم في شريان قلبي وأحكمت إغلاقه بغشاء رقيق .. لايراه أحداً غيري ..وطمأنت نفسي بأنهم لو فتشوا داخلي لن يروا شيئا مما أخفيه.
كلما مرت السنوات .. أطل بحذر على المكان الصغير المعتم .. ألاحظ كبر حجمه ، أخاف و أحاول الضغظ عليه حتى يعود صغيراً .. وأتألم .. تتراكم الأعوام .. ويكبر ما أحبسه .. وذات مرة وأنا ضاغط عليه خرجت صرخة طويلة ممتدة .. حاولت إيقافها فلم أستطع وتواصلت الى أعلى .. ثم هبطت من علوها على جسدي فحولته صرخة هامسة ذات أنين ..
كل هذا وأنا مغمض العينين ..
أحسست بعدها بيد حانية تمسح وجهي .. فتحت عيناي .. رأيت أمى .. وملابسها بيضاء نقية .. إنتفضت .. وتراجعت عني قليلاً.. تعثرت في ثوبها الذي رفعته بيدها .. رأيت بقعة دم في نهايته .. وعند رؤيتها لخوفي وضعت يدها المرتعشة على مكان الإخفاء .
قائلة : لاتقلق .. أنت تكبر .. وتكبر كل أجراءك وتركتنى .
ومن يومها وأنا مطمئن لكلام أمي ".
" عندما رأيتك تصعدين العربة .. قمت مهرولاً ومددت يدي لأساعدك .. تركتِ يدي و أستعنت بمسند الكرسي .. أفسحت لك مكاناً بجواري وإكتفيت بإنكماش جسدي حتى تجلسي مستريحة ..لا تهربي .. لا تهربي ..
،،،،،،،،،،،،،،
الصوت المضطرب يدهشني ! ..
بيدى المترددة من تفسيرات بشر لا أطمئن إليهم .. ربتُ على يده ليهدأ .. برعبه الخائف أمسك يدي .. حاولت فك حصاره ولم أستطع .. تماسكت لأكون أكثر صلابة .. وأتخلى عن ضعفي الإنساني .. عجزت أمام الرعب القادم ممن يجلس بجواري منكمشًا .. وعشت معه حالته .
الجو المظلم وضوء العربات الهارب من مطاردة الطريق .. يزيد احساسي بالخوف .. تخلصت برفق من ضغط يده الخانق .. بعد أن و عدته بتحقيق مايريد .
قطع هو لحظات الصمت " الوحدة قتلتنى .. لقد وعدت بأنك ستسمعينني ..
لا تتخلى عن وعدك".
الإرهاق وتوترى المحبوس جعلني لا أنطق ..
حاولت تهدئة نفسي .. خرجت كلمات متعثرة لا أجيد صياغتها .. بعدها تسرب خروج
هادئ مسترسل لكلامي : " أنا .. أنا إنسانة أرهقها الألم من الأحساس .. أطلب من الله أن يمحوه من داخلي حتى أتوازن وأعيش مستقرة .. نشرات الأخبار تمزقني .. رؤية مصاب تفزعني .. خوف دائم على كل من أعرفهم .. رؤية جرح في يد طفلتي يربكني .. صراخي عندما أضيق يحولني بعدها إلى كتلة لوم لنفسي .. والأن أهرب بالصمت .
أرجوك لا تحدثنى عن مواجع .. قدرتي على الأحتمال فقدت" ..
" لاتهربي من وعدك .. حديثي معك لن يكون مؤلم ، وأنا قادر على سجن مايؤلمك ،أكرر رجائي لرؤيتك .."
وأنا عاجزة عن نطق وعد غير واثقة من تنفيذه ..
أمام الألحاح وضيق الوقت قبيل نزولي وعدته.. ولكن ما حدث بعدها منعني من الوفاء..
وإلى الأن وانا معذبه بوعد شخص إحتاجني ولم ألتزم بما وعدت ..
يزداد قلقي عليه كلما تذكرته ..
*******
كان حلمي لحظة وصولي إلى بيت أسرتي هو النوم والهرب من سماع أي شيء .. ولكن الذي هرب هو النوم وظلت الموضوعات تتوالى حتى آذان الفجر ..
بعدها إرتديت ملابسي وإنتظرت ظهور الضوء .. وخرجت لزيارة قبر أمي ..
في الطريق أحاول ترتيب ما أقوله عند زيارتها .. ظهرت حكايات أخرى وتشابكت داخل عقلي الذي توهج وتذكر موضوعات قريبة وبعيدة .. متناثرة ومتقاربة .. حتى حولتني إلى كتله من شتات متحرك داخل عقل سيدة مجهد لا تملك قدرة التركيز في موضوع واحد ..

******
أخرجني من المتاهة صوت حارس القبور .. فإنتبهت لوصولي اليها .. تغيرت خريطة المكان .. ظهرت مدافن حديثة مكان الأرض المزروعة .. دلني الحارث على الطريق .. وعند وصولي رأيت قبر أمي مفتوحاً .. تجمدتُ في مكاني وقبل أن أفتح فمي تكلم هو .. " الأسرة شيدت مدافن جديدة قريبة من هنا .. وأصبحت مقبرة الوالدة مهجورة بعد أن وضعت سارقة القبور يدها عليها ..
مرات عديده أغُلقها.. وفي نفس اليوم تفتحها .. أحضرت عمال المقابر الحديثة معي وأغلقناها ! ولكنها فُتحت .. حتى يئست .. لا تحزني فقد مر على وفاتها أكثر من عشرون عاما ً .. فماذا تبقى ؟ "
إنَحنيتُ أزيح التراب المتراكم أسدُ الفوهة التي إحتلتها سارقة القبور .. أُفكرُ في طريقة للحماية من السارقة وتحديها وغلق ما وضعت يدها عليه .
أضاف الحارس وهو يساعدني .. هذه ليست أول مقبرة فهناك العديد ممن إحتلته وفشلت كل الطرق لإسترداد ما أخذته .. ولم يوجد غير الهرب من المكان حفاظًا على رفات الموتى الجدد .
تنفست تراب الموتى ورائحتهم وتغطت يداي به .. بعد إنتهائي من سد الفوهة .. وقفت اتأمل الرخامة أعلى المقبرة .. رأيت إسم أمي باهتًا متاًكلاً فبكيت حال أمي وماحدث لها .. ونسيت ما جئت لأقوله .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن